الحرب على سورية إلى أين.. وحتى متى؟

 الياس فرحات

تخلط  بعض وسائل الإعلام المؤيدة لسوريا (وهي قليلة طبعا) بين إعلام التعبئة التقليدي والهجمات السياسية وبين حقيقة الأوضاع . كما أن هذه الوسائل لا تقدم عرضا مستمرا ودقيقا للأحداث الأمنية، الأمر الذي يدفع الكثيرين إلى البحث عن الخبر في وسائل إعلام المعارضة وداعميها وما أكثرها وما أغزرها، فيسقط في فخ المبالغات والأكاذيب والافتراءات التي تطلق على الفضاء بطريقة غوبلزية، أي اكذب اكذب اكذب فلا بد أن يصدقك الجمهور. في هذا الهرج والمرج تنهار معنويات وتحبط أخرى وتضيع الحقيقة عن الجمهور المؤمن بخيارات الدولة السورية والإصلاح، والنابذ للإرهاب والإرهابيين والظلاميين ومموليهم وداعميهم.

لا ريب أن  الأكثرية الصامتة في سوريا وأقطار العرب تدرك أن ما يحدث في سوريا هو إرهاب بكل المقاييس، ولا يمكن إخفاؤه ولا تمويهه رغم الأموال الطائلة التي تنفق لهذه الغاية.

في ظل هذه الوقائع.. إلى أين تتجه سوريا اليوم؟ وفي أي إطار نضع الأحداث الميدانية؟

في قراءة للوضع الميداني يمكن استنتاج ما يلي:

– ما تزال الدولة السورية موجودة وحاضرة وممسكة بمؤسساتها السياسية والعسكرية والأمنية والإدارية والاقتصادية والثقافية. ولا شك أن بعضها تعرض لأضرار بعضها بالغة، لكنها لم تتوقف عن العمل وما زالت قائمة.

– لا يزال الجيش العربي السوري جاهزا بقيادته وضباطه وأفراده رغم ما مني به من خسائر في الأرواح والمعدات وبعض المواقع. ما يزال نظام القيادة والسيطرة قائما ولم يشهد أي توقف.

– من المعروف أن وكالة المخابرات المركزية تساعد المعارضة المسلحة وتقدم لها معلومات استخبارية، وأهم هذه المعلومات متابعة تحرك قطعات ووحدات الجيش العربي السوري، ومن الواضح أن القيادة العسكرية السورية تدرك ذلك. وفي أحيان كثيرة تقوم المعارضة بهجوم مباغت على موقع معين بهدف استدراج الجيش إلى ذلك الموقع، ومن ثم ينتقل هجوم المعارضة إلى موقع آخر أهم وذلك بالاستناد إلى المعلومات الاستخبارية التي تتلقاها المعارضة المسلحة. في هذه الحالة تحتوي القيادة العسكرية السورية الهجوم وتتريث بردة الفعل كي لا تدفع قواتها في اتجاه جهد جديد وتترك مهماتها الاصلية، فتربح معركة وتخسر حربا.

ما يوضح هذا الكلام هو ما جرى في الرقة حيث تم دخول المدينة بمعونة النازحين إليها، ومن دون أن يتسنى للعشائر التدخل. قيل في ذلك الوقت أن فرقتين من الجيش مستعدتان لدخول الرقة. لم تدخل الفرقتان لأنهما إذا دخلتا فسوف يسهل على المعارضة المسلحة وداعميها إكمال السيطرة على حلب والتقدم في إدلب وخلق منطقة عازلة. لذلك ينبغي وضع ردود الفعل المتأنية للقيادة العسكرية في إطار عدم  التسرع وتغليب الاستراتيجي على التكتي المنفرد. وهذا ما يحدث  تقريبا على جميع الجبهات والذي منع المعارضة من الحسم الذي تدعيه في وسائل الإعلام.

– نشرت وسائل إعلام أميركية أنباء عن اقتتال داخلي بين فصائل المعارضة وهو ما حدث فعلا في مناسبات عديدة. إن تناقضات المعارضة المسلحة موجودة فهي تفتقر إلى قيادة موحدة وإلى أهداف موحدة، وكل فريق منها يملك أجندته الخاصة، ومن الطبيعي أن يحصل تضارب ومواجهات بين صفوفها. ومع أنه لا يجوز التعويل على هذه التناقضات، إلا أنه في الوقت نفسه لا يجوز التقليل من أهميتها، فهي تؤشر إلى أهم نقاط ضعف المعارضة المسلحة.

– من الواضح أن الدول الداعمة للمعارضة تستعجل الحل العسكري، لكنها تدرك مدى صعوبة تحقيق ذلك، لذا فإنها تصعد ما أمكن من وتيرة العمليات المسلحة ولا تأبه للأضرار التي تصيب المواطنين وتركز على إرهاق السوريين والتضييق عليهم في معيشتهم عن طريق تدمير البنى اللوجستية من سكك الحديد وباصات النقل وأنابيب نقل الغاز والنفط ومستودعات المواد الغذائية وصوامع القمح والمطاحن والمخابز، وترويع المنتقلين على الطرقات، والمضاربة بالعملات الأجنبية بهدف إحداث أكبر ضغط نفسي ومعنوي على النظام وعلى المواطنين. وتشير هذه الممارسات إلى عجز في التقدم على الجبهة العسكرية، وقد أدى ذلك إلى أضرار كبيرة لكنه لم يسقط النظام، وهو لن يسقطه مهما اشتدت الأزمة لان التركيبة السورية أثبتت أنها تستطيع التكيف مع هذه الشدائد.

– هناك مهل لاستمرار هذا الوضع وإذا لم تحصل التسوية ضمن المهل المحددة فان النزاع سوف يتوسع إلى خارج سوريا، ما يشكل خطرا حقيقيا على كيانات في المنطقة حليفة للولايات المتحدة وأهمها إسرائيل، مما يسرع لإجراء تسوية للنزاع في سوريا. أما عن مدة المهلة فإنها تتعلق حتما بمدى صبر حلفاء سوريا، روسيا وإيران، على استمرار الوضع الراهن وعدم وصوله إلى خط أحمر يؤثر على أمنهما الاستراتيجي.

من هنا يأتي كلام الرئيس الأسد إلى تلفزيون أولوصال التركي: “أن أي اضطراب في سورية سينتقل مباشرة إلى الدول المجاورة وبتأثير الدومينو إلى دول بعيدة في الشرق الأوسط ليخلق حالة من عدم الاستقرار”.

الوضع لا يدعو إلى التشاؤم واليأس، لكنه لا يدعو أيضا إلى التفاؤل المتسرع .انه الآن في مرحلة التفاؤل الحذر. لا مناص من هزيمة الإرهاب وانتصار إرادة الشعب على الهجوم غير العادي على سوريا.

:::::

أوقات الشام

http://www.shamtimes.net/news_de.php?PartsID=1&NewsID=7703