كيري… وشهران من الصمت ؟!

عبداللطيف مهنا

أنهى جون كيري جولته الثالثة في المنطقة. الجولة التي تقع ضمن مسلسلٍ يمتد لجولاتٍ قادمةٍ تترى قال أنه يزمعها، ويقال أنها قد تتوالى بمعدل كل اسبوعين. جولات حدد هدفه منها سلفاً. قال إنه “تحريك المفاوضات” بين الكيان الصهيوني والسلطة الأوسلوية في رام اللة. وهو إذ ينتوي تحريكه هذا، شدد، ومن أولها، وبما لايدع مجالاً لواهمٍ، بأنه لايحمل خطةً لهذه المفاوضات ولا خارطة طريقٍ لها… إذن، كيف سيحرِّكها، أو مالذي يريده ؟! قال إنما هدفه هو لايعدو السعي “لبناء الثقة” بين طرفيها!

… إلى هنا، وأمر كيري لا يخرج عن ماكان قد أكَّده قبله رئيسه أوباما مراراً ولايشذ عنه… فما الذي كان منه في هذه الجولة التحريكية المنتهية ؟

كان من المفترض، أو المتفق مع برنامج جولته، البدء بلقاء نتنياهو، باعتباره صاحب القول الفصل في حدود ومآلات هذا التحريك وتوجيه بوصلة إستهدافاته، بيد أن هذا كان منشغل عنه بالأعياد اليهودية التي حلَّت، فلم يجد بداً من التوجه إلى حيث تنتظره سلطة رام الله… فما الذي فعله هناك ؟

تقول مصادر رام الله أن زائرها كان مستمعاً فحسب إلى أن غادرها، وحيث انهالت عليه شكاواها لم يشفِ غليل الشاكين بما يعدهم به، أو يسجِّل على نفسه إستجابةً واحدةً لطلبٍ واحدٍ من طلباتهم، التي قيل أن من بينها، وقف “الإستيطان”، والإفراج عن الأسرى، والحصول من نتنياهو على خارطة حدود للدولة الإفتراضيه التي ستمنح لهم، أوالتي سيتم التفاوض حولها، والطلبان الأولان هما كانا الشرطين المعلنين سلفاً من قبل رئيس السلطة لعودتها للتفاوض قبل بدء الجولة… بيد أن كيري، وفي مؤتمر صحفي مع نتنياهو في نهاية جولته، قال بأن جولته التحريكية هذه قد “حققت تقدما”… ماهو هذا التقدم، إذا كانت السلطة تريد التفاوض على الحدود ونتنياهو على الأمن ويهودية الدولة ؟! هل هو ماقيل عن تحقيق “التواصل” كبديلٍ للمفاوضات بين الطرفين، وكأنما هذا التواصل كان مقطوعاً بين احتلالٍ وسلطة تحت احتلاله تنسِّق معه أمنياً ويتحكَّم في لقمتها وأنفاسها ويمنح ويمنع عليها أبسط حركة لها ؟! أم هو المقصود بالتواصل التفاوضي؟!

لقد طلب كيري ممن جال عليهم إبقاء نقاط تقدمه هذه سرية إلى أن يحين الإعلان عنها، أو عن بعضها، بيد أن هناك ما سُرِّب منها، ومنه تعهُّد الصهاينة بإطلاق سراح بعض الأسرى من بين المأسورين منذ ماقبل أوسلو مقابل تعهُّد السلطة بالحفاظ على الأمن وعدم التوجُّه إلى الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية. وهناك ما أعلنه كيري بنفسه، وهواتفاقه مع نتنياهو وابومازن على سلسلةٍ من المشاريع الإقتصادية في الضفة لمساعدة إقتصادها البائس، بمعنى ما هو متفق مع رؤية نتنياهو المعروفة، أوحله الإقتصادي للصراع، أو تصفية القضية الفلسطينية “مرة واحدة وإلى الأبد”، وفق قوله في المؤتمر الصحفي مع كيري! بقى أن نعرف أن هذه المشاريع المقصودة هى سكنية وسياحية سابقة، تقع في المنطقة المعروفة ب”ج” الخاضعة أمنياً وإدارياً مباشرةً للأحتلال، وكانت مرفوضة التنفيذ من قبله. كما لابد من الإشارة إلى أن لاأثر لحركة كيرى وتحريكيته على حركة التهويد الجارية على مدار الساعة ولم تشغل الصهاينة عن مواصلتها. لم تمنعهم عن إعلان قرار بناء خمسين وحدة إستعمارية جديدة في القدس ومركز ديني بمسمى “بيت شتراوس” في ساحة البراق كبوابة للأنفاق التي تم حفرها تحت الحرم القدسي.

الآن وقد أنهى كيري وصلته الثالثة في مسلسله التحريكي الإيهامي، منطلقاً من اللامختلف مع ما أكده أوباما قبل وبعد تبنيه الرواية الصهيونية المختلقة للصراع العربي الصهيوني على فلسطين كاملةً بلا نقصان ورفعها إلى مستوى العقيدة الأميركية الأبدية، ترى مالذي جاء به حقاً إلى المنطقة ؟!

إنه لم يعد يصعب على عاقلٍ في هذه المنطقة، التي خبرت مواقف الأمريكان طويلاً من القضية الفلسطينية وكابدت سياساتهم المعادية لعقودٍ خلت، إدراك أنه مامن علاقة حقيقية لجولة كيري بأهدافها الإيهامية المعلنة، وإنما، إلى جانب ألإيهام والتخديروالتجميد، و الحؤول دون اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة تلوح، والإفادة من الحالة العربية المزرية الراهنة، المبتلية بغياب الإرادة السياسية وفقدان المناعة القومية، لأبتزاز المزيد من التنازلات التصفوية، هى جولة تهدف إلى التغطية على ما يحوكونه ويحضرونه لسورية، وهندسة أحلاف جديدة لمواجهة إيران، يقول الصهاينة إن تركيا أسها و تضم إلى جانبهم من العرب من استبدلوأ العدو الصهيوني بالفارسي… وإلا لماذا طلب كيري من طرفي تحريكيته شهرين من الصمت ؟؟!!