القطرية ضرورة أم ضرر

“ألهيتونا عن إسرائيل!!!

عادل سمارة

“يا اولاد أل…..الهيتونا عن إسرائيل”. كان هذا في نيسان 1965 حين قالها لي ضابط المخابرات في عمان طارق علاء الدين الذي كان مسؤول التحقيق مع القوميين العرب، بينما كان فالح الرفاعي يحقق مع البعثيين، وكان رجائي الدجاني يساعد الإثنين وخاصة في شتمنا فلم نسمع من هذا الرجل كلمة مؤدبة واحدة . كان ذلك في موجة اعتقالات للبعث والقوميين العرب. لاحظوا الوحدة الوطنية، علاء الدين شركسي، والرفاعي اردني والدجاني فلسطيني، وأعتقد أن الثلاثة سُنَّة طالما نحن في موسم تسمين الطائفية والمذهبية.

“يا أل…..أليهتونا عن إسرائيل”  لا يمكنني نسيان هذه العبارة طبعا بعد أن هشم وجهي، لست أدري من اين أتته هذه الحماسة ليضرب بكل شدة! هل حقا يعتقد أننا ألهيناهم عن إسرائيل!. ولست أدري إن كان الرجل حيا يُرزق بعد أم لا. كنت معتقلا على ذمة أبطال العودة-فرع القوميين العرب. كان يضربني ويقول” فدائي… طبعا رياضي يا…”. لم يدر في ذهني حينها سوى الرد على قوله: “هل نحن الذين نلهيكم عن إسرائيل؟؟” وكأننا كنا بمجموعاتنا الصغيرة نعيق أرتال دبابات طارق علاء الدين وهي تتجه إلى يافا؟.

تُرى، لماذا لم يتغير الأردن؟ ولماذا يقرر غزو سوريا مقابل مليار دولار. فلا فرق بين غزو مباشر وبين فتح الحدود لإرهابيين من كل الأمم جرى تدريبهم في الأردن ليعبروا  من الأردن إلى أمه سوريا؟  هل يُعقل هذا؟ إذا كان هذا ثمن بقاء الدولة القُطرية فما ضرورتها وخاصة حين يصل ثمن بقائها حد اغتيال أمها!

دعونا ننظر إلى الوراء قليلاً. فهذه الدولة القُطرية تعيش بدورها. فمن لا إمكانات له هو أمام أحد خيارين:

·        إما جمع الشمل بأن ينضم الأردن لسوريا أو العراق أو تكون صلة الوصل الوحدوي بينهما بدل عقبة التجزئة.

·        أو يعيش على دوره ضد المشترَك العربي.

اقول لماذا لم يتغير الأردن؟ بل لا يمكنه أن يتغير بالمفهوم الاستقلالي والتنموي والاعتماد النسبي على الذات بإمكاناته،  مستحيل هذا. وحتى لو تم الاستثمار في الثروات التي تحدثت عنها الحركة الوطنية والمبادرة الأردنية وخاصة الصديق سفيان التل. وهو يعرف لماذا لم يتم هذا الاستثمار؟ ربما لأنه سوف يؤثر على الدور!!!

ففي عام 1941 شارك الأردن في قمع ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق إلى جانب الجيش البريطاني الذي كان يستعمر العراق، والذي اقتطع الكويت ليجعلها دولة وهي الولاية 19 من العراق. وحينما حاول الرئيس الراحل  عبد الكريم قاسم استعادتها وقفت الجامعة العربية ضده وخاصة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأرسلت قوات عربية إلى الكويت. وكانت خطيئة كبرى لا تغتفر. وها قد دفعنا الثمن حين حاول الرئيس الراحل صدام حسين استعادتها. فلو فُتحت معركة استعادة الكيانات الصغيرة حينها  لوصلنا إلى استعادة وحدة القُطريات. ربما كي نتواضع في الاستنتاج.

وفي عام 1958 أرسل الأردن جنودا إلى لبنان لمساعدة كميل شمعون الذي كان يرمي إلى إقامة دولة مارونية في لبنان على غرار الكيان الصهيوني الإشكنازي. قارنوا اليوم بين شمعون وبين بطولة العماد عون! تغير الموارنة بالمطلق، ولم يتغير الأردن.

وفي عام 1961 حينما حصل انفصال سوريا عن مصر، كان للأردن  دوره في ذلك. لم يتغير الأردن.

وفي عام 1973 شارك الأردن مع إيران الشاه وبريطانيا وسلطان عمان في قمع ثورة ظُفار التي كانت تقودها الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير ظفار. وربما لو لم تُقمع لما سقط جنوب اليمن لاحقا بل لكان ضم الشمال إليه. ونقول ثانية ربما. وسلطان عمان كان قد انقلب على أبيه. فليس وحده أمير قطر الذي انقلب بجثته الضخمة على أبيه (ففغصه). ترى، هل قاما بهذا من رأسيهما؟ أم من تخطيط المخابرات البريطانية للأول وال سي، آي إيه للثاني؟ ثم من شرح للسيد مشعل كيف ينقلب على أمه في المقاومة سوريا؟ هل هو فقط أردوغان أم حمد أم الولايات المتحدة. سوف يستشيط غضبا اصدقائي من حماس. لا بأس شباب. قبل عامين كان حديثنا جميلا برايكم. واليوم نحن كفرة.لكننا بقينا كما نحن، وأنتم نقلتم حجيج المقاومة إلى قطر، كمن ينقل حجيج مكة إلى “بيجال” في باريس. سيقول الطيبون منكم: كلام صحيح، ولكن مصلحتنا في قطر وطاعتنا للمرشد العام. لا بأس ولكن إبحثوا عمَّن يُرشد المرشد!!

وما أن سقطت منظمة التحرير في اتفاق أوسلو حتى سارع الأردن للاعتراف بالكيان الصهيوني الإشكنازي، وكأنه عاشق كان على أحر من الجمر، فما أن سقط والد المعشوقة في القبول ببيعها حتى اقتنص الفرصة. لم يتغير الأردن.

هذا ما يعرفه مواطن عربي عادي، ولكن، لا بد في الأرشيف الكثير عن ما قام به الأردن من مشاركات في الثورة المضادة على صعيد عالمي. آمل أن يكون الرقم دقيقاً، فإن للأردن 50 ألف جندي في قوات حفظ “السلام” في العالم. وهذه القوات هي في خدمة الأمم المتحدة التي هي في خدمة الولايات المتحدة بل أل Triadالثلاثي (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان) اي ضد شعوب الأرض جميعا! يكفي بهذه المناسبة أن نتذكر أنه تحت مظلة الأمم المتحدة عام 1961 تم قتل باتريس لومومبا الزعيم الكونجولي الاشتراكي  على يد المخابرات البريطانية أم15 والأميركية بتغطية الأمم المتحدة (لقد تحدث عن هذا كثيرا  الراحل بطل حرب اكتوبر 1973 الفريق سعد الدين الشاذلي الذي كان يقود قوات مصرية هناك) وحينها سحب عبد الناصر قواته احتجاجاً، وأخذ زوجة لومومبا وابنائه ليعيشوا في مصر[1]. ولا يكفي أن نذكر بأن الأمم المتحدة هي التي شرعنت تدمير العراق عام 1991 لآنه استعاد الكويت.

يقول بعض المحللين بأن الأردن لا يشارك مباشرة في العدوان على سوريا، وبأنه مضطر لما يقوم به لأنه يتعرض لضغوط من الولايات المتحدة وغيرها وخاصة من قطريات الخليج التي ترفع عنه الجلوكوز. ولكن، تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها؟

وهذا يطرح اسئلة بسيطة وساذجة من طراز سذاجتنا: إذن ما لزوم دولة لا تعيش إلا بدورها وبالدعم الخارجي وجميعه من أجل مهام ضد القومية العربية؟ ثم كيف يحمي الأردن حدود الكيان ويفتح حدوده لتخريب سوريا؟ وهل من المستحيل على السلفيين في العقبة أن يتسللوا إلى إيلات؟؟

هل يقوم الأردن بهذا انتصارا للإسلام؟ ربما، فهل الكيان الصهيوني إسلام سني وهابي سلفي! وهل الولايات المتحدة هي الدولة الأموية؟ هل يقتنع الأردن بجهاد النكاح الذي يتم تسويقه اليوم؟ وهل لا يعرف الأردن أن السوريات سبايا اليوم في الأردن لكهول اثرياء الخليج؟ هل هذا جهاد؟ ربما هناك عبقرية ثقافية انثروبولوجية في الوطن العربي نجهلها نحن في الأرض المحتلة ولم يرقى إليها وعينا!

ترى، ألم يسمع الأردن بإبداع الملياردير نجيب ميقاتي “النأي بالنفس”؟ اي على الأقل زعم الناي بالنفس؟ أم ارتعب الأردن من أن يلقى مصير ميقاتي إذا لم يطبق الناي بجوهره اي التدخل المباشر؟

ذات وقت، قرر الشعب الأردني تسيير قافلة مليون إلى الجسور للعبور إلى الأرض المحتلة. كان ذلك امرا مشرفا. أما اليوم، فلماذا لا يقرر شرفاء الأردن الانتشار في سلسلة شعبية لحماية حدود سوريا! وليستشهد البعض فربما يستفيق من وراء هذا التدخل.

بقي أن اقول: ليتني في عقل مخابرات صهيوني او فرنسي او امريكي او بريطاني  لأعرف كيف يرون ما يقوم به عرب ضد سوريا؟ ليتني أعرف كيف يقوم الضابط البريطاني بركل ضابط المخابرات السعودي او القطري في مؤخرته لأنه لم يفهم خطة إدخال مجموعة إرهابية إلى سوريا!

ليست هذه  فذلكات، فنحن هنا نعلم كيف يحترم الصهيوني المناضلين حتى وقت التعذيب وكيف يبصقون على العملاء.

ويبقى السؤال: هل الدولة القطرية ضرراً أم ضرورة؟ هذا السؤال برسم فلاسفة النفط والناتو من عزمي بشارة (القومي) إلى جلبير اشقر(صلاح جابر) إلى كنعان مكية (محمد جعفر) (التروتسكييَن) إلى فواز طرابلسي (الماركسي) إلى صادق العظم (الماركسي الذي انتهى مع  الأنجزة والعولمة- ترى هل لأجداده لأمه الطورانيين تاثيرا اتضح مؤخراً)، إلى محمد جابر الأنصاري (القُطري) الذي كتب كتابا وربما كتبا دفاعا عن الدولة القُطرية!!!! ترى هل غير رايه هو ومركز دراسات الوحدة العربية الذي طبع الكتاب؟ وأخيراً إلى برهان غليون. ترى هل لا يزال يحلم برئاسة سوريا التي حرمه منها عزمي بشارة، ومنحها للكثيرين من المعارضة الانتظارية التي والحق يقال لا تزال تستمع لتعليمات عضو الكنيست حتى وهي في دمشق وباريس!!

  أختم بما كتبه اللئيم كارل هنريخ ماركس عن الأكاديميين الألمان:” … لذلك لم يكن الاقتصاد السياسي ثمرة من أرضنا، فلقد جائنا جاهزا من انجلترة وفرنسا بصفته صنفا مستوردا وظل اساتذتنا تلامذة.”[2]. أما اساتذتنا فبعد أن تعلموا في باريس ولندن ونيويورك دخلوا تلامذة في قصور حمد وحمد. فوا ذلاه ليعرب!

ملاحظة: اقترح على الشباب والصبايا أن يقرأوا كتابات هؤلاء ليعرفوا كيف يتم السقوط كي يتحصنوا منه وضده.