العرش الهاشمي ومقامرة المصير

 ايهاب زكي

 

منذ عزل إمارة شرق الأردن عن وجودها الطبيعي كامتداد لفلسطين وسوريا والشام عموماً من خلال إتفاقيات سايكس بيكو،وكل ما رافق ذلك من صعوبات وتحولاتللوصول للشكل النهائي لجغرافيتها ولطبيعة الحكم،ومنذ تولي الأمير الفتى(الحسين بن طلال) للحكم من خلال مجلس وصاية لعدم بلوغه سن الحُلم، بعد ما عُرف بـ (انقلاب القصر) وعزل الملك طلال،كان العرش الهاشمي يعايش على الدوام هاجس المصير،وكان هذا الهاجس هو المرتكز الرئيسي لكل السياسات الأردنية الداخلية منها والخارجية، لذلك فإنه على ما يبدو أن مبدأ “التحالف مع الشيطان” قد تم اختراعه خصيصاً لهذا العرش،فالملك حسين قد تحالف مع (إسرائيل) سراً ومع الولايات المتحدة علناً إبان المد القومي العربي،قبل أن يصبح تحالفاً معلناً بعد توقيع إتفاقية وادي عربة، وتحالف مع العراق وضده ومع الكويت وضدها ومع الفلسطينين وضدهم ومع عبدالناصر وضده ومع آل سعود وضدهم.

ورغم مرور ما يزيد عن الستة عقود على تبلور الشكل النهائي للمملكة وللعرش إلا أن هاجس المصير ما زال هو المسيطر،وهو الوسيلة والغاية، فعندما يقول الملك الأردني عبدالله الثاني بأن العرش الهاشمي سيستمر لخمسين سنة أخرى فهو سيسعى جاهداً وبكل السبل للوصول إلى هذا الأمل من ناحية،ومن ناحية أخرى فهو تعبير صارخ عن مدى التوجس واليقين معاً بالزوال وإن بعد حين، وبالرغم من كل المخاطر التي تعرض لها العرش منذ إنشائه،فإن (الربيع العربي) وخصوصاً الأزمة السورية تكاد تكون الأخطر على وجوده،حيث فيما يبدو أنه سيدفع الثمن على كل الأحوال،لذلك تراه يرفض علناً ما يمارسه سراً ويرفض سراً ما يمارسه علناً،وتباين حد التناقض في مواقف مؤسساته،من القصر إلى وزارة الخارجية ومجلس النواب والأحزاب.

فالعرش الهاشمي اليوم يخشى من أن يكون ضحية التسويات الكبرى في المنطقة، فالولايات المتحدة تسعى لإعادة إنتشار لهيمنتها على المنطقة من خلال التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين،ويتم هذا من خلال العرَّابين النشيطَّين المخلّصين حد العبادة حمد قطر وأردوغان تركيا،فعلى ما يبدو فإن الإسلام الوهابي لم يعد يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة بعدما استخدمته حد الإستنزاف،وأصبحت ترى في الإسلام المعتدل “الإخواني” وسيلة أكثر تحضراً لتحقيق مصالحها في الهيمنة والثروة،وقد يكون في النوايا الأمريكية سلخ المنطقة الشرقية من مملكة آل سعود وضمها إلى مشيخة قطر،لحرمان الإسلام الوهابي من شريان حياته النفطي فيعود بدوياً إلى عمق الصحراء كما بدأه محمد بن عبدالوهاب قبل قرنين،ثم التخلص من العرش الهاشمي لصالح الإخوان المسلمين في الأردن،حيث أنهم وبالتجربة المصرية والتونسية أثبتوا كفاءة عالية على مستوى التنسيق مع (إسرائيل) والإعتراف بها،رغم فشلهم المطبق داخلياً،فيتحالف إخوان الأردن مع تركيا وقطر- حلفاء أمريكا و(إسرائيل) – وليس مع سوريا وإيران،في محاولة جادة لإنهاء الصراع العربي (الإسرائيلي) من خلال إحياء فكرة الوطن البديل.

منذ فترة ليست وجيزة تتناقل وسائل الإعلام أخبار عن معسكرات تدريب على الأراضي الأردنية برعاية أمريكية، يتم فيها تجهيز مقاتلين على أنواع معينة من الأسلحة ثم تهريبهم إلى الداخل السوري،واستمر الأمر بين النفي الرسمي الأردني والمعلومات الصحفية المؤكدة،إلى أن جاء لقاء الرئيس الأسد مع الإخبارية السورية ليؤكد عبر قنواته الديبلوماسية والأمنية وجود هذه المعسكرات رغم التنصل والنفي الأردني المباشرللمبعوثين السوريين، فسارعت الولايات المتحدة والأردن على حد سواء على أن أمريكا سترسل 200 جندي أمريكي للأردن تحسباً لأي طارئ على المستوى السوري،ورغم ذلك ظل التخبط الأردني قائماً حول طبيعة مهمة هؤلاء الجنود، ولماذا يُعلن عن إرسالهم، ثم تصريحات تؤكد الرضى الأمريكي عن الطلب الأردني بنصب بطاريات لصواريخ الباتريوت على الحدود الأردنية السورية،رغم أن القصر الأردني ما زال يصدح بضرورة الحل السياسي.

وعلى ما يبدو فإن العرش الهاشمي عندما وقع بين سنديان الإنسياق لرغبات المهاجمين لسوريا وتجنب غضبهم المالي،ومطرقة الوقوف مع الدولة السورية خشية من رد مدمر أمنياً أو عسكرياً،إختار التنقل المحسوب بين المطرقة والسنديان حرصاً على المصير، في محاولة لكسب الجميع،ولكن الأمور وصلت إلى الجدار المسدود وحتمية الإختيار، فاختار المقامرة على العرش بالرهان على سقوط سوريا، وهي لن تسقط إلا في أضغاث أوهام من عاجل العرش الهاشمي بمليار دولار كثمنٍ عاجل مع وعود أمريكية آجلة بالحفاظ على الإستقرار في الأردن، ولكن الحقيقة فإن الأردن سيدفع الثمن عاجلاً وآجلاً، وإن سقطت سوريا وإن بقيت،فسقوطها يعني أن الأردن ستصبح الإمتداد الطبيعي للإخوان المسلمين في سوريا والعرش سيكون الهدف،وإن بقيت سوريا وهي ستبقى سيدفع ثمناً تقرره سوريا كما سيدفع الآخرون.

:::::

المصدر: خاص بانوراما الشرق الاوسط

http://www.mepanorama.com/274669/العرش-الهاشمي-ومقامرة-المصير/