اميركا الخائبة..و التهويل العقيم

العميد الدكتور امين محمد حطيط

 

لم يكن اوباما يتصور ان خطته التي احكم تنظيمها و اطلقها بنفسه ضد سورية زاجا كما ذكرنا بسلاحه النوعي السياسي الثقيل محشدا لها كل دول الجوار السوري و مستعملا كل متاح وممكن من وسائل و ادوات، لم يكن يتصور مطلقا ان هذه الخطة ستلاقي المصير الدراماتيكي الذي واجته في سورية في غضون الاسابيع الثلاثة الاولى لانطلاقاتها.

و قد بات واضحا ان اوباما الذي تعتمد بلاده سياسة المعايير المزدوجة دائما و اللعب على اكثر من حبل و التظاهر بشيء و العمل بما يعاكسه، رمى من خلال خطته الى تعويض الاخفاق المتلاحق الذي وقعت فيه السياسة الاميركية في سورية بدءا باكذوبة الثورة السلمية وصولا الى اعتماد الارهاب العلني الصريح في اعتماده لاساليب القتل و التدمير، و لاجل ذلك بنيت خطة اوباما على اساس توجيه الضربة الميدانية التي اسميت حاسمة لاسقاط دمشق و وضع العالم امام امر واقع جديد يعترف فيه بالانتصار الاميركي على محور المقاومة و الممانعة و يعوض هزائمه في مواجهته منذ عقدين متلاحقين.

لكن سورية الممسكة بزمام الامور و التي و منذ انطلاق العدوان لم تهتز ثقتها بنفسها وبقدراتها و بحلفائها سارعت و بعد الوقوف على خطة اوباما الى وضع الاستراتيجية المضادة التي تمكنها من صنع هزيمة جديدة لرأس العدوان على سورية و كانت الاستراتيجية الدفاعية السورية تلك قائمة على اركان ثلاثة يعمل بها تكاملا و تدرجا بحيث تكون النتيجة واعدة ومؤكدة النجاح و عليه و انطلاقا من طبيعة خطة العدوان الاميركي المسماة خطة اوباما كانت الاستراتيجية السورية المضادة قائمة على ما يلي :

– ضرب مناطق التحشد حول المدن الكبرى قبل انطلاق المعتدين في تنفيذ هجومهم المسمى ” الهجوم الصاعق الحاسم “.

– مسك المواقع الاستراتيجية التي تتحكم بعمليات التنقل و الانتقال لتعزيز او لتعويض القوى المحضرة لتنفيذ الهجوم.

– الانطلاق في عملية تطهير و تنظيف فاعلة بما يحول مستقبلا دون اعادة تكوين مناطق تحشد و وضع خطط هجوم جديدة ضد الاهداف الرئيسية الاستراتيجية الكبرى.

و في التطبيق لم تغادر القيادة السورية منطق اعتمدته منذ بدء المواجهة الدفاعية، و هو المنطق الذي مكنها من القتال بالنفس الطويل و منع ما كان يتوخاه العدو من انهيار في البنية العسكرية و تشتت القوى المدافعة، منطق يتضمن مبادئ الاقتصاد في القوى، و سلم الاولويات في العمل، و التصرف بذهنية الفاعل الواعي دون الوقوع بردة الفعل و تجنب العمل وفقا لما يخطط له الاخر من اجل الاستدراج و الانزلاق.

لقد انطلقت القوات العربية السورية و اساسها الجيش العربي السوري الذي اذهل الجميع بقدراته و تماسكه و صلابته، و معه ما شكل حديثا تحت عنوان جيش الدفاع الوطني الذي ترفده لجان شعبية تعمل على مؤازرة القوات النظامية في اعمال الدفاع المحلي، انطلقت كل هذه القوى في عمل عسكري دفاعي يعتمد بشكل اساس قاعدة ” خير الدفاع الهجوم ” و وجهت الضربات الموجعة للجماعات المسلحة التي عول عليها اوباما للنجاح في خطته و كانت النتيجة الصاعقة في اقل من شهر رسم صورة تشكلت عناصرها كما يلي :

– خسرت القوى المعتدية مواقعها حول دمشق و ضاعت عليها فرص الهجوم الصاعق و بالتالي ضاع حلم نجاح الخطة و بات الحديث عن معركة دمشق و ساعة الحسم نوعا من الخيال والوهم حتى و انه لا يصلح لاعتماده عنصرا في الحرب النفسية و لم تفلح عمليات الاغتيال و التفجير و التدمير التي ارتكبت هنا و هناك في دمشق و محيطها من تغير شيئ في هذه الصورة.

– فقدت الجماعات المسلحة المناطق الاستراتيجية المؤثرة المتصلة بلبنان خاصة في المنطقة الوسطى و تعطل دور لبنان المستقبلي في امداد المعتدين بالمرتزقة و العتاد و ضاعت هنا ورقة استراتيجية هامة بفقدان المعتدين مواقعهم في محيط حمص و ريفها.

– ضاعت فرص المعتدين في التحكم بطريق حلب الدولي الى الداخل السوري و انطلقت القوات السورية في تنفيذ خطة القيادة السياسية في عمليات تنظيف و تطهير في ريف ادلب و فرضت على الخزان البشري للمسلحين في الشمال و المرتكز على العمق التركي، فرضت عليه التحول الى موقع دفاعي محاصر و انخفض بذلك درجة التأثير التركي في تعزيز قوى الارهابية.

– و بقي الجنوب الذي ساهم الاردن في تغيير بعض جزئيات صورته لصالح المعتدين عبر زج من دربتهم اميركا في المعسكرات الاردنية من الارهابيين و زودتهم بكل سلاح يمكنهم استعماله وفقا لظروف المعركة و لاجل ذلك كانت الخطة الدفاعية الذكية باقامة الجدار او السد الحاجز في الجنوب لوقف التأثير ثم البدء بتوجيه الضربات بما يحول دون استثمار ما يحشد في الاردن لاستعماله في العمق السوري.

هذه الصورة اذهلت اميركا حتى اسقط في يدها و في الوقت الذي كانت تتوخى فيه نجاحا ميدانيا بليغا يمكنها من فرض شروطها للحل في سورية عندما يتحلق الوفدان الروسي والاميركي في اجنماع القمة في حزيران المقبل، و جدت نفسها انها ستذهب الى طاولة تفاوض وقد خسرت حتى ما كان بيدها دون ان يكون لديها ما تهدد به او تضغط عبره على سورية وحلفائها و في طليعتهم ايران و روسيا.

لكل ذلك خلعت اميركا الاقنعة و القفزات و بعد ان كانت قد رمت بثقلها السياسي اثناء جولة اوباما رمت الان بثقلها العسكري – لكن بشكل مقيد ما يضمن خط العودة – و اعلنت عن ارسال 200 جندي اميركا الى الاردن في عنوان تعزيز القدرات الدفاعية الاردنية بوجه سورية و هي الذريعة ذاتها التي استعملتها عندما نشرت الباترويوت في تركيا، كما و اعلنت عن تحضيرها لتزويد الجمعات المسلحة بالعتاد و التجهيزات و الاسلحة غير القاتلة، في اعلان اقل ما يقال فيه انه خداع و تضليل لا ينطلي الا على البسطاء البلهاء.

و هنا ينبغي ان نذكر بان للحرب على سورية قيادة واحدة هي القيادة الاميركية و ان كل من استعمل او ما استعمل في هذه الحرب كان بامر اميريكي و ترخيص اميركي و لا يهمنا الجهة التي نفذت فالاساس هو القائد و الامر، و عليه فاننا لا نرى جديدا في البيانات الاميركية بما يؤثر على طبيعة المواجهة العسكرية، فالجماعات المسلحة امتلكت بقراراميركي و منذ سنتين كل ما يمكنها استعماله من سلاح تقليدي و غير تقليدي و لا يغير في الصورة ان تعلن اميركا انها ستدرب او ستجهز او ستمون هذه الجماعات و انها رصدت 130 مليون دولار او ضاعفتها لهم من اجل دعم الارهاب في سورية.و الامر الاساسي الذي يعنينا التركيز عليه هنا هو :

– ان الانجازات العسكرية السورية اذهلت اميركا واضطرتها للدخل مباشرة في المواجهة ممنية النفس بكبح الاندفاعية السورية و الحد من تلك النجاحات.

– ان قيام اميركا بالاعلان عن تدخلها المباشر في دعم الارهاب و اعتبارها حاضنة رئيسية له، لا يغير من طبيعة المواجهة و هو لا يعدو كونه تهويلا لن تقطف معه اميركا الا الفشل في مواجهة قيادة سورية قررت ان تنتصر مهما كان الثمن لان عدم الانتصار يعني انتهاء سورية وسورية الضاربة في عمق التاريخ لن تنتهي لهذا لن تهزم كما قال الرئيس الاسد.

– ان الاتجاه العام لنتائج المواجهة بات محسوما و ينبئ بشكل اكيد بهزيمة العدوان على سورية، و يبقى ان تستمر عمليات تنظيف سورية و تطهيرها من المعتدين مرتزقة و ارهابيين.

:::::

جريدة الثورة، دمشق بتاريخ 2242013