“كنعان” تنشر كتاب “إعترافات قاتل إقتصادي”

 تأليف جون بيركنز وترجمة بسام ابو غزالة.

 

ما يُمكنك فعله

ها قد وصلنا إلى نهاية هذا الكتاب، وكذلك إلى بداية [الطريق]. لعلك تتساءل إلى أين تذهب من بعد هذا، وما الذي يُمكنك فعلُه لإيقاف سلطة الشركات وإنهاء هذه المسيرة المجنونة والمدمرة للذات صوب الإمبراطورية العالمية؟ إنك جاهز لترك هذا الكتاب خلفك والانقضاض على العالم.

أنتَ في حاجةٍ إلى أفكار، وأنا قادر على إعطائك بعضها.

يُمكنُني القولُ إنّ في الفصل الذي قرأتَه للتوّ عن بِكْتِل وهَلِبيرتن أخبارا قديمة. وقد تبدو فائضةًً عن الحاجة حين تقرأُها. بيد أن أهمية هذه المقالات الصحفية تجوز تاريخ محتواها. وإني لآملُ أن يُغيِّر ذلك الفصلُ طريقة نظرتك إلى الأخبار، ويُساعدك في قراءة ما بين السطور في كل مقال صحفي تقع عليه عينُك، وفي التحقق من الإشارات العميقة لكل تقرير يُبَثُّ على المذياع والتلفاز.

ليست الأشياءُ في مظهرها. ذلك أن فضائية إن.بي.سي. تملكها شركة جنرال إلكترك، وإي.بي.سي. تملكها دِزني، وسي.بي.سي. تملكها فياكُم، وسي.إن.إن. جزءٌ من مجموعة إي.أو.إل. تايم وورنر الضخمة. ومعظمُ جرائدِنا ومجلاتِنا ودورِ نشرنا مملوكةٌ – ومُوجَّهةٌ – من قِبَل شركات عالمية عملاقة. إن وسائلَ إعلامنا جزءٌ من سلطة الشركات. ويعرف مكانَه كلُّ واحدٍ من موظفيها ومدرائها الذين يسيطرون على جميع منافذ اتصالاتنا تقريبا؛ فهم يتعلمون على مدى حياتهم أنّ إحدى أهم وظائفهم إدامةُ النظام الموروث وتقويتُه وتوسيعُه. وهم في هذا على مستوى عالٍ من الكفاءة، وينقلبون قساةً إذا ما عورضوا. لهذا فالعبءُ واقعٌ عليك لرؤية الحقيقة تحت القشرة وكشفها. أخبرْ أسرتك وأصدقاءك بها؛ انشرْ الكلمة.

في مقدوري أن أعطيك قائمةً بأشياءَ عمليةٍ تقوم بها. من ذلك، مثلا، أنْ تقتصد في استهلاك النفط. عام 1990، قبل غزونا العراق لأول مرة، استوردنا ثمانية ملايين برميل نفط؛ وعام 2003، في الغزو الثاني، ارتفع استيرادنا أكثر من 50 في المئة، أي إلى نيِّفٍ واثني عشر مليونَ برميل.[i] وفي المرة القادمة حين تُغريك نفسُك بالذهاب للتسوق، اقرأ بدل ذلك كتابا، أو قمْ بتمارينَ رياضية، أو مارسْ التأمُّل. صغِّرْ من حجم منزلك، وخزانتك، وسيارتك، ومكتبك، ومعظم ما لديك في حياتك. احتجَّ على اتفاقات التجارة “الحرة” وعلى الشركات التي تستغلُّ اليائسين الكادحين أو التي تنهبُ البيئة.

يُمكنُني القولُ إنّ ثمة أملا كبيراً في النظام الحالي، فليس في البنوك، والشركات، والحكومات – أو في من يُديرُها – ما هو سيِّءٌ في ذاتِه، ومن المؤكد أنها غيرُ مُلزَمةٍ بإنشاء سلطة شركات. وفي إمكاني أن أُطنِبَ في نفي الزعم بأنّ المشاكل التي تواجهنا اليوم إنتاجٌ لمؤسسات خبيثة؛ بل أعتقد أنها نابعةٌ من أفكار خاطئة حول التنمية الاقتصادية. فليس الخطأ في هذه المؤسسات عينِها، بل في فهمنا لطريقة عملها وتفاعلها بعضها مع بعضها الآخر، وفي الدور الذي يقوم به مدراؤها في تلك العملية.

يُمكن، حقيقةً، استخدامُ شبكات الاتصالات والتوزيع العالمية الفعّالة جداً في إجراء تغييرات إيجابية وخيِّرة. تخيّلْ لو أن شعارات نايْك، ومكدُنلد، وكوكا كولا أصبحت رموزاً لشركات هدفُها الرئيسيُّ إلباسُ فقراء العالم وإطعامُهم بطرق مفيدةٍ للبيئة. ليس في هذا ما ليس واقعيا أكثر من إرسال رجل إلى القمر، وتفتيت الاتحاد السوفييتي، واختلاق بيئة تحتية تتيح لهذه الشركات أن تصل إلى كل زاوية من كوكب الأرض. نحن في حاجة إلى ثورة في تعاملنا مع الثقافة، بحيث نحفزُ أنفسنا وأطفالنا على التفكير، وعلى طرح الأسئلة، وعلى الجرأة على الفعل. تستطيعُ أنتَ أنْ تجعل من نفسك مثلا يُحتذى. كنْ معلماً وتلميذا؛ ألهمْ كلّ من حولك بمثالك.

دعني أشجعك على القيام بأعمال مُحدَّدةٍ تُؤثر في المؤسسات التي تتعامل معها في حياتك. تكلّمْ في كل ندوة، اكتبْ الرسائل وتراسل بالبريد الإلكتروني، استخدم هاتفك للسؤال وللتعبير عن قلقك، صوِّتْ للمتنورين في مجالس المدارس واللجان المحلية ومجالس النواب. وحين يتوجب عليك أن تتسوَّق، افعل ذلك بوعي؛ أبدِ اهتماما شخصيا.

سأذكِّرْكَ بما قاله لي الشوارُ عام 1990: إنّ العالم كما تحلم به. وبهذا يمكننا أن نتخلّص من ذلك الكابوس القديم المتعلق بالصناعات الملوِّثة، والطرق السريعة المكتظة، والمدن المزدحمة بأكثر من طاقتها، بأنْ نحلمَ من جديدٍ حلماً مؤسَّساً على مبادئ تُقدِّس الأرض وتحترم المجتمع وتقوم على المساواة وحب البقاء. في مقدورنا أن نُحوِّل أنفسنا ونغيِّرَ مثالنا.

 أستطيع أنْ أُعدِّدَ الفرصَ المذهلةَ المتاحةَ لنا لخلق عالمٍ جديدٍ الآن: طعام وماء كافيان لكل إنسان؛ أدوية لشفاء المرضى ولمنع الأوبئة التي تُصيب ملايين الناس اليوم بدون مبرر؛ أنظمة مواصلات لإيصال الضرورات الحيوية حتى إلى أبعد بقاع الأرض؛ القدرة على رفع مستويات الثقافة وتزويد خدمات الشبكة العالمية (الإنترنت) التي يمكنها أن تتيح لكل شخص على كوكب الأرض أن يتصل بكل شخص آخر؛ أدوات لحل النزاعات تجعل من الحرب ماضيا مهجورا؛ تقانات تستكشف اتساعَ الفضاء والطاقةَ تحتَ الذرية المتناهيةَ صغراً، لتطبيقهما في تطوير مساكنَ للجميع صديقةٍ للبيئة وذاتِ كفاءة عالية؛ موارد كافية لإنجاز ما ذكرنا؛ والكثير الكثير.

يُمكنني أن أقترح عليك خطواتٍ تقوم بها فورا لمساعدة الآخرين في فهم الأزمات والفرص.

  • تنظيم حلقات دراسية حول كتاب اعترافات قاتل اقتصادي في المكتبة المحلية، أو في أي منتدى. للاطلاع على إرشاد لعمل هذا، يمكنك مراجعةُ الموقع التالي: (www.JohnPerkins.org).
  • قم [إن أمكن] بتقديم إيضاح في المدرسة الابتدائية القريبة حول موضوعك المفضَّل (الرياضة، فن الطبخ، النمل – أي شيء تقريبا)، واستخدم ذلك لتنبيه التلاميذ إلى حقيقة طبيعة المجتمع الذي يرثونه.
  • أرسل رسائل إلكترونية إلى جميع العناوين لديك، معبرا عن مشاعرك التي استثارها هذا الكتابُ والكتب الأخرى التي قرأت.

أظنُّكَ فكّرتَ بمعظم ما ذُكر. فما عليك إلا أنْ تختارَ نشاطَيْنِ يُعجبانك أكثر وتُطبِّقَهما، مُدركاً أنّ هذه جميعاً جزءٌ من التزامٍ أكبرَ بكثيرٍ علينا أنت وأنا أنْ نحمله على عاتقَيْنا. علينا أن نتعهّد بصورةٍ مطلقةٍ وحاسمةٍ بأنْ نهزَّ نفسَيْنا وكلَّ من حولنا لكي نستيقظ. علينا أن نُنصتَ إلى حكمة التنبؤات، ونفتحَ القلوبَ والعقولَ على الاحتمالات، ونغدو واعين، ثم أنْ نعمل.

بيد أن هذا الكتاب ليس وصفةً؛ إنه اعترافٌ، اعترافٌ خالصٌ وبسيط؛ اعترافُ رجلٍ سَمَحَ لنفسه أنْ يكونَ حجرَ شطرنج، قاتلا اقتصاديا؛ رجلٍ باع نفسَه لنظام فاسد لما فيه من مكاسب، ولسهولةِ تبرير هذا البيع؛ رجلٍ كان يعلم أكثر ولكنه كان دائما قادراً على إيجاد الأعذار لجشعه، ولاستغلال اليائسين، ولنهب كوكب الأرض؛ رجلٍ استغلَّ حقيقةَ أنه وُلد لأغنى مجتمع عرفه التاريخ، وكان أيضا يُشفقُ على نفسه لأنّ والديه لم يكونا فوق قمة الهرم؛ رجلٍ أنصتَ إلى معلّميه، وقرأ الكتب المقررة عن التنمية الاقتصادية، ثم تبع مثال غيره من الرجال والنساء ممن شرّعوا كلَّ عمل مُعزِّزٍ للإمبراطورية العالمية، حتى لو نتج عن ذلك العمل إجرامٌ، وإبادةٌ للبشر، وتدميرٌ للبيئة؛ رجلٍ درَّب غيرَه على أنْ يحذُوا حذوه. هذا هو اعترافي.

تدلُّ حقيقةُ كونِكَ قرأتَ إلى هذا الحدّ على أنك تستطيعُ أن تُدرك على مستوىً شخصيٍّ مهنتي، وأنّ بينك وبيني الكثيرَ مما نشتركُ فيه. لعلنا وطئنا سبلا مختلفة، ولكننا ركبنا مراكبَ متشابهة، واستخدمنا الوقودَ ذاتَه، وتوقفنا عن تناول طعامنا في مطاعمَ تملكُها الشركاتُ عينُها.

كان الاعترافُ، بالنسبة إليّ، جزءاً جوهرياً من يقظتي. وككلِّ اعترافٍ، إنه الخطوةُ الأولى إلى الانعتاق.

الآن جاء دورُك. عليك أيضا أنْ تعترف. حين تعترفُ بمن أنت، ولماذا أنتَ هنا في هذا الزمن من التاريخ، ولماذا فعلتَ ما فعلتَ – ما تفخرُ به وغيره – وإلى أين أنت ماضٍ بعد الآن، فسوف يعتريك شعورٌ مباشرٌ بالارتياح، شعورٌ بالنشوة.

صدِّقْني إنْ قلتُ لك إن كتابة هذا الكتاب كانت عاطفية جدا، وغالباً ما كانت تجربةً مُؤلمةً مُذلّة. كانت مرعبةً بطريقةٍ لم أرها من قبل قط. ولكنها فتحت نفسي على شعورٍ بالارتياح لم أخبُرْه من قبل قط، شعورٍ أستطيع وصفه بأنه انتشاء.

سلْ نفسَك هذه الأسئلة. ما الذي عليّ أنْ أعترفَ به؟ كيف خدعتُ نفسي والآخرين؟ أين كنتُ خَنوعا؟ لمَ سمحتُ لنفسي أنْ يبتلعني نظامٌ أعلمُ أنه غيرُ متوازن؟ ماذا عليّ فعلُه للتأكُّد من أن أطفالي، وجميعَ الأطفال في كلِّ مكان، قادرون على تحقيق حلُم آبائنا المؤسسين، حلم الحياة، والحرية، والسعي إلى السعادة؟ أيَّ طريق أسلكُ لإنهاء المجاعة غير المبررة، وللتأكد من أنّ يوم الحادي عشرَ من أيلول لن يتكرَّر؟ كيف أُساعدُ أطفالي على فهم أنّ من يعيشون حياةً جشعةً غيرَ متوازنةٍ يجبُ أنْ نشفقَ عليهم، ولكنْ لا يجوز أبداً أنْ نُقلِّدَهم، حتى لو قدّم هؤلاء الناسُ أنفسَهم في وسائل الإعلام التي يُسيطرون عليها وكأنهم رموزٌ ثقافيةٌ، وحاولوا أنْ يُقنعونا بأن القصور الفارهة واليخوت مجلبةٌ للسعادة؟ ما التغييراتُ التي عليّ إجراؤها في مواقفي ومفاهيمي؟ أيُّ منبر أستخدم لتعليم غيري ولأزداد علماً من تلقاء نفسي؟

هذه هي الأسئلةُ الجوهرية في زماننا، وعلينا أنْ نُُجيب عليها بطريقتنا الخاصة وأنْ نُُعبِّرَ عن إجابتنا بوضوح وحسم. ذلك أنّ بِين وجفرسن وجميعَ الوطنيين الآخرين يراقبوننا من خلفنا، ولا تزال كلماتُهم تُلهمنا إلى اليوم. إن حيويةَ أولئك الرجال والنساء الذين تركوا مزارعهم وقوارب صيدهم ومضوا قُدُما لمواجهة الإمبراطورية البريطانية، وحيويةَ الذين حاربوا لتحرير العبيد في الحرب الأهلية، والذين ضحَّوْا بحياتهم لحماية العالم من الفاشية، [تلك الحيوية] تُخاطبُنا. كذلك حيويةُ أولئك الذين مكثوا في البيت ليصنعوا الغذاء واللباس مُعطين دعمَهم المعنوي، وحيويةُ جميع الرجال والنساء الذين دافعوا عما اكتُسِب في تلك المعارك: من معلمين، وشعراء، وفنانين، وتجار، وعاملين في الصحة، وعمال يدويين … أنت وأنا.

هذا أوانُنا. لقد حان الوقتُ لنقومَ جميعاً إلى المعركة، ولنسألَ الأسئلةَ المهمة، ولنبحث في نفوسنا عن أجوبتنا، ونفعل فعلنا.

إن مصادفات حياتك، والخيارات التي اخترتها استجابةً لها، قد أوصلتك إلى هذه النقطة. …

 


[i] Energy Information Administration, reported in USA Today, March 1, 2004, p 1.