عبداللطيف مهنا
في زيارته لفلسطين المحتلة ، سار هايغل تماماً على خطى أسلافه وزراء الحرب الأميركيين في مختلف إداراتهم المتعاقبة . ولأسبابه الشخصية ، المتعلقة بما كان قد أثير من إعتراضاتٍ حول مسألة تعيينه في الكونغرس ، أوما كان من تشكيكٍ في مدى إنحيازه المطلوب للكيان الصهيونى ، زاود عليهم . لم يكتف بلازمة تكرار التأكيد الأميركي الدائم على إلتزامات بلاده الثابته بأمن هذا الكيان ، بل بزَّ رئيسه أوباما وزميله وزير الخارجية كيري ، اللذين كانا قد سبقاه زائرين ، تزلفاً ونفاقاً للصهاينة . إغتنم هايغل الفرصة لإيضاح البون المعهود بين مواقف السياسيين الأميركان خارج وظائف الإدارة وبعد تسنُّمهم لمسؤلياتها . إذ بعد ذلك ، لامن خروجٍ عن موروث المؤسسه الأميركية التليد المتعلق بالتزامها بمسلماتها الصهيونية المعروفة . بدا الزائر الأميركي الأخير للكيان الغاصب متحمساً لانتهاز فرصة زيارته هذه لمسح ماعلق بسجِّله من شبهة تبرُّمٍ ما ببعضٍ من وطئة هذا الإلتزام كانت قد سبقت تعيينه فكادت تحول بينه والوظيفة . تفانى في إثبات أنه قد وعى الدرس جيداً فاعتبر من ما لاقاه في موقعة تمرير قرار تعيينه في الكونغرس بسببٍ من بعض اعتراضاتٍ لصهاينتة ومتصهينيه . فعل أو قال كل ما بوسعه لكي ينتزع ” عفا الله عما سلف” صهيونية من تل ابيب . ربما كان مَثَله الأعلى في هذا كان رئيسه إبان حجه الأخير للكيان الصهيوني حين جهد لتبديد شبهة برود قيل أنها مسَّت حميمية علاقته المفترضة بنتنياهو .
… بتفريقه بين ماهو منه قبل وبعد اعتماد تعيينه ، أزرى هايغل في فلسطين المحتلة بامتيازٍ بتهافتٍ سابقٍ للبعضن من بني جلدتنا العرب ، حين استبشروا خيراً بطرح إسم وزير الحرب الأميركي الجديد للتعيين ، وآن طبل وزمر البعض منهم لهذا الذي عدوه مستجداً وبنوا عليه مالذ لهم من مستطاب التمنيات وعزيز الأوهام .
في مؤتمره الصحفي وإلى جانبه زميله الجنرال يعلون ، قال : “لقد كانت متعة شخصية لي أن أكون هنا في إسرائيل لأجدد الصداقة وبناء علاقات عمل مع يعلون ” . وسر هذه المتعة ، وحافز تجديد هذه الصداقة ، ومدعاة بناء علاقات العمل مع مضيفه ، فمردها ، وكما أوضح ، هو “أن دولتينا تتشاركان القيم والمصالح المتشابهة” ، بمعنى أخر عنى هنا التركيز على العلاقة شبه العضوية بين المركز الإمبراطوري الإمبريالي في واشنطن وثكنته المتقدمة في قلب المنطقة الكيان الصهيوني ، وكانطلاقٍ من اعتبارها علاقة إستثمار إستراتيجي متبادل . ومن بين هذه القيم والمصالح المتشابهة ، كما قال ، ” شرق أوسط هادىء” ، بما يعنيه الهدوء عنده من كامل الخضوع ودائم الخنوع للهيمنة المعادية والإقتناع بقدرية التبعية والإستجابة لإملاءاتهما . وعليه ، يقول هايغل ، ” فالولايات المتحدة أوضحت أننا ملتزمون بأن نزوِّد إسرائيل بما تحتاج لكي تحافظ على تفوَّقها الأمني” ، وعلى تمكينها من “امتلاك القدرات لمواجهة الواقع المتغير” … كيف؟ هنا بالإضافة إلى ما هو المعهود المعروف ، يعدد : “بما في ذلك القبه الحديدية ، حيتس ، وعصا الساحر” … وماذا أيضاً ؟
يلخِّص ذلك بقوله : “إننا خطونا خطوة مهمة ، فيعلون وأنا اتفقتا على تسليم إسرائيل راداراً للطائرات الحربية ، وطائرات تزوُّد بالوقود في الجو ، وطائرات 7,22 “أوسفري” للشحن ، التي لم نزوِّد بها أي دولة أخرى حتى الآن . وهذا يضمن لإسرائيل تفوُّقاً في المستقبل ويسمح لسلاحها الجوِّي بإمكانيات بعيدة المدى” … وختاماً لما عدده في خطوته هذه لم يفته التنويه إلى كونها “تثبت أن الشراكة الأمنية بين إسرائيل واميركا هي أقوى من أي وقتٍ مضى”… وانسجاماً مع هذه الشراكة ، حلَّق مع زميلة يعلون بمروحية فوق الجولان السوري المحتل . وكان منه أن أكملها فيما بعد في ختام زيارة الشراكة هذه عندما تعهَّد لنتنياهو بأن “نبقى أقرب من أي وقتٍ مضى” ، وحين أكَّد له بإنه شخصياً ” ملتزم بمواصلة منظومة العلاقات” التي مر تبيانها “وضمانها” … وأكثرمن هذا ذهب إلى اعتبار”إسرائيل قدوة للعالم” !!!
… كان هايغل هذا ، وفي كل ماقاله إبان زيارته لفلسطين المحتلة ، صريحاً وواضحاً وصادقاً مع نفسه ، ومنسجماً تماماً مع تليد سياسات بلاده في المنطقة ، وحيال ربيبتها وثكنتها المدللة … باستثناء بعضٍ من قولٍ كان للإستهلاك الإعلامي الذي لايعتد به ولايصدِّقه إلا ساذج ، وهو ماقاله وهو في طريقه للكيان وكرره بعد حلوله ضيفاً على صهاينته ، ومفاده أنهم وحدهم هم من يقررون فيما إذا سيهاجمون إيران بداعي الحؤول بينها وبين مواصلة برنامجها الننوي ! كذب الزائرالمتزلف هنا ، فالثكنة في خدمة المركز لاتقدر وحدها أولاً ، ولاتجروء ثانياً ، على الإقدام على هكذا أمر دون إذنٍ ومشاركةٍ من مركزها .