تأليف غريغوري وِلْبيرت وترجمة بسام شفيق ابو غزالة.
نُقل هذا الكتاب إلى اللغة العربية عن الكتاب التالي
Gregory Wilpert
CHANGING VENEZUELA
BY TAKING POWER
The History and Policies
Of the Chavez Government
New York, Verso Books, 2007
مقدمة المترجم
قبل أن أقرأ هذا الكتاب، كنتُ أسمعُ بالرئيس الفنزوليِّ هوغو تشافيز كزعيمٍ تحرّريٍّ تقدّميٍّ مؤيِّدٍ للقضايا العربية وقضايا شعوب العالم الثالث. ولا أظنُّ عربياً مخلصاً يُمكنُ أنْ ينسى أنّ فنزوِلا، ومعها بوليفيا، كانتا الدولتين الوحيدتين في العالم اللتين قطعتا علاقاتِهما بالدولةِ الصهيونيةِ على أثرِ اعتدائها الوحشيِّ على قطاعِ غزةَ في كانونَ الثاني 2009. لهذا كنتُ أحترمُه من بعيد. لكني أعترفُ أني لم أكنْ أعرفُ عنه الكثيرَ حتى أُتيحت لي فرصةُ قراءةِ هذا الكتاب. بيدَ أنّ هذا الكتابَ لم يُعرِّفْني بتشافيز حسبُ، بل جعلني أتعلَّقُ به تعلقي أيامَ الشبابِ الأولى بخالد الذكر، جمال عبد الناصر. فقد رأيتُ تشابهاً كبيراً بين هذين القائدين في أن كلا الرجلين خرج من وسط قومِه، عاقداً العزمَ على خدمةِ شعبِه ووطنه، مُنكِراً ذاتَه إنكارَ الرهبان. وكلا الزعيمين تعلّق به الفقراءُ إذ كان همُّه انتشالَهم من الفقر وأسبابِه. وكلاهما حاول تحريرَ بلدِه من سطوةِ الطبقةِ الحاكمةِ الفاسدةِ في الداخل، وسطوةِ الإمبريالية في الخارج، مع اختلافِ ظروفِ كلٍّ منهما. وكلاهما وُهِبَ جاذبيةً جماهيريةً ساحرةً عزَّزَها الصدقُ والإخلاص.
تبنَّى تشافيزُ الاشتراكيةَ ونسبها إلى سيمون بوليفار، أحدِ المناضلين في سبيل تحرير أمريكا الجنوبية من ربقة الاستعمار الأوربيِّ، مُطلقاً عليها اسم “البوليفارية”، قائلاً ذات يوم لصديقه فِدِل كاسترو، الذي يَعُدُّه مُعلِّماً له ومثالا يُحتذى، “ما تُسمُّونه في كوبا اشتراكيةً نُسميه في فنزوِلا بوليفارية.”
يؤمن تشافيزُ بضرورةِ تعاونِ دولِ العالمِ الثالثِ، لأن نتيجةَ شراكتِها مع دولَ العالم الأول ستُبقي للأخيرة اليدَ العليا. كذلك يؤمنُ بضرورةِ وحدةِ دولِ أمريكا اللاتينية، لأنّ قوتَها في توحدها أمام جبروتِ الولاياتِ المتحدة، التي ما فتئت تتآمرُ عليها لتُبقيَها خاضعةً لها.
يؤمنُ تشافيز بالديمقراطية، طبعاً، فهي التي حملته إلى كرسيِّ الرئاسة. بل إن فنزوِلا تُعَدُّ أطولَ ديمقراطيةٍ في أمريكا اللاتينية. لكنّ هذه الديمقراطيةَ، قبل تولِّي تشافيزَ الحكمَ، كانت ديمقراطيةً قمعيةً، يتنافسُ فيها على الحكم حزبان رئيسيان، هما حزبُ العمل الديمقراطيُّ والحزبُ المسيحيُّ الديمقراطيّ، اللذان كانا دائماً يُمثِّلانِ الصفوةَ الثريةَ التي تترفّعُ عن عامةِ الناسِ الفقراء. لذلك، حين فاز تشافيز برئاسةِ الجمهوريةِ أسماها الجمهورية الخامسة، نأياً بنفسِه عمّن سلف من الرؤساءِ والسياسيين المُتكبِّرين الفاسدين.
أدرك تشافيزُ مثالبَ الديمقراطيةِ التمثيليةِ التي تحتكمُ إلى صناديقِ الاقتراع، ويفوزُ فيها الأغنياءُ وممثلو المصالحِ الاقتصاديةِ الكبرى بما أُوتوا من نفوذٍ ومالٍ يُنفقونه في الدعايةِ، مما يؤدِّي إلى ما أسماها ماكْس وِبَر “الدكتاتوريةَ المُنتخَبة”. لذلك سعى إلى إقامةِ “ديمقراطيةٍ تشاركيةٍ” تُشركُ الشعبَ إشراكاً حقيقيا في حكم نفسِه. وقد نجح تشافيزُ في أنه حرّك جماهيرَ الفقراءِ التي كانت مُغيَّبةً عن السياسةِ إذ كانت حكراً على الصفوةِ الغنية.
كذلك أراد تشافيز أن يستفيدَ من فشلِ أنظمةِ الحكمِ الاشتراكيةِ في القرن العشرين، فابتدع ما أسماها “اشتراكية القرن الحادي والعشرين”، محاولاً إضفاء الإنسانيةِ على اشتراكيته الجديدة، مُحدِّداً مُثُلَ هذه الاشتراكيةِ بأنها مُؤسَّسةٌ “على التضامنِ، والأُخوّةِ، والمحبةِ، والعدالةِ، والحريةِ، والمساواة.” إنها اشتراكيةُ تضعُ “الإنسانيةَ لا الآلةَ أمام كلِّ شيء،” وتُمثِّلُ “الإنسانَ لا الدولة.”
يستفيضُ هذا الكتابُ، بطبيعة الحال، في تحليلِ تجربةِ فنزوِلا في “الديمقراطية التشاركية” وفي “اشتراكية القرن الحادي والعشرين.” إنها تجربةٌ لا تزالُ في مرحلةِ التجريب، فتُصيبُ أحيانا وتفشل أخرى، لكنها تجربةٌ رائدةٌ تستحقُّ الدراسةَ والمتابعة. ولعلّ النكساتِ التي مُنيت بها الرأسماليةُ حديثاً تؤكِّدُ صحةَ مقولات المُنظِّرين الاشتراكيين.
لا شكّ في أنّ الباحثَ غريغوري وِلْبيرت، مؤلِّفَ الكتاب، يميل إلى امتداح تشافيز ونظام حكمه. لكنه، كأستاذ جامعيٍّ، يلتزم الحيادَ التامَّ في وصفِ تفاصيلِ هذه التجربةِ الرائدة، عارضاً ومحللاً إيجابياتِها وسلبياتِها على السواء، فلا يمتدحُها إلا بعد تحليلٍ بيِّنٍ صارم.
بسام شفيق أبوغزالة
عمّان: حزيران 2012
****
شكر وتقدير
استغرق تأليفُ هذا الكتابِ مدةً طويلة – خمسَ سنوات. كانت الفكرةُ قد خطرت لزوجتي ولي سنةَ 2002، بُعيدَ محاولة الانقلاب، إذ ظننا، بعد أن لفت الانقلابُ انتباهَ العالمِ إلى فنزويلا، أنها ستكونُ فكرةً حسنةً أن أكتبَ مراجعةً عامةً لما فعلتْه حكومةُ تشافيز منذ توليها الحكم. بيد أني وجدتُ العملَ ككاتبٍ حرٍّ أكتبُ كتاباً من غير أتعابٍ أصعبَ كثيراً مما تصوَّرتُ. فكَّرتُ بادئَ الأمرِ في أن أجمعَ مقالاتي عن فنزويلا في كتاب، لكنّ هذه الفكرةَ لم تكن صالحة. لهذا، أخذتُ أكتبُ الكتابَ في وقتِ فراغي بين أعمالي ككاتب حرّ. نتيجةَ ذلك، وبسببِ ظروفٍ مختلفةٍ لم تخطرْ ببالي وكانت عصيةً على السيطرة، استغرق إنجازُ هذا الكتاب أطول مما توقعتُ أصلا.
مع هذا، ها هو ذا الكتاب! وأولُ من يتوجَّبُ عليَّ شكرُه شكراً جزيلاً بعد أنْ رأى هذا العملُ النورَ هي زوجتي، كارول دِلْغادو. فمن غير دعمِها الأكيد، واقتراحاتِها الناقدة، وتفانيها، وإيمانِها، وصبرِها، وحبِّها، ما كان له أنْ يُنجَز. إنه كتابُها، ولولا حقيقةُ أنني من يتحمَّلُ في نهاية المَطافِ مسؤوليةَ ما في هذا الكتابِ من هنات، وجب أن يكونَ اسمُها على الغلافِ أيضا.
لقد ساعدني خلال هذه السنوات آخرون أيضاً. هنا عليَّ أن أذكر بشكلٍ خاصٍّ الكثيرين، الكثيرين من الفنزويليين، العاديين منهم والقادة، من معارضي الحكومة ومؤيديها، ومن الحياديين (الذين لا هم مع تشافيز ولا ضده)، الذين سمحوا لي بمقابلتهم أو بالكلام معهم بشكلٍ عَرَضيٍّ حول الكتابِ. إنهم أكثرُ كثيراً من أن أذكرَهم، وأخشى أن أنسَى الكثرةَ منهم لو أني فعلت، لأن بعضَ هذه المقابلات والمحادثات جرت قبل سنين طويلة. مع هذا، فالكثرةُ من المقابلات قد تمَّ تدوينُها على هذا الموقع في الشبكة العالمية: (www.venezuelanalysis.com).
من الآخرين الذين ساعدوا بشتى الطرق على دفع مشروع الكتاب قُدُماً، أكان ذلك بالمناقشات أم بالدعم العملي، أذكر (من دون ترتيب خاصّ) ألِكْس مين، وإيفا غولِنْجَر، ومارْتا هارْنِكر، ومايكل ليبوفِتْس، ومارتِن سانْشيز، وإدْوارْدو دازا، وجوناه جِنْدِن، وشَرميني بيريز، وطارق علي، ومايكل فُكْس، وسيمون باريبو، وكْرِس كارْلْسُن، وسْتيفِن ماذر، وألكس هولنْد، وسارة واغْنر، وأنسبائي: إزابِل، وغريسيا، ولويس-مِغوِل، ومارغَرِتا، ولويس، ووالديَّ: بيرْنْهارْد وكزارينا.
كذلك، في مواضعَ مختلفةٍ من المشروع، هناك عدةُ أشخاصٍ قاموا بمراجعةِ بعضِ الفصولِ أو المخطوطةِ كلِّها؛ فأنا مدين لهم بالشكر لهذا العناء، وفي حالاتٍ كثيرةٍ لإعطائي نصائحَ لا تقدَّرُ بثمن. من هؤلاء راؤول زِلِك، وبيري أنْديرْسن، ومايكل ألْبيرت، وثلاثةُ مراجعين لا أعرفُ أسماءهم أتت بهم [دار النشر] فيرسو، وكذلك زوجتي كارول. لقد حاولتُ الالتزامَ بمقترحاتِهم ما أمكن الأمر، لكنني لم أتمكَّنْ دائماً من فعل ذلك، أكان لعنادٍ مني أم لعدم فهم.
غريغوري وِلْبيرت
كاراكاس، 10 تموز 2007
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.