عادل سمارة
الأرض ليست ملكا للحاكم حتى لو كان منتخباً بأيٍّ من ألوان الديمقراطية من أثينا إلى السويد. الحاكم مسؤول عن حماية الأرض ليس أكثر. يمكن أن يكون ديكتاتورا، ولكن ليس بوسعه أن يتنازل عن الأرض أو يتبرع بها. فكيف بحال أمير قطر وهو يتبرع بأرض قُطْرٍ عربي آخر، أرض دونها حز الحلاقيم!. أية درجة من الافتئات الذي لا يقل قط عن عدوان الكيان الصهيوني. على ماذا يستند الرجل؟ ما هو تراثه في اي مستوى؟ وما الذي دفع وزراء خارجية الحكم الذاتي والأردن وغيرهما والجامعة العربية ليباركوا ذلك! إذا كان المال وراء هذا الذلِّ، فلا شك أن هذا معيار لقيمة المال لم يعرفه تاريخ!
إذا كان الحاكم/السلطة السياسية مخولا بالتفريط في الأرض، فما الذي يمنع من تطبيق المعيار على الحاكم الصهيوني باغتصاب الوطن….؟ أليس حاكماً؟ هو محتل نعم. ولكن من قال أن حاكم قطر ليس محتلاً، ليس فقط لأنه طرد اباه، بل لأنه مفروض على الناس بالسيف. وعليه، كل من يقبل بحاكم تنازل عن أرض وطنه أو أرض قطر آخر، يكون قد مارس نفس التنازل بل اخطر لأنه أضفى شرعية على تورط الحاكم.
للحاكم غير الصهيوني سلخ الريع، والنهب الضريبي، وحتى زعم الحق الإلهي، ولكن على صعيد السلطة وليس على صعيد الحيز! المألوف في تاريخ الأمم سحق حيز الغير، وليس التواطؤ بالتفريط بالوطن. أما حين يتحول رجل الدين والمثقف إلى مبررين ومؤيدين لما يقوم به الحاكم فهذا يجعل الأمر أخطر ويزيد من مرارة الأسئلة ويفتح الصراع تناحريا بين السلطة ومثقفيها (الدينيين والثقافيين) والمجتمع، بل والأمة باسرها.
تتفق مع رجل الدين أو تختلف معه، ليست هنا المشكلة. المعضلة حينما يتحول رجل الدين أي المثقف الديني إلى تابع للسياسي بدل أن يكون ضد السياسي أو أقله على الحياد. أما أن يتحول رجل الدين إلى مروج لنظام حكم كما يفعل الشيخ يوسف القرضاوي، وعلى حساب شعب آخر، فهذا أمر لا علاقة له بالدين، بل بالدنيا، وتحديداً بدنيا الدول التي تُدير إمارة قطر، وهي حقا ليست حكومة قطر.
كيف نقرأ زيارة الشيخ القرضاوي لغزة بعد أن أعلن حاكمها أنه يتبرع بأرض فلسطين للكيان الصهيوني؟ وكيف لا نفهم هذه الزيارة الاغتصابية إلا على ضوء تقديم تمويل لسلطة غزة يتبين لمن كان طيب النوايا أنها كانت رشوة لاغتصاب صمتها حين يمارس أمير قطر الفحش الأفظع ضد فلسطين. بعد ان استبدلت قيادة حركة حماس موقعها في الشام بين قوى المقاومة والممانعة بالاحتماء في قصر يقع بين السيلية والعيديد! لا بأس، يُمكن شراء الساسة والحزبيين، ولكن لا يمكن شراء الوطن؟ وها هي قيادة حماس أمام الاختبار، بلا مقدمات وبلا رتوش، ومع ذلك نتمى لها غضبة مضرية تتجلى في قطع العلاقة مع قطر والسعودية وريع النفط وإعادة عبور صواريخ الكورنيت من الأنفاق. والأهم أن هذا السؤال برسم قواعد حماس وشعبنا في غزة. اللهم إلا إذا كان هناك قول مقنع للناس بأن في رأس أمير قطر عبقرية دبلوماسية تتجاوز ما بعد الحداثة سوف نشقى كي نفهمها!
لقد مهدت قطر لدورها الأشد خطورة اليوم في كثير من الأقطار العربية بهدايا وأعطيات وجمعيات خيرية وتمويل حتى مدن مثل الروابي قرب رام الله، ناهيك عن كثير من الاستثمارات التي قد تشتري طبقات ولا تشتري شعباً. كل هذا لم يكن بريئاً، بل لم يكن حتى استثمارا راسمالياً كالمالوف، فجميعه مقابل صمت جبان عن التطبيع القطري مع الكيان عبر الجزيرة والتجارة، ثمن لا بد من دفعه، وها هو يُدفع ليس عبر الصمت على التبرع بارض فلسطين للكيان، بل كذلك عبر مجيء شيخ مشايخ البلاطات العربية ليغسل أدران ما قام به أمير قطر، ولسان حاله، وربما لسانه سيقول: وماذا تريدون غير المال! فليرد عليه الرجال إذن، ولترد عليه الحرائر ايضاً.
وهذا يدفع لسؤال حركة حماس التي دارت حول الجريمة بتصريحات خجولة ضعيفة لم تمر على بسطاء القوم مثل رفض ما قام به وفد الجامعة العربية في واشنطن. بصراحة، هذا تذاكٍ مكشوف في عصر الصوت والصورة، بل هو كفر بقرار. أليست حركة الإخوان المسلمين التي قالت بأن “فلسطين وقف إسلامي” هل اصبحت فلسطين وقفاً إسلامياً يهودياً؟ لتصبح غدا وقفا يهودياً بحتاً كما قال أوباما؟ أين ذهب هذا الشعار؟ هل تم شراء صمت الإخوان بالمال كي يحتفظوا بالسلطة؟ والسلطة لا تورث أرضاً. يبدو أن الإخوان تأخروا في كل شيء عن التاريخ وحينما وصلوا السلطة كانت مرحلة المعلومة للجميع وبالمطلق قد أُتيحت لأفقر فقراء الكوكب. سيظل سؤال الوطن معلقاً على جدران اللحظة، ومهما تم غض الطرف عنه، سيبقى كالشمس.
وليست سلطة رام الله ببعيدة عن فِعلة أمير قطر وعن كل ما قلناه في هذه الأسطر. فلقطر الكثير من التكايا والجمعيات والأنشطة المريبة باسم الاستثمار، والأخطر أن أمير قطر حينما تبرع بأرض وطننا كان بحضور سلطة رام الله لا غزة وبرضاها. فهل تلوم السمسار (سمسار سياسي هذه المرة) طالما أنت تعرض الوطن للبيع؟ وهو لم يمارس فعلته من رأسه. فمتى تخرج الناس لتنظيف البلد من أوبئة المال القطري وغير القطري؟ متى يتم تفكيك مفاصل شبكة التخريب القطري للوعي وللكرامة، وليجوع بعض من اعتاشوا عليها.
والنسخة العلمانية للشيخ القرضازي هو د. ي عزمي بشارة والذي يتصرف وكأن لا علاقة له بحاكم قطر حيث يبدو بشارة كمثقف يدير مركز أبحاث، وخرج من فلسطين المحتلة كعضو كنيست وضاقت به أرض العرب وألمانيا التي تعلم فيها ولم يجد “واحة سوى دوحة قطر! فهل يُعقل أن عزمي بشارة يتمول من الصومال مثلاً؟ وهل ينفق على صفوف المثقفين الذاهبين إليه للتمول من ميزانية جزر القمر؟ الممتدين من جامعات الفضة الغربية وبعض الموشافات في الكيان إلى الدوحة؟
لا ننكر أن أكثريتنا الساحقة قد خُدعت ببراعة التأهيل الإمبريالي الصهيوني عبر قناة الجزيرة لتحويل الشيخ القرضاوي إلى “علامة” الأمة، وهو الأمر الذي امتطاه أيما امتطاء. وعبر الجزيرة كان تأهيل عزمي بشار ة ليكون المفكر العربي الوحيد.
ولكن، لماذا التركيز على زيارة الشيخ القرضاوي لغزة، رغم أن كثيرين زاروها من العرب وغير العرب بمن فيهم أمير قطر؟
وبالطبع لم يعد خافيا أن اي زائر لغزة يُؤذن له من الكيان الصهيوني وحده، أما حاكم مصر فليس سوى وسيط. فمنع قيادات الجهاد الإسلامي عبر حكومة مصر لم يعد خافيا على أحد. لذا، يحمل كل من زار غزة عن غير طريق الأنفاق وزر التطبيع مع الكيان. وعليه، دعك من عنتريات الخطابات على أرض غزة. بل إن الوحيد الذي يستحق التقدير على زيار غزة هو السلاح ومن صنعه وتبرع به وحمله. وليس التقدير لمن يصنع الفتنة والسلفية .
بعيداً عن التطبيع، فالشيخ القرضاوي ليس شيخ بلاط وحسب بل بلاطات ، فهو داعية فتنة بين الناس بل بين الخليقة. لقد اوغل الرجل وتغوَّل حتى أفتى بقتل 8 مليون سوري كثمن مقبول “برأيه” لإسقاط النظام السوري ووصل الإخوان إلى السلطة. والإخوان يعلنون التلاقي مع الكيان. وعبر فتوى القرضاوي فُتحت أبواب جهنم في سوريا، فتدفق التكفيريون من مختلف أصقاع العالم الإسلامي لممارسة الذبح .
دعنا نقول بأن الفقراء في سوريا الذين أكلت من جلودهم السياسة اللبرالية الجديدة، مفهوم قيامهم ضد النظام حتى دون أن نسأل كيف قاموا، وما الذي مارسوه. ولكن، ما الذي يدفع الشيشاني والصومالي والفرنسي للانتقام من الشعب السوري؟ بل أكثر ما الذي يدفع فيالق من المثليين للتورط في الدم السوري؟ ما الذي يدفع مجاهدات النكاح إلى التورط في سوريا؟ وكل هؤلاء يُجلبون من قبل المخابرات المعولمة: صهيونية امريكية تركية قطرية سعودية فرنسية بريطانية…الخ؟ منذ متى يُسمح لعناصر القاعدة بالحراك الحر على صعيد دولي إلا لأن الوجهة سوريا.
ما الذي يحمله رجل الفتنة إلى غزة غير الفتنة؟
ومن الذي يمنع المواجهات بين الناس في غزة مع مجييء رجل مفسد وليس مجرد رجل خلافي؟
هل ينقص غزة فتنة سياسية تنظيمية وحتى فكرية؟
ما الذي سيقوله قرضاوي بعد أن قام أمير قطر بتجديد وتوسيع وعد بلفور للكيان الصهيوني، طبعة قطرية/عربية؟ لو كان قرضاوي قد استنكر عدوان الأمير على فلسطين وهرب من هناك لفتحنا له بيوتنا.
إعتدى القرضاوي على سوريا، وخربها أكثر مما خربها الكيان. إن جميع المستجلبين إلى سوريا هم صهاينة بوعي او بجهل. لذا، فإن سوريا تقاوم عدوانا لقطر فيه النصيب الأكبر. وفي الوقت الذي قام الكيان بضرب دمشق قام أمير قطر بضرب فلسطين بوعد بلفور، فكيف للقرضاوي أن يخرج من الدوحة إلى غزة؟ ماذا سيقول للناس؟ ما هي الفتوى في هذا المستوى؟
لقد بدأت الاحتجاجات على زيارته منذ الأمس، وقامت شرطة حماس بالاعتداء على مناضلي الجبهة الشعبية الذين تظاهروا تضامنا مع سوريا، فما الذي سيحصل حينما يتظاهرون هم وغيرهم رفضا لزيارة شيخ الفتنة؟ ماذا ستقول حكومة غزة؟
أليست زيارته فتنة مقصودة؟ وهل هذا ما تحتاجه غزة اليوم؟ والعدوان كل يوم على الأبواب؟ هل أتى الشيخ القرضاوي لتقتتل الناس ذاتياً كما يحصل في سوريا ولكي يكون الحصاد للاحتلال؟ هل أصبح أمير قطر في عجلة من أمره! هل المسألة تعويض هزيمة الصهيونية والغرب في سوريا بتحويل غزة إلى مستودع غاز وفرّاخة لسلفية تكفيرية؟