عادل سمارة
إعتراف: إنطلقت المقاومة المسلحة في الضفة والقطاع فور هزيمة 1967، وكمواطن عادي حتى اليوم، تحولت من عضو في ابطال العودة إلى عضو في الجبهة الشعبية، شاركت وكنت أعلم أننا لن نهزم العدو دون واقع عربي مختلف، ولكنني واصلت لأنني أؤمن أن الحياة مقاومة وبأن الأمم لا تموت. هذا هو القدر. وحينما بدأت حرب الاستزاف اقتنعت أكثر بموقفي لكن السادات هدم كل شيىء. أما اليوم، فإنني مقتنع أن مشروع العودة قد بدأ، ولا معنى لقياس…متى يُنجز. وإليكم المعنى.
لن تهدأ هذه المنطقة والكيان الصهيوني فيها. ولن يسقط الكيان وتتحرر فلسطين والمركز الغربي قوي، ولن تتحرر الأمم دون تعدد القطبيات، وكما أن لا تحرير وتحرر بلا سلاح، فلا تنمية إلا تحت هدير الدبابات.
مرة، بعد مرات، يجدر التأكيد بأن وجه المنطقة قد تغير، فلم يعد وجهها الرسمي وحده الذي يقودها ويُهينها ويُذلُّها. أصبح معسكر المقاومة والممانعة ليس فقط موجودا، بل منافساً، وأكتشف ان لا مجال له سوى التحدي لا سيما ومعسكر الثورة المضادة المحلي يُمعن في هجوم قد ياتي حتى على التراب ولصالح الأعداء.
ما سمعناه من نائب وزير خارجية سوريا وأكده باستفاضة سماحة سيد المقاومة دفع الذهن للسؤال: ماذا قال بوتين ل جون كيري وماذا قالت الصين لنتنياهو؟ ويدفع للسؤال: لماذا قدم وزراء خارجية معظم العرب وعد بلفور جماعي للكيان في لحظة تثير الاستغراب؟ وماذا قالت إيران لسوريا، وماذا قال الشيخ القرضاوي للشيخ هنية…؟ أسئلة تفتح على ما هو آتٍ.
صمود على حافة استدخال هزيمة:
قد يثير هذا الحديث غضب الكثير من الأوفياء. تذكروا جيداً بعد اغتصاب فلسطين 1948 تواصلت المقاومة الفلسطينية بشكل سري من الأردن وبشكل علني من سوريا (بقيادة عبد الحميد السراج) ومن غزة (تحت الإدارة المصرية بقيادة المقدم مصطفى حافظ) وهو ما قاد (إلى جانب تأميم قناة السويس إلى عدوان 1956، وكلها كانت مقاومات وطنية وقومية لم تشارك فيها قوى الدين السياسي. واذكر أم رجل من حزب التحرير كان علمني في الإعدادية، ولولا أنه تُوفي لكتبت اسمه، التقاني بعد حرب 1967 في ميدان المنارة في مدينة رام الله وقال مدافعاً: “لا نضال في ظل احتلال”. أدهشني ذلك حيث سمعته لأول مرة. ولم يكن موقف الإخوان غير هذا. ولذا جاء حملهم بالمقاومة متأخراً.
أما دول وإمارات الجزيرة والخليج فكانت في معسكر الثورة المضادة بالفطرة ومن ثم بالدور وكانت تبني وتقوي جبهة الوهابية والتكفير المرتبطة بالمركز الإمبريالي والمضاد للقومية العربية حتى اليوم/ وقد اضافت إليها إيران الثورة ولم تكن قد أضافت إيران الشاه. كيف لا وهي مع التشيع الشاهنشاهي وليس العلوي. ويكفي ان الملك عبد العزيز آل سعود كان قد قال: “لا علاقة للنفط بالسياسة”، ولم تختلف الأنظمة الأخرى عن هذا، والكثير من القطريات كانت تحت الاستعمار المباشر.
ثم كانت وحدة مصر وسوريا 1858 والتي تمكنت الثورة المضادة من تحطيمها، إلى أن كان عدوان 1967 والذي شكل نقطة تحول هامة وهي هزيمة المشروع القومي وخروج معظم الأنظمة العربية الرسمية من الصراع علانية لتكشف وثائق الغرب ان الملك فيصل كان عام 1967 قد طلب من الرئيس الأمريكي جونسون ضرب مصر الناصرية. كما أكدت الوثائق الحديثة أن بندر بن سلطان نصب خيمته طويلا في واشنطن كي تضرب امريكا العراق (عراق صدام حسين) مما يؤكد أن أنظمة الجزيرة والخليج لم تدخل معادلة الحرب بل كانت في معسكر الثورة المضادة للأمة العربية، وما تاسلمها سوى يافطة لتمرير دورها والتغطية على ارتباطاتها بالمركز الإمبريالي والصهيوني.
وتدريجيا بعد هزيمة 1967 بدأت قوى وأحزاب سياسية بالخروج من معادلة الصراع عبر تصالحها مع أنظمة إنسحبت (او لم تدخل بل تآمرت ) على المعركة القومية وتحلَّقت إلى الأفق القُطري الضيق حول أنظمة لا تقاوم ولا تُنمِّي. ومع أن حرب تشرين 1973 أعادت بعض الأنفاس إلا أنه جرت تصفية إيجابياتها او حتى التغطية عليها حتى ممن أنجزوها، فسقطت الجبهة الأولى الرسمية من الصراع.
والمهم أنه بعد اتفاق دامب ديفيد واعتراف مصر بالكيان فقدنا الجبهة الثانية، اي جبهة معظم الأحزاب والقوى السياسية التي باندغامها في الأنظمة خرجت من الصراعين الاجتماعي والقومي، ولا أقصد أن جميع كوادرها قد تساقطوا معها.
وكان الحراك الانفجاري العربي (ثورة، إرهاصات أم ثورة مضادة) والتي بعد اغتصابها من الثورة المضادة، وخاصة صمت الشارع العربي على اغتصاب ليبيا والبحرين واغتصاب غير مباشر لليمن، ومحاولة إبادة سوريا. كانت الثورة المضادة لهذا الحدث بالمرصاد، وانقسمت التحليلات بين من يقول أنها جهزته في تونس ومصر، أو انقضت عليه، فإن ما هو واضح أنها قامت بعدوان مكشوف على البحرين وليبيا وسوريا، واليمن على الأقل، وتحولت تونس إلى مخزن مجاني لتصدير الغزاة ضد سوريا بمن فيهم غازيات جهاد النكاح، أما مصر، فتورطت قيادات حكم الإخوان ومعارضيهم في المشاركة ولو الإعلامية في غزو سوريا في سباق محموم على مكان في الحضن الأمريكي والصهيوني. إن هجمات الرئيس مرسي وحمدين صباحي (ناهيك عن عمرو موسى الذي لا معنى لأن ننقده) على سوريا تثير التقيؤ.
وقد لا يكون لافتا عدوان الثورة المضادة، حتى مستواه الخيالي ضد سوريا الذي استنهض قوى تكفيرية كامنة في أوساط ملبار ونصف المليار مسلم لأن ذلك متوقع، ولكن اللافت ذلك الموات في الشارع العربي الذي قارب استدخال الهزيمة. وهو الأمر الذي ينذر بسقوط الجبهة الثالثة، الجبهة الرئيسية، جبهة الشعب العربي.
أكدت تطورات الأزمة السورية بأن الثورة المضادة قد اتخذت قرار القتال حتى النهاية ضد سوريا، وهو قتال يدور ضمن تعقيدات متناهية التشابك تمظهراتها في: أزمة اقتصادية في المركز لن يتمكن من حلها قريباً، والأهم أنها قلمت أظافر قيامه بعدوان احتلالي كما حصل ضد العراق وأفغانستان، وتواكب معها صعود البريكس وخاصة روسيا والصين لتعيدان تعدد القطبية وأهم مضامين ذلك استعادةالردع/المنع السوفييتي للغزو الإمبريالي المباشر. أليس لافتاً أن الرئيس الروسي بوتين في حديثه ليوم النصر قد قال” روسيا الاتحاد السوفييتي” فمنذ سقوط هذا الاتحاد لم يذكره رئيس روسي حتى الآن؟ أليس لهذا معنىً؟ وهذا يذكرنا بخطاب الرئيس السوفييتي جوزف ستالين في الحرب العالمية الثانية حين استنهض القومية الروسية.
ولا شك أن حكام الخليج قد فهموا المعادلة فألقوا ب قضهم وقضيضهم ضد سوريا لأنهم يدركون بأن وجودهم لم يعد ممكنا بحماية غربية مباشرة، فلا بد من تدمير معسكر المقاومة والممانعة وخاصة سوريا أملاً بتطويل أعمار طويلي العمر!!، وهذا التدمير يتضمن بالطبع أفضل مساعدة منهم للمركز الراسمالي الغربي الذي فقد كثيرا من مخالبه. ومن هنا تتضح استماتة هؤلاء ضد سوريا وخاصة السعودية وقطر. صحيح أن مسارات الغاز هي على الأجندة، وتوظيف رأس المال وحتى توسع راس المال الغربي، ولكن الأهم هو أن وجود القُطريات العربية وخاصة الخليجية أصبح في خطر حقيقي بناء على تغير موازين القوى الإقليمي بتجذر معسكر المقاومة والممانعة والدولي بتصدي القطبيات الجديدة للثلاثي الراسمالي الغربي (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان). وهذا ما يفسر السلوك الانتحاري لنظامي قطر والسعودية ومختلف القطريات العربية و الكيان.
نهاية عصر الهُدنات:
لم أتوقع من القيادة السورية أن تفتح جبهة الجولان اليوم، وهذا يعود لتقديرهم. وحتى قرار الرد المباشر كنت أتوقع تأجيله لوقت قريب قادم ملخصه وجوب الحسم على الأرض مع الغزاة العرب والمسلمين. وهذا أمر ميداني متلعق بالجيش العربي السوري. هل الأمور باتجاه نهاية الغُزاة على الأرض، أم أن معسكر المقاومة والممانعة جاهز للاشتباك الأكبر، لفتح مكة مجدداً! هذا ما لا نعرفه ايضاً.
المهم أن حديث نائب وزير الخارجية السورية والأهم حديث سيد المقاومة كانا واضحين، وهذا يفتح الباب على أمور عديدة، منها على الأقل أن عصر الهُدنات الذي تلا هزيمة 1948 واتفاقيات الهدنة في رودس، قد انتهى، وأن عصر مقاومة من نوع مختلف قد بدأ. ولن تكون مقاومة سرية فقط تتسلل من الضفة الغربية إلى الكيان من بين دوريات الجيش الأردني وخاصة الحرس الوطني، فتدخل (حين يكون الضابط من القوميين العرب) أو تعتقل، وليست كذلك كالمقاومة من الضفة الشرقية بعد 1967 والتي تم تدميرها في ايلول الأسود وخاصة بعد تجربة وقوف الجيش العربي الأردني مع المقاومة في معركة الكرامة. المقاومة هذه المرة معسكر يمتد من طهران إلى قلعة الشقيف (البوفور) في جنوب لبنان. ولا أخاله خيالا أنها سوف تمتد (من طهران إلى وهران حتى تحرر الظهران) ولماذا لا يتم الشغل على هذا لا سيما وأن مغتصبة ليبيا أخذت تنهش الجزائر.
من يقرأ بدقة: قرار سوريا وخطاب السيد الأسد وضوحا من الوضوح، يتبين بأن نصف الهزيمة قد انتهى، وبأن سيف الله المسلول (المقاومة والممانعة) تقود المعركة بعد مؤتة، فالنار غدت متبادلة ولم تعد من طرف واحد، وهذا ليس توازن ردع، بل اشتباك مباشر. وهذا يعيد الصراع ليس إلى قلق الكيان على وجوده، بل يعيد الصراع إلى قراءة مناخ التحضير لوجوده. وإذا كان الكثيرون قد نقدوا شعار “كل شيء للجبهة” ومعهم الحق في جانب ما اعتراه من اختلالات، فإن خطاب السيد واضح هذه المرة، وعلى أرضية مختلفة بدايتها بأن المقاومة مستمرة.
لكن لهذه المقاومة ميدانين: مقاومة الغزو التكفيري لسوريا على الأرض وهو عربي إسلامي بتخطيط غربي-طوراني بلا مواربة، ومقاومة الغزو الصهيوني من الجو (شقيق وصنو) الغزو العربي الإسلامي من الأرض.
وهذا يثير اسئلة عدة: هل توصل معسكر المقاومة والممانعة أن عليه التحول إلى معسكر ثورة بالمعنى الأعمق والأشمل؟ هل توصل إلى إكسير الحياة بأن المقاومة لصيقة بالتنمية، وبأن التنمية تقوم على الإنتاج والمدفع معا؟ وهي التنمية الوحيدة الممكنة. هي التنمية بالحماية الشعبية بحرب الشعب طويلة الأمد وهذه مدرسة الثورة الصينية اساسا وما تبعها من تنظيرات وممارسات في كوبا ومن فرانس فانون…الخ.
هذه المقاومة مختلفة كذلك لأنها تقوم بالمبادئة، لأنها حب حقيقي، والحب الحقيقي يُبادر ويُبادىء ولا ينتظر. لأنها تحب الوطن العربي، فهي سوف تتقدم إلى مختلف القطريات العربية برسالة واضحة: إما أن تعطونا مفاتيح مدن العرب، وإما أن نحررها ليستلمها الشعب، إنه تأميم الوطن لأهله.
هذا التطور يعود على الأقل إلى اجتثاث التراث الذي اسس لدمار الأمة العربية تراث عامي 1916 حيث سايكس-بيكو، وعام 1917 حيث وعد بلفور. فمختلف الأنظمة التي قامت عليهما متحالفة متآلفة وليس أوضح من تحالفها اليوم ضد سوريا: قطر والجامعة العربية تغزوان تراب سوريا والكيان يغزو الجو، فهل أوضح!!!
هذا التطور يبين أن سوريا ترتكز على شعب تولدت من رحمه أربعة جيوش: جيش نظامي وجيش غواري وجيش شعبي وجيش نسائي.
نحن أمام لحظة تغير الموازين والتوجهات بدءاً من العجز المرئي للثلاثي (امريكا أوروبا واليابان) عن ممارسة شبقه العدواني مجسدا في توسع الاحتلال لأجل توسع راس المال وصولاً إلى وأولها شطب المبادرة العربية وملحقها القطري قبل ايام. لا مكان لما يسمى السلام خيار استراتيجي لأنه استسلام استراتيجي. فهل أوضح من خطوة البرلمان الأردني، وهو ليس إخوانياً، وهذا لم يفعله الإخوان حينما كانوا اكثرية؟ ألا يدل هذا على أن عنتريات الكيان المستمدة من الغرب تضطرب قلقاً؟
رجاء: بدأت هذه المقالة باعتراف وأنهيها برجاء إلى كل من آمن يوما بالمقاومة ولا يزال يؤمن بها ليس كموظف بل كمناضل، أن يرتفع فوق الشحن الطائفي العاطفي. فمن يشتم علي او معاوية هو سلفي يعيدنا إلى ما لا ذنب لنا به، ولا يمكننا فعل شيء فيه سوى التذابح الطائفي والقومي وفي النتيجة خيانة المقاومة. ومن يشتم صدام حسين، أو حافظ الأسد، أو الإمام الخميني يكرس الخيانة ايضاً. إرتفعوا عن كل هذا، وإن كنتم مؤمنين أتركوها لله. وهذا الحديث موجه للأفراد والقيادات والفضائيات والإذاعات والصحف وحتى لهمسات الأسر داخل البيوت. لا معنى لنضال مشترك مع الاحتفاظ بمخزون من الجهل، بل لا مستقبل لمثل هذاالنضال.