تأليف غريغوري وِلْبيرت وترجمة بسام شفيق ابو غزالة.
تتمة ــ
الفصل الأول
جدلية الثورة المضادة والأصولية([i])
المقاومة المضاعفة، ومحاولة الانقلاب، والتقهقر:
تشرين الثاني 2001 إلى كانون الأول 2002
كان الاحتجاجُ العنيفُ على هذه المرسومات القانونية فوريا. مع هذا، كانت القوانينُ الثلاثةُ المعترَضُ عليها هي قانونَ الأراضي، الذي وعد بوضعِ إصلاحٍ كاسحٍ لجميع الأراضي المُعطَّلةِ التي تزيد مساحتُها على خمسة آلاف هكتار، وقانونَ الهِدروكربون، الذي رفع الضريبةَ على التنقيبِ عن النفط من قبل الشركاتِ الأجنبية، وقانونَ صيد السمك، الذي أجبر الصيادين الكبارَ على الصيدِ بعيداً عن الشاطئ، ليتسنَّى لصغارِ صيادي السمك “المحترفين” أن ينالوا فرصة أفضل.
اشتكت “غرفة التجارة الاتحادية” (Fedecamaras)، وهي أكبرُ وأهمُّ غرفةٍ تجاريةٍ في البلاد، من أنَّ هذه القوانينَ قد أساءت للأعمال التجارية، وقوَّضت حقوقَ المُلْكيةِ الخاصةِ، وأُقرَّت من دون استشارتها أو استشارةِ أحدٍ خارجَ الدوائرِ الحكومية. ثمَّ انضمَّ سريعاً إلى المعمعةِ اتحادُ عمالِ فنزولا، وهو الاتحادُ النقابيُّ الرئيسيُّ في فنزولا. والمضحكُ في الأمر أنّ اعتراضَهم الأساسيَّ على القوانين يعودُ إلى أنها مؤذيةٌ لمجتمعِ الأعمالِ في فنزولا، لذلك فهي مؤذيةٌ لعمالِ فنزولا. أما التأويلُ الأكثرُ احتمالاً لدعم اتحادِ عمالِ فنزولا لاتحاد المُشغِّلين، بعيداً عن ارتباطهم بالحزب الحاكم سابقاً، حزبِ العملِ الديمقراطيِّ، هو أن اتحادَ عمالِ فنزولا قد انتهى للتوِّ من معركة عنيفةٍ مع الحكومةِ حول السيطرةِ عليه.
كانت نتيجةُ المعارضةِ القويةِ من طرفِ اتحادِ عمالِ فنزولا وغرفةِ التجارةِ الاتحاديةِ تجاهَ الحكومةِ أن دعت هاتان المنظمتان إلى “إضرابٍ عامٍّ” في 10 كانون الأول 2001. وقد نجحَ الإضرابُ نجاحاً محدوداً، لكنّ وسائلَ الإعلامِ وحشرَ القطاعِ الخاصِّ عمالَه ليومٍ واحدٍ أعطى “الإضرابَ” أثراً مرئياً مُكبَّرا.
غير أنّ رزمةَ القوانينِ الـ49 لم تكن وحدَها التي زادت اشتعالَ النزاعِ في فنزولا. ذلك أن عاملا حاسماً آخرَ ظهرَ حين تباطأ الاقتصادُ فجأةً على أثرِ الهجومِ الإرهابيِّ على الولاياتِ المتحدةِ في 11 أيلول [2001]. فقد أثار الهجومُ تراجعاً اقتصادياً عالمياً، رافقه انخفاضٌ في أسعارِ النفط. هذه الضربةُ المزدوجةُ – أسعارُ النفطِ المنخفضةُ والتباطؤُ الاقتصاديُّ العالميُّ – أجبرت الحكومةَ على تعديلِ موازنتِها وتخفيضِ إنفاقِها في جميع المجالات بما لا يقلُّ عن 10 في المئة. وقد لوحظت الصدمةُ فوراً تقريباً حين أخذت البطالةُ ترتفعُ ثانيةً بعد انخفاضِها الثابتِ في العامين 2000 و2001.
في هذه الأثناءِ، أخذ تصعيدٌ هجوميٌّ لفظيٌّ بين تشافيز ومعارضيه يبلغُ مستوياتٍ عاليةً جديدة. ذلك أن التراجعَ الاقتصاديَّ، والقوانينَ الـ49، وخطابَ تشافيز القويَّ ضدَّ “المعارضةِ الحقيرةِ” و”الأقليةِ العفنة”، كلها يسَّرت نسبياً للمعارضةِ النَّيْلَ من شعبيةِ تشافيز، بمساعدةٍ ذاتِ وزنٍ من لدن وسائلِ الإعلام. أما استفتاءاتُ الرأي – التي يمكنُ أن تدلَّ على الاتجاهاتِ، ولكنْ لا يُعتمَدُ بالضرورة عليها لأن قدرتَها على الوصولِ إلى قلوبِ الأحياءِ الفقيرةِ مشكوكٌ فيها – فتدلُّ على انخفاضِ شعبيةِ تشافيز من حوالي 60-70% إلى 30-40% ما بين حزيران 2001 وكانون الثاني 2002.
هذا هو السياقُ الذي أقنع المعارضةَ بقدرتِها على التخلُّص من تشافيز قبل نهايةِ ولايته – إذ أن قادةَ المعارضةِ لم يقبلوا حقيقةً بشرعيتِه قطّ. وهكذا حدثت ثلاثُ محاولاتٍ ملموسةٍ ما بين كانون الثاني 2002 وآب 2004. أولاها محاولةُ انقلاب نيسان 2000، التي فجَّرتها ظاهرياً مقاومةُ إدارةِ صناعةِ النفطِ لجهودِ تشافيز في السيطرةِ على هذه الصناعةِ التي تملكُها الدولة. غير أنّ وجودَ قطاعٍ عسكري ساخطٍ كان أمراً مهماً في هذه المحاولةِ، إذ ظنَّ هذا القطاعُ، لأسباب عقديَّةٍ وانتهازيةٍ متنوعةٍ، أنّ باستطاعته وواجبٌ عليه التخلصَ من تشافيز. أما فشلُ الانقلاب، بعد ما لا يزيد على 47 ساعةً من إزاحة تشافيز عن منصبِه، فقد طبع بطابَعِهِ كلَّ فشلٍ لاحقٍ مُنيتْ به المعارضةُ للخلاصِ من رئاسةِ تشافيز. ما فتئت المعارضةُ تستخفُّ بشعبيةِ الرئيس، مُصدِّقةً زعمَ وسائلِ الإعلامِ الدائمَ أن تشافيز رئيسٌ عاجزٌ لا شعبيةَ له. بيد أن ما أعاده إلى الرئاسة كان الدعمَ الذي مَحَضَه إياه فقراءُ البلاد والجيش. أما المعارضةُ، فكانت هزيمتُها مُرةً لأنها خسرت قاعدةً مهمةً لقوتِها في الجيش.([ii])
كان ردُّ فعل تشافيز لمحاولةِ الانقلاب بعد عودتِه أنْ خفَّفَ من لهجتِه واحتاطَ في أمره. فعيَّن فريقاً اقتصادياً جديداً مسؤولاً بدا أنه وسطيّ، ووعد بإشراكِ المعارضةِ أكثرَ في التخطيطِ للسياسة. كذلك أعاد مجلسَ إدارةِ شركةِ نفط فنزولا ومديريها السابقين، الذين كان تغييرهم أحدَ أسبابِ الانقلاب.
إغلاق صناعة النفط وعودة تشافيز:
كانون الأول 2002 إلى آذار 2003
بعد فترةٍ قصيرةٍ من الهدوءِ الحذر، أوّلت المعارضةُ تراجعَ تشافيز بأنها فرصةٌ لهجومٍ آخرَ عليه، فقامت هذه المرةَ في وقتٍ مبكرٍ من كانون الأول 2002 بتنظيمِ إغلاقِ صناعةِ النفطِ المهمةِ جدا للبلاد إغلاقاً غير مُحدَّدِ الزمن. وإذ وصفت المعارضةُ هذا العملَ بأنه “إضرابٌ عامٌّ”، كان في الواقعِ جمعاً لإغلاقٍ إداريٍّ، وإضرابِ موظفين إداريين ومهنيين، وعملٍ تخريبيٍّ عامٍّ لصناعة النفط. كذلك كانت، على الأغلبِ، مطاعمُ الوجباتِ السريعةِ الأمريكيةُ والأسواقُ الكبيرةُ الراقيةُ هي التي أضربت لشهرين. أما بقيةُ البلاد خلال هذا الوقت، فكانت تعملُ بشكلٍ طبيعيٍّ نوعاً ما، باستثناء نقصٍ في الطعام والبنزين في جميع أرجاء فنزولا، لأن العديدَ من مراكز التوزيع كان مغلقا على الأغلب.
مع هذا، هُزم الإغلاقُ لاحقاً بسبب استخفافِ المعارضةِ مرةً أخرى بما يتمتع به تشافيز من تأييد. وإذ طُرد لاحقاً من شركة النفط 19 ألفَ موظَّفٍ، أي نصفُ موظفيها، لتركهم أماكن عملهم، استطاعت الحكومةُ بالرغم من هذا أن تُعيدَ تشغيلَ شركة النفط بمساعدةِ العمال المتقاعدين والمقاولين الأجانب والجيش. وبحسب الأرقام الحكومية، استعادت هذه الصناعةُ وضعَها، وفي منتصف عام 2003 كانت تعمل على مستوى طبيعي منتجةً 3.1 ملايين برميل نفط في اليوم. إلا أن المعارضةَ زعمت أن الإنتاج لم يزد قطُّ على 2.6 مليون برميل نفط في اليوم منذ نهاية “الإضراب”. وهكذا حاولت المعارضةُ أن تجد لنفسِها عزاءً بفشل آخر. وبهذا خسرت قاعدةَ قوةٍ مهمةٍ أخرى كانت هذه المرة في صناعة النفط، التي كان جميع مديريها عمليا مؤيدين للمعارضة، وقد بُدِّلوا جميعا.
كانت تعني استعادةُ صناعةِ النفط وضعَها الطبيعيَّ، وارتفاعُ أسعار النفط ارتفاعاً مذهلاَ ومعها عائدات النفط أن لدى تشافيز الآن المواردَ الكافيةَ لوضعِ برامجَ اجتماعيةٍ جديدةٍ، عُرفت باسم “البعثات”، لسدِّ حاجات الفقراءِ المُلحَّة. وقد كانت أولى البعثات التي جاء بها تشافيز بين نهايات عام 2003 وبدايات عام 2004 التدريبَ على محوِ الأمية (بعثة روبِنْسُن)، وإتمامَ المدرسةِ الثانوية (بعثة ريباس)، والبعثاتِ الجامعيةَ (بعثة سوكْر)، والعنايةَ بصحة المجتمع (بعثة ميركال).
النزعة الأصولية وهزيمة الثورة المضادة
الاستفتاء على إزاحة الرئيس والانتخابات الرئاسية
نيسان 2003 إلى كانون الأول 2006
كانت ثالثةُ محاولات الخلاص من تشافيز خلال ولايتِه الكاملةِ الأولى في الاستفتاءِ على إزاحة الرئيس في شهر آب 2004. فقد أُجبرت المعارضةُ، بعد هزيمتِها في محاولتين متعاقبتين غير شرعيتين، على سلوكِ الطريقِ الديمقراطيةِ والدستوريةِ الوحيدةِ للتخلص من تشافيز. وفي نهاية إغلاق صناعة النفط في 2 شباط 2003، بدأت المعارضةُ عمليةَ تنظيمِ استفتاءاتٍ منوّعةٍ على نطاقٍ واسعٍ ضدَّ تشافيز، لكنّ المحكمةَ العليا رفضتها فيما بعد، أو أنّ المعارضةَ نفسَها تخلَّت عنها، وذلك على الأغلب بسببِ الطريقةِ غيرِ الصحيحةِ التي صيغت بها التماساتُ الاستفتاء أو بسببِ توقيتِ عمليةِ جمعِ التواقيع.([iii]) وقد ووفق على سلوكِ طريقٍ دستوريةٍ صارمةٍ في اتفاقيةٍ موقعةٍ بين المعارضة والحكومة سهّلتها “منظمة الولايات الأمريكية” و”مركز كارتر” عام 2003.
لاحقاً، حين شُكل مجلسٌ انتخابيٌّ جديدٌ ووُضعت القواعدُ المنظِّمةُ لاستفتاءاتِ الإلغاء، الذي استغرق من الوقت حتى نهاية عام 2003، جمعت المعارضة ثلاثة ملايين و100 ألف توقيع في شهر كانون الأول. من هذه التواقيع، وبعد جدل سياسيٍّ كبيرٍ، صادق المجلسُ الانتخابيُّ الجديد على 2.5 مليون توقيع ودعا إلى إجراء استفتاءٍ في 15 آب 2004، قبل أربعة أيام فقط من مهلةٍ دستوريةٍ أخرى (19 آب 2004) كان يمكن أن تؤدي إلى حلول نائب الرئيس محلَّه للمدة الباقية من ولايته إذا ألغيت تلك الولاية.
بُعيد الساعةِ الرابعةِ من فجرِ السادسَ عشرَ من شهر آب، أعلن رئيسُ المجلسِ الانتخابيِّ الجديدِ فرانسِسْكو كاراسْكْويرو نتائجَ الاستفتاءِ الأوليةَ الأولى، التي منحت تشافيز فوزا بلغ 54% مقابل 42%.([iv]) وفورَ إعلانِ كاراسْكْويرو، عقد قادةُ المعارضةِ مؤتمراً صحفياً قالوا فيه بشكلٍ حاسمٍ إن تزويراً قد ارتُكِب؛ ولم يأتوا بدليلٍ على هذا الزعم سوى القولِ إنهم مقتنعون به. بالرغم من هذا الزعم، صادقت على النتيجةِ الرسميةِ بعثةُ مراقبة الانتخاباتِ التابعةُ لمنظمة الولايات الأمريكية ومركز كارتر.
لعلّ هذه الهزيمةَ التي مُنيت بها المعارضةُ كانت الأمرَّ بين كلِّ هزائمها. فلم يتوقف الأمْرُ عند كونها لم تعد تملكُ قاعدةَ قوةٍ في السلطةِ التنفيذية، أو التشريعية، أو الجيش، أو الصناعة النفطية، بل لعلها فقدت الآن أهم قاعدةِ قوةٍ لها في توهُّمِها أنها تُمثِّل الأغلبية. ترافقت هذه الخسارةُ مع فقدان دعم الطبقةِ الوسطى فقدانا خطيرا. ذلك أنه، بعد ثلاث سنواتٍ من معركةٍ مستمرةٍ مع تشافيز، ووعدٍ منها لأنصارها بأن تشافيز كان على شفا حفرةٍ من السقوط في أي يومٍ، وأنه كان غيرَ شرعيٍّ لكونِها تمثِّلُ الأغلبية، تبيَّن لأنصارِها مدى فراغ قادتِها وعجزِهم. وقد وثَّقت استفتاءاتُ الرأيِ بعد الاستفتاء على شرعيةِ الرئيس خسارةً فادحةً للمعارضة، بحيث أن 15% فقط من الفنزويليين صرّحوا في تموز 2005 أنهم يؤيدونها.([v])
إذ أدرك تشافيز خسارةَ قوةِ المعارضةِ التي كادت تكون كليّة، أعلن في خطابِ النصر أنّ مرحلةً جديدةً لحكومتِه ستبدأ الآن. “منذ الآن وحتى كانون الأول 2006 ستبدأ مرحلةٌ جديدةٌ للثورة البوليفارية، لمنح استمراريةٍ للمهماتِ الاجتماعية، للكفاحِ ضدَّ الظلم والإقصاء والفقر. إني لأدعوكم جميعاً، بمن فيكم المعارضة، إلى الانضمامِ إلى العمل لجعل فنزولا بلادَ العدل، حيث يحكمُها القانونُ والعدالةُ الاجتماعية.”([vi]) بعد ذلك، في كانون الثاني 2005، وسَّع تشافيز دعوتَه لمرحلةٍ جديدةٍ بإعلانِه أنه منذ الآن فصاعداً سوف تسعى حكومتُه إلى بناءِ “اشتراكيةِ القرنِ الحادي والعشرين” في فنزولا. وهكذا قادت جهودُ المعارضةِ المستمرةُ للخلاصِ من تشافيز، بناءً على عدم اعترافِها بشرعيته، إلى إضعاف نفسها إضعافاً مستمرّاً وإلى فرصةِ تشافيز المصاحبةِ في تجذير برنامجِه. كان على جزءٍ مهمٍّ من هذا البرنامجِ الجديدِ أن يدفعَ صوبَ مشاركةٍ أكبرَ للدولة، ومزيدٍ من الإدارة الذاتية على شكلِ تعاونياتٍ ومصانعَ ذاتيةِ الإدارة، ومزيدٍ من الإصلاح الزراعي، ومزيدٍ من الديمقراطيةِ المباشرةِ على المستوى المحليّ.
تلقت دعوةُ تشافيز إلى بناءِ اشتراكيةِ القرنِ الحادي والعشرين دفعةً أخرى في 3 كانون الأول 2006 حين فاز فوزا حاسماً برئاسةٍ ثانيةٍ لستِّ سنواتٍ أخرى. تغلَّب تشافيز على مرشَّح المعارضة، مانوِل روسالِس، بنسبة 62.9% مقابل 37.9%. بهذا كانت نسبة فوز تشافيز الأعلى في تاريخ فنزولا لما بعد الدكتاتورية. كذلك استطاع تشافيز أن يضاعف التأييد له من 3.7 مليون صوت عام 1998 (56.2% من مجموع الأصوات) إلى 7.3 مليون صوت عام 2006.
مع هذا، كان أهمَّ من زيادةِ الدعمِ أنّ مرشحَ المعارضة، مانوِل روزالِس، أقرَّ بهزيمتِه أمام تشافيز. وهذه هي المرةُ الأولى منذ انتخابِ تشافيز أولَ مرةٍ عام 1998 التي يعترفُ فيها زعيمُ المعارضةِ بالهزيمةِ في مواجهةٍ معه. ولم تُحمِّلْ المعارضةُ نفسَها مسؤوليةَ عملها في أية مواجهةٍ سابقةٍ مع تشافيز، أكان ذلك بعد محاولةِ الانقلابِ عام 2002، أم في إغلاقِ الصناعةِ النفطيةِ عام 2003، أم في الاستفتاءِ على إزاحةِ الرئيس عام 2004. وهذا يدلُّ على أنها المرةُ الأولى منذ عام 2000 التي تعترفُ فيها المعارضةُ بشافيز رئيساً منتخباً شرعيا، وبهذا تفتحُ الطريقَ إلى تطبيع السياسة الفنزولية في عهده. وبهذا، يكون هذا الانتخابُ قد مهّد الطريقَ أمام تشافيز ليقودَ فنزولا إلى اشتراكيةِ القرنِ الحادي والعشرين.([vii])
لو أنّ المعارضةَ أقرَّت بهزيمتِها عام 1998 واعترفت منذ البدايةِ بشرعيةِ شافيز كرئيسٍ منتخَبٍ لفنزولا، فمن المحتمل جداً ألا يعملَ مطلقاً على اختلاقِ “اشتراكيةِ القرنِ الحادي والعشرين” في فنزولا. لن نعرفَ أبداً إن كان هذا ما يمكنُ أن يحدثَ بالتأكيدِ، لكنَّ ما لا يمكنُ إنكارُه أن تشافيز قد جذَّرَ برنامجَه كردِّ فعلٍ لأعمالِ المعارضةِ وليس العكس. ففي البداية، عقب محاولةِ انقلابِ نيسان 2002، تصرَّف تشافيز بحذرٍ، لكنّ المحاولةَ الثانيةَ للتخلص منه، عبر إغلاق الصناعة النفطية في كانون الأول 2002، علَّمته أنّ الاعتدالَ ليس الوسيلةَ الأفضلَ للتعاملِ مع المعارضة. ومنذ ذلك الحين، استمرّ في تجذيرِ برنامجه، أولا بدفع الإصلاحِ الزراعيِّ والبرامجِ الاجتماعيةِ قُدُما، وبعد ذلك، على أثر الاستفتاءِ على شرعيته في آب 2004، دعم تولِّي العمالِ شؤونَ المصانعِ العاطلة، ثم أعلن عن نيته تطبيق الاشتراكيةِ في فنزولا.
هكذا، إلى حدٍّ ما، تشبهُ الأصوليةُ الفنزوليةُ الأصوليةَ التي حدثت في كوبا بعد ثورتها عام 1959 وتلك التي حدثت في نيكاراغوا عقب ثورتِها عام 1979، وكلتاهما كانتا ردَّ فعلٍ على الجهود التي بُذلت لهزيمتهما، لا جزءاً من خطة أصلية. وعلى غيرِ شَبَهٍ بهذين المشروعين الآخرين، يبدو أنَّ الثورةَ البوليفاريةَ، عقبَ الانتخاباتِ الرئاسيةِ عام 2006، قد أوقعت هزيمةً نكراءَ بخصومِها المحليين والدوليين وهي الآن، بمساعدة ثروتِها النفطية الكبيرة – التي لم تكن لدى الثورتين الأُخريين – في وضع جيدٍ لتطبيقِ رؤيتِها الاشتراكيةِ من غير بقايا عقباتٍ خارجيةٍ تذكر. أما صورةُ هذه الرؤيةِ، فستكون موضوعَنا فيما بقي من هذا الكتاب.
[i] من قرأ ما كتبتُه عن تاريخ رئاسة تشافيز (وِلبيرت 2007) يمكنه القفز عن هذا الفصل، لأنه محضُ تلخيص لمحتوى ذلك الكتاب.
[ii] للرواية الكاملة لمحاولة انقلاب 2002، راجع وِلْبيرت 2007.
[iii] لا يمكن المطالبةُ بتنحية الرئيس إلا بانتهاء نصف مدة ولايته. لذلك حكمت المحكمة العليا ببطلان التواقيع التي جُمعت في 2 شباط 2003 لالتماس إجراء استفتاء عام على تنحية الرئيس.
[iv] من شأن النتيجة الرسمية النهائية أن تزيد قليلا هامش فوز تشافيز، بـ59% صوتوا بـ”لا”، و41% صوتوا بـ”نعم” – وقد جاء كثيرٌ من الأصوات الرافضة من الأرياف، حيث تعيَّن احتساب الأصوات يدويا وكانت 70-30 لصالح تشافيز.
[v] راجع، مثلا ما أورده موقع (www.venezuelanalysis.com) في 27 تموز 2005: “استفتاء: فوز تشافيز بـ71.8% في فنزولا”، (http://venezuelanalysis.com/news.php?newsno=1702).
[vi] هوغو تشافيز، “Palabras desde el Balcon del Pueblo” (“كلمات من شرفة الشعب”)، 16 آب 2004 (http://www.gobiernoenlinea.ve/misc-view/sharedfiles/Palabras_Balcon_del_Pueblo_16ago2004.pdf).
[vii] لا بد أن للانزياح داخل المعارضة علاقةً بالأجنحة الأكثر اعتدالا التي ازدادت سطوةً، وهو متعلق مباشرةً بزوال مصداقية الأجنحة الأكثر تشددا في المعارضة، بسبب تاريخها الطويل الفاشل في السنوات الثماني الماضية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.