تعويم “الإخوان” في مصر.. مؤجل

د. ليلى نقولا الرحباني

على الرغم من تصدّر الأزمة السورية اهتمام الإدارة الأميركية، إلا أن الوضع المصري المتدهور وبوادر فشل الحكم “الإخواني”، والأهمية الاستثنائية التي يبديها الأميركيون للوضع المصري، هو ما جعل وزير الخارجية الأميركي؛ جون كيري، يشارك في جلسات استماع في الكونغرس لثلاثة أيام متصلة عن بلد واحد، هو مصر، وهو أمر يحصل للمرة الأولى منذ حرب فيتنام.

وبعد زيارة هاغل لمصر الشهر الماضي لبحث الوضع الأمني في سيناء، وإبداء هاغل قلق الولايات المتحدة من النهج السياسي للرئاسة المصرية عموماً، يزور مصر المبعوث الخاص للشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيليب غوردون للاطلاع على الأوضاع عن كثب، وتقييم مدى قدرة “الإخوان” على السير قدماً بحكم مصر ومدى التزامهم بالتعهدات التي قطعوها قبل استلامهم السلطة، وذلك كشرط أميركي للحصول على المساعدات.

وقد تكون الأوضاع الاقتصادية في مصر والتي تتجه من سيء إلى أسوأ، وعدم مبادرة الأميركيين إلى تعويم الحكم “الإخواني” عبر السماح للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بمنح مصر قروضاً تخرجها من أزماتها التي تتفاقم يوماً بعد يوم، فاكتفت الولايات المتحدة المتحدة بالدعم السياسي دون أن يرافقه أي دعم اقتصادي تحتاجه مصر، باستثناء بعض المساعدات من قطر – بالدرجة الأولى – وتركيا وليبيا والتي بلغت نحو 10 مليار دولار، قد حققت قدراً من عدم الانهيار الاقتصادي دون تطوره وانتعاشه.. هذه الأسباب هي التي دفعت الرئيس المصري محمد مرسي لمحاولة الإيحاء بالتغريد خارج السرب الأميركي ومغازلة روسيا وإيران وطلب الانضمام إلى دول البريكس، وتكثيف زياراته إلى دولها، فقد زار كلاَ من الهند وجنوب أفريقيا في شهر آذار الماضي، حيث حضر اجتماعاً لقادة دول البريكس، ثم أعقبها بزيارة روسيا والبرازيل.

ولعل إحجام الولايات المتحدة عن تعويم الحكم المصري، يعود بصورة أساسية لإبقائه تحت السيطرة ولفرض شروط سياسية وأمنية وإلزامه بالأجندة الأميركية في المنطقة، علماً أن تلويح مرسي بالانضمام إلى البريكس في محاولة لتهديد الأميركيين، تبدو غير ذي جدوى، لإدراك الأميركيين أن الحكم “الإخواني” في مصر اليوم هو في أسوأ أوضاعه، بحيث لا يستطيع القيام بمناورات ناجحة، فلم تكد تمر سنة على استلام مرسي السلطة، حتى باتت مصر في وضع لا يُحسد عليه يتجلى في ما يلي:

أولاً: تردي الوضع الاقتصادي بشكل بات ينذر بكارثة، خصوصاً أنه لا يبدو أن لدى الحكومة المصرية أي خطة اقتصادية واضحة، وقد يعود ذلك إلى إحجام الحكومة عن اتخاذ قرارات جدية وحاسمة لعلاج المشاكل الاقتصادية، لاعتقاد النظام “الإخواني” أن المجتمع الدولي سيستمر في دفع ما تحتاجه البلاد بسبب أهميتها الاستراتيجية، ولأن الأميركيين لن يفرطوا باستقرار مصر بسبب مجاورتها لـ”إسرائيل”.

ثانياً: التسيّب الأمني، فالتقارير تشير إلى أن السلاح يتدفق إلى الداخل المصري من الأراضي الليبية بشكل لا مثيل، هذا بالإضافة إلى انتشار “البلطجية” والسرقات وأعمال القتل، ناهيك عن تهديد الأقباط وترهيبهم ومصادرة أراضيهم في الأقصر من قبل بعض المجموعات المسلحة، في ظل سكوت الأمن المصري وتغاضيه، يضاف إلى هذه الملفات المتفجرة، ظهور تنظيم القاعدة في مصر، والذي شكّل إحراجاً للرئيس المصري الذي يحاول أن يوازن بين المتطلبات الدولية بمحاربة الإرهاب وعدم الظهور كمبارك في محاربة التيارات الإسلامية الأخرى.

ثالثاً: تدهور مسيرة التحول الديمقراطي بشكل متسارع، خصوصاً في ظل سياسات “أخونة” الدولة، وانتشار الفساد والزبائنية والتضييق على الحريات وتراجع حقوق الأقليات والمرأة، بالإضافة إلى ترهيب الإعلام والتضييق عليه، الأمر الذي جعل مؤسسة “فريدم هاوس” لحرية الإعلام، تعتبر أن مصر تحولت في ظل حكم “الإخوان” إلى دولة “غير حرة”.

وفي ظل كل ذلك، يأتي المبعوث الأميركي ليطرح على مرسي أسئلة محرجة جداً تتعلق بملفات أربع؛ “مسيرة الديمقراطية، حقوق الأقليات، حقوق المرأة، أمن سيناء وإسرائيل” كشرط للمساعدة الاقتصادية، وهي أسئلة لن يستطيع الحكم المصري أن يدّعي أنه قد تقدم فيها، لذا لا يبدو أن “المناورات” التي يقوم بها مرسي لحثّ الولايات المتحدة الأميركية على تقديم مزيد من الدعم وتعويمه، ستجدي نفعاً مع الأميركيين الذين سيحاولون أن يستنزفوا الحكم المصري قبل القبول بمساعدته اقتصادياً