العميد الدكتور امين حطيط
ذهب نتنياهو رئيس حكومة العدو الصهيوني الى موسكو في مهمة وقحة و معلنة تتعلق بسعيه لمنع تزويد سوريا بسلاح روسي متطور و تحديدا منظومة الصواريخ “س300” المضادة للطائرات . و يبدو ان عنجهية العدو و الافراط بالثقة بالنفس لديه و الاعتداد بها و عدم تيويم الصورة الاستراتيجية الدولية المرتسمة في ذهنه منذ العام 1989 جعله منفصلا عن الواقع ، و يعتقد ان ما كان يصح في بداية التسعينات يصح اليوم و ان بامكانه ان يضغط و يفرض على روسيا الاتحادية ما يريد .
لكن الخيبة السياسية و الاستراتيجية التي عاد بها نتنياهو من موسكو كانت اكثر مما يحتمل ، بعد ان رفضت روسيا و بحزم شديد مطالبه و افهمته بان المسالة شأن روسي – سوري سيادي لا يسمح لاحد بالتدخل فيه خاصة و ان تصرفهما يستجيب كليا لقواعد القانون الدولي العام حيث لا يوجد ما يحول دونه او ما يمكن ان يستند اليه لحظر السلاح على سورية من جهة ، و من جهة اخرى و هي الاهم ، هو ان العالم تغير و ما كان يقبل قبل عقدين و ما ينجح من ضغوط على روسيا او غيرها لمنع تصدير الاسلحة لهذه الدولة او تلك من الدول التي لا تنصاع للارادة الاميركية-الصهيونية ، بات عقيما غير صالح الان في ظل اعادة رسم الخريطة الاستراتيجية الدولية و تشكل مجموعات و معسكرات عالمية جديدة ليس فيها ما يوصف بالقطب القائد او القطب المهمين الاوحد .
ان فشل اسرائيل في مسعاها لدى روسيا ، لم يتوقف عند حد الرفض الروسي لمطلب متعلق بمنظومة صواريخ “س 300” بل تعداها الى امور لم تكن تخطر في بال الغرب ايضا خاصة و ان بعض هذا الغرب و الصهيونية يرفضون حتى الان الاعتراف بالمتغيرات الاسترتيجية الدولية التي بدأت تظهر منذ العام 2006 تاريخ فشل الحرب الاخيرة على المقاومة في لبنان في ظل استراتيجية القوة الصلبة ، متغيرات تأكد اتجاهها النهائي في اسقاط المشروع الغربي لاقامة النظام العالمي ذي الاحادية القطبية من البوابة السورية ، حيث ان على العاقل ان يقر بذلك و منذ اللحظة التي فشل فيها الغرب في اسقاط سورية و اسقاط النظام المقاوم فيها رغم انه حشد كل ما يمكن من طاقات و وسائل و حدد مواعيد لذلك الواحد تلو الاخر حتى وصلت في مجموعها الى خمسة مواعيد ، كلها سقطت و بقيت سورية صامدة شامخة بقيادتها و جيشها وشعبها .
نعم لم يكتف الروسي بان سفه نتنياهو في مطلبه حول منظومة الصواريخ “س 300″ الفائقة الفاعلية في الدفاع الجوي و التي تتمكن بحق من اقامة مظلة حماية جوية ناجعة تضع حدا للغطرسة الاسرائيلية وحاولات اسرائيل الاعتداء على الاجواء السورية و استهداف مواقع فيها ، صواريخ تستطيع ان تسقط طائرات العدو على مسافة تتعدى ال 60 كلم من الحدود ( مدى الصواريخ المجدي 75 كلم) بما يعطل استعمال اسرائيل للاجواء اللبنانية في اعتداءاتها على سورية و قصفها دون ان تدخل الى الاجواء السورية كما فعلت في الغارة الاخيرة في 5 ايار الحالي ، لم يكتف الروسي بذلك بل اضاف اليه اعلانه عن تنفيذ الصفقة المعقودة مع سورية و القاضية بتزويدها ب صواريخ الدفاع البحري من طراز ” “ياكونت ” ( ايخونت ) ذات المدى الذي يتعدى ال 300 كلم ، و القابلة للاستعمال من على منصات متحركة على الشاطئ او من قطع بحرية تبحر في المياه الاقليمية ما يضيف الى المدى الحمائي ايضا 20 كلم ، و بالتالي تمكن سورية من انشاء درع بحري يحمي شواطئها و يمنع نجاح اي تدبير معادي في فرض حصار بحري عليها . و اضافة الى ما ذكر لا يمكن ان نهمل ما لدى سورية اصلا من قدرات نارية هائلة تمكنها من الوصول الفاعل الى اي نقطة على كامل مساحة فلسطين المغتصبة .
هذا الواقع المركب من سلوك سياسي عسكري ، و تعاظم في القدرات الدفاعية العسكرية السورية ، المترافق مع تقدم و نجاح ميداني يسجله الجيش العربي السوري ، من جهة و المقترن بتدابير عسكرية و سياسية روسية عامة و شاملة تمثلت اخيرا بتعزيز الوجود البحري الروسي في المتوسط و انشاء الوحدة العملانية الروسية فيه لاول مرة منذ عقود طويلة كل ذلك بات يقود الى القول بان المتغيرات الدولية على الصعد السياسية و الاستراتيجية اندفعت متجاوزة خط العودة الى الوراء و ان هذه المتغيرات باتت ترسم في سورية و حولها و عبرها الى العالم مشهدا على الموضوعين من الباحثين الاقرار به و التعامل معه على اساس انه واقع يكون من الحمق تجاوزه . مشهد يؤكد على الدلالات الهامة التالية :
1) استعادة روسيا موقعها الدولي في نظام عالمي يتشكل على انقاض المشروع الاميركي المنهار ، وبالتالي سقطت مقولة الضغط و التخويف و ترهيب روسيا من قبل الغرب ، حيث اننا نرى ان القيادة الروسية القائمة ترد على الفعل الهجومي ضدها بهجوم مضاد يتجاوزه احيانا و هي تعمل باستراتيجية الدفاع للدفاع ـاو الهجوم للدفاع ، و اخيرا الهجوم ابتداءا من اجل حماية مصالح روسيا الاستراتيجة ليس على حدودها فحسب كما فعلت في جورجيا منذ سنوات بل و بعيدا عنها في اعالي البحار و المحيطات و في عمق المياه الدافئة حيث حلمها التاريخي .
2) لا تتعامل روسيا مع المسألة السورية على اساس انها قضية دولية خارجية – و قد يكون تعاملها معها منذ سنتين و في الاشهر الاولى لبدء العدوان الغربي على سورية حصل تحت هذا العنوان – بل انها تتعامل معها اليوم على اساس انها جزء لا يتجزأ و لا ينفصل عن الامن القومي الروسي و المصالح الروسية في الفضاء الاستراتجي الدولي ، ما يعني ان التفاوض حول المسألة لم يعد في الفهم الروسي خاضعا لمنطق الصفقات و التبادل في المصالح بل بات محكوما بمبدأ وحيد لا حياد عنه متمثل بالقول بوجوب ابقاء سورية موحدة متماسكة و خارج القبضة و الهيمنة الاميركية و الغربية المباشرة او غير المباشرة ، و في هذا تتلاقى كليا مع استراتيجية الدفاع التي يعتمدها محور المقاومة المثلث المكونات و الذي وطن نفسه على اي قدر من التضحيات مهما بغت من اجل الحؤول دون نجاح اميركا في مخططها الذي يستهدف سورية ، و هي استراتيجية نجحت و تعاظم نجاحها في الاشهر الاخيرة بشكل يشجع العاملين عليها لمتابعة السير فيها لانجاز المهمة .
3) ان روسيا لا تتسول موافقة هذا او ذاك من المعنيين بالشأن السوري على ” المؤتمر الدولي حول سورية ” لوضع اسس الخروج من ازمتها ، كما انها ليست بوارد التنازل لهذا او ذاك من اجل استرضائه و تشجيعه على المشاركة بهذا المؤتمر . بل ان روسيا طرحت المؤتمر للتخفيف من الخسائر و لم تتخذ منه الاداة الوحيدة للعمل ، و هو في كل حال – حتى لو تم انعقاده – لن يكون خلافا لما تريد سورية و لن يؤثر على مسار العمليات العسكرية التطهيرية التي تنفذها قوات الجيش العربي السوري بحكم ولايتها الامنية و السيادية على الارض السورية ، و هي عمليات حققت من الانجازات حتى الان ما اذهل العدو و دفع بالكثير من خلاياه الارهابية للتفكك و الفرار ، و ان هذه العمليات مستمرة و في الموازة مع المساعي السلمية من اجل استعاة الامن و الاستقرارللبلاد و اي منهما – السياسة او الميدان – حقق المبتغى اولاً يكون التمسك به مجديا .
4) ان امتلاك سورية للقدرات الدفاعية الجوية و البحرية الفائقة الفاعلية و الاهمية و معطوفة على قدرات عسكرية برية متقدمة في كل مجالات البر نارا و حركة ، و مقترنة بالقرار الاستراتيجي الاخير المتعلق ببدء العمل باستراتيجية المقاومة عبر الجولان كل ذلك من شأنه ان يعطل لا بل يسقط ما كان يلوكه الغرب ويهدد به على مدار العامين الماضيين من قبيل القول بالتدخل العسكري الاجنبي المباشر ، او اقامة المناطق العازلة ، او الممرات الامنية ، او منطقة الحظر الجوي ، او الحصار البحري ، او و اخيرا الضربات الجوية الاسرائيلية لدعم المسلحين هنا او هناك على الارض السورية ، كل هذه العناوين من التهديدات و التلويح سقط الان من الناحية العملية و المؤثرة و ان كان احمق سيقدم عليه في لحظة انعدام توازن فكري – و هي لحظات قد تنتاب اليائس بعد الخسارة – فان الرد سيكون بما يتجاوز التوقع ، و لن يحقق المعتدي من عدوانه ان حصل الا مزيدا من التعقيد في خسائره .
و عليه نقول ان الحديث عن صمود سورية و نجاحها في معركتها الدفاعية ، و نجاح محورها الاقليمي المقاوم و جبهتها الدولية الصاعدة معها في هذه المواجهة ، لم يعد امرا من التمنيات او التصور و التحليل بل بات امرا واقعا يجب التعامل معه لمن شاء من المعتدين ان يكتفي بالخسارة التي حلت به حتى الان ، و ان مزيدا من العمل العدواني سيؤدي و بالتأكيد الى مزيد من الخسارة التي تلحق بالمعتدين ، و اتصور ان قياة العدوان – اميركا – باتت تفهم ذلك لذا انقلبت الى العمل باستراتيجية تحديد الخسائر و البحث عن ميدان اخر تعوض فيه ذلك خارج سورية ، فهل يقتدي بها العملاء و التابعين و المرتزقة و يوفروا على انفسهم و على سورية شيئا من خسائر اضافية لن تغير في اتجاه النتيجة ؟
:::::
جريدة الثورة دمشق بتاريخ 2052013