(2)
العدو على حافة استدخال الهزيمة
عادل سمارة
هذا المقال الثاني متابعة لمقالي (السيد والنهوض من حافة استدخال االهزيمة) في كنعان الإلكترونية ، العدد 3198 -10 أيّار (مايو) 2013. وربما اعتقد بعض القراء بأنني متحمس جداً لما صدر عن القيادة السورية أو قيادة حزب الله والحليف الإيراني والصديقين الروسي والصيني. ولكنني لا أميل إلى الحماسة والمبالغة بل إلى وضع الأمور والمواقف في مواضعها الصحيحة، أو تجليسها كما تستحق. هذه محاولات لقراءة ما يمكن ان يكون على ضوء ما يتطور على الأرض ومن ثم كيف يجب التعاطي معه والمشاركة فيه. فأمام تطورات معينة وتاريخية لا يحق لنا الحياد، بل حينها يكون الحياد انحيازاً للثورة المضادة لا سيما وأن معسكرها يُلقي بقضه وقضيضه وبكل انواع اسلحته في الحرب على سوريا سواء بتجنيد المسلحين او تمويلهم وتسليحهم وتدريبهم وتسريب خبراء لقيادتهم في الميدان وترتيب دعم لوجستي لهم وحفر ممرات وانفاق مدن تحت المدن مما يسمح بالقول بأن الذي يخوض حرب الغوار هو الجيش العربي السوري وليس هؤلاء، وهذا تغيير جوهري في تقليد حرب الغوار، سواء من حيث التمركز والتحصينات أو من حيث ثراء “الثوار (انظر خبر فايننشال تايمز 15 ايار حيث تعطي قطر 50 ألف دولار لكل من ينخرط في صفوف الثورة المضادة) . هذا ناهيك عن توظيف الدين(دور القرضاوي) والإعلام والثقافة (دور عزمي بشارة والعظم وجلبير اشقر وفواز طرابلسي وصولا إلى الإمساك بحافلة عسكرية صهيونية في القصير). وعليه، إذا لم نفهم أنها حرب بكافة الإمكانيات، فإن العدو يُفهمنا ذلك.
والمرتكز الميداني لهذا النقاش هو الانتماء العروبي كواقع وساحة نضال مخروقة بكل المعاني ومفتوحة بالتالي لدورنا في الصد والمواجهة. ولعل مما يجب التأكيد عليه أن تعامل هذه القراءات مع الوطن العربي لا يعني العرب وحدهم باي حال، وإنما يعني كل شريك، كل من له حق المواطنة في هذا الوطن باستثناء الكيان الصهيوني بما هو كيان استيطاني اقتلاعي يتحدد مصير هؤلاء المستوطنين (قدامى وجدد) فقط بعد تحرير فلسطين، وهذا معاكس للخط الذي يحدد مصيرهم عبر ( ما يسمى حق العودة بدون تحرير). وبوسعنا الزعم أن مصيرهم هذا سيكون ،فقط، ضمن وطن عربي اشتراكي، سواء ساهم بعضهم، وهذا شديد الندرة، في هذا التحرير أم لم يساهم.
وهذا يعني أن تحرير فلسطين ليس مشروعا فلسطينيا خالصا باي حال، بل مشروعا عربيا على الأقل. وربما يمكننا القول بأنه: طالما أٌقيم الكيان الصهيوني على يد النظام الراسمالي العالمي وساهم في ذلك المعسكر السوفييتي في حقبة تحريفيته ومعسكر الاشتراكية الدولية الذي هو إمبريالي بامتياز، فإن تحرير فلسطين لا بد أن يأخذ بعدا عالميا بالضرورة.
ربما بدا عنوان هذا النقاش غريباً: “النهوض من حافة استدخال الهزيمة”. وهو عنوان لا يُشبع شوق من يبحثون عن الحماسة، إلا أنه يحاول المكاشفة لتأصيل
ما يجب ان يكون. واساس محاولة المكاشفة هذه امور منها:
الأول: وهو ما اشرنا إليه في كثير مما نُشر في مجلتي كنعان الورقية وكنعان الإلكترونية بأن الثورة المضادة قد ضمت إلى جانب الإمبريالية والكيان العديد من الطبقات الحاكمة العربية، كما أنها اخترقت الكثير من القوى السياسية العربية والفلسطينية ومن ضمنها م.ت.ف، ولم يبق أمامها سوى جبهة الطبقات الشعبية العربية.
والثاني: إن ما يجري في الوطن العربي ليس مجرد مؤامرة بل محاولات أو مشروع للتدمير الشامل إلى أن يكتمل. فالضحايا في العراق أكثر من سوريا للحيلولة دون دعم عراقي لسوريا، وسوريا في حمام دم، واليمن في احتراب داخلي وعدوان أميركي، والسودان مهدد بمزيد من الانقسامات، والصومال مفككة ومقتتلة، ومصر في انقسام تام بين قطبين تحركهما الولايات المتحدة، وتونس ينهشها السلفيون تدريجيا بعد فتر من شبه الهدوء، ويتسربون إلى الجزائر، ولبنان بين اشتباكات طرابلس والتورط في سوريا والحجيج إلى السعودية لتشكيل حكومة خيوطها بايدي الرياض وواشنطن وباريس على الأقل، والأردن تحول إلى قاعدة اميركية لتدريب وضخ مقاتلين إلى سوريا، والبحرين تحت احتلال أنظمة الخليج. أما ممالك الخليج فتلعب الدور الأساس في تسليح وتمويل وتجنيد الإرهابيين إلى سوريا ليس اتقاء لمصيرها المحتوم، ولكن أيضا لعدائها للقومية العربية بما هو عداء مصيري يقوم على تناقض تناحري اشبه بالتناقض مع الكيان.
والثالث: فإن الحرب على سوريا قد أوصلت الأمور إلى حافة الهزيمة بالمعنى القومي. كيف لا؟ فقد كشفت هذه الحرب إما تحييد الشارع العربي أو حتى انزياح قطاعات واسعة منه ضد سوريا رغم طبيعة العدوان غير الخافية.
من هنا، صار من الوضوح بمكان، أن ما في الوطن العربي ليس ربيعاً، وهو أمر إن لم يدركه كثيرون/ات صار لا داع كي يدركوه لأنهم لا يريدون.
لا اعتقد أن القارىء الدقيق يجادل في أننا على الحافة، وربما يجادل البعض بأن الأمور انتهت ولم يعد النهوض ممكنا! لكن قراءة تطورات المرحلة توحي، وليست فقط تشي، بغير ذلك. إنما من اين أتى النهوض ونحن على هذه الحافة؟
لعله ديالكتيك التحول في الصعد المحلية والإقليمية والدولية، وهو تحول النهوض والصمود ميدانيا وإقليميا ودوليا لمعسكر المقاومة والممانعة والذي تمظهر في :
- صمود سوريا الثلاثي جيش وشعب وقيادة
- عجز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن العدوان الجوي على سوريا
- ووصول الكيان الصهيوني إلى حالة العجز عن شن حرب محسومة إلى قوى ودول المقاومة والممانعة، فقد انتهى عصر كانت الحرب فيه بالنسبة للكيان مجرد تدريب لجيشه.
يوضح ذلك أو يوازيه بل ويشتبك معه مأزق الثورة المضادة ممثلا في تراخي قبضة المركز الإمبريالي، وتورط القوى الإقليمية التابعة لها (تركيا) وأنظمة الخليج خاصة في الحرب على سوريا دون أفق لتحقيق ما تهدف إليه من إسقاط النظام السوري. وهو السقوط الذي ليس الهدف منه فقط تدمير سوريا وتقسيمها، بل اساساً تسخير ذلك من أجل البقاء الأبدي للكيان الصهيوني، وهذا يُظهر بأن جبهة العدو غدت على حافة الهزيمة وبالطبع ستكون بطيئة.
لقد كابر كثيرون رفضا لكون الكيان هو قاطف ثمار الحرب على سوريا، ، وآخرون شككوا في هذا التقدير وهم مقتنعون به بل ومشاركين في إعداده. وقد نقطع الشك باليقين في هذا المستوى بالإشارة إلى أمرين.
ما قاله المؤرخ الإسرائيلي ـ الألماني ميخائيل فولفزون ” الضابط الاحتياط في الجيش الإسرائيلي” أن حركة الإخوان المسلمين في الأردن، والتي أغلبيتها من أصول فلسطينية مرتبطة بحركة حماس، تعمل بدأب لخدمة مشروع الوطن البديل، وهي تنتظر سقوط النظام السوري للمضي في المشروع علنا، بالتنسيق مع قطر و الولايات المتحدة وإسرائيل!؟. وطالب فولفزون في ندوة تلفزيونية بثتها القناة الألمانية عقب العدوان الإسرائيلي الأخير على دمشق وشارك فيها كل من السفير الإسرائيلي السابق في برلين آفي بريمور، ومراسل” الجزيرة” السابق في ألمانيا الذي استقال مؤخرا منه: (فيديو: اسرائيل ستحول الاردن الى وطن بديل بعد سقوط سوريا )
والانكشاف العلني للوجود الصهيوني العسكري في سوريا كما اتضح من معركة القصير وسقوط حافلة عسكرية صهيونية بايدي الجيش العربي السوري. ولعل الدلالة الأساسية لهذا ليس فقط الإمساك بالحافلة بل بقاء الحافلة بلونها ودهانها وأرقامها بالعبرية مما يشير إلى أن معسكر الثورة المضادة كان على ثقة بأنه منتصر. اليست هذه حافة الهزيمة فيما لو نجحوا؟
وهنا لا بد أن نضيف، بأن الحديث الصهيوني المتكرر عن محاولة منع وصول الأسلحة إلى حزب الله تقوم على أمرين:
- قناعة وتأكد الكيان بأن النظام في سوريا آيل إلى سقوط حتمي، وبالتالي يحاول الكيان منع تسرب الأسلحة إلى حزب الله
- والثاني التقليل من خطر سوريا على الكيان، وكأن الجيش السوري لن يتمكن من إيذاء الكيان، بل إن الفيديو أعلاه يتبجح فيه الصهيوني بأن حزب الله وإيران لم يفعلا شيئا بعد اغتيال الشهيد عماد مغنية. لكن هذا التبجح لا يصمد أمام خوف الكيان من الاعتداء مباشرة على سوريا.
هذه الثقة بالنفس والتأكد من النتائج توحي بأن لدى الكيان تطمينات بسقوط النظام السوري، وهذا يطرح بوضوح حافة الهزيمة. ولكن تطورات الأمور تحيل هذه الحافة إلى معسكر الثورة امضادة وليس إلى أو على سوريا. ولا شك أن من مقاصد الكيان عبر الإيحاء بحتمية سقوط سوريا هو الحرب النفسية ضد المقاومة والممانعة وتشجيع المسلحين كي لا ينهاروا، وفي هذا السياق كانت الغارات الصهيونية الأخيرة على مواقع سورية.
ولكن، لم تُقلع السفينة بعد!
لا شك أن صمود الجيش والشعب والقيادة في سوريا هو العامل الأساس في صد العدوان. ولا شك ايضا بأن موقف روسيا والصين وإيران له دوره الحاسم كذلك. ولكن طالما نتحدث عن حافة الهزيمة وحافة الانتصار، فإن ملاحظات قليلة عن الصراط المستقيم هي هامة، وأقصد هنا أن الإمبريالية والصهيونية تمشي على خيط رفيع هذه الفترة يمكن أن تميل إلى هذا الاتجاه أو ذاك. وتحديداً، فإن الولايات المتحدة تترنح بين موقف من إثنين:
- هل تغامر بالعدوان الجوي المباشر على سوريا؟
- أم تأخذ بالاعتبار الثمن الهائل الذي ستدفعه هي والكيان وبالتالي تذهب إلى المفاوضات مغطية موقفها بإطلاق كثيف من النيران؟
حتى الآن، علينا عدم الجزم بأن واشنطن حسمت نهائيا نحو التفاوض. ما حسمته هو محاولة إسقاط النظام لضمان وجود الكيان إلى مدى طويل و/أو تدمير سوريا لتأجيل النهوض السوري قدر الإمكان. ولكن ما يُغري بالقول بأنها لن تذهب إلى الحرب هو مأزقها الاقتصادي الذاتي.
فرغم أن وضع الدولار دوليا ليس على ما يرام، فإن الولايات المتحدة باتجاه طباعة تريليون دولار ورقية سنويا عبر سياسة اسمها (التسهيل الكمي Quantitative Easing ) وذلك كي تتمكن من تمويل عجز الخزينة الأميركبة ببيع سندات خزينة ولكي تحافظ على أسعار المشتقات المرتبطة بالدين والمتعلقة بالميزانية في وضع عالٍ (في البنوك القوية بما لا يوحي بفشلها) وذلك ببيع مشتقات الرهون المدعومة. فبدون التيسير الكمي فإن معدلات الفائدة ستصبح أعلى، والقيم في ميزانيات المصارف ستصبح متدنية جداً.
ولكن، رغم ضعف الاحتجاج الشعبي في الولايات المتحدة، فإن ما قامت به البرجوازية وخاصة نخبتها المالية هناك قد وضع البلد على حافة احتجاج اجتماعي واضح إن لم تتم إدارة الأزمة بحكمة. ففي الفترة التي كانت الولايات المتحدة في رفاه اقتصادي مع انه رفاه الفقاعة، نهب لصوص «وول ستريت» مبالغ طائلة عبر قروض رهن عقاري خرقت القانون الذي وضعته الطبقة الحاكمة للإقراض، وتجاوزت على شروط التأمين وكفاءة المقترض…الخ وعليه، فإن المزيد من الجشع البرجوازي والتورط في حرب لا بد ان يقود إلى تجدد الحراك لاحتلال وول ستريت.
ودون الخوض في جفاف الاقتصاد، فإن هذا الضخ المالي أو التمويل بالعجز
من المصرف المركزي الأميركي ضار أكثر مما هو مفيد، لأنه:
ضار حيث يدفع دول العالم القوية اقتصادياً ، البريكس مثلا كي تتوقف عن اعتماد الدولار كعملة تبادل دولي، وهذا يضرب العمود الفقري للاقتصاد الأميركي وهذا يقود إلى مأزق اقتصادي داخلي وخاصة ضد الطبقات الشعبية هناك مما ينذر بحراك كما اشرنا.
والسؤال هو: هل سيشجع هذا الضخ المالي واشنطن على الإقدام على عدوان مباشر على سوريا؟ ليس الأمر سهلا لا سيما وان طباعة النقود ربما توزع على مدار السنة. هذا دون أن ندخل في مناقشة رد حلفاء سوريا على اي عدوان أميركي لا سيما أن المواقف الإيرانية والروسية وحتى الصينية واضحة.
أيام حرجة
لا تقاس الحروب بأيام، لا سيما ونحن نتحدث عن حرب عالمية بلا مواربة وهي كذلك حرب متعددة الأشكال. فمن يتابع المدن والقرى التي يحتلها المسلحون يكاد يجزم بأنها تحصينات جيش نظامي وبأن الجيش العربي السوري هو الذي يشن حرب الغوار! وهذا يعني أن الإمكانات المتوفرة للمسلحين تفوق التصور. ومن جة ثانية، فمن الواضح أن الكيان الصهيوني يعيش مأزق: ما العمل؟
هل يدخل مغامرة ضد سوريا قبل أن تجهز على المسلحين ومن ثم تتحول إلى قيادة للأمة العربية مما يعني أن تحريرفلسطين يصبح لأول مرة أكثر قرباً وتُعاد إليه عروبيته؟ هل يدخل الحرب مأخوذا بوهمه القديم حيث لا يتصور أن العربي يمكن أن يصمد وينتصر؟ هل يدخل حربا وهو يرى الشارع العربي قد بدأ بتحول وإن بطيء منتقلا من حافة استدخال الهزيمة؟. بكلمة أخرى، نعيش اليوم سباق اللحظات، بين تداعي المسلحين وبين قلق الكيان ورغبته في التدخل، بينما تقيده مشكلة المركز الإمبريالي ووجود البريكس وإيران؟