عبداللطيف مهنا
إنتهت أزمة اختطاف رجال الشرطة المصريين في سيناء بإفراج مختطفيهم عنهم . كان لشيوخ القبائل هناك دوراً في هذه النهاية السعيدة . إنتهت ، لكنما الأزمة المصرية الأمنية المزمنة هناك لم تنتهِ ، بل باتت شبه الجزيرة المشكِّلة ل6% من مساحة مصر الكلية بؤرة إقلاقٍ حقيقيةٍ تتفاقم تداعياتها . والمفارقة ، أن لاأحد تقريباً في مصر لايشير ، بشكلٍ أو بآخرٍ ، إلى الأسباب الأساس لذلك أو لا يعرف سبل حلولها ، وكم كثر الحديث عنهما ففي وسائل الإعلام على اختلافها ، وحتى رسمياً ، بعيد كل حادثةٍ مشابهةٍ ، لكنما ، وحتى الآن ، لامن جديدٍ يتخذ في معالجتها ، ولايبدو أن هذا سيكون في المدى المنظور على الأقل … هناك سببان رئيسان للفراغ والإنفلات الأمني في سيناء ولا من سبيلٍ للحد منهما دون معالجتهما :
أولهما ، إنتقاص السيادة الوطنية على هذا الجزء الخطير من الجغرافيا المصرية ، أوهذه البوابة الرئيسة التي داهمت مصر من خلالها معظم الأخطار والغزوات الخارجية عبر تاريخها القريب والبعيد ، هذا إلى جانب كونها رابطها الجغرافي بمشارق أمتها والحلقة الموصلة لمشارق الأمة بمغاربها . وهو إنتقاص أوجدته وكرَّسته إتفاقية كامب ديفيد مع عدو مصر التاريخي ، التي أخرجتها من الصراع العربي الصهيوني ، وقضت على تأثيرها ودورها القيادي في أمتها . فهي قسَّمت سيناء إلى ثلاث مناطقٍ ، ألف، وباء ، وجيم ، وحددت وقننت تواجداً ضئيل العدد والعدة للجيش المصري في الأولى ، ومنعته من الحركة في الأخريين دونما تنسيقٍ ، أو بالأحرى إذنٍ مسبقٍ ، من العدو الصهيوني ، وسمحت في الأخيرتين بقليلٍ مما لا يحفظ أمناً ولا يحمي حدوداً من الشرطة. بمعنى أنها جعلت من الفراغ بديلاٍ للسيادة المصرية وحوَّلت سيناء إلى مرتعٍ خصبٍ للموساد ، ومشاعٍ متاحٍ للمهربين ، وحاضنةٍ مثلى لغلاة التكفيريين . مثلاً ، لم يعرف حتى الآن ، أو مالايراد له أن يعرف ، من هى الجهة المجرمة التي ارتكبت مذبحة الستة عشر مجنداً في رفح المصرية وهم يتناولون إفطارهم الرمضاني ! كما من المحظور على الطيران المصري التحليق في اجواء المنطقة جيم بينما الطائرات الصهيونية لاتنفك تفعل هذا ، ناهيك عن الملاحق السرية لهذه الإتفاقية ، وكل مايعني أن حال سيناء القائم ماهوإلا شرط مطلوب لحماية الصهاينة ، كما لايعفيها من التهديدات الصهيونية الدائمة بإعادة إحتلالها .
السبب الثاني ، هو التهميش المزمن ، بل التاريخي ، للسيناويين ، باستثناء الحقبة الناصرية ، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً ، والتعامل معهم وكأنما هم ليسوا مواطنين مصريين ، بل والتشكيك في وطنيتهم ، لاسيما ما جرى لهم في العقود الأخيرة التي تلت كامب ديفد ، أوما تخللها من قمعٍ مفرطٍ إثر كل حادث أمني هناك حينها ، ويقال أنه حتى الآن هناك لايزال مايقارب الألف معتقلٍ منهم ، الأمر الذي تتحدث عنه راهناً كثرة من القوى المصرية السياسية مطالبةً بإنصافهم ، أو ما يثار عادةً بعد كل مناسبةٍ أمنيةٍ سيناويةٍ تحدث ، ثم لايلبث أن يطوى حديثه وتستمر الحال على ماهي عليه … الحال الذي من شأنه أن يُشعِر مصريو سيناء بمزيدٍ من مرارة الغبن والتنكر لتضحياتهم وبلائهم المعروف في الدفاع عن مصر في سني مواجهاتها لأعدائها السابقة على كامب ديفيد ، إذ منهم المئات من حملة الأوسمة التي تشير إلى ماقدموه للوطن والأمة في ذلك الحين ، والمصريون والعرب يتذكَّرون بفخارٍ مآثر منظمة سيناء العربية الفدائية الشهيرة بين حربي 1967 و 1973 ، كما أن أغلب فصائل المقاومة الفلسطينية في أوج عطائها النضالي عرفت مناضلين سيناويين في صفوفها … باختصار ، يمكننا أن نخلص إلى القول ، إنه لامن تنميةٍ ترتجى ولامن أمنٍ متاحٍ في سيناء في ظل كامب ديفيد وملحقاتها السرِّية ومراقبيها الناتويين القابعين فيها …
من هنا ، كم هو مقيت ومستغرب تلكم الأصوات النشاز في مصر المتحفزة دائماً لتحميل الفلسطينيين المحاصرين في غزة كل أوزار المشاكل الأمنية الكامب ديفيدية في سيناء ، أوالملوِّحة بفزَّعة توطينهم فيها ، رغم أنه ، وعلى إمتداد عقود النكبة ، بما فيها حقبة إحتلال غزة ، لم يشأ فلسطيني واحد الإقامةً ، ناهيك عن قبوله توطيناً مزعوماً فيها أو في سواها . بل ذهبت بعض تلك الأصوات الناعقة ، والتي تعدت الإعلامية الى بعض الرموز في القوى السياسية ، إلى اتهامهم بأنهم من فتح السجون المصرية وأطلق مساجينها ، وحتى أن بعض وسائل الإعلام المعارضة لم تتورع عن زعمٍ من شاكلة أنهم يشكلون الحرس الشخصي لرئيس مصر الذي تعارضه ! وهى أصوات أقل مايقال في وصفها بأنها تلتقي مع الإستهدافات الصهيونية الخبيثة الساعية أبداً لبث الفرقة بين شعوب الأمة الشقيقة . لكنما المؤلم وغير المبرر هو إقفال معبر رفح في وجه الفلسطينيين طيلة أيام الإختطاف ، بذريعة احتجاج بعض أفراد الشرطة المصرية على اختطاف زملائهم ، رغم أن المنطق والواقع يقول إنه لاناقة ولا جمل للفلسطينيين أو مصلحة فيما جرى ، وكان وزير الداخلية المصرى قد أعلنها بنفسه من أن الخاطفين هم مصريون صرفاً ومعروفون له بالإسم . إنه الأمر الذي لايمكن فصله بحال ٍعن عملية هدم الأنفاق المبرمجة وغمرها بالمياه العادمة ، رغم كونها وسيلة التنفس المعيشي البائسة والوحيدة لما يقارب المليون وثلاثة ارباعه من الأشقاء المحاصرين بإسهامٍ من أشقائهم هادميها … لاحل لمشاكل سيناء الأمنية دون عودة السيادة المصرية الكاملة عليها ، ولاعودة لهذه السيادة الغائبة ، ولا لدور مصر القيادي التاريخي الغائب في أمتها ، مادامت مصر الرسمية متمسكة باتفاقية كامب ديفيد .