تأليف غريغوري وِلْبيرت وترجمة بسام شفيق ابو غزالة.
تتمة الفصل الثالث
بعثة إدارة الوجه (Misión Vuelvan Caras)([1])
أُنشئت أنوية التنمية الداخلية القابلة للإدامة في وقت مبكر نسبيا من إدارة تشافيز. بعد ذلك بسنتين أو ثلاث، في وقت مبكر من عام 2004، أضافت الحكومة “بعثة إدارة الوجه”، التي صُممت لدعم هذه الأنوية. والحقيقة أن هذه البعثة غدت تحمل على عاتقها إحدى أهم المهمات، حسب المسؤولين الحكوميين، لأنها تمثل الجهد الأكثر قابليةً للَّمْس والأكثر عمليةً لتحويل اقتصاد فنزولا الرأسمالي إلى اقتصاد اشتراكي. وحسب الأدبيات الحكومية، إن “بعثة إدارة الوجه” هي “استراتيجية الحكومة لتحويل النموذج الحكومي الحالي إلى نموذج ذي تطور داخليٍّ قابل للإدامة.”([i]) وهكذا تكون إحدى مهماتها الرئيسية دمج جميع المهمات الأخرى التي تخدم “بعثة إدارة الوجه”. والوظيفة الرئيسية لهذه البعثة تقديم تدريب على المهارات والمساعدة اللوجستية للعاطلين الفنزوليين عن العمل لكي يُنشئوا تعاونيات، إن أمكن، في سياق نواة تنمية داخلية قابل للإدامة.
يقول إلياس حوا، الذي كان أول وزير اقتصاد شعبي، وزارته مسؤولة عن “بعثة إدارة الوجه”، إن 300 ألف فنزولي سيجدون عملاً من خلال هذه البعثة بحلول شهر أيار 2005. وسوف يكون مليون فنزولي قد أخذوا برنامج “بعثة إدارة الوجه” ووجدوا عملا بحلول منتصف عام 2006. مع هذا، يُصرُّ حوا على أن البعثة أكثرُ من محض كونها برنامج توظيف. إذ أن إحدى مهامها الرئيسية، كما يقول حوا، “التحوّل الثقافي في الطريقة التي بها يُنتج المجتمع.”([ii])
المشاريع الإنتاجية الاجتماعية
بصورة متزايدة، بينما كان تشافيز يدافع عن اشتراكية القرن الحادي والعشرين، كان أيضاً يشدد كثيراً على الحاجة إلى مجتمعات تشترك في إقامة هذه الاشتراكية. كان تشافيز يقول إن العمال يحتاجون إلى تطوير خُلُق اشتراكيٍّ جديد، فلا يقتصر تضامنهم على زملائهم العمال وحدهم، بل أيضا مع المجتمع الأكبر.([iii]) ويبدو أن إدراك تشافيز أهميةَ المجتمع قد جاءت من قراءته كتاباً للمنظر الماركسي ستيفن مِسْزارُس، الذي يتكلم عن الحاجة إلى تأسيس تبادل في “نظامِ إنتاجٍ واستهلاكٍ مشاعي.”([iv]) أي أن تشافيز بدأ يُدرك ويتكلم عن أن الاستهلاك والإنتاج في الرأسمالية يقومان على أساس مصلحة المشتري والبائع الذاتية الفردية، فتُستَبعَدُ اهتمامات من هم خارج عملية التبادل المباشر. وهكذا، يجب أن يكون الإنتاج والاستهلاك مؤسَّسَيْن مشاعياً، بحيث تؤخذ في الاعتبار اهتمامات المجتمع بمجمله.
تكمن الوسيلة الرئيسية للتأكد من أن الاهتمامات الاجتماعية والمجتمعية مشمولة في عملية الإنتاج والاستهلاك في فكرة “المشاريع الإنتاجية الاجتماعية” المستنبطة حديثا. وقد أُدخلت هذه الفكرة رسميا أول الأمر بمرسوم صدر في أيلول 2005 ونصَّ على أن المشاريع المُقامة كمشاريع إنتاجية اجتماعية يجب أن تفي بقائمة من المتطلَّبات، مثل “أن تُعيرَ ميزة لقيم التضامن، والتعاون، والتكامل، والتبادلية، والإنصاف، وقابلية الإدامة، قبل قيمة الربحية.”([v]) أضف إلى ذلك أنّ عليها أن تستثمر ما لا يقل عن 10% من أرباحها في المجتمعات التي تعمل فيها وأن تنتج “سلعاً أو خدماتٍ حيث يكون للعمل معناه، من دون تفرقة اجتماعية ولا امتيازات مقرونة بمركز المرء في سلطة ما، وأن تكونَ فيها مساواة حقيقية بين الأعضاء، ويكونَ التخطيط فيها تشاركياً، كما ينبغي أن تعمل تحت أحد ظرفين: إما جماعيا، أو بملكية مختلطة.”([vi]) بعبارةٍ أخرى، لا يمكن للشركاتِ الخاصة كليا أن تكون مؤهَّلةً لأن تُعَدَّ مشاريعَ إنتاجيةً اجتماعية. أما الشركات التي تفي بهذه المتطلَّبات فتصبحُ مؤهَّلة لتمويلٍ خاصّ، ولمشتريات الدولة، ولمنافع الدولة الأخرى التفضيلية. في منتصف عام 2006، سُجِّل 500 مشروع إنتاجي اجتماعي، مع سبعة آلاف مشروع في طور التأهيل.([vii])
الاقتصاد الاجتماعي – تقييم أولي
بأخذ جملة الحال معاً، يُفترَضُ في سياسات تعزيز الائتمان الصغير، والتعاونيات، ومشاركة العمال في الإدارة، وأنوية التنمية الداخلية والقابلة للإدامة، وبعثة إدارة الوجه، والمشاريع الإنتاجية الاجتماعية كلها أن تخلق وتوسع الاقتصاد الاجتماعي في فنزولا. أما مدى إمكانية نجاح هذا البرنامج، فمن المبكر التكهن به. مع هذا فالخطط طموحة. ولم يوضع كثير من خطط هذا المشروع إلا منذ مدة قصيرة نسبيا؛ وللعام 2006، تأمل وزارة الاقتصاد الشعبي في أن يُشمل نيفٌ ومليونُ عامل فنزولي في الاقتصاد الشعبي. فإن تحقق النجاح، فسيعني هذا أن ما لا يقل عن 16% من القوة العاملة ستنشغل في الاقتصاد الاجتماعي. وكبرنامج تشغيلي، سيعني هذا الكثير لدولة تعاني من معدل بطالة بلغ 10-15% فيما بين العامين 2004 و2006، ومن معدل تشغيل غير رسمي بلغ 45-50%.
بيد أن توافق هذا الاقتصاد الاجتماعي ومتانته مع الاقتصاد الرأسمالي الأكبر لا يزال في حاجةٍ إلى إثبات. فإن استمر هذا الاقتصاد الشعبي حياً بفضل المعونات المالية الحكومية فقط، فإن أية انتكاسة لعائدات النفط المتأرجحة في فنزولا قد تُبخِّر هذه الوظائف في لحظة واحدة. وبهذا، لا يزال السؤال مفتوحاً وحاسماً إن كان الاقتصاد الاجتماعي قادراً على منافسة الاقتصاد العادي، واقتصاد دول أمريكا اللاتينية، و الاقتصاد العالمي (إن تعرض لها).
هناك قضية أخرى يواجهها الاقتصاد الشعبي تكمن في البعد الثقافي. فممثلو الحكومة، كالرئيس تشافيز ووزير الاقتصاد الشعبي إلياس حوا، يكررون التوكيد على أن هذه الأشكال الجديدة من تنظيم الإنتاج لا يُقصدُ منها زيادةُ الديمقراطية والمساواةُ فقط، بل ينبغي أيضاً أن تخلق ثقافة جديدة تُعلي قيمة التضامن والتعاون على الفردية والمنافسة. وقد أظهرت تجاربُ في أقاليمَ أخرى، خاصةً في منطقة الباسك في إسبانيا، المعروفة باسم “مُنْدْراغُن”،([viii]) أن في الإمكان رعاية ثقافة جديدة عمادها التضامن والتعاون وتتمتع أيضاً بنجاح اقتصادي. غير أنها أظهرت أيضاً أن النجاح الاقتصادي لمثل هذه التجارب قد يعاني من انتكاسات حين يزداد انكشافُ ذلك النجاح لقوى السوق العالمية، التي تسبب عندئذٍ تكيف التجربة مع السوق العالمية، التي بدورها تعني تبني قيم السوق التنافسية بدل القيم التعاونية والتضامنية.
لضمان نجاح طويل المدى للتعاونيات والاقتصاد الاجتماعي عموماً، يغدو مهماً التفكير بما إذا كانت الأشكال الأخرى من التبادل والتوزيع ممكنة إلى جانب تلك التي يحكمها نظام السوق. ثمة إدراك من لدن حكومة تشافيز لمشكلة كون الأسواق تقوّض الاقتصاد الاجتماعي؛ وقد بُذل بعض الجهد للتعامل مع هذا الأمر. وإحدى وسائل التغلب على هذه المشكلة ما ذكر أعلاه من اشتراك الدولة في شراء منتجات الاقتصاد الاجتماعي، التي يعاد بيعها في مراكز التسوق الحكومية، مثل “أسواق ميركال للبقالة”. وهناك فكرة أخرى طُبِّقت في أيلول 2006 فقط، هي تقديم عملة خاصة تُستعمل ما بين التعاونيات فقط للمتاجرة بالبضائع. وتستند هذه الفكرة إلى ما يُسمى “نظام التبادل والمتاجرة” وإلى فكرة العملة المحلية، مما يسمح للمشاركين بالمتاجرة بالسلع من غير استخدام العملة العادية، ولكنْ من غير اللجوء إلى المقايضة أيضا.([ix]) ولما كانت هذه الفكرة لا تزال في مرحلتها البدائية، فمن المبكر جداً القول ما إذا كانت قادرة حقيقةً على تجنب مشاكل السوق التنافسية، لكنها يمكن أن تكون بداية التحرك صوب أشكال أكثرَ تعاونية للتبادل، كالاقتصاد التشاركي.([x])
غير أن خطط الحكومة للمستقبل تدل على أنه مهما كانت العقبات أمام الاقتصاد الاجتماعي، فإنها تنوي التوسع كثيرا في هذا الاقتصاد خلال ولاية تشافيز 2007-2013. ينص مشروع البرنامج الحكومي لهذه الولاية على أنه بينما يُتوقَّع استمرار تعايش الاقتصاد الاجتماعي، ومشاريع الدولة، والمشاريع الرأسمالية، ينبغي لمشاريع الاقتصاد الاجتماعي أن تنمو عدداً وحجما إلى حد أن يتساوى حجم هذا القطاع يوما ما في المستقبل مع حجم الاثنين الآخرين المتساويين نوعا ما في الحجم. أما كيف سيحدث هذا بالضبط، أيكون بتأميم المشاريع الخاصة، أم بزيادة الدعم الحكومي للاقتصاد الاجتماعي، أم بوسائل أخرى، فالأمر غير واضح تماما. مع هذا، ينصُّ البرنامج على أن لهذا التحول أن يحدث بالتدريج وعلى الأقل جزئيا بتحويل بعض المشاريع الخاصة إلى مشاريع اقتصاد اجتماعي. كذلك ينص مشروع البرنامج على أن مشاريع الدولة سوف تُحوَّل إلى مشاريع إنتاج اجتماعي. فإن نجحت ونجح التغلب على محاصصة السوق بآليات تشاركية لا مركزية، فالسبيل إلى مُثُل اشتراكيةِ القرن الحادي والعشرين ستغدو مرئية.
قابلية الإدامة المالية
إذا كان الاقتصادُ الاجتماعيُّ غالبا ما يُدعم بالمعونة المالية، فإن قابلية الإدامة المالية مسألةٌ مهمة ليس للدولة وحدها، بل للمشاريع الاقتصادية الجديدة التي أوجدتها حكومة تشافيز أيضاً. وقابلية الإدامة المالية هذه هدف رئيسي كذلك لخطة التنمية الحكومية للأعوام 2001-2007. ومما يدعو إلى السخرية أن فنزولا، منذ الطفرة النفطية في نهايات سبعينات القرن العشرين، تكافح من عجز مالي كبير على مستوى الدولة ومن دين عامٍّ ثقيل. ويعود جزء من سبب هذا الحال إلى أن صناع السياسة عموماً كانوا يشعرون بإمكانية الاعتماد على دخل النفط الذي كان على مستوى ما كان عليه في السنة السابقة، على الأقل. بيد أن الحال، مع استمرار هبوط أسعار النفط، نادرا ما كان هكذا؛ لذلك اعتادت الحكومات على الاستدانة والعمل بميزانية يشوبُها العجز، ظنا منها أنها ستسد الدين في السنة التالية. ثم أصبح واضحاً أن هذا لن يحدث فاضطرت الحكومات إلى تخفيض النفقات، وهو ما فعلته وما قاد إلى تفكيك تدريجيٍّ لدولة الرفاه الفنزولية بين الأعوام 1980 و1998.
فيما يتعلق بحكومة تشافيز، كان أحدُ أهم عناصر بلوغ قابلية الإدامة المالية تعظيمَ واردات الحكومة، بالدرجة الأولى. وكان على هذا أن يتمَّ، حسب خطة الحكومة، بزيادة الواردات من النفط وغير النفط معا. وكان على الواردات من النفط أن تزداد من أسعار أعلى للنفط ومن الضرائب على صناعته. كما كان على الإيرادات من غير النفط أن تزداد بتطبيق قوانين الضريبة الحالية بشكل أشد حزما. أما العنصر الثاني في بلوغ قابلية الإدامة المالية، فيُفترَض أن يكون بزيادة كفاءة الدولة، بحيث يزداد الإنفاق على الإدارة العامة. وكان على هذا أن يتم أساساً بضبطٍ أشدَّ لمحاسبة نفقات الدولة. أخيرا، كان العنصرُ الثالث تحسينَ إدارة الدين العام، بمطِّ برنامج إعادة الدفع (الذي يتضمَّنُ دفعاتٍ متراكمةً في فترات قصيرة، مما يكاد يجعلها غير قابلة للدفع)، وبالاستفادة بشكل أكبر من سوق الائتمان المحلي بدل العالمي – أي بتحويل الدين الخارجي إلى داخلي.
فيما يتصل بالعنصر الأول، استطاعت حكومة تشافيز أن تزيد الإيرادات النفطية وغير النفطية كلتيهما، باستثناء سنتي الأزمة. ومنذ تولى تشافيز الرئاسة، عام 1999، حتى عام 2001، ازدادت الإيرادات النفطية من ستة مليارات دولار إلى أحد عشر مليارا. لكن هذه الإيرادات هبطت إلى ثمانية مليارات دولار عام 2002 وإلى 9.7 مليار دولار عام 2003. بعد ذلك، مع صعود سعر النفط صعوداً ثابتاً، صعدت الإيرادات النفطية بشكل ملحوظ مرة أخرى إلى 13.5 مليار دولار عام 2004، و18.9 مليار دولار عام 2005. كذلك ازدادت الإيرادات من غير النفط بين عام 1999 وعام 2001 من 14 مليار دولار إلى 19.5 مليار دولار، ثم هبطت في أثناء سنتي الأزمة إلى 10 مليارات دولار و14 مليارا، لترتفع عام 2004 إلى 17 مليار دولار و20 مليارا في العام 2005.([xi]) كانت فنزولا تشهد في الماضي مثل هذا التأرجح الجامح في إيراداتها بسبب تقلب سعر النفط. مع هذا، كانت تقلبات سعر النفط خلال رئاسة تشافيز تطغى عليها الآثار الاقتصادية للنزاع السياسي.
فيما يتعلق بالسيطرة على دين فنزولا، كانت حكومة تشافيز أقل نجاحاً مما كانت عليه في تعظيم وارداتها. وبمعنى ما، يعيد تاريخ فنزولا نفسه، إذ أن فترته السابقة التي شهدت المديونية العظمى، في نهايات سبعينات القرن العشرين وبدايات الثمانينات، توافقت مع فترته التي شهدت الواردات العظمى للدولة. مع هذا، استطاعت فنزولا حديثاً أن تسدد بعض دينها للدول الأمريكية-اللاتينية الأخرى، أي 26.7 مليار دولار البالغة 23% من الناتج المحلي الكلي.([xii]) ولا يزال الوضع أعلى بمبلغ 3.5 مليارات دولار مما كان عليه يوم تولَّى تشافيز الرئاسة.
في أثناء السنوات الثلاث من ولايته، اتبع تشافيز إستراتيجية مالية محافظةً نسبياً، وكذلك حوّل قدراً كبيراً من الدين العام من خارجي إلى محلي.([xiii]) غير أن العامين الرابع والخامس من ولايته (2003-2004) اتصفا بالعجز لهبوط الواردات بشكل مذهل بسبب انقلاب المعارضة وإضراب صناعة النفط. وبذلك ارتفع مجموع الدين العامّ (الخارجي والمحلي) من 27% من الناتج المحلي الكلي عام 2000 (أدنى مستوى خلال 18 عاما)([xiv]) إلى 39% عام 2004. وبالأرقام المطلقة، كان الدين الخارجي قد خُفِّض عام 1998 من 23.4 مليار دولار إلى 22 ملياراً عام 2001. لكنه ارتفع ثانيةً في الأعوام التالية إلى 31 مليار دولار عام 2005 ثم انخفض عام 2006 إلى 26.8 ملياراً. وهكذا ارتفع الدين العام قليلا في نسبته المئوية من الناتج المحلي الكلي من 29.6% إلى 32.0% في السنوات السبع الأولى من ولاية تشافيز. مع هذا، يمكن ثانيةً رد قفزات المديونية إلى عامي الأزمة 2002 و2003.
أخيراً، لا نرى تحسنا كبيراً فيما يتعلق بخطة الحكومة زيادة كفاءة الدولة في نشاطها الاقتصادي والمالي. فمن جانب، خفضت الحكومة الميزانيات التقديرية السرية بنسبة 80%. وغالبا ما كان هذا يُستخدم في الماضي من قبل الوزراء وغيرهم من المسؤولين الحكوميين كأحد مصادر الفساد الرئيسية في الدولة الفنزولية. كذلك تحسنت المراقبة في مجالات عديدة، غالباً عن طريق “المراقبة الاجتماعية” (مشروحة في الفصل الثاني)، وقد أصبح مراقبُ النفقاتِ العامُّ الآن مستقلاً رسميا عن السلطة التنفيذية، فهو بهذا أكثر حرية في متابعة الاتهامات بالفساد. على الجانب الآخر، تبدو الدولة محشوة بأعداد لا حصر لها من الموظفين المدنيين من عديمي الخبرة أو قليلي المهارة، لأن الكثرة ممن كانوا في الإدارة العامة إما اضطُروا إلى تركها أو تركوها برضاهم لأنهم كانوا في صف المعارضة. كذلك، كثيرا ما عُرف الكثيرون من المتعاطفين مع المعارضة ولم يتركوا بتخريبهم تطبيق سياسات الحكومة بطريقة فعالة أو سلبية. والنتيجة، طبعا، انحطاطٌ كبير في كفاءة الدولة. وبهذا تميل التغييرات الإيجابية والسلبية في الإدارة العامة إلى إلغاء بعضها بعضاً.
ما تحتاج فنزولا إلى عمله لكي تُحسِّن حقاً كفاءة جهاز الدولة هو إصلاح الإدارة إصلاحا كاملاً. مع هذا، لم تظهر حتى الآن إستراتيجية واضحة المعالم حول كيفية القيام بمثل هذا الإصلاح. لقد كرر تشافيز التصريح بالحاجة إلى الإصلاح، لكنّ ما تحقق قليل، باستثناء مجالات قليلة ملحوظة، كمكتب جباية الضريبة ومكتب الاستقصاء. تذكر مسوّدة الخطة الحكومية للأعوام 2007-2013 الحاجة إلى الإصلاح في الدولة، غير أنه في ما عدا ذكر الأهداف، مثل “ضمان مشاركة الناس في الإدارة العامة الوطنية،” و”رفع مستويات العدالة والفعالية والكفاءة ونوعية عمل الدولة،” و”بناء مُثُل جديدة للموظف العام،” و”محاربة الفساد في جميع مظاهره بطريقةٍ منهجيّةٍ،” ليس هناك تفاصيل حول كيفية بلوغ هذه الأهداف.([xv])
سياسة النفط
مقارنةً بالجهود التي لا تخلو من مشاكل لإصلاح الإدارة العامة، أحرزت حكومة تشافيز نجاحاً باهراً في إصلاح صناعتها النفطية. وقد تبيّن أن هذا الإصلاح كان حاسماً في تمكين تشافيز من تحويل فنزولا إلى تجربة لاشتراكية القرن الحادي والعشرين. فمن غير عائدات النفط الضخمة، لم يكن محتملاً أن يستطيع تشافيز توجيه البلاد في اتجاه متزايد في جذريته.
أمران لا بد للمرء من أن يعرفهما عن النفط في فنزولا. الأول أن فنزولا هي خامس أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، وتتمتع بأكبر احتياطي من النفط التقليدي (الخام الخفيف والثقيل) في نصف الكرة الغربي، وبأكبر احتياطي من النفط غير التقليدي (الخام الثقيل جدا) في العالم. والثاني أن إنتاج النفط صناعة غير عادية نسبياً لأنها إحدى الصناعات الأعلى ربحاً. ولما كان النفط دم حياة المجتمع الحديث، بشكل حرفي تقريبا، فليس هناك عملياً نشاط اقتصادي قادر على إنتاج أرباح على مستوى صناعة النفط. فالنسبة ما بين كلفة إنتاج وحدة واحدة من النفط وبين سعرها في السوق هي في العادة أعلى بكثير من معظم الصناعات الأخرى. (كانت نهايات تسعينات القرن العشرين استثناء ملحوظا.) ليست إمكانيةُ توليد النفط أرباحا ضخمة وحدها السببَ في تكرار حدوث النزاعات، لكنْ، لما كان النفطُ لا يزال أكثر مصدر طاقة للمجتمع الحديث كفاءة، فإن قيمته الجغرافية-الإستراتيجية تولِّد النزاع أيضا.
لفهم السياسة النفطية لدى حكومة تشافيز، من المنطق أن نبدأ بنظرة موجزة إلى تاريخ صناعة النفط في فنزولا. يمكن المرءَ أن يقسم هذا التاريخ إلى خمس فترات: اكتشاف النفط وإنتاجه الابتدائي (1912-1943)، إصرار فنزولا على السيطرة على صناعة نفطها (1943-1974)، الطفرة النفطية وتأميم صناعة النفط (1974-1983)، تدويل صناعة النفط وخصخصتها تدريجياً (1983-1998)، ثم محاولة حكومة تشافيز استعادة السيطرة على صناعة نفط مستقلة ومملوكة للدولة (1999-2004).
ولادة الدولة النفطية (1912-1943)
وجود كميات كبيرة من النفط في فنزولا حقيقةٌ معروفة منذ ما قبل الفترة الكولُمبية، حين كان سكان فنزولا المحليون يستخدمون النفط والأسفلت، اللذان كانا ينزان إلى السطح، لأغراض طبية وأخرى عملية. بيد أنه لم يكن إلا عام 1912 أن حُفرت أول بئر نفطية. وبعد ذلك بقليل، أصبحت شركة شل الملكية الهولندية وشركة ستاندرد أويل (رُكفلر) المنتجتين الرئيسيتين للنفط في البلاد. وخلال سنين قليلة، بحلول عام 1929، أصبحت فنزولا ثاني أكبر دولة منتجة للنفط بعد الولايات المتحدة، وأكبر دولة مصدرة للنفط في العالم. وبين عامي 1920 و1935، ارتفعت نسبة صادرات النفط الفنزولي من 1.9% إلى 91.2%.([xvi]) وقد كان لهذا، بالطبع، أثر فوري ومذهل على اقتصاد البلاد على شكل “المرض الهولندي” الذي ذكرناه من قبل. فانخفض الإنتاج الزراعي إلى ما يقرب من الصفر في زمن قصير نسبيا، وتراجعت البلاد صناعيا، بالنسبة إلى دول أمريكا اللاتينية الأخرى.
تقوية الدولة النفطية (1943-1973)
في العام 1943، مرت فنزولا بإصلاح واسع في سياستها النفطية بسن قانون الهيدروكربون، الذي ربط دخل الدولة الفنزولية ربطاً أوثق باستخراج النفط. وبينما كان الدخل السابق من النفط مستنداً في معظمه إلى الامتيازات والجمارك، ربط قانون الهيدروكربون الجديد عائدات النفط بالضرائب على الدخل من التعدين. وقد قرر هذا القانون أنه لا يحق للشركات الأجنبية أن تحقق من النفط أرباحاً أعلى مما تدفعه للدولة الفنزولية. وقد قاد الدخل النفطي المتزايد باستمرار إلى اعتماد الدولة المتزايد على مصدر الدخل هذا بدل الضرائب على الدخل الفردي.([xvii]) غير أنه بحلول العام 1950، بدأت صناعة النفط العالمية تتحسس آثار زيادة إنتاج النفط، خاصةً عقب زيادة إنتاج النفط في الشرق الأوسط وفرض حصص الاستيراد في الولايات المتحدة. وقد كانت النتيجة ثمنا منخفضا للنفط انخفاضاً مزمنا. وللتغلب على هذه المشكلة، قررت الدول الرئيسية المصدرة للنفط في العالم في ستينات القرن العشرين، بِحثٍّ من الحكومة الفنزولية لها، أن تُنشئ منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك). كذلك في ستينات القرن العشرين، أقامت فنزولا شركة نفط فنزولا، التي شكلت لاحقاً القاعدة لتأميم صناعة النفط الفنزولية.
الطفرة النفطية وتأميم الصناعة النفطية (الزائفة) (1971-1983)
مع حظر تصدير النفط في الشرق الأوسط عام 1973، تضاعفت أسعار النفط أربع مرات، وتضاعفت معها عائدات الحكومة الفنزولية من 1972 إلى 1974. ولم يسبق أن حدثت في فنزولا هذه الزيادة المفاجئة والكبيرة في دخل الحكومة. وقد سمحت للرئيس المنتخب حديثاً، كارْلُس أندريس بيرِيز، أن يعد الفنزوليين بأن تصبح بلادهم دولة متطورة خلال سنوات قليلة. وقد عُرف مشروعه باسم “فنزولا الكبرى” (La Gran Venezuela) وافتُرض فيه أن “يَبْذُرَ النفط” بالجمع بين محاربة الفقر، عبر ضبط الأسعار وزيادة الدخل، وتنويع اقتصاد البلد، عبر الاستعاضة عن الاستيراد. وكان جزءاً من هذه الخطة أيضاً تأميمُ صناعة النفط في فنزولا، التي تمت خلال سنتين اثنتين، وانتهت عام 1976 بإنشاء شركة نفط فنزولا.
يقول كثير من المحللين الذين انتقدوا عملية التأميم هذه إن تأميم صناعة النفط في فنزولا كان زائفاً لأنه لم يكن سوى نقل لملكية هذه الصناعة، من غير نقل الإدارة أو ثقافة الإدارة وسياساتها.([xviii]) أي أن هذه الصناعة لم تزل تديرها الإدارة عينُها، في ظل المبادئ والأهداف عينِها، كما كان الحال قبل التأميم، حتى حين أصبحت مملوكة لمالك جديد. وقد حافظت شركة نفط فنزولا طوال وجودها على ثقافة إدارية تجارية عابرة للقومية مغايرة لهيمنة الدولة. أما روابط الشركات الفنزولية المؤممة مع المالكين السابقين، فكان يُحافظ عليها بشكل رئيسي من خلال عقود المساعدة التقنية والعقود التجارية، التي خفّضت سعر النفط على المالكين السابقين تخفيضاً ضخما. وهذا يفسر سبب عدم اهتمام هذه الصناعة حقيقةً بالمصالح الفنزولية. فالإدارة، بكل بساطة، لم تكن تشعر بالولاء لفنزولا، بل لشركة النفط فقط، لذلك كان هدفها الوصول بالإنتاج والمبيعات، لا بالأرباح، إلى الحد الأقصى، وهو، من منظورهم، محض تبذير.
هناك بعدٌ آخر لفقدان السيطرة الحكومية على شركة نفط فنزولا في هذا الوقت يتمثل في ضعف أهمية وزارة الطاقة والتعدين نسبيا. فشركة نفط فنزولا تابعة رسمياً لهذه الوزارة، غير أنها، عمليا، أقوى من الوزارة. فقد كانت شركة نفط فنزولا تتجاهل بانتظام تعليمات وزارة الطاقة والتعدين، مثل تركيب أجهزة قياس حديثة لتحديد مستويات إنتاج النفط أو الالتزام بالحصص التي تحددها أوبك. كذلك، كان موظفو وزارة الطاقة يتقاضون رواتب تقل عن نصف ما يتقاضاه نظراؤهم في شركة النفط، وفي بعض الحالات، كانت الشركة تدفع دخلا إضافيا لموظفي الوزارة، مما يجعلهم مدينين بالفضل لمصالح الشركة.
أكثر من ذلك، قام مجلس إدارة شركة نفط فنزولا بجعل فقدان سيطرة الحكومة على صناعة النفط أمراً رسميا. فبينما يُفترَض عادة في أي مجلس إدارة أن يمثل مصالح المالكين أمام الإدارة، كان مجلس إدارة شركة النفط، بكامله تقريباً، تُعيِّنه إدارة الشركة العليا، وبسبب خلفية أعضائه كانوا يميلون إلى تمثيل الإدارة. لهذا السبب، حين عيّن تشافيز مجلس إدارة من خبراء النفط، لا من شركة النفط، احتجت إدارة الشركة وانضمت إلى وقف العمل في نيسان 2002 ضد الحكومة. كان تشافيز يكسر تقليداً عمره عشرات السنين يَعُدُّ بلوغ عضوية المجلس أعلى ترفيع يصل إليه أحد مدراء شركة النفط.
تدويل صناعة النفط وإلغاء تأميمها (1983-1998)
مع الأزمة النقدية وتطبيق ضبط تداول العملة عام 1983، تطلعت الحكومة المركزية صوب شركة نفط فنزولا للمساعدة في إنقاذ الحكومة باستخدام صندوق الاستثمار في الشركة. هذه الخطوة، مضافاً إليها فقدان فرص الاستثمار داخل البلاد، جعلت المدراء التنفيذيين في شركة النفط يُعيدون التفكير بإستراتيجيتهم بالنسبة إلى الدولة الفنزولية ويبحثون عن وسائل حماية واردات الشركة مما عدُّوها دولةً يتزايد عجزها وفشلها. وكان الحل في تدويل الشركة بالاستثمار خارج فنزولا. في هذه الفترة، اشترت شركة نفط فنزولا العديد من مصافي النفط في الولايات المتحدة وأوربا (كسلسلة المصافي ومحطات البنزين الأمريكية “سيتْكو”). كذلك، باستخدام “تسعيرة التحويل” – أي بيع النفط الفنزولي لفروع الشركة – وقعت شركة نفط فنزولا عقوداً طويلة الأمد كان النفط بموجبها يباع بخصم، وهكذا حولت شركة نفط فنزولا الأرباح إلى خارج البلاد. في وقت متأخر من تسعينات القرن العشرين، كانت شركة نفط فنزولا تُحوِّل 500 مليون دولار سنويا من فنزولا إلى فروعها الخارجية.([xix]) كذلك لم تكن تلك الفروع، خلال هذه الفترة، تدفع أية أرباح لشركة نفط فنزولا.
في العام 1989، اتبعت شركة نفط فنزولا طريقة محاسبة موحدة عالمياً، بحيث توازن الكلف والخسائر خارج فنزولا مع العوائد والأرباح داخلها. وإذ كانت محاسبة العمليات في فنزولا والخارج تُجرى في السابق منفصلة، فقد نتج عن توحيد المحاسبة استيرادٌ ضخمٌ للكلف التي كانت تحدث في الخارج. ولما كان معدل ضريبة شركة نفط فنزولا داخل فنزولا ضعفي قيمته في الولايات المتحدة، مثلا، كان على الشركة أن تحوِّل حصةً أقلَّ كثيراً من عائداتها للحكومة.
كان تدويل برنامج التدويل من بدايات ثمانينات القرن العشرين إلى أواخر التسعينات يُنفَّذ تحت شعار تكامل الشركة رأسياً على المستوى العالمي. وبينما بدأت أيضاً شركات نفط أخرى تملكها الدولة مشاريع تكامل رأسي، كانت شركة نفط فنزولا أكثرها طموحا. وقد كان أحد الأسباب الرسمية لهذا أن نفط فنزولا إجمالاً خام ثقيل جداً، ويحتوي على العديد من المكونات غير المرغوب فيها في المنتجات النفطية النهائية، كالكبريت، والنتروجين، وعناصر معدنية متعددة. بعبارة أخرى، يتطلب الخام الفنزولي عملية تصفية معقدة قليلا لا تستطيع إجراءها جميع المصافي. فكان المنطق وراء امتلاك مصافٍ أجنبية أن مثل هذه المصافي يمكن إعادة تحويرها للتعامل مع الخام الفنزولي وأن تقدم منتجاتٍ نفطيةً مصفّاةً للسوق الأقرب للمصفاة. وهكذا كانت الفكرة ضمان وجود سوق للنفط الفنزولي الخام.
غير أن الكثرة من المصافي المشتراة، إن لم يكن معظمها، قد اشتريت بصفقة، لأن البائع، عموماً، لم يستطع أن يجد وسيلة لجعلها مربحة. نتيجةً لذلك، حاولت شركة نفط فنزولا تجنب الخسائر في هذه المصافي إما بتزويدها بالخام الفنزولي بسعر أقل من سعر السوق، أو بتجنب كليٍّ لعملية إعادة التحوير المكلفة وتزويد المصفاة بخام أخفّ من دول أخرى مثل روسيا.([xx]) والنتيجة الصافية لعملية التدويل وللطريقة المحاسبية الجديدة كانت أن الكلف الضخمة التي حدثت خارج فنزولا كانت “تُستورد” إلى الفرع الوطني من شركة نفط فنزولا، مما كان يخفض الأرباح الكلية والتحويلات للحكومة.
هناك خطة أخرى وضعها مدراء شركة نقط فنزولا للتهرب من الضرائب الحكومية خلال هذه الفترة تمثلت في تقويض الحصص المتفق عليها في أوبك، مما كان يساعد على انخفاض سعر النفط وتقليل عائداته. أولا، ابتداءً من العام 1983، كانت الحصص تقاس على أساس موانئ الدولة، بدل الآبار، كما كان الحال سابقا. وكان هذا يعني أن النفط المستهلك محلياً لم يعد يقاس كجزء من حصص أوبك. كذلك، لم تكن الحكومة تعرف بالضبط الكمية المنتجة، فكانت شركة نفط فنزولا تتجنب دفع حقوق على بعض النفط المنتج. أخيراً، كان إنتاج النفط مفتوحاً للاستثمار العالمي لأول مرة في تسعينات القرن العشرين. ولم تكن اتفاقيات التشغيل هذه تُحسب من الحصص المخصصة للدولة من قبل أوبك، وكانت الضريبة عليها أقل منها على معدل إنتاج شركة النفط. وهكذا، حين كانت محاصصة أوبك تتطلب خفضاً للإنتاج، كان ما تخفضه شركة نفط فنزولا هو النفط الأعلى ضريبةً وليس النفط الأقل ضريبةً بموجب اتفاقيات التشغيل. كذلك صنفت شركة نفط فنزولا احتياطيات النفط الثقيل جداً في “نطاق نفط أورينوكو” على أنه قار، فلم يكن إنتاجه خاضعاً لنظام الحصص في أوبك. وقد سمحت زيادة إنتاج الخام الثقيل جدا لشركة نفط فنزولا بتخفيض التزامها الضريبي لأن هذا كان خاضعاً لمعدل ضريبي أقل بكثير من إنتاج النفط العادي.
هناك مصدر آخر للكلف المتزايدة ناتج عن الاعتماد على خدمات تشغيل خارجية، حيث فتحت شركة نفط فنزولا حقول نفط هامشية أمام مستثمرين خاصين. وقد عُرف البرنامج باسم “الفتح” (Apertura). وابتداء من بواكير تسعينات القرن العشرين، طلبت شركة نفط فنزولا ضرائب وحقوق امتياز مخفضة لشركات النفط الأجنبية على إنتاج النفط من الحقول الأقل ربحا. وإذ يبدو هذا الطلب منطقيا لأن الحقول الهامشية مكلف تشغيلها كثيراً، كانت النتيجة إنتاج نفط مكلف جداً وفي بعض الحالات غير مربح. فمن ضمن 3.2 مليون برميل تنتجها فنزولا يومياً، كانت 500 ألف برميل في اليوم تأتي من حقول مكلفة تُشغِّلها شركات خارجية.([xxi]) وفي منتصف عام 2005، أعلنت شركة نفط فنزولا أن العديد من اتفاقيات التشغيل كانت تأتي بالخسارة لشركة النفط لأن شركات النفط العالمية كانت تطلب ثمناً لعملية استخراج النفط أعلى من ثمنه الممكن في السوق. وقد كان متوسط ثمن استخراج برميل واحد من النفط 52% من ثمن بيعه – وهي نسبة أعلى بكثير من الحقول التي تعمل فيها شركة نفط فنزولا.([xxii]) ومع نهاية رئاسة رفائيل كلْديرا عام 1998، دفعت شركة نفط فنزولا ضرائب بلغت 39% فقط من عائداتها الكلية، مقارنةً بـ71% دفعتها عام 1981.([xxiii])
يمكن رؤية تدني كفاءة شركة نفط فنزولا حين يقارن المرء هذه الشركة مع شركات نفط أخرى تملكها الدولة. فحسب درجات تصنيف المنزلة لدى مجلة الاقتصاد الأمريكي(América Economía)،([xxiv]) كانت شركة نفط فنزولا أكبر شركة أمريكية لاتينية عام 2000، ولكنها فيما يتعلق بالكفاءة كانت منزلتها الأدنى بين الشركات الخمسين الأعلى كفاءة، وأدنى بكثير جداً من منافساتها المملوكة للدولة، مثل بِتْروبْراس في البرازيل، أو بيمكْس في المكسيك، أو بتروكوادور في الإكوادور.([xxv]) وتُظهر مقاييس أخرى للربحية نتائج مشابهة. من ذلك مثلا، فيما يتعلق بالإيرادات النقدية المقدمة للحكومة لكل برميل منتج من النفط، دفعت شركة نفط فنزولا حوالي ربع (8.34 دولار) ما دفعته بيمكس للحكومة (24.66 دولار) عام 2001.([xxvi])
مما يدعو إلى السخرية أن لدى شركة نفط فنزولا من الموظفين جزءاً بسيطا من عدد موظفي بيمكس، وهو ما يمكن رده إلى أنها تستخدم الآلات ذاتية العمل على نطاق واسع، كما تلجأ للخدمات الخارجية ومقاولي الباطن. مع ذلك، من المعروف جدا داخل هذه الشركة أن لديها ضعفي عدد حاجتها من العاملين الإداريين. في العام 1997، دمجت شركة النفط ثلاثةً من فروعها، هي كورْبوفِن ولاغوفِن ومارافِن، في الشركة الأم. وحسب كارْلُس رُسِّي، الاقتصاديِّ السابق لدى شركة نفط فنزولا، غلب على مقر الشركة الرئيسي في كاراكاس اسم “هوليوود” لأن “لكل من هناك [في الشركة في كاراكاس] كان يوجد بديل.”([xxvii])
يُظهر ما أسلفنا مدى الأهمية القصوى للنزاع على النفط في البلاد. فعلى المستوى الأوضح، كان النزاع بين حكومة تشافيز وصناعة النفط حول من يسيطر على شركة النفط. لكن ما هو أبعد من ذلك أن القضايا المحددة التي لأجلها يُقاتَل على السيطرة لها علاقة بكفاءة الشركة، وبرنامجها التدويلي، واعتمادها على المشغلين الخارجيين ومقاولي الباطن، وعضوية أوبك، وعقود النفط الخاصة.
______
[1] هذا الاسم “أدر الوجه” مشتق من التعبير العسكري حين يؤمر الجنود بإدارة وجههم صوب منصة القائد، مثلا. والمقصود هو التركيز. [المترجم]
[i] وزارة الاقتصاد الشعبي، بعثة إدارة الوجه. (http://www.minep.gov.ve/).
[ii] المقابلة مع حوا، م.س.
[iii] ليبوفِتس يقتبس خطاب تشافيز في حزيران 2005 في باراغواي، حيث قال تشافيز، “غالباً ما يطالب العمال براتب عادل ومنافع أخرى، وإن لهم الحق في هذا. لكن الطبقة العاملة مضطرة ليس إلى المطالبة بحقوقها فقط، بل إلى أن تجعل من نفسها عاملا لتحويل المجتمع.” ومضى تشافيز مضيفاً هذا التشبيه، “إذا كنت مسافراً مع أطفالك الثلاثة وزوجتك في سيارتك المكيفة ومررت بطفل يبلغ ثماني سنوات واقفاً في الشارع أو في منتصف الليل، أليست هذه مشكلة لك أيضا؟”
[iv] مسزارُس (1995)، ص. 758، ذُكر أيضاً في ليبوفِتز (2006). وقد أشار تشافيز إلى مسزارُس في برنامجه “مرحبا أيها الرئيس” (Alo Presidente) في 17 تموز 2005
[v] المادة 3 من المرسوم الرقم 3،895، 13 أيلول 2005، نشر في الجريدة الرسمية، ع. 38،271.
[vi] شركة الإنتاج الاجتماعي” (Empresas de Produccion Social)، مقال ظهر في مجلة شركة نفط فنزولا، بَذر النفط (Siembra Petrolera)، ع. 1، كانون الثاني-آذار 2006، ص. 55.
[vii] المصدر: اتصال شخصي مع دائرة العلاقات العامة في شركة نفط فنزولا.
[viii] للاطلاع على دراسة حديثة حول مُنْدْراغُن، راجع تشيني (1999).
[ix] بينما توجد أشكال مختلفة للعملة المحلية، أو نظام التبادل والمتاجرة، حيث يعمل بعضها أفضل من بعضها الآخر، فإنها في أفضل الأحوال تعزز حقاً التضامن والتعاون وتُبعد تحويل العملة عن التنافس، الذي هو أحد أهم عوامل تقويض الثقافة والعمل التعاونيين. للحصول على دليل لأنظمة نظام التبادل والمتاجرة، راجع (www.lets-linkup.com).
[x] راجع ألبرت (2003) وماهنِل (2005) لتفسير ما يمكن أن يبدو عليه الاقتصاد التشاركي.
[xi] تستند هذه المعطيات إلى وزارة المالية ومجلة العالمية (El Universal)، 27 آذار 2005، “الحكومة التي ترفض أن تقتصد” (gabierno que se niega a ahorrar)، معطيات وزارة المالية (www.mf.gov.ve).
[xii] يُقارن مجموع مديونية فنزولا (الخارجية والمحلية) البالغة 32% إيجابيا بمديونية كولمبيا (44.2%) والبرازيل (50.2%) والولايات المتحدة (64.7%) وألمانيا (68.1%) والأرجنتين (69.7%). وحدها غواتيمالا (26.9%) والمكسيك (21.2%) والتشيلي (8.1%) هي الأقل مديونية في أمريكا اللاتينية. (المصدر: وكالة الاستخبار المركزية: كتاب الحقائق العالمي [The CIA World Factbook].)
[xiii] في العام 1998، كان الدين الخارجي 25.2% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما كان المحلي 4.4%. وبحلول 2004، كان الخارجي 25.1% والمحلي 13.9% من الناتج المحلي الإجمالي (المصدر: وزارة المالية).
[xiv] في العام 1983، كانت مديونية فنزولا 22% من الناتج المحلي الإجمالي، حسب كارل (1997)، ص. 268.
[xv] مسوّدة 2007-2013 من برنامج الحكومة.
[xvi] تَغْوِل، فرانكْلن. السياسة النفطية في فنزولا (Tugwell، Franklin. The Politics of Oil in Venezuela). منشورات جامعة سْتانفُرْد، 1975. ص. 182.
[xvii] من ذلك أنه بينما بلغت ضرائب الدخل الفردية في السبعينات 4.1% فقط من مجموع الدخل الضريبي، وبلغت ضرائب الشركات 70.3%، كانت الضريبة في كولمبيا المجاورة موزعة أكثر تساويا بين المصادر المختلفة، بحيث بلغت ضريبة الدخل الفردية 11% وضريبة الشركات 12.8% من مجموع ضريبة الدخل. (المصدر: تِري لِن كارْل، مفارقة الوفرة: الازدهار النفطي والدول النفطية (T.L. Karl، The Paradox of Plenty: Oil Booms and Petro States). منشورات جامعة كاليفورنيا، 1997، ص. 89.).
[xviii] يقول مُمِّر (2003)، “لقد غير التأميم، في أغلب الحالات، ملكية صناعة النفط، لا الإدارة” (ص. 132). وبيرنَرد مُمِّر اليوم نائب وزير للهدروكربون في حكومة تشافيز. وهذه المقولة لكارلُس مندوزا بوتِلا، المحلل العريق لصناعة النفط في فنزولا، ولغيره ممن يكتبون لموقع (www.soberiana.org) على الشبكة.
[xix] م.ن. ص. 135.
[xx] راجع (“Cuentas Crudos، Precios Refinados،” El Nacional) صحيفة إل ناسبونال، 17 تشرين الثاني 1998.
[xxi] يكلف إنتاج النفط الذي يستخرجه مقاول خارجي 10.94 دولارات للبرميل الواحد، بينما يكلف الذي تستخرجه الشركة 2.03 دولار (في عام 1997). المصدر: وايْزْبْرُت وباريبو (2003). هناك سيئة أخرى لهذه الاتفاقيات في أن أي تغيير في التشريع إن كان “يضر” الشركاء يعني أن على فنزولا أن تدفع تعويضاً على العطل والضرر. كذلك قبلت شركة نفط فنزولا، لأول مرة في تاريخ فنزولا، تحكيماً خارجياً في حالة أي خلاف على العقد.
[xxii] رامِريز، رفائيل (2005): “سياسة نفطية وطنية، وشعبية، وثورية لفنزولا،” (A National، Popular and Revolutionary Oil Policy for Venezuela) نُشرت على (http://www.venezuelanalysis.com/articles.-php?artno=1774).
[xxiii] ن.م. ص. 137.
[xxv] تقع شركة نفط فنزولا في المركز الرابع والعشرين في نسبة العائدات إلى الأصول، والتاسع والأربعين في نسبة العائدات إلى المبيعات، والخمسين في نسبة العائدات إلى الأصول الثابتة.
[xxvi] المصدر: وايْزْبْرُت وباريبو (2003). (أرقامهما تستند إلى “لجنة السندات المالية والتحويل.)
[xxvii] كارلُس رُسِّي، “المشاكل العمالية لدى شركة نفط فنزولا”، ذي ديلي جيرنال (Carlos Rossi، “PDVSA’s Labor Problems،” The Daily Journal)، 18 نيسان 2002.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.