المقاومة تسقط حدود الدولة القُطرية
عادل سمارة
في هذا الحديث اطلق السيد مشروع تجاوز الدولة القُطرية. ليس هذا التقوُّل من جانبي تقويلاً لسماحة السيد حسن نصر الله. ولكن ذلك الشرح المطول في تعرية السلطة في لبنان على حقيقتها وهي تعرية تقوم على تحليلها ثقافيا ووطنيا واجتماعيا وأمنيا. وأتمنى أن يكون هناك دفاع من راس السلطة أو اي فروعها لينقض حديث الرجل.
لقد قام الإرهاب والدولة القُطرية باسقاط الحدود، فلماذا تتقيد المقاومة بالحدود القُطرية؟
اختار الرجل عيد النصر لكي يرتفع إلى درجات تجاوز استدخال الهزيمة، ولست أدري ما وقع هذا الحديث على المهزومين بل الذين ينامون في حضن الهزيمة في “أمان”. كيف سيقرأوا هذا التحدي الذي لا غبار عليه ولا خلل فيه.
هكذا أقرأ خطاب الرجل، بأن ما يدور في سوريا معركة، وبأن الآتي بعد الانتصار السوري هي حرب. ومخطىء من يعتقد أن سلاما سيأتي بعد النصر، ومخطىء من سيحاول البحث عن ذلك السلام اياً كان. ما حصل في العراق وليبيا وسوريا هو فتح باب إنهاء الأمة العربية، وعليه، فإن المطلوب حرب شاملة لاستعادة الوطن والأمة بلا مواربة.
وهذا يعني، أن دعوة القيادة السورية للحوار هي دعوة القوي الذي سيقول في الحوار: ما يقرر الحوار هو الصراع. ولماذا لا يكون لسوريا هذا الحق؟
حينما جرى إخراج العراق من الكويت بعد تحريرها 1990، كتبت (في جريدة الشعب المقدسية حينها) وكان قد توحد اليمن، بأنها أول مرة يعيد العرب رسم خريطتهم بايدهم. ولكن بعدما جرى احتلال الكويت ثانية 1991 التقى جيمس بيكر قيادات التنظيمات الفلسطينية في القنصلية الأمريكية في القدس وقال لهم: “لقد هزمناكم في العراق وهنا تفعلون من نطلب”. لم يجرؤ أحداً منهم على مجرد الخروج.
لذا، فإن ما سيتبع مؤتمر جنيف مؤتمرات إلى أن يتم الحسم النهائي على الأرض، بمعنى أن انتصار سوريا لن يتوقف عند حدود سوريا.
ومن هنا جاء حديث نصر الله واضحاً وإن كان لبقا جدا وربما بعضه غير مرئي وهو الأهم وكأنه يقول:”نحن لن نثق بالسلطة اللبنانية، ولن نحترم تنازلاتها عن الوطن سواء للكيان أو للثورة المضادة، وسنقاتل، بل نحن نقاتل، في سوريا دون أن نتقيد بالحدود. وكأن الرجل يعلن انضمام لبنان المقاوم إلى دولة المقاومة. بمعنى أن شكل لبنان منفصل عن سوريا وجوهر لبنان جزء من سوريا. ولا أعتقد أن لبنان سيعود كما كان ابداً اي مجرد كباريه سياسي ومخابراتي.
وهنا اتذكر انني كتبت عام 1982 في مجلة الشراع في القدس (أغلقها الاحتلال) أن على سوريا ضم لبنان. أما اليوم بالأمر افضل، فلبنان الحي والمقاوم ينضم إلى سوريا. هكذا يجب ان يحصل وهذا مصير الدولة القُطرية. لو فعلت سوريا هذا، لما كانت لتدفع الثمن الذي تدفعه اليوم. ولو سمح عبد الناصر لقاسم بضم الكويت في حينه لما فقدنا العراق.
كم شعرت بالإهانة في كثير من المناسبات بأن سوريا تريد من لبنان أن لا يكون قاعدة ضدها، وكم شعرت بالخذلان حين تم تبادل سفارات بين سوريا ولبنان. لذا، فاليوم تتجاوز المقاومة كل هذه البنى الهشة بل الأعشاب الضارة.
هل هذ الحديث تطرف؟ وبدون الدخول في فذلكات بلدان تعترف بها الأمم المتحدة كما قيل عن الكويت، والأمم المتحدة لا تعترف سوى بما يتلائم وإملاءات الإمبريالية وخاصة الأميركية. وإلا ما معنى رفض استعادة العراق للكويت بينما تحتل امريكا العراق بموافقة الأمم المتحدة. المهم في هذا الصدد أن تحطيم الحدود القطرية حصل من لبنان وبرضى وتسهيلات من السلطة اللبنانية حيث جرى إدخال المقاتلين والمال والسلاح وحتى مجاهدات النكاح. فلماذا لا تمارس المقاومة حقها؟ وقد خرق النظام الأردني الحدود مع سوريا بل مسح الحدود بدفع كل أنواع الجنود والمخابرات والمقاتيلن بمن فيهم الصهانية إلى سوريا. واليوم يدفع العراق ثمن عدم قيامه بنفس الدور.
صحيح أن الثورة المضادة لم تتمكن من إقامة مناطق حظر جوي في سوريا، ولكن هناك ثلاثة مناطق حظر جوي هي الحدود التركية والأردنية واللبنانية. أليست هذه قواعد عدوان على سوريا؟
دعك من تركيا، فهل يحق لسوريا بعد النصر أن لا تدخل الأردن ولبنان وتستعيدهما. إن لم تفعل سوريا ولو كمشروع، فسوف نقف ضدها. فبما هي دولة مقاومة، فالقطريات العربية جميعها تحت الاحتلال ويجب تحريرها.
لذا، فإن مؤتمر جنيف او مؤتمرات جنيف، إذا ما حصلت، وإذا ما توصلت إلى الانتخابات والدستور وغيرها من مكياج السياسة، فإن على سوريا الحالية تحديدا ان تضع اسس مواصلة النضال لتحرير المشرق العربي وليس الهلال الخصيب وحده ليكون أمام أية قيادة قادمة هذا الواجب الذي حياتها وبقائها في التقيد به.
من هنا ربما أعلنت سوريا نفسها دولة مقاومة ومن هنا داس السيد بحذائه “قداسة” الحدود كي لا تكون رجعة وكي لا تكون ردة.
إن الخطوط العريضة للمرحلة الجديدة واضحة. سوريا دولة مقاومة وتحرير للوطن العربي، الأمة العربية في تحالف مع الأمة الفارسية تحالف قوميتين قديمتين ضد قوميتين معاديتين: تركيا وإثيوبيا ومعهما كيان العدو. هذا الموقف من حزب الله يعني الاصرار على بقاء سوريا دولة مقاومة لا دولة لبرالية ولا ما يتم الثرثرة به “دولة مدنية”…الخ.
إذن نحن في المرحلة الأولى بعد استدخال الهزيمة، وجوهرها وجوب اسقاط الدولة القُطرية، فما بالك بالإمارات والمشيخات.
على ضوء هذه التطورات يبرز السؤال: ماذا على القوى العروبية والتقدمية والاشتراكية ان تفعل سوى أن تقف مع سوريا وتنخرط في الموجة الجديدة من النهضة العربية وكل الشركاء من قوميات ما عدا الكيان الصهيوني بل ضد وضد الإمبريالية وأنظمة الريع، اي ضد الثورة المضادة. إنها لحظة توليد التيار العروبي الاشتراكي. وسترون أن السيد عروبي وليس مجرد شيخ.