العميد الدكتور امين محمد حطيط
حتى لا يقع احد في شبهة او التباس حول “المؤتمر الدولي” المزعوم الذي يحضر له للانعقاد في جنيف للنظر في الازمة السورية، بات ضروريا القول ان هذا المؤتمر – اذا انعقد – ليس يالطا جديدة بين القوى الدولية الكبرى لتقاسم النفوذ في العالم، كما انه ليس مجلس لاطلاق ما يحاكي اتفاقية سايكس بيكو اخرى لتقسيم منطقة المشرق العربي، كما انه ليس مؤتمر سان ريمو جديد لوضع قواعد انتداب اروبي على الدول الناشئة بعد انهيار الدول العثمانية و تفككها..كما انه ليس مؤتمر مدريد لبحث قضية الصراع في الشرق الاوسط..الصراع الذي اطلقه واججه اغتصاب الصهيونية العالمية لفلسطين… لا ليس كل ذلك بل انه في الجوهر و العمق من طبيعة خاصة تختلف عن كل ما ذكر.
فهو مؤتمر سيجمع – اذا انعقد – جبهتين دوليتين تواجهتا على الارض السورية، الاولى جبهة بقيادة اميركية شنت عدوانا على محور المقاومة الذي عطل على اميركا مشروعها الاستعماري في المنطقة و تسبب في اجهاض سعيها الى نظام عالمي احادي القطبية تمسك هي بزمامه، والثانية جبهة نواتها محور المقاومة التي دافعت عن نفسها و حقوقها صمدت و انتصرت في معركتها الدفاعية بشكل رسم واقعاً ميدانياً واضحاً يفرض نفسه على المهاجم العاقل حتى يستنتج منه ان لا جدوى من متابعة الهجوم، و عليه ان يتوقف و الا فاقم خسائره….و بالتالي يطرح المؤتمر بعد هذه النتائج ليجمع معتدي فشل في عدوانه و مدافع نجح في دفاعه.
و في المشاركين المفترض دعوتهم الى المؤتمر هذا نرى ان المنطق يفرض دعوة او استدعاء كل من انتمى لجبهة العدوان حتى يوقع على قرار خروجه من المعركة و المواجهة وكل من انتظم في جبهة الدفاع حتى يشارك في صياغة النص المخرج الذي يثبت انتصاره، مع الانتباه الى التفتاوت في احجام مكونات الجبهة المعتدية– و هو منطقي ايضا – و الاختلاف في وظيفتها في المؤتمر، حيث سيبدو هؤلاء في فئات ثلاث : الفئة المؤثرة و المتمثلة باميركا بشكل خاص، و الفئة المستدعاة من اجل الاستماع الى القرارات و الالتزام بها بعد اظهارها شريكة في صنعها حفاظا على ماء وجهها و الفئة المهمشة في الموقف و المملى عليها القرار بصفتها كانت اداة في العدوان و عندما يتوقف الهجوم يستغنى عنها و ترمى (وهنا سيحتل عربان النفط الخليجي المقاعد المناسبة لهم في الفئة المهمشة ). اما على جبهة المنتصرين فمن المنطقي ان يكون حضورهم فاعلا و كما هم يختارون و يقررون كما لا يقبل من احد ان يملي عليهم الحجم و الوظيفة و شروط الحضور او الغياب لان المنتصر يشرط ولا يشرط عليه، – و هنا اضحك الثكلى ما تنطح له وزير الخارجية السعودي لوضع شروط وتحديد قيود بوجه سورية – و في كل حال فان الجبهة المنتصرة واضحة بمكوناتها في واشغالها للصف الاول و لن يجرؤ احد من خارجها على التنطح ليحتل مقعدا لديها ليس له وبالتالي لن تكون هناك شبهة او التباس في حضور من يجب ان يحضر منهم.
بهذه الذهنية و الفهم يجب ان ينظر الى المؤتمر الدولي الذي يكثر الحديث عنه الان ليكون او ليشكل مخرجا من الازمة السورية و بالتالي لن يكون المؤتمر – كما يتوهم بعض البلهاء او المغفلين – لن يكون لتقاسم غنائم بين مهاجمين انتصروا فالعدوان انكسر و الهجوم لم يحقق اهدافه، و لن يكون مكاناً لصياغة الدول و انظمة الحكم فيها بقرار اجنبي، و لن يكون سوق يعوض فيه الخاسر خسارته فمن يظن انه سيعوض في جنيف على طاولة التفاوض و التحاور ما فاته تحقيقه في الميدان السوري بالقوة المسلحة و الارهاب و الاجرام المنظم، سيجد نفسه واهما و مشتبه بين الحلم و الواقع. فالمؤتمر و في ظل التوازنات الدولية و الاقليمية المستجدة سيكرس نتائج المواجهة الميدانية حيث فشل العدوان الغربي-الصهويني- الاقليمي على سورية من النيل من وحدتها و من موقعها الاستراتيجي و دورها الاقليمي.
فمؤتمر ما يسمى ” السلام ” ما كان ليرتضي به المعتدون الا بعد ان ايقنوا ان سعيهم لتحقيق الاهداف الاستراتيجية التي يريدون في سورية عبر الميدان و القوة و العنف يصطدم بحائط مسدود لا يمكن اختراقه، ثم انهم ايقنوا ان الاستمرار في المكابرة و التعنت لن يؤدي الا الى مزيد من الخسائر الميدانية التي تترجم انهياراً استراتيجياً بدون شك، خاصة مع الانطلاق والمتابعة السورية الناجحة لاستراتيجية العمل التطهيري بالهجوم المعاكس المنظم الذي ينفذه الجيش العربي السوري منذ شهر اذار الماضي و الذي تمكن عبره و في زمن قياسي من ربط وسط البلاد بجنوبها و شمالها و ساحلها و اسقط اي حلم بالتقسيم او التجزئة و تفتيت سورية. ولهذا و بكل تاكيد نقول بان محور المعتدين بقيادة اميركا قبل بالمؤتمر لانه خسر في الميدان، و الكل يذكر كيف تصرف هؤلاء مع بيان جنيف في العام الماضي، و هو البيان الذي لو تم الالتزام به لكان توقف حمام الدم الذي سببه العدوان على سورية، لكن المناورات الاحتيالية التي مارستها مكونات العدوان تسببت بتمديد الازمة طيلة السنة المنصرمة لانها راهنت على الميدان و ها هي تخسر الرهان، دون ان يكون لديها امل بالتعويض، و لم يكن عابرا ان يطلق السيد حسن نصر الله وعده الجديد بالنصر الاكيد، و هو الذي وعد بانتصارات سابقة و حققها واليوم يعد بالنصر مجدداً و هو واثق من تحقيقه.
لكل ذلك نقول بان “المؤتمر الدولي حول سورية ” هو الان برأينا فكرة قابلة للتنفيذ لكنه ليس حتمي الحدوث، و ان فرص تحققه اليوم تفوق فرص العمل باعلان جنيف 2012 لان هناك متغير رئيسي يتصل بالانجازات الميدانية التي يحققها الجيش العربي السوري بشكل تراكمي وبقدم ثابتة، ما جعل المعتدين يخشون من المستقبل و يخافون ان لا يبقى في الميدان شيء في قبضتهم يمكنهم من احتلال مقعد على مائدة التفاوض لذا هم يجنحون الان الى المخرج السلمي – اقله في الظاهر– على ان تكون وظيفة المؤتمر بلورة ذلك، لكن يبقى الانعقاد و النجاح رهنا بتحقق شروط اساسية لا بد من التذكير بها كالتالي :
1) الاعتراف بتغيير قواعد النظام العالمي اليوم و ان ما كان قائما و يصح قبل سنتين – قبل العدوان على سورية – بات غير صالح او منتهي الصلاحية اليوم، و ان اميركا لم تعد القوى العظمى الوحيدة المهيمنة على قرار العالم و منظماته الدولية بل ان هناك توازنات دولية جديدة يجب الاقرار بها و العمل بموجبها في كل ما يتعلق بالمؤتمر تنظيما و مدوالات و مقررات.
2) الاعتراف بحقيقة الصراع في سورية و جوهره و الانطلاق من تلك الحقيقة و البناء عليها حيث ان ما دار في سورية لم يكن ثورة او حركة اصلاحية داخلية بل كان عدوانا شنته قوى خارجية بادوات محلية و اقليمية و استغلت حاجة المجتمع – اي مجتمع – للتطوير والتحديث. و بالتالي يجب الفصل بين عنوانين : عنوان الاصلاح و التطوير و هو شأن سوري محلي محض لا يجوز لاحد غير سوري التدخل فيه، و عنوان خارجي يتصل بمسعى الغرب للسيطرة و عليه ان يتقبل فكرة العجز عن ذلك لاستحالة التحقق.
3) توقف التدخل الخارجي في الميدان السوري اذ لا يمكن لمن ناصب العداء لسورية واعمل الارهاب و التدمير فيها ان يستمر في عمله بعد ان ينطلق المؤتمر في اعماله، فاقل المطلوب هنا ان تتوقف الحملات الاعلامية و التحريضية على القتال كما و يتوقف امداد الارهابيين بشتى انواع الدعم البشري و المادي و اللوجستي.
4) الاقرار بان المناورات الاحتيالية و محاولات كسب الوقت من قبل جبهة العدوان لن تؤدي الا الى الفشل فجبهة الدفاع عن سورية تمتلك القدرات التي تواجه و تسقط تلك المناورات بشكل اكيد و هي مستعدة لبذل التضحيات في سبيل ذلك مهما بلغ حجمها، و قد عبر قادتها عن ذلك بوضوح كلي.
5) احترام ارادة الشعب السوري حيث لا يمكن ان يتم تخطيها، و لا يمكن ان يفرض على سورية نظاما او حاكما لم تأت به صناديق الاقتراع، و ان اي مسعى في هذا السياق سيكون الطريق الاقصر لافشال المؤتمر و حافزا لمتابعة العمل في الميدان من اجل المحافظة على سيادة سورية و استقلالها و قرارها الوطني، فتلك خطوط حمراء لا يمكن التراجع عنها، ولم تقبل بها سورية قبل اطلاق النار عليها فكيف لاحد ان يتصور قبولها بها بعد كل التضحيات والخسائر التي تكبدتها من اجل الدفاع عنها.
:::::
جريدة الثورة، دمشق في 2752013