جمال محمد تقي
بعد ان اصبحت الدولة العراقية ملطشة بيد الامريكان وحكام ايران والمتطلعين من ال عثمان الى جانب الصغار قبل الكبار من الجيران، يتساءل اهل العراق عن اي هيبة يتحدث وزير الدفاع بالوكالة سعدون الدليمي ومن قبله قائد القوات المسلحة ورئيس الوزراء السيد نوري المالكي ؟
الدليمي والمالكي يتحدثان عن هيبة الجيش وعن كونه رمزا للدولة الواجب احترامها واطاعة قوانينها يتحدثان عن كرامة العسكرية العراقية وعن حرمة الدم العراقي وحرمة العصيان وعن حصر مهمة حمل السلاح بيد الدولة وعن مواجهة الارهاب القادم من غرب العراق وعن تجريم حزب البعث وقطع دابره من الوريد للوريد !
مضحك ومثير للشفقة امر هؤلاء المستخلفين على حكم العراق فهم يصدقون خطاباتهم المجافية بحيثياتها ومعانيها لكل المجريات على ارض الواقع، والادهى من ذلك انهم يسبغون على سياساتهم صفات ليست فيها، من نوع، دولة القانون، والحكومة المنتخبة، والمصالحة الوطنية، وحرية الصحافة، ورفع المظلوميات، وهم ينكرون على الواقع، المعاني المعاكسة التي يشرحها بممارسات يومية معاشة، ولا يجدون حرجا من الاختباء وراء ديكورات رديئة الصنعة من نوع مجلس النواب، وهيئة النزاهة، ومجلس القضاء، والمفوضية المستقلة للانتخابات، وهيئة الاعلام المستقل، حيث ينطبق عليها جميعا بيت الرصافي الاثير، علم ودستور ومجلس امة كل عن المعنى الصحيح محرف !
اولا هل هناك دولة بالمعنى الصحيح حتى نطالب لها بالهيبة او حتى نصفها بدولة القانون ؟ ربما يصح عليها مجازا القول، بدولة الطاعون، او دولة الفساد المفتون، لكن حتى المجاز لا يجيز لنا اطلاق صفة دولة القانون على الشكل القائم والذي يسير باتجاه تشظية نفسه بنفسه على ايقاع الفوضى الفلاقة !
في دولة الفساد المفتون مقعد رئاسة الجمهورية قسمة ونصيب، واذا حصل ودخل الرئيس في غيبوبة او خرج ولم يعد فان عائلته وعشيرته المسماة بالحزب، على سبيل التعمية، هي وحدها من يقرر البديل وان تاخرت منيته فان المنصب يبقى شاغلا حتى تحين الساعة ولو بعد اشهر اوسنين، هكذا الامر قسمة ونصيب !
خمسة اشهر والرئيس الطالباني طريح الفراش، ودولة القانون تغض الطرف، بانتظار فتوى دولة الفقيه باجازة وراثة زوجة الرئيس للمنصب او تفضيل الابن تجاوزا للاحراجات، هذا ما سنعرفه من نتائج زيارة الوفد الطالباني برئاسة السيدة هيروابراهيم الى طهران !
نائب رئيس الجمهورية السيد طارق الهاشمي حكم عليه بالاعدام غيابيا بتهمة الارهاب بعد ات تدهورت علاقته بالمالكي، وهو نفسه يتهم المالكي بالارهاب الطائفي ويعتبر هذا الاجراء اقصائي وكيدي الغرض منه تكريس تفرد المالكي بالسلطة ولاجل غير مسمى، الملفت هنا ان دولة القانون لا ترى ضرورة لاختيار شخص اخر للمنصب، وهي بذلك تتجاوز على عرفها التحاصصي الذي بات ترجمة ميدانية للدستور الذي يحتمل كل الوجوه القانونية وغير القانونية الوطنية وغير الوطنية، ومن الواضح هنا ان المالكي ومن خلفه دولة القانون يجدون بالفراغ القائم فرصة سانحة لتعزيز صلاحيات السيد خضير الخزاعي النائب الثاني لرئيس الجمهورية والمنتدب للمنصب من فريق عمل المالكي لغرض تعزيز نفوذه في كل المناصب المهمة !
فرقة سوات او فرقة العمليات القذرة كما يلقبها من يعرفها جيدا، تقتحم البنك المركزي وتعتقل العشرات من موظفيه بتهم فساد، وصدور امر باعتقال سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي والمشهود له بالنزاهة، وتبين فيما بعد بان الدافع وراء هذه العملية هو ربط البنك المركزي بسلطة رئاسة الوزراء اي التمهيد لالغاء استقلاليته !
ذات الفرقة الخاصة المرتبطة حصريا بالمالكي تقتحم مبنى وزارة المالية وتعتقل حماية وزير المالية استعدادا لتوجيه تهمة الارهاب للسيد رافع العيساوي وزير المالية، طبعا بعد انتزاع اعترافات من عناصرها لتقدم كذريعة لاجتثاثه!
تركيا وايران تتناوبان قصف الاراضي الحدودية العراقية بذريعة مقاتلة المتمردين من اكرادهم، والحكومة العراقية لا تحرك ساكنا، وكأن الامر لا يعنيها !
الكويت وايران تتجاوزان مرارا على المياه الاقليمية العراقية وتنكلان بالصيادين العراقيين، والدولة العراقية لا تهش ولا تنش، انها عاجزة عن حماية مواطنيها !
القوات العسكرية التابعة للبرزاني المسماة بالبيشمركة، تتعامل بندية مع القوات العراقية ولا تسمح لها بالحركة ليس فقط داخل اقليم كردستان العراقي وانما داخل ما يسمى بالاراضي المتنازع عليها، بما فيها كركوك وخانقين وسهل نينوى، وفي بعض الاحيان يتم محاصرة قوات الجيش العراقي واهانة عناصره بل وقتل واسر من يتجرأ منهم ويتجاوز محيط ما مسموح له من خطوط حدودية !
وزارة الداخلية والدفاع تعقدان صفقات تسليح فاسدة تنم عن عدم نزاهة واخلاص، وعن جهل القائمين عليها، ومنها صفقة اجهزة الكشف عن المتفجرات التي اصبحت محط تندر الشارع العراقي والتي ادت الى خسائر بشرية ومادية كبيرة !
الرئيس الامريكي جورج بوش بجلالة قدره يحضر للرمادي لتحية عبد الستار ابو ريشة زعيم الصحوات القبلية التي قاتلت القاعدة وحجمت وجودها بعد ان عجزت قوات الجيش الحكومي والجيش الامريكي من التعامل معها، وهنا تأكيد على صعود هيبة القبائل المكتسبة، وعلى الهيبة المفقودة للجيش الحكومي بمعية جيش الاحتلال طبعا!
حكومة كردستان تصدر نفطها وتفرض شروطها على دولة المالكي، وتعقد صفقات علنية مع شركات النفط العالمية، وتعقد صفقات سرية لتسليح جيشها، والجيش النظامي لا يستطيع فعل شيء، لان عجزه من عجز قادته ودولة قانونه التي لا هيبة لها، لا داخليا ولا خارجيا !
ان مجرد الادمان على وجود الجيش داخل المدن هو انتقاص لهيبته وشعبيته على اعتبار ان احترامه مبني على دوره المخصص لحماية حدود الوطن وعلى حماية آمنه الاقليمي ووحدته الفعلية، اما ان يتقمص دور الشرطة وان يفشل حتى في هذا الدور فعندها سيصبح الحديث عن هيبتة محض هراء !
اردوغان يبرم اتفاقا مع اوجلان ينص على سحب مقاتلي حزب العمال الكردستاني من تركيا الى داخل الحدود العراقية، ومن دون استأذان من احد، والعملية جارية وكأنه ليس للعراق دولة او حكومة او حدود يحرسها جيش، وهذا هو الامر الواقع، فحتى لو اراد المالكي منع تنفيذ هذا الاتفاق فانه لا يستطيع لان جيشه ممنوع من دخول كردستان وهو لا يملك معدات تمنحه التفوق، اي انه خالي الوفاض جيش بلا خبرة وبلا عقيدة وبلا سلاح وبالتالي بلا هيبة، فهيبة الجيش العراقي قبل الاحتلال كانت مفروضة على الاعداء قبل الاصدقاء بحكم تركيبته الوطنية غير الطائفية وبحكم عقيدة الدفاع عن الوطن، وبحكم خبرته ومراسه الذي يشهد له القاصي والداني !
ادانات خجولة من وزارة الخارجية العراقية، رد عليها ممثل حزب العمال الكردستاني فورا وبقوة وتحدي لا يخلو من السخرية، حيث طالب الحكومة العراقية بالصمت لا غير، بمعنى ان تضع راسها بالرمل كما تفعل النعام، حكومة المالكي كانت تتمنى لو جرى تنفيذ هذا الاتفاق سرا لان الذي فيها من فضائح يكفيها!
بعد كل ذلك هل يحق للسيد سعدون الدليمي او السيد المالكي الحديث عن هيبة الدولة وجيشها ؟ وقبل كل ذلك هل اقتحام ساحة الاعتصام في الحويجة سيعيد الهيبة المفقودة لجيش لا يحمي شعبه بل يحمي اصحاب السلطة، بقتل المحتجين على سياستها الرعناء ؟