التقرير الأسبوعي لمراكز الأبحاث الاميركية

د. منذر سليمان

واشنطن، 21 حزيران‏ 2013

المقدمة:    

 

الانتخابات الرئاسية الإيرانية كانت في صدارة اهتمامات مراكز الأبحاث الأميركية.

سيتناول قسم التحليل المرفق قرار الرئيس الأميركي أوباما تزويد قوى المعارضة السورية بأسلحة أميركية، ومدى تأثير إعلانه على كل من الأردن وتركيا، خاصة في ظل اعلان رئيس الوزراء التركي، رجب طيب اردوغان، عن اغلاق ممر الأسلحة من بلاده باتجاه قوى المعارضة السورية، وتداعياته على معركة استرداد حلب المرتقبة.

ملخص دراسات ونشاطات مراكز الابحاث

 

السياسة الروسية:

سعى معهد واشنطن Washington Institute الى التعرف على كنه سياسة روسيا الخارجية في سياق لقاء قمة الدول الصناعية الثمانية، قائلا ان “موسكو ماضية في موقفها المبدئي الساعي لاحراز نصر (للرئيس) الأسد .. من العسير رؤية موافقة موسكو على (تبني قرار) للتدخل في سورية او زيادة الضغط بشكل دراماتيكي على ايران حول المسألة النووية.” وحذر المعهد الدول الغربية من عدم الوفاء بالتزامات قطعتها لروسيا تؤدي الى تجميد العمل بصفقة صواريخ اس-300 الى ايران “مقابل تنازلات أميركية في مسألة نشر نظام الدفاع الصاروخي في أوروبا،” مما قد يحفز روسيا “على اتخاذ خطوة عكسية لقرار التجميد والمضي قدما بالصفقة.”

سورية:

اعرب معهد أبحاث السياسة الخارجية Foreign Policy Research Institute عن اعتقاده بأن “تدخل ايران في سورية يندرج تحت بند الخطأ الاستراتيجي .. اذ تستثمر (ايران) ماديا وبشريا في وضع لا يمكنها الفوز به.” وقد عزز المعهد وجهة نظره بالاستناد الى التركيبة الطائفية في المنطقة بين “اغلبية سنية واقلية شيعية” للدلالة على عقم المراهنة الإيرانية في “بحر هائل من السنة في المنطقة.”

تناول مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS دوافع انخراط حزب الله في الصراع داخل سورية وذلك نظرا “للأهمية الاستراتيجية للقصير .. والطريق الذي يربطها بمدينة الهرمل اللبنانية .. التي تعد محطة استلام الحزب للأسلحة الآتية من ايران عبر سورية.” وأضاف انه “دون الافتراض بانتشار قوات الحزب في حلب فانه مكشوف للقوات الإسرائيلية أكثر من أي وقت مضى سواء في لبنان او سورية.”

كما فند المعهد تصريحات منسوبة الى قادة في الحزب الجمهوري بان “الولايات المتحدة تخسر الحرب في سورية .. مع الادراك ان حزب الله أعاد صياغة استراتيجية حرب العصابات في مواجهة القوات العسكرية التقليدية، الا انه يملك خبرة قتالية متواضعة في مواجهة متمردين مجربين على ارض لا يعرفها ..”

معركة حلب المرتقبة جاءت ضمن اهتمامات معهد الدراسات الحربية Institute for the Study of War مشيرا الى انتشار “قوات الدفاع المدني وحزب الله في منطقة حلب .. بعد احرازها نصرا في القصير.”

مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات  for Defense of Democracies Foundation رمت الى مواساة الأردن لاستضافته اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري، والاعباء الإضافية التي يتحملها نتيجة ذلك، واستفحال الوضع الإنساني الناجمة عن نقص حاد في المواد الغذائية، الامر الذي اسهم في انتشار “اعمال السرقة والتخريب وتزوير العملات وحالات الاغتصاب والاتجار بالمخدرات والتهريب .. وشبكة المافيا ..” بينهم. اما الذين استطاعوا الهروب والتوجه نحو المدن الأخرى فهم في وضع لا يحسد عليه “نظرا لمنافستهم فرص العمل والسكن الشحيحة.”

الانتخابات الإيرانية:

حذرت مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات Foundation for Defense of Democracies من الانجرار وراء الدعاية التي توصف المرشح المنتخب، حسن روحاني، بالمعتدل، سيما وانه “لم يظهر احتجاجه لحملة قمع حركة الخضر المؤيدة للديموقراطية في العام 2009 .. من الجائز الافتراض ان روحاني أيّد إجراءات (علي اكبر هاشمي) رفسنجاني و(الامام) الخميني لاغتيال المعارضين الداخليين والخارجيين في عقد التسعينيات ..” بحكم صلته الوثيقة بالزعيمين. واوضحت المؤسسة ان روحاني رافق الامام لخميني ابان اقامته في منفاه الباريسي ولازمه رحلة العودة الى طهران. وخلال عمله “كمرشد سياسي في الجيش النظامي، اسهم في تطهير صفوفه من افضل الرتب العسكرية.”

سعى مركز التقدم الأميركي Center for American Progress الى توضيح الفوارق بين روحاني وسلفه احمدي نجاد سيما لوعوده الانتخابية في “التفاعل الإيجابي” مع الغرب “وانتقاده الشديد لادارة الحكومة للمفاوضات النووية ..” وأضاف المركز ان انتخاب روحاني “يعد إشارة هامة على دعم مرشح من صلب الإصلاحيين في ايران بالاجماع.”

اما معهد واشنطن Washington Institute فقد سعى للتخفيف من وصف روحاني بالاصلاحي كونه “أتى من داخل النظام وله دور مشهود في تطوير البرنامج النووي لإيران، والنشاطات الإقليمية وحتى إجراءات القمع الداخلية .. لا يجوز اغفال احتمال ان روحاني ادرك حجم تعثر الاقتصاد الإيراني واستنتج بناء عليه ان التغيير اضحى امرا ضروريا.”

وفند المعهد توجهات بعض الدوائر الغربية لتشكيكها في فعالية تطبيق برنامج العقوبات الاقتصادية، اذ ان “نتائج انتخابات عام 2013 اثبتت ان إجراءات المقاطعة تركت آثارها العميقة على الرأي العام .. سيما وان روحاني في حملته الانتخابية وجه انتقاده نحو سياسة ايران النووية خلال السنوات الثمانية الماضية ..”

مصر:

        الصراعات الداخلية في مصر أدت الى فراغ سياسي، كما ذكر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS. وأوضح ان “فوضى الأوضاع الاقتصادية تكبح قدرتها على تزعم المنطقة .. فالاخرون يقررون مصير مصر وليس العكس.”

        ناشد معهد كارنيغي Carnegie Endowment الحكومة المصرية “البدء باتخاذ إجراءات عاجلة لاصلاح مؤسسات القطاع العام والتي تتعامل مع المستثمرين .. بغية الحد من العوائق الرسمية وغير الرسمية للاتجار .. وانشاء برامج لحفز موظفي الدولة من المدنيين على تشجيع المشاريع الخاصة كجزء من مستقبلهم الوظيفي ..”

        أشار معهد واشنطن Washington Institute الى فشل محاولات “الإدارة الأميركية تليين سياسات  (الرئيس) مرسي والاخوان المسلمين عبر السبل الديبلوماسية الهادئة .. اذ ان تعيينه لعدد من المحافظين اثبت بما لا يدع مجالا للشك بأنه يفضل تعزيز قواعده الداخلية على حساب السعي لاجراء حوار بناء مع مناوئيه.” وأوضح ان توقيت اعلان الرئيس مرسي “يهدد باشعال الأوضاع الداخلية الملتهبة .. سيما وان تعيينه محافظ للأقصر من صلب الجماعة الإسلامية يهدد مصالح الولايات المتحدة.”

 

الجزيرة العربية:

        الاضطرابات الدائرة في الجزء الشرقي من السعودية كانت موضع اهتمام معهد كارنيغي Carnegie Endowment مطالبا الدولة “الكف عن سياساتها، الرسمية والمبطنة، التي تعتبر ان أي تعبير عن موقف معارض هناك هو بالضرورة دليل على تدخل إيراني.” وناشدها العمل على “تبني إصلاحات حقيقية في المنطقة الشرقية كي تسحب البساط من تحت أرضية النفوذ الإيراني داخليا وخارجيا.”

تركيا:

        أوضح معهد كارنيغي Carnegie Endowment ان رئيس الوزراء التركي اردوغان اساء فهم قاعدة الدعم الشعبي التي وفرت له نحو 50% من أصوات الناخبين “وتحول سريعا الى حاكم مستبد .. واغفل عن قصد اراء المعارضين ومضى في تبني قوانين مثيرة للجدل .. خاصة لقناعته ان أي خلاف او عدم رضى لسياسات الحكومة ينبغي ان يحتكم الى صندوق الانتخاب.” وأوضح ان هذا “الفهم المسطح للديموقراطية يشكل عبئا على قطاعات كبيرة من المجتمع التركي .. فالديموقراطية لا يجوز اختزالها الى مجرد آلية انتخابات.”

التحليل:

 

وعود أوباما المتأخرة وتداعياتها على تركيا والأردن

        بعد مراهنات متعددة الأقطاب على القوى السلفية والتكفيرية وداعميها امتدت لنحو سنتين من الزمن، قرر الرئيس أوباما تسليح تلك القوى علنا بعد تلقيها سلسلة خسارات ميدانية وبشرية وتسليحية قاسية في سعيها لتقويض سيطرة الدولة السورية على أراضيها. وذلك في اعقاب نجاحات ميدانية هامة حققها الجيش العربي السوري على المنطقة الحدودية مع لبنان، وقطع شريان الامداد من هناك. الأسلحة المقررة سيتم إدخالها عبر الأردن وتركيا.

        اعلان البيت الأبيض لتقديم الدعم عبر “المجلس العسكري الأعلى،” برئاسة الضابط المنشق سليم ادريس ليس فيه مفاجأة، اذ طالما سعت الولايات المتحدة ترويجه وتسويقه لقاء خدماته ووعوده بعدم التعرض لجبهة الجولان والقوات “الإسرائيلية،” بل لسعي عدد من المنشقين ورموز المعارضة طمأنة “إسرائيل” بانها لا تضمر أي مشاعر عداء نحوها، وانما ستحقق اهداف “إسرائيل” في التصدي لقوى المقاومة وعلى رأسها حزب الله. كما واكب الإعلان الأميركي جدل واسع في الأوساط الدولية لتوجيه الاتهامات للدولة السورية باستخدامها الأسلحة الكيميائية وان على نطاق ضيق، لايجاد مبرر للتدخل العسكري نظرا لتجاوز “الخط الأحمر” الذي ارساه الرئيس أوباما حول المسألة، في سعيه لارضاء خصومه السياسيين من ناحية، وامتلاك ورقة ضغط اضافية للتفاوض مع روسيا.

        “توسيع نطاق الدعم” الأميركي لقوى المعارضة سيتجسد عبر شحنات للأسلحة الخفيفة – من بنادق وذخيرة؛ يعززها الإبقاء على بعض بطاريات صواريخ باتريوت وطائرات مقاتلة من طراز اف-16 في الأردن بعد الانتهاء من مناورات “الأسد المتأهب” هناك، وزعم بعض القادة العسكريين دون اسناد بأن الترسانة الأميركية في الأردن لن تستخدم لفرض منطقة حظر جوي في الوقت الراهن.

        في هذا الصدد، ينبغي لفت الانتباه الى ماهية “الذخيرة” المقصودة. فقوى المعارضة السورية لديها طفرة من رشاشات كلاشنيكوف وتعاني من نقص في ذخيرتها، مما يدل على انها تستعيض بكثافة نارية للتغطية على مستويات التدريب المتدنية في صفوفها. الامر الذي من شأنه زيادة التحديات طويلة الاجل على وسائل الدعم اللوجستي نظرا لقدرة عنصر جيد التدريب على استهلاك كمية عالية من الذخائر تعادل وزن الرشاش في اقل من يوم من الاشتباكات. ما يعنينا في هذا الصدد، بصرف النظر عن تبريرات الرئيس أوباما لطبيعة النطاق المحدود للدعم، فانه قد يجد نفسه مضطرا للحفاظ على ذات المستوى من الدعم، على الأقل، خشية انهيار سريع للعناصر المسلحة التابعة للمجلس العسكري الأعلى؛ بالمقابل، تستمر الدولة السورية بتلقي الدعم دون انقطاع من روسيا وايران في مستويات الأسلحة الخفيفة وذخائرها.

        اضحى اعلان الرئيس اوبما مادة للسخرية وتقريع لسياساته، اذ أوضحت يومية واشنطن بوست انه “عندما بدأت الثورة السورية علمانية مطالبة بالحرية والديموقراطية، كان من الطبيعي أن تدعمها الولايات المتحدة، لكنها لم تفعل؛ أما الآن وقد باتت تشبه الحرب الإقليمية بسبب تداخلاتها، قرر الرئيس التدخل. بماذا؟ بسلاح خفيف وذخيرة … لكن الولايات المتحدة خسرت موقعها في الشرق الأوسط، أولاً بالإنسحاب كلياً من االعراق، وثانياً بعدم التدخل بشكل أكثر فعالية في سورية.”

          من الثابت في ساحة المواجهة ان الأسلحة الخفيفة غير مهيأة للقتال ضد المدرعات او الطائرات المقاتلة السورية، الامر الذي يفسر خلفية حض الضابط المنشق سليم ادريس للقوى الغربية تزويده بمنصات اطلاق وصواريخ مضادة للطيران وللمدرعات والتوجه لاعلان منطقة حظر جوي، امعانا في زعمه بانه لو تم امداده بأسلحة نوعية، وخاصة أسلحة هجومية، باستطاعته آنئذ هزيمة الجيش العربي السوري خلال ستة أشهر. يترافق هذ التوجه لمحور الدول المعادية لسورية مع تقاطع معلومات تشير الى شروع السعودية بتسليم المعارضة صواريخ مضادة للطائرات منذ نحو شهرين من الزمن.

        ثبوت نسبة الرأي العام الأميركي على اغلبية عالية ضد التدخل العسكري في سورية لم يشكل أولوية لدى أوباما بغية ارضاء الأقطاب السياسية المتعددة المطالبة بالتدخل، والتي كان آخرها ما رشح من خلافات واضحة بين وزير الخارجية جون كيري، المؤيد للتدخل، وبين رئيس هيئة قيادة الأركان المشتركة، مارتن ديمبسي، غير المتحمس لعمل عسكري وربما معارض له. ودرجت الأوساط الغربية، ولفترة زمنية قريبة، على ترديد رغبتها بان “أيام الأسد المتبقية معدودة،” مما وفر قدرا إضافيا من المناورة للرئيس أوباما تأسيسا على الانتظار والترقب. بيد ان تسارع التطورات الميدانية وميل موازين القوى لصالح الجيش العربي السوري، في فترة زمنية قياسية، ناقض النزعات الرغبوية الغربية لاقصاء الرئيس الأسد والاطاحة به دون عامل التدخل العسكري المباشر.

        حينها اسقط من يد أوباما حيز المناورة واشتداد الضغط عليه للمبادرة بعمل ما، وتمحورت الارشادات والنصح من كافة القوى المؤثرة في القرار السياسي حول دخول بطاريات وصواريخ باتريوت ارض المعركة يرافقها نشر سلاح الجو (لحلف الناتو) لتثبيت حظر للطيران فوق الأجواء السورية. كان بوسع تلك التطورات إرضاء خصومه واسكات معارضيه، بيد ان حقيقة ما تتطلبه تلك الإجراءات من وسائل دعم لوجستية هائلة كان اعلى بكثير مما راهن عليه أوباما لفرضه من اجراءات لمدة زمنية معينة.

        يشير البعض الى ان مرتكزات السياسة الخارجية للرئيس أوباما تسير في منحى بحيث لا تتعارض مع الاولويات الأخرى التي ينوي تحقيقها. اذ من البديهي ان اية محاولة للتدخل في سورية تستوجب المراهنة على استنفاذ الرصيد السياسي الراهن، والمغامرة بارتكاب أخطاء، واثارة حفيظة بعض الحلفاء الداخليين والمناوئين معا. وقد أشار احدث استطلاع للرأي العام، اجراه معهد راسموسن يوم 20 حزيران الجاري، الى معارضة نحو 55% من الاميركيين قرار الرئيس أوباما بتسليح المعارضة السورية، واعربوا عن اعتقادهم بأن تلك الأسلحة “النوعية” ستجد طريقها الى الفئات والقوى المناهضة للولايات المتحدة. كما يدل الاستطلاع الى تدني نسبة التأييد الشعبي لسياسة الإدارة الأميركية في سورية.

        هذا فضلا عن الكلفة الاجمالية المرافقة لعدم التدخل مما يضع أوباما في مصاف الزعيم العاجز امام الانتصارات المتتالية للرئيس الأسد. وعليه، جهدت الإدارة الأميركية لترسيخ الانطباع بانها في صدد القيام بعمل ما، دون التأثير على مجريات الصراع الدائر في سورية. ترجم أوباما وعوده بتسليح المعارضة المسلحة بالذخيرة والأسلحة دون تجاوز نطاق الالتزام الذي رسمه مسبقا. كما بوسع عملية التسليح، رغم وعودها الوردية لخصومه السياسيين والعناصر المسلحة على السواء، ان تخفف من حجم الضرر الذي قد يطال المصالح الأميركية ان وقعت الأسلحة بأيدي المتمردين الإسلاميين في سورية.

مغزى الأسلحة الأميركية على الميدان

        بالرغم من شح المعلومات الموثقة حول اعداد وحجم تلك الأسلحة، باستطاعتنا القاء نظرة وتأمل انعكاساتها على مسار الصراع.

        جلي للحظة ان الجيش العربي السوري دخل مرحلة صعود استراتيجية في قتاله، واتخاذ زمام المبادرة وشن هجمات ضد العناصر المسلحة في شمالي البلاد ومحيط مدينة حلب، بل استطاع تحقيق إنجازات حاسمة لمسار الصراع.

        في هذا السياق، قد تترك الأسلحة الأميركية أثرها على صعيدين، بالرغم من ان المناطق الريفية السورية مفتوحة        يسيطر عليها سلاح المدرعات السورية، فان الأسلحة الخفيفة تصبح افضل مواءمة بين ايدي مجموعات صغيرة داخل المدن. دخول سلاح المدرعات الى المدن والازقة يخفف من فاعليته سيما وان بضعة أسلحة مضادة للدروع بإمكانها شل حركته – كما شهد العالم في ملحمة ستالينغراد ابان الحرب العالمية الثانية. المبادرة وفعالية التصدي تقع على عاتق وحدات تخوض حرب شوارع، ومن بيت لبيت؛ وهذا الأمر يتطلب استخدام أسلحة رشاشة وقذائف يدوية وعبوات متفجرة.

        الاستخدام الفعال للأسلحة الخفيفة بانواعها المتعددة قد يسهم في تعزيز مكانة الجيش الحر امام المجموعات الأخرى للمتمردين، سيما وان هناك اجماع بين الأوساط الأميركية على توفر افضلية تسليحية لعناصر جبهة النصرة مقارنة بالمجموعات الإرهابية الأخرى. اذ تشير التقديرات الى تجنيدها لنحو 10،000 عنصر بين مقاتل ومؤيد داخل الأراضي السورية. على المستوى النظري، توفير أسلحة نوعية للجيش الحر من شأنه ابطال مفعول سيطرة النصرة ودعم قواته للتصدي الفعال لمحاولات عناصر القاعدة الاستيلاء على مزيد من الأراضي ووضعها تحت سيطرته.

        من شأن الأسلحة الخفيفة أيضا، في المدى المنظور، إبقاء سيطرة المسلحين على مناطق معينة بمدينة حلب لكنها غير فعالة في شن هجوم او التصدي للجيش العربي السوري، لا على مستوى الأرياف او في الأجواء. حصيلتها ستؤدي الى وقوع مزيد من الإصابات بين صفوف المعارضة.

        بعض التسريبات الإعلامية تفيد بان أسلحة ثقيلة هي في الطريق الى قوى المعارضة. موقع الاستخبارات “الإسرائيلية” ديبكا اعلن ان الأوروبيين ودول حلف الناتو قد سلمت المعارضة السورية صواريخ مضادة للدروع وللطيران ومدافع عديمة الارتداد عيار 120 ملم. وأوضحت ان تلك الأسلحة رست في تركيا والأردن وتم نقلها الى مدينة حلب ولجنوبي سورية، تباعا.

الأردن وتركيا

        الثابت ان دور الأردن وتركيا قد تعزز بالسماح لشحن الأسلحة عبر اراضيهما، مع ادراك تام لسخونة الأوضاع وما قد يترتب عليها.

        فتركيا لا تزال مسرحا للتظاهر والاحتجاجات التي اشعلها تحدي رئيس الوزراء اردوغان بتحويل حديقة عامة الى منطقة تجارية. ومنذ بداية الصراع في سورية، لعبت تركيا دورا محوريا لمرور الأسلحة الى قوى المعارضة. كما انها تستضيف على أراضيها عدد من القواعد العسكرية التابعة للولايات المتحدة وحلف الناتو، والتي استخدمتها القوات العسكرية الأميركية كمحطة عبور لمعداتها وقواها البشرية في العدوانين على العراق وأفغانستان. كما لعبت قاعدة انجرليك الجوية الضخمة دورا محوريا كنقطة تجميع للأسلحة الأميركية الذاهبة الى قوى المعارضة السورية.

        تسيطر قوى المعارضة المسلحة على شريط ضيق بمحاذاة الحدود التركية يتيح لها حرية الحركة نسبيا ونقل الأسلحة عبره. في المقابل، يحشد الجيش العربي السوري قواته في منطقة مواجهة قد تشكل منصة انطلاق له لاستعادة السيطرة على الشريط الحدودي عينه واقفال ممرات عبور الأسلحة المنتشرة، ربما قبل استعادة السيطرة على مدينة حلب وريفها.

        في سياق الاحتجاجات التركية المستمرة، باستطاعة خطط الجيش السوري بالقرب من الحدود المشتركة التأثير على ما يجري لمصلحته. فالمنطقة الشرقية الجبلية هي تحت سيطرة الاكراد السوريين والأتراك معا. تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية في تركيا قد تحفز المسلحين الاكراد في تركيا على اعتراض ومصادرة شحنات الأسلحة والمعدات لاستخدامها ضد الحرب المستمرة على اردوغان. لو افترضنا دخول شحنات الأسلحة الى الداخل السوري، فباستطاعة الاكراد المسيطرين على قسم كبير من الأراضي السورية في الشمال الشرقي تشكيل عائق للأسلحة المتجهة للجيش الحر.

 كما لا ينبغي اهمال أهمية العامل الاقتصادي في المعادلة التركية، سيما مع ارتفاع نسبة البطالة 5% عما كانت عليه العام الماضي. أيضا تراجع معدل الاستهلاك الى 2% إضافية عن العام الماضي. ومنذ اندلاع الاحتجاجات هبط مؤشر سوق الأسهم في استانبول لنحو 10%، رافقه ارتفاع كلفة القروض البينية الى 50%. تحسن الوضع الاقتصادي كان العامل الأول في الصعود السياسي لاردوغان والمراهنة على كسب دعم قطاع الناخبين الذين لا يثقفون ببرامجه الإسلامية، كتلك التي تحد الاتجار واستهلاك المواد الكحولية. تعثر أداء الاقتصاد التركي سيقوض مستقبل اردوغان ومستقبل شريط ادخال الأسلحة الى سورية.

فيما يخص الأردن والسماح لشحنات الأسلحة عبور أراضيه، تشير معلومات موثقة الى رسوّ 300 عنصر من البحرية الأميركية، المارينز، وانتشارهم في الشطر الشمالي للبلاد بمحاذاة سورية، وبقاء عدد من بطاريات صواريخ الباتريوت الأميركية المضادة للطيران على أراضيه، تحضيرا لتسليح قوى المعارضة السورية. قناة المرور الأردنية للأسلحة قد تشكل بديلا عن التسهيلات التركية ان واجهت تركيا عدم الاستقرار.

نشير هنا الى ان استخدام الأردن معبرا ليس مضمون النتائج، سيما وان النظام الملكي يترنح تحت وطأة الاحتجاجات الداخلية المعارضة لسياسته، على الرغم من انها لم تبلغ المستوى العالي لنظيرتها في تركيا. ان سير الاحتجاجات الهادفة لتقويض السلطة الملكية في الأردن او الإطاحة بحكومتها تعد باقفال هذا الممر امام الولايات المتحدة.

الاعداد المرتفعة للاجئين السوريين في الاردن يفاقم ازماته ايضا، اذ بلغ تعدادهم نحو 8% من مجموع السكان. يستضيف الأردن ما يقرب من 560،000 لاجيء سوري، وفق التقديرات الرسمية، مما يضاعف استنزاف الموارد الشحيحة أصلا، خاصة قطاعي المياه والكهرباء. تكاثرت الاحتجاجات والصدامات بين هؤلاء اللاجئين وقوى الامن الأردنية في الآونة الأخيرة والتي أدت الى مقتل احد عناصر الشرطة الأردنية. كما ان البعض ممن استطاع التوجه نحو المدن المختلفة بحثا عن فرص عمل اضحى منافسا لسوق العمل والإسكان، ووجهت اتهامات للبعض بارتكاب اعمال جنائية او انهم اضحوا يشكلون خطرا على الامن والسلم الداخليين اللذين يتم التعرض لهما باستمرار.

مجموع الأسلحة الأميركية المقدمة للمسلحين السوريين، في المحصلة العامة، هي ادنى من المستويات المطلوبة والمرغوبة من قوى المعارضة، والتي قد لا تستطيع احداث تغيير ميداني استراتيجي لصالحها مما يعد باستمرار حرب الاستنزاف الدائرة ومصرع اعداد أخرى من المسلحين. كما ان طرق الامداد والممرات الحالية لايصال الأسلحة تواجه مستقبلا غير مضمون، وقد يجري اغلاقها في حال انتشرت الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط.

:::::

المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

مدير المركز: د. منذر سليمان

الموقع: www.thinktanksmonitor.com

العنوان الالكتروني: thinktankmonitor@gmail.com