أحمد حسين
لا يغرنكم فاصل الزمان ولا ظاهر المكان ، فهذا صدى حادث قد حدث وزمان قد مر ومكان قد كان ـ نحن مواكب قد عبرت وكواكب قد اندثرت لم تبرح صورتها بعد حائط الصدى. نحن لسنا هنا ، وهنا ليست هنا ، وهذا زمان لغيرنا ومكان لسوانا . إنه زمان عشناه ومكان غادرناه وموائد لم تعد لنا نأكل عليها ما قد أكلنا ونشرب ما قد شربنا ، لنحيا حياة نموتها مرة أخرى . الموت موتنا والصدى صداهم .
عبثت بنا لعبة الصدى ترددنا في الآفاق ، نسكن شارد الزمان وزائل المكان ولا ندري . وحسبنا موتنا المعاد حياة أخرى . وحينما خفت الصدى جاءت …
قالت : اخرجوا من صداي !
قلنا : هذا صدانا !
قالت : كل ميت يعرف صداه . هل هذا صداكم ؟
نعم !
تذكروا أسماءكم ، هل أسماؤكم هذه هي أسماؤكم تلك ؟
لا !
تذكروا أكفانكم ! هل كان يصهل فيها الأبيض على الأسود ، وتكفنون وجوه النساء ؟
لا . ولكن…
لا يُستأنف على الموت ، سكنتم صدى ميت غيركم . أخرجوا !
خرجنا من مقام الصدى ونحن نقول :
هكذا نحن ما طوانا رحيلٌ من رحيلٍ ولا عددْنا خطانا
لو مشينا على الظنون رأتنا فلماذا بلادنا لا ترانا
يا دمانا أما مللتِ دمانا وهوانا أما مللتَ هوانا
لم نغادر إلى زمانٍ زمانا منذ جاءوا ولا قصدنا مكانا
ربما جُنّتِ الشعوب وحلّتْ في وجودٍ يُضَيّع الوجدانا
فتمّنتْ على الجنون شعوبا من تراب تُحيلهُ بستانا
وأشارت إلى السماء استريحي لم يعدْ للوجود ربٌّ سواتا
وجُنِنّا فما بخلنا بشيء من وضيع المتاع حتى لِحانا
نحن لونٌ من الوجود عَصِيٌّ لا يرى الناس منه إلا قَفانا