اتجاهات المواجهة على الارض السورية بعد قمة الثمانية G8 و ما تبعها

العميد الدكتور امين محمد حطيط

من يقرأ جيدا البيان الختامي لمجموعة الثمانيG8  الصادر في ايرلندا في الاسبوع الماضي (20حزيران 2013)  و يتابع التصريحات التي اعقبته و ادلى به المشاركون خاصة و ما جاء اثر مؤتمر  اعداء سورية في قطر ، ثم يعطف ذلك على حقيقة امال و رغبات جبهة العدوان على سورية ، من يقرأ كل ذلك و يحلله بشكل موضوعي يستطيع ان يتوصل الى مجموعة من العناصر الهامة التي تمكنه من تحديد الوجهة المستقبلية للمواجهة الكونية الدائرة اليوم على الارض السورية ، فما هي هذه الوجهة؟.

 قبل البدء بتلمس الاجابة  ، و لان المنطق التحليلي يفرض الانطلاق من المواقع و الاهداف الاصلية للاطراف في المواجهة نذكر بان ما يجري على سورية هو عدوان خارجي شن عليها بقيادة اميركية و انخرط فيه كل من تمكنت اميركا من استتباعه ترغيبا او ترهيبا ، و في المقابل انخرط في الدفاع عن مصالحه في سورية و بشكل متدرج كل من وعى المخاطر التي تتهدده من خلال تلك المواجهة ، و بعده كل من امل بمكتسبات و مصالح يمكن توفيرها او تحقيقها من خلالها  ، و كان اصطفاف و انتظام قسم العالم حول سورية الى فئات ثلاث ، فئة المهاجم ، و فئة المدافع ، و فئة المحايد غير المكترث  بالامر لاعتقاده بان الخطر لن يمسه او بان مصالحه لن تتأثر مهما كانت نتيجة المواجهة.

اما في اهداف الهجوم ، فقد بات جليا انها تتلخص في اسقاط الرئيس بشار الاسد باي وسيلة من الوسائل و تغيير النظام السياسي القائم في سورية على اساس الوحدة و المواطنة التامة و احداث  انقلاب في موقعها الاستراتيجي في وسط محور المقاومة للمشروع الصهيواميركي ، ثم اقامة سورية على اساس طائفي واهن  مع فرض حكم  الاخوان المسلمين عليها و هم الجماعة التي عقدت  صفقة مع قيادة المشروع الغربي على اساس  ان ” السلطة للاخوان و السلطان و السيادة  لاميركا ” اي ان يكون الحكم الذاتي للاخوان المسلمين مقابل توفير الامن لاسرائيل و الاقرار بالسلطان لاميركا .

و في المقابل كانت اهداف المدافع تنصب على تمكين سورية في موقعها و وحدتها و احترام ارادة شعبها الذي يمتلك السيادة و له وحده ان يختار كل ما يتعلق بشأن من شؤونه موقعا و نظاما و حكاما و اسلوب حياة و تحالفات .

لقد عول الفريق المهاجم الذي يشن عدوانا على سورية منذ نيف و 27 شهرا ، على قدراته المتعددة المصادر و الصيغ  في كل المجالات خاصة السياسية و المالية و الاعلامية و الميدانية لتحقيق اهداف هجومه في مهل حدد نهايتها اكثر من مرة ( 6 مرات حددت اميركا موعدا لاسقاط سورية ) و لكن الدفاع خيب ظنون المهاجم في كل المرات تلك ، حتى اجبر الاخير بان يلقي بورقته الاعلى و الاهم و هي ما سمي “خطة اوباما ” لاسقاط دمشق و عبرها كل سورية ، الخطة التي اطلقت منذ نيف و ثلاثة اشهر و التي ووجهت بخطة دفاع محكمة بنيت على نظرية العمل المعاكس  و الاستباقي المعد على اساس علمي منهجي حذق ، واعتمد بنتيجة دراسة استراتيجية محترفة ، ما ادى الى افشال الهجوم و ادخال المهاجم في حالة من  الارباك و الذهول و الاحباط بدأت تتجلى منذ تنظيف منطقة القصير و تطهيرها من اعتى عناصر و وسائل الارهاب العاملة على الارض السورية .

في ظل هذا المشهد انعقد مؤتمر مجموعة الثمانية G8 في ايرلندا و هو مؤتمر دوري يلتقي فيه قادة الدول الصناعية الكبرى في العالم (من غير الصين ) ، و قد كانت فكرته الاولى مستمدة من اهداف اقتصادية ثم تطورت لتكون اعماله شاملة  الاقتصاد و السياسة و الامن لما للعنصرين الاخيرين من تأثير على الاقتصاد و حركة  الاموال و الاستثمارات ، و كان على هذا المؤتمر ان يواجه الازمة العالمية التي تدور على الارض السورية و التي باتت بحق تشكل تهديدا للامن و السلام في المنطقة كلها و منها الى العالم .

و في هذه المقاربة و نظرا لتوزع الاعضاء الثمانية على محوري المهاجم و المدافع و بشكل غير متوازن ( روسيا وحدها في فريق الدفاع مقابل 7 اعضاء في الفريق الاخر )  ظن فريق الهجوم ان الكثرة و اتقان الحرب النفسية ستمكنه من انتزاع مواقف من روسيا تتيح اصدار قرارات تقفز فوق الواقع الميداني و تتخطى الانجازات العسكرية الاستراتيجية التي حققها الجيش العربي السوري و القوات الرديفة العاملة معه ، و لذك اعدت و بمكر شديد ورقة النقاط الخمس لتكون اساسا للقرار حول سورية ، حيث تضمنت ” : تنحي الرئيس و تشكيل  حكومة تملك كل الصلاحيات التنفيذية من غير رئيس دولة ، و هيكلة الجيش وهيكلة الاجهزة الامنية ووضعهما بتصرف تلك الحكومة و اخيرا اجراء انتخابات في مهلة معقولة بعد استتباب الامن.  ،و قد  ارفق ذلك مع التلويح بن الدول السبع ستقدم على موقف مشترك من وحي هذه الوثيقة ان ترددت روسيا في القبول بها .

 لكن اصحاب الوثيقة فاتهم او تناسوا ان التفاوض الحقيقي لا يخلق واقعا بل يثبت حقائق فرضها الميدان  ، و انه يتم ايضاً اخذا بالاعتبار  حصول امور هي الان في حيز المستقبل لكنها في خانة المؤكد الحصول فيستبق وقوعها من غير ان يتسبب بخسائر يمكن تلافيها . اما روسيا فقد كانت واقعية و قوية في الان ذاته ، واقعية لجهة قناعتها بانها لا تستطيع ان تفرض على سورية ما ليس بمصلحتها ، و قوية لجهة رفض التهويل و الابتزاز .

أ‌.         و  بنتيجة المواجهة خرج الثمانية ببيان لا يعكس طموح السبعة ، بل  يؤكد على حقائق و ينبئ باتجاهات الازمة في المستقبل القريب بشكل يمكننا من سوق الملاحظات و التصور التالي  :

1)      ان المهاجم غير جاهز اليوم للحل السلمي في السوري ، و لكنه غير قادر على التنكر العلني له لانه لا يملك في الحاضر البديل الموثوق للخروج من الازمة منتصرا او بشكل يحدد الخسائر ، لهذا تم التأكيد على الحل السلمي في البيان، و نسف الامر بالاعلان الملتبس و المرتبك حول تسليح الارهابيين او الاستعداد للتغيير في موازين القوى العسكرية المتواجهة على ما جاء في بيان الاستدارك في ملتقى الدوحة المعادي للشعب السوري .

2)      يعتقد الغرب بانه من المبكر الاعتراف بالهزيمة ، و لذلك و بعد ان تجنب البيان الحديث عن الرئيس الاسد سلبا او ايجابا (يعني تراجع ضمني عن المواقف السابقة )، و اكد على قيام هيئة حكم برضى جميع الاطراف ما يعني و بكل تأكيد مركزية الدور الرسمي السوري في الشأن ، كما اكد البيان على القيادة العليا الحائزة على ثقة الشعب السوري ( اي لا يمكن فرض قيادة عليه كما هي خطة اميركا و حلم الاخوان ) بعد كل ذلك – و هو يعتبر هزيمة بالمعنى القانوني و الفلسفي للكلمة –  عاد قادته و من اجل امتصاص التراجع و حجبه فروجوا بعد البيان لفكرة عدم مشروعية الرئاسة الحالية و عدم وجود موقع لها في الحل القادم ، في موقف يثير السخرية اكثر مما يثير الاهتمام .

3)      يتردد الغرب في اظهار قناعة تشكلت و بقيت دفينة لديه الان ، تتمثل بالقول بان النظام في سورية هو من القوة الشرعية و الواقعية و الميدانية ما يحول دون الانتصار عليه ، و لهذا فان سقف طموح الغرب الان هو تحقيق توازن ميداني معه قبل اي تفاوض او حوار ، و ان هذا التوازن لا يبلغ الا عبر طريقين متكاملين : الاول تطوير تسليح المتمردين – على حد الوصف الغربي –  الذين يواجهونه ، و الثاني تشجيع النظام على قتال الارهابيين المتطرفين حتى يدمر الواحد قوى الاخر .

4)      افتضاح دور الغرب في رعاية الارهاب و ارتباكه في التعامل معه ، حيث تجلى ذلك في المجاهرة بدعم ما يسميهم المعتدلين و مطالبتهم بالتصدي للمتطرفين ، و الرفض العلني و  الحاد من قبل صنيعة اميركا – الائتلاف الوطني – قتال القاعدة و بناتها و اخواتها. و سكوت الغرب عن ذلك و الاستمرار في قرار التسليح و تبني تلك الصنيعة لفرضها في اي حل سياسي يحلم به.

5)      اقرار الغرب بشكل ضمني بان اللجوء الى الاسلحة الكيماوية لم يكن من قبل النظام ، و لهذا فقد ادان استعمالها بالمطلق و لو كان لدى الغرب اي قرينة او دليل يتكئ عليه او يوثق به في تاكيد لجوء النظام الى هذا السلاح لكان فعل من غير تردد و لما كان لجأ الى الادانة العامة .

ب‌.     على ضوء هذه الملاحظات ، و عطفا على ما تم تحديده من موعد جديد في موسكو لاجتماع اخر لمجموعة الثمانية في ايلول المقبل ،و انطلاقا من المواقف المعلنة في الدوحة و القاضية بتسليح ما اسمي المعارضة المعتدلة ، فاننا نرى ان الازمة على الارض السورية خلال الاشهر الثلاثة المقبلة ستكون محكومة بما يلي:

1)      لا انعقاد للمؤتمر الدولي حول سورية قبل انعقاد مؤتمر الثمانية .

2)      رفع وتيرة التسليح الغربي للجماعات الارهابية ، و تأمين كل الوسائل التي تمكنهم اولا ً من الاحتفاظ بالمناطق التي اخرجوها عن سيطرة الدولة ، ثم تتيح لهم ثانيا احداث خرق يجهض بعض الانجازات الاستراتيجية التي سجلها الجيش العربي السوري ، و اخيرا محاولة اشاعة ارباك و زعزعة الاستقرار في المناطق التي تشهد امنا و هي الان في كنف الدولة .

3)      احتمال تسارع عمليات التصفية الداخلية بين الجماعات المسلحة ، و الانشقاقات و التشظي مترافقة مع حالات العجز الواقعي عن تحقيق الانجازات المطلوبة ، خاصة بع ان تم التصنيف و التمييز العلني بينها و ترجيح كفة احد الضباط الفارين من الجيش العربي السوري .

4)      تصاعد عمليات التطهير و التنظيف التي يقوم بها الجيش العربي السوري و القوات الرديفة لتثبيت ما  تم انجازه و البناء عليه في عملية توسيع دوائر الامن الوطني ، مع الاستفادة من  الخبرات المكتسبة و من التحولات في دول الجوار فضلا عن الانهيارات المعنوية في صفوف المسلحين .

5)      محاولة حثيثة لارباك الوضع الامني في لبنان بغية اشغال حزب الله و اجباره على الانكفاء عن الشأن السوري باي طريقة من الطرق .

6)      يبقى ان نذكر بتوقع لجوء المهاجم الى اقصى درجات الضغط الاقتصادي على سورية و حلفائها ، بشكل يتوخى منه كبح اندفاعتها الميدانية و التأثير على التأييد الشعبي للدولة .

لكن و مع كل هذا يمكننا ان نقول ان الغرب و مهما كابر في رفض الاعتراف بنتائج المواجهة حتى الان ، و مهما حاول الضغط لتغيير وجهة هذه النتائج ، فاننا على ثقة بان الغرب خسر الحرب و ان المهل المتبقية لن تستعمل الا في تحديد حجم تلك الخسارة و تصنيع المخرج لها .

:::::

جريدة الثورة دمشق في 2462013