عبداللطيف مهنا
سيسجل تاريخ الصراع العربي الصهيوني أن السيد رامي الحمدلله قد كُلِّف برئاسة الحكومة الخامسة عشرة لسلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود في رام الله ، خلفاً لرئيسها المستقيل سلام فياض . وأن المُكلَّف قد همَّ بأن يحكم ولم يحكم ، كرئيسٍ لحكومةٍ لم يشكِّلها ، مكتملة العديد والعدة ، منقوصة الصلاحيات ، ولسلطةٍ بلا سلطة ، وتحت احتلال . والحق أنه حاول مثل ذلك ، ولمدةٍ ناهزت الثمانية عشر يوماً عقدً خلالها جلسةً كانت اليتيمةً لحكومته هذه ، ثم لم يلبث وأن قدَّم استقالته مرسلاً إياها مع مدير ديوانه لمن كلَّفه ، وأن الأخير، الذي لاتقلقه مسألة العثور على من سيخلفه في رئاسة حكومة سلفه ، ولديه منهم الكثير، لم يلبث بدوره وأن قبلها .
… والتاريخ نفسه سوف يسجل للسيد المستقيل بأنه بريىء براءة الذئب من دم أبن يعقوب من كون استقالته هذه ناجمة عن مفاجىء إعتراضٍ منه على مسارٍ تصفويٍ يتحكَّم في نهج سلطةٍ عُرف بأنه من مقربيها ، أي يدرك أكثر من سواه أنها نتاج لهذا المسار وتظل الرهينة الطيعة لخطيئةٍ أوسلويةٍ إختطته فأوجدتها . كما وحاشاه أنه كان يجهل أن حكومته ، التي قبل ولم تطل رئاسته لها ، تعوزها الشرعيتان ، النضالية والوطنية ، ناهيك عن انتفاء شرعيتها القانونية ، هذا إن جاز الإستنادا إلي قوانين سلطتها الأوسلوية “غير المشروعة” ذاتها ، وبالتالي فهو المدرك بأنها أما وقد إفتقدت هذه وتلك فلا من مرجعية لها إلا المانحين والتزاماتها الأمنية حيال الإحتلال … وأخيراً ، فالحمدلله المستقيل ، وهو المقرَّب من رئيس السلطة ، كانت لاتخفى عليه حقيقةً كان يعرفها كل الفلسطينيين ، حتى قبل أن يسمعها مع من سمع لاحقاً رئيسها وهو يلفت نظر الجميع : هذه “حكومتي أنا ، وملتزمة ببرنامجي أنا” … إذن ، لماذا استقال ؟!
لقد أجاب المستقيل في كتاب الإستقالة عندما عزاها إلى ما وصفه ب “تضارب الصلاحيات” … وماذا يعني ؟!
لقد أوتي بالحمداللة ، كما أسلفنا ، ليرأس حكومةٍ مستقيلةٍ لم يشكِّلها ، أو وفقما كنا عنوناه لمقالٍ سابقٍ لنا ، ” الحمدالله رئيساً لحكومة فياض” ، وإذ قبل المهمة على هذا الأساس ، وكان يعلم علم اليقين أنها حكومة رئيس السلطة والملتزمة ببرنامجه ، إلا أن مالايستطيع احتماله أنه وجد أنه قد حُرم حتى من صلاحيات سلفه فلم تُعطى له ، وزاد الطين بلةً ، أنه ، وحيث يمنحه قانون السلطة عينها حق تعيين نائبٍ واحدٍ له مع حقيبةٍ وزاريةٍ ، فوجىء بأنه قد عُيَّن له نائبان أثنان بلآ حقيبةٍ وأعطيا صلاحية التوقيع المالي … وجد نفسه مجرد موظف في ديوان رئيس السلطه بدرجة رئيس وزراء !
إذن ، الموضوع برمته مشكلة صلاحيات في حكومة خالية الصلاحيات في سلطةٍ بلا سلطةٍ تقبع في آسار احتلال ، وهي واحدة من مفارقات مآسي الحالة الفلسطينية السوريالية في تجلياتها الكارثية الأوسلوية الرديئة ، وبانتظار الأردأ ، الذي هو بدوره في انتظار عودات الحاوي كيري المتكررة ، الذي عاد إلى المنطقة حاملاً في قبَّعته وهم جديده التسووي ، وحيث التسريبات الصهيونية تسبقه عادةً ، أوهى التي لاتطلق من باب الصدفة ، وإجمالاً دخانها لايخلو من نارٍ أو مايؤشر عليها ، أطلت أولاها عبر مانشرته صحيفة “معاريف” من ان سلطة رام الله قد قبلت العودة للمفاوضات مع المحتلين متخلية عن شرطها السابق باعتبار حدود 1967 أساساً لهذا التفاوض مقابل ما وصفته الصحيفة ب”بمبادرات حسن نيةٍ” من قبل نتنياهو ، مثل إطلاق صراح أسرى ، وتجميد التهويد خارج مستعمراته القائمة ، الأمر الذي نفاه مكتب نتنياهو، كعادته حيال التسريبات ، أو قبل نضوج طبختها تماماً ، كما وأُعلن عن إزماعٍ لبناء وحداتٍ تهويديةٍ جديدةٍ في جبل أبوغنيم ، ثم إن وزيراً في حكومة نتنياهو بوزن بينيت ، زعيم حزب “البيت اليهودي” ، عقب على ماسُرِّب بأن ” إسرائيل لن تدفع أثماناً في مقابل استئناف المفاوضات” …
… وكرت مسبحة التسريبات ، وجاء دور “هاآرتس” لتوضح أن رام الله قد قدمت “شروطاً ملطفةً” ، هى ، تعهد واشنطن ، وليس تل أبيب ، باعتماد حدود 67 مع تبادل أراض كأساسٍ للتفاوض ، و”كبح البناء الهادىء” في المستعمرات ، وإطلاق صراح 120 أسيراً ، خفضهم نتنياهو إلى العشرات ، وعلى دفعاتٍ بعد الشروع في التفاوض وأرتباطاً بتقدم المفاوضات . أما “يدعوت أحرونوت” فتقول أن كيري يسعى للقاءٍ يعقد في عاصمة الأردن ، الذي أعلن عاهله عن محاولاته ” تقريب وجهات النظر” ، بين كبيرمفاوضي السلطة عريقات وتسبي ليفني وإن أي إنجازٍ قد يحققه لن يكون قبل عودته القادمة للمنطقة بعد عدة اسابيع ، وهنا أدلت ” معاريف بدلوها فأشارت إلى “تعثرالأميركيين” الذي “يخبر عن نفسه وعن ضعفهم وينبىء بالتشاؤم” …
رجحنا في مقالنا السابق ، الذي أشرنا أليه آنفاً ، أن فياضاً لم يستقل إلا إنتظاراً منه لدورٍ ينتظره ، أو هروباً من سفينة أوسلو الغارقه ، أما بالنسبة للحمدالله فلانرى من دورٍ نُرجِّحه له ، وقد يكون ، بالإضافة إلى ماذكره في كتاب استقالته ، هروباً أيضاً .