“كنعان” تنشر كتاب “تحوُّل فنزولا إلى اشتراكية القرن الحادي والعشرين”

، تأليف غريغوري وِلْبيرت وترجمة بسام شفيق ابو غزالة.

 

بقية الفصل الخامس

 

السياسة الخارجية:

أمريكا اللاتينية، كوبا، كولمبيا، الولايات المتحدة، العالم المتعدد الأقطاب

العلاقات الكوبية-الفنزولية

ثلاث دول تستحق علاقتها بفنزولا عناية في التحليل: هي كوبا، وكولمبيا، والولايات المتحدة. تطورت العلاقة الكوبية-الفنزولية بحيث أصبحت تعاونا وتضامناً بالغي الحميمية. ولعل الأسباب الثلاثة الأهم في هذه العلاقة تعود إلى العلاقة الشخصية الحميمة بين الرئيسين تشافيز وكاسترو، وإلى التقارب العقائدي بين الحكومتين، وإلى الوقوف في وجه مناوئ أو عدو مشترك، هو الولايات المتحدة.

كان تشافيز أقام علاقة شخصية مع كاسترو بُعيد إطلاق سراحه من السجن لمحاولته الانقلاب عام 1992. ومنذ ذلك الحين، عمق تشافيز صداقته بكاسترو مُتخذاً منه معلماً، بل أباً روحيا. وحين تعثر كاسترو عام 2004 ووقع فانكسرت رضفةُ ركبته، قرر تشافيز فوراً أن يعرّج على هافانا في رحلته الخارجية القادمة لزيارة كاسترو في المستشفى والاطمئنان عليه. ولعل تشافيز، الذي كان يعدُّ نفسه “بوليفارياً” أكثر منه اشتراكياً، كان يمكن أن يشعر بأنهما مختلفان عقائديا. بيد أن كاسترو أيضاً بدأ قومياً مناوئاً للإمبريالية ولم يصبح اشتراكيا إلا حين قبض على زمام السلطة. كذلك في الحالين كان شقيقا كلٍّ منهما اشتراكيين، فأثّرا على هذين الرئيسين المستقبليين في توجههما نحو الاشتراكية (راؤول كاسترو في حال فيديل، وأدان تشافيز في حال هوغو). واليوم يقول تشافيز لكاسترو، “ما تسميها اشتراكية في كوبا، نسميها بوليفارية في فنزولا.”([i]) أخيرا، إلى جانب الصداقة الشخصية والتقارب العقائديّ، هناك العداوة المشتركة مع الولايات المتحدة أيضا. كلنا الدولتين الآن هدف لتخريب الولايات المتحدة، على الأغلب على شكل الدعم المالي الصريح والسري الذي تقدمه إدارة بوش للمعارضة في كلا البلدين.

اتفاقيات التعاون بين كوبا وفنزولا

يغطي التعاون الوثيق بين هاتين الدولتين مجالاتٍ واسعةَ التنوع، كالنفط، والعناية الصحية، والتعليم، والرياضة، والفنون. وقد غطت الاتفاقية الأولى، التي وُقِّعت في 30 تشرين الأول 2000، قضايا متنوعة أهمها شمول كوبا في “تفاهمات كاراكاس للطاقة،”([ii]) فتتلقى بذلك 53 ألف برميل من النفط يوميا. وكان جزء آخر من هذه الاتفاقية ينص على أن ترسل كوبا إلى فنزولا أطباء، ومدربين رياضيين، وخبراء في صناعة السكر، والسياحة، والزراعة، والمعدات الطبية، والتعليم. وفي الإجمال، بدأ عدد الكوبيين المرسلين إلى فنزولا كجزء من هذا البرنامج عدة آلاف، ثم بلغ العدد أخيراً 20 ألفاً عام 2005. كما نص جزء من الاتفاقية على أن في استطاعة الفنزوليين الذهاب إلى كوبا إما للعلاج الطبيِّ المجانيِّ أو ليتدربوا كأطباء. وبحلول العام 2006، كان 13 ألف كوبي قد عولجوا في المستشفيات الكوبية في كل الأمراض، من جراحة القلب والأوعية الدموية، وأمراض العيون، والعظام، إلى نقل الأعضاء.([iii])

عُمِّقت اتفاقية عام 2000 هذه في كانون الأول 2004 ثم في نيسان 2005. كما ألغت اتفاقية عام 2004 جميع الرسوم الجمركية على الواردات الكوبية، وزودت كوبا بالمساعدة الفنية لاستكشاف النفط في سواحلها. كذلك مُنح ألف فنزولي بعثاتٍ سنوية للدراسة في الجامعات الكوبية. بعد ذلك رُفع عدد الأطباء الكوبيين الذين يشاركون في برنامج “الحيّ الفقير من الداخل” إلى 15 ألفاً، ويحمل هؤلاء تنوعا واسعا من التخصصات، كطب العيون والأسنان. كما أن اتفاقية نيسان 2005 كثفت التعاون في قطاع العناية الصحية، بحيث يُدرَّب الآن 10 آلاف تلميذ طب فنزولي في كوبا، ويأتي إلى فنزولا 30 ألف طبيب كوبي يرافقهم متخصصون في المهن الصحية المساعدة. كذلك تتعاون الدولتان في وضع خطة تعمُّ القارة لمحو الأمية في أمريكا اللاتينية، مستخدمة الطريقة الكوبية “نعم أستطيع” (Yo si puedo). أضف إلى ذلك أن صادرات النفط إلى كوبا بموجب تفاهمات كاراكاس قد رُفعت من 53 ألف برميل في اليوم إلى 90 ألفا.

كجزء من هذه الاتفاقيات التعاونية المكثفة، فتحت شركة نفط فنزولا فرعا لها في هافانا، ليكون مركزاً رئيسياً لعملياتها الكاريبية. كذلك فتح المصرف الذي تملكه الدولة، بنك فنزولا الصناعي، فرعاً له في هافانا. كما اتفق على أن يفتح مصرف الدولة الكوبية، بنك كوبا الخارجي، فرعا له في كاراكاس. وفي الإجمال، وُقِّعت تسع وأربعون اتفاقية مع كوبا عام 2005 شملت تخفيف الضرائب، والدعم المتبادل لإنشاء وتحسين البنية التحتية للسكة الحديدية في كلتا الدولتين، والترويج للتحالف البوليفاري لشعوب أمريكتنا (ألبا) في المحافل الدولية، من بين أشياء أخرى.

أضفت فنزولا، وكوبا، وبوليفيا، السمة الرسمية على إقامة التحالف البوليفاري لشعوب أمريكتنا (ألبا) وعززته بمعاهدة أخرى، عُرفت باسم “الاتفاقية التجارية الشعبية”، التي وُقعت في 29 نيسان 2006.([iv]) وقد ضمت هذه الاتفاقية بوليفيا إلى المعاهدة التي كانت كوبا وفنزولا وقعتاها في كانون الأول 2004. كما ألزمت الدول بتطوير “خطة إستراتيجية” “لضمان المنتجات المتكاملة التي يمكن أن تكون مفيدة للجميع استناداً إلى الاستغلال العقلاني لأصول الدول الحالية، والمحافظة على الموارد الطبيعية، وتوسيع نطاق التشغيل، والوصول إلى الأسواق، وجوانب أخرى تُستوحَى بتضامن حقيقي ترعاه شعوبنا.” وتمضي المعاهدة في التعهد بالتبادل في مجال التقانة، والتدريب على محو الأمية، والاستثمار، والمشاريع الثقافية، وإمكانية أن يكون التبادل بالمقايضة بدل الدفع النقدي، وتقوية البنية التحتية للاتصالات بين الدول الثلاث، وتعهد كوبا بتقديم جراحة العيون مجانا للبوليفيين والفنزوليين، وتقديم تدريب طبي لتلاميذ هاتين الدولتين. كذلك ألزمت فنزولا نفسها بتقديم دعم فنيٍّ لبوليفيا في مساعيها لتطوير موارد طاقتها الطبيعية.

العلاقات الكولمبية الفنزولية

كولمبيا هي الدولة التي تشبه فنزولا أكثر ما يكون، في التاريخ والثقافة والعلاقات المتبادلة بين الشعبين. لذلك لا غرو في أن ينظر الفنزوليون إلى كولمبيا على أنها “دولة شقيقة” (país hermano). بيد أن هناك، في الوقت ذاته، كثيراً من التوتر بينهما، من الخلاف على الحدود والوصول إلى الموارد الطبيعية على طول الحدود، إلى التوتر الذي يحدثه اجتياز الحدود من قبل القوات المسلحة الكولمبية النظامية منها وغير النظامية، القوات المسلحة الكولمبية الثورية (فارك)، وجيش التحرير الوطني، والقوات العسكرية الكولمبية، وقوات الدفاع الذاتي الكولمبية.

يعود الخلاف على الحدود بين هاتين الدولتين إلى يوم تأسيس كل منهما، يوم قُسِّمت عام 1833 ما كانت دولة واحدة هي كولمبيا العظمى. وعلى مر السنين، فقدت فنزولا في مختلف النزاعات الحدودية جزءاً من أراضيها لكولمبيا. والقضية الحدودية حساسة دائماً للدولتين، لأن كمية كبيرة من النفط والثروة المعدنية تكمن في منطقة الحدود. كذلك، جغرافياً، يُشكِّل بعض مناطق الحدود أمكنة مرور مثالية للمنتجات الكولمبية والمهربة لشحنها إلى الكاريبي. وموقع أكبر بحيرة أمريكية لاتينية، هي بحيرة ماراكيبو، في فنزولا، التي تفتح على الكاريبي وعلى الأنديز على الجانب الكولمبي، يجعلها أسهل كثيراً لنقل البضائع عبر فنزولا منها عبر كولمبيا.

لهذه الأسباب، توجد مصالح قوية في كولمبيا ترغب في إزاحة الفنزوليين والكولمبيين في فنزولا، ممن يعيشون على خط الحدود، لكي تستطيع استغلال المصادر الطبيعية ونقل المخدرات والبضائع الأخرى إلى أسواق الولايات المتحدة من غير تدخل السكان المحليين. يقول سكان المنطقة المؤيدون لتشافيز،([v]) إن القوات الكولمبية شبه العسكرية تعبر الحدود بانتظام إلى فنزولا لترويع القرى الفنزولية في منطقة الحدود وإجبارها على الانتقال إلى مكان آخر. وكردة فعل جزئية لمثل هذه الغارات، ولعدم قدرة قوات الأمن الفنزولية نسبياً على السيطرة على هذا النزاع، ظهرت قوة مغاوير جديدة على طول الحدود، عُرفت باسم “قوات التحرير البوليفارية”. هذه القوات لا ترغب فقط في حماية الفنزوليين ضد الغارات الآتية من كولمبيا، بل تقول إنها تناصر تشافيز وتُعِدُّ العدة لإمكانية إزاحته من على السلطة، إما من لدن قوات خارجية أو داخلية، لذلك يتوجب على الفنزوليين أن يستعدوا لخوض حرب غوار ضد من يريدون الإطاحة بشافيز.([vi])  وكنتيجة لكل هذه التطورات، أصبحت منطقة الحدود شبيهة بـ”الغرب المتوحش” حيث يسود حكم الغاب بسبب خليط من شرطة وجيش فنزوليين فاسدين، ومهربي مخدرات، وقوات كولمبية نظامية وغير نظامية (تضم المتمردين والقوات شبه العسكرية جميعا)، وكلها تتداخل فيما بينها وتتصادم.

علاقة تشافيز بالفارْك وجيش التحرير الوطني

يعود أحد أسباب النزاع بين فنزولا وكولمبيا إلى أن المسؤولين في الحكومة الكولمبية وأعضاء مجلس الشيوخ المحافظين غالباً ما يدَّعون أن تشافيز يدعم سراً إحدى فرقتي المغاوير الكولمبية أو كلتيهما، وهما الفارْك وجيش التحرير الوطني. هذه الاتهامات، بالرغم من أنها لم تُعزَّز ببرهان ملموس ودائما ما كان تشافيز ينفيها، كثيراً ما يدعمها المسؤولون في الولايات المتحدة، الذين يرددونها لكنهم أيضاً لا يستطيعون الإتيان بشيء من قبيل البرهان. بل كان المسؤولون في الولايات المتحدة يطلقون تصريحات متناقضة حول دعم فنزولا المفترض للمتمردين في كولمبيا. ويشير إلى هذه المسألة تقرير الحكومة الأمريكية حول الإرهاب للعام 2004 لأن الولايات المتحدة تعد الفارْك وجيش التحرير الوطني مجموعتين إرهابيتين، لكنه يكتفي بالقول إن تشافيز ربما يقدم لهما دعما.([vii]) مع هذا، يزعم التقرير أن فنزولا تقدم دعما “محدوداً” فقط لكولمبيا في مكافحة الإرهاب.

بالرغم من هذه الاتهامات، فإن لفنزولا 20 ألف جندي يشكلون ثلاثة أضعاف ما لكولمبيا، التي عندها جيش أكبر بكثير، يعسكرون على طول خط الحدود البالغ 1,400 ميل. وحسب بعض المحللين، تُعَدُّ كولمبيا في وضع أضعف بكثير فيما يتعلق بحماية حدودها مع فنزولا، لأنها لا تتحمل سحب جنودها من داخل البلاد وعسكرتهم على الحدود، لئلا تخاطر في تعريض العاصمة والمناطق الرئيسية الأخرى لهجمات قوات المغاوير.

تكررت شكوى المسؤولين الأمريكيين من أن فنزولا لم تعلن أن الفارك وجيش التحرير الوطني مجموعتان إرهابيتان. بالرغم من هذا، فإنه غير واضح ما يمكن أن يعنيه لو فعلت فنزولا هذا، لأن القانون الفنزولي في مجموعته المتعلقة بالجرائم ليس فيه نص يتعلق بهذه التسمية. على كل حال، تتخذ سياسة حكومة تشافيز الرسمية موقفا محايداً فيما يتعلق بالنزاع الكولمبي. وقد صرح تشافيز بأن حكومته لا تدعم أيا من الجانبين بأية وسيلة. وهذا الموقف الحيادي الرسمي منطقي لأن فنزولا متأثرة تأثرا عميقاً بهذا النزاع، وإن كان عليها أن تؤيد طرفاً على آخر، فعليها أن تعامل الطرف الآخر كعدو، وهو ما سيقود فنزولا بسهولة إلى الغوص عميقاً في هذا النزاع. بدل ذلك، يقول تشافيز إن حكومته تدعم كل جهد سلمي لحل النزاع، وفي العديد من المناسبات عرض نفسه وسيطا بين الحكومة الكولمبية والمتمردين.

كذلك كان جزءاً من سياسة حكومة تشافيز الرسمية فيما يتصل بالنزاع الكولمبي أن تحاول فنزولا منع اختراقات الحدود والعسكرة على الجانب الفنزوليِّ منها، بغض النظر عن طرف النزاع المتورط في ذلك. وقد كان أنْ شهدت هذه السياسة عدة تطبيقات عملية عامي 2004 و2005. مثل ذلك أن الفارك، في أيلول 2004، دخلت في معركة بالبنادق مع جنود الحرس الوطني الفنزولي، فقتل منهم ستة. وكان هناك عدة حوادث أخرى، بعضها شمل قوات كولمبية شبه عسكرية، وأخرى جيش التحرير الوطني، بل شمل بعضها الجيش الكولمبي نفسه.([viii])

بالرغم من الأحداث الكثيرة التي يحاول مناوئو تشافيز في فنزولا، وكولمبيا، والولايات المتحدة، أن يجرِّموه بها ويجعلوها تبدو وكأن حكومته تدعم المتمردين الكولمبيين، وبالرغم من حقيقة أن تشافيز فنزولا وأُرْبي كولمبيا على طرفي نقيض سياسياً، فإن العلاقة بين الدولتين جيدة بشكل مدهش. أي أن الرئيسين تشافيز وأُرْبي متفاهمان تماما. وفي تشرين الثاني 2004، وقّع تشافيز وأرْبي سلسلة من الاتفاقيات، منها مخطط لبناء خط أنابيب غاز من فنزولا عبر كولمبيا إلى المحيط الهادئ، بحيث تستطيع فنزولا تزويد آسيا أو الدول الواقعة إلى الشمال أو الجنوب من الساحل الأمريكي الغربي. من الواضح أن لكل من كولمبيا وفنزولا مصلحة متبادلة في الحفاظ على علاقة جيدة هي أقوى بكثير من الضرر الذي سببته جهود تخريبها. فكلا الطرفين يعلم أن مصلحتهما المشتركة تكمن في المحافظة على علاقات جيدة، كما أن اقتصاد كلا الطرفين سيخسر كثيراً إذا ساءت علاقتهما، بسبب حجم التجارة الكبير بين البلدين.([ix])

العلاقات بين الولايات المتحدة وفنزولا

مقارنة بالعلاقة بين كولمبيا وفنزولا، حيث ليس لأي طرف شيء يكسبه من العلاقات السيئة، يتأرجح الوضع فيما يخص الولايات المتحدة. أي أن لإدارة بوش مصالح قوية تتناقض ومصالحَ إدارة تشافيز. فبوش مهتم في تعزيز اتفاقية “التجارة الحرة لمنطقة الأمريكيات”، وهو بحاجة ماسة لحلفاء في “حربه على الإرهاب”. بينما، على الجانب الآخر، يعارض تشافيز هذه الأجندات السياسية بشدة، متبعاً أجندةً مناقضة تماماً لأجندة إدارة بوش، بسعيه لتعزيز عالم متعدد الأقطاب وإنشاء “البديل البوليفاري للأمريكيات”. فلا غرو أن بوش يرغب في رؤية تشافيز يختفي، والعكس بالعكس.

بالإضافة إلى هذه المصالح المتناقضة، بطبيعة الحال، تشترك الولايات المتحدة وفنزولا في مصالح اقتصادية قوية، مثل المصلحة في الحفاظ على بيع نفط فنزولا للولايات المتحدة. ذلك أن فنزولا، بمبيعاتٍ للولايات المتحدة تبلغ 1.5 مليون برميل في اليوم، تُعد رابع أكبر مزود للولايات المتحدة بالنفط، والأخيرة أكبر مستورد لنفط فنزولا. كما أن هناك علاقاتٍ ثقافيةً منذ زمن طويل، كالعشق المشترك للبيسبول، وعدد لا يحصى من صادرات التسلية الأمريكية. نتيجةً لذلك، هناك أخذ وعطاء في العلاقة ثابتان، ما بين عداء متبادل وجهود لتجميل العلاقات وتحسينها بين البلدين.

يعبر العداء عن نفسه في أن كلا البلدين يتملق زعماء أمريكا اللاتينية وبقية العالم طلبا للدعم. أما الفرق بين معالجة كل منهما، ففي أن جهود تشافيز في العمل ضد بوش هي في الأغلب على مستوى العلاقات و”دبلوماسية الميكروفون”. على الجانب الآخر، كانت إدارة بوش تحاول تدمير تشافيز بدعمها محاولة انقلاب عام 2002، وتمويلها معارضيه. كذلك هناك منطق في الاعتقاد بأن الولايات المتحدة متورطة في الحرب النفسية، كنشر الإشاعات التخريبية في وسائل الإعلام عن حكومة تشافيز.

تشافيز وكْلِنْتُن

لم تكن العلاقات بين تشافيز والرئيس الأمريكي دائما متوترة. فحين أصبح تشافيز رئيساً، حاول المحافظة على علاقة ودية مع كْلِنْتُن، بالرغم من أن تشافيز في خطاباته غالبا ما كان يستخدم كلمات قاسية في انتقاده الإمبريالية الأمريكية. وحين خطط تشافيز لزيارة الرئيس كْلِنْتُن بعد انتخابه بقليل، طُلب منه ألا يأتي إلى الولايات المتحدة عبر كوبا، إحدى محطاته الأخرى في رحلته. لكن تشافيز رفض الفكرة غاضباً، وزار كوبا أولا على كل حال. وحين وصل إلى واشنطن، عقب زيارته كاسترو في هافانا، أعير استقبالا باردا. وقد اجتمع به كْلِنْتُن لخمس عشرة دقيقةً بطريقة غير رسمية مطلقاً، وهو يرتدي الجينز، ولم يُسمح للصحافة بالتواجد.([x])

تحولت العلاقات إلى الأسوأ حين وقع الانزلاق الطيني في كانون الأول 1999. في سياق جهود الإنقاذ، عرضت إدارة كْلِنْتُن أن ترسل سفنا ومروحيات أمريكية للمساعدة. لكن تشافيز رفض العرض، قائلاً إن فنزولا لا تحتاج إليها، بل تحتاج إلى المال بدلا منها. كذلك في منتصف العام 2000، حين زار تشافيز صدام حسين كجزء من جولته لزيارة جميع الدول الأعضاء في أوبك، كان رد فعل وزارة الخارجية الأمريكية غاضباً، وصرحت بأن تشافيز إنما ينتهك العقوبات الأممية على العراق.

بوش وتشافيز 1: تزايد التوتر

كان أول عمل قام به تشافز ليزعج الرئيس الجديد أنه انتقد “منطقة التجارة الحرة للأمريكيات” (FTAA) في قمة الأمريكيات التي انعقدت في كيبِك، كندا، في نيسان 2012. وكان تشافيز الرئيس الوحيد الذي وقّع وثيقة الإغلاق “بتحفظ”، قائلاً، كان ينبغي لهذه الوثيقة أيضاً أن تذكر أهمية الديمقراطية التشاركية وليس الديمقراطية التمثيلية فقط.

بعد ذلك، في أيلول 2001، قبيل الاعتداء على مركز التجارة العالمي، أعلن تشافيز أن فنزولا ستلغي اتفاقية تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة. يبدو أنه كان في برنامج التدريب (التعليم والتدريب العسكري الدولي) أكثر بكثير من محض برنامج تدريب؛ فقد صُمِّم أيضاً لزيادة نفوذ الولايات المتحدة العسكري في الجيش الفنزولي.([xi]) فقد كانت الولايات المتحدة تطلب من فنزولا أن تضع خريجي البرنامج المذكور في “مناصب رئيسية” في جيشها. في البداية، لم تبدِ الولايات المتحدة ردة فعل كبيرة لهذا الإلغاء، ربما لأنه لم يكن حقيقةً قد أُلغي إلا لاحقا.

لكن ما استجابت له إدارة بوش كان تعليقات تشافيز في تشرين الأول 2001، حين ظهر تشافيز على التلفاز ليشجب الهجوم الأمريكي على أفغانستان. وقد رفع تشافيز صوراً لأطفال أفغانيين قتلوا في الهجوم وقال، “لا يمكن محاربة الإرهاب بالإرهاب … ليس لهذا أي تبرير، تماما كما ليس للاعتداءات على نيويورك أي تبرير أيضا.” وقد استدعيت السفيرة الأمريكية في فنزولا، دُنّا هْريناك، فوراً إلى واشنطن “للتشاور”، وحين عادت، طلبت من تشافيز، باسم الحكومة الأمريكية، أن يسحب تعليقاته. وبطبيعة الحال، لم يفعل ذلك، بل طلب منها غاضباً أن تغادر مكتبه.

 


[i] في خطاب في هافانا في 29 نيسان 2005.

[ii] “تفاهمات كاراكاس للطاقة” وقعتها فنزولا في 19 تشرين الأول 2000، مع عشر دول كاريبية وأمريكية وسطى (بيليز، وكوستاريكا، والسلفادور، وغواتيمالا، وهاييتي، وهندوراس، وجامايكا، ونيكاراغوا، وبنما، وجمهورية الدومنيكان)، تزود فنزولا بموجبها هذه الدول بالنفط بأقل من سعر السوق، مع تمويل لـ15 سنةً بفائدة 2% في السنة. ومجموع النفط المصدَّر لهذه الدول هو 80 ألف برميل في اليوم. وتفاهمات كاراكاس هي إضافة لتفاهمات سان خوسيه التي وقعتها فنزولا والمكسيك مع دول كاريبية مختلفة عام 1980. أما المكسيك فلم توقع “تفاهمات كاراكاس” لأنها رفضت توسيع التزامها عام 1980.

[iii] راجع “معجزة فيلكس واتفاقية كوبا-فنزولا”، 24 آب 06 (http://www.venezuelanalysis.com/articles.-php?artno=1804).

[iv] يمكن العثور على نص المعاهدة من (http://www.venezuelanalysis.com/articles.-php?artno=1789).

[v] مقابلة شخصية في آذار 2002 مع وفد من سكان منطقة سييرا دي باريخا، جاء إلى كاراكاس لإعلام الحكومة الوطنية بتطورات منطقتهم.

[vi] لكن تشافيز طلب من “قوات التحرير البوليفارية”، في عدة مناسبات، أن تحل نفسها وتسلم أسلحتها، قائلاً إن حكومته لا تحتاج إلى مساعدتهم.

[vii] “كما استمر تدفق الأسلحة والذخائر – بعضها من مخزونات ومرافق فنزولية رسمية – من مزودين ووسطاء فنزوليين إلى أيدي تلك المنظمات. [منظمات السياحة الخارجية]. ليس واضحا مدى ومستوى موافقة الحكومة الفنزولية على أو غض نظرها عن الدعم المادي للإرهابيين الكولمبيين. ولا تزال تثير قلق حكومة الولايات المتحدة علاقات الرئيس تشافيز الحميمة بكوبا، التي تعدها الولايات المتحدة دولة راعية للإرهاب.” تقارير الدولة عن الإرهاب، 2004، وزارة الخارجية الأمريكية، ص. 87 (http://www/state.gov/documents/organization/54322.pdf).

[viii] في شهر نيسان 2005، اعتقلت قوات الأمن خمسة جنود كولمبيين اجتازوا الحدود الفنزولية من غير تخويل مناسب. ثم أعيدوا إلى كولمبيا بعد بضعة أيام.

[ix] كولمبيا هي الشريك التجاري الثاني حجماً بعد الولايات المتحدة.

[x] أعيد ذكره في غولنغر، رمز تشافيز (The Chávez Code). هافانا، خوسيه مارتي، 2005. ص. 52-53.

[xi] تذكر إيفا غولنغر برقية في حزيران 2000 أرسلها القسم العسكري في السفارة الأمريكية في فنزولا تحمل الأمر التالي: “وسع نفوذ حكومة الولايات المتحدة على جميع المستويات في القوات المسلحة الفنزولية…. زد عدد ضباط القوات المسلحة الفنزولية على جميع المستويات ممن يتلقون التدريب في المدارس العسكرية الأمريكية….” (م.ن. ص.58)