النفط الوهابي يختطف الخليط
عادل سمارة
الخليط مرة أخرى:
هل بدأت ملامح اختطاف مجدد للحراك الشعبي في مصر؟ وهل حقا تمسك واشنطن بشعاب قلب مصر؟ هل لا تزال الجماهير تنتفض ثم تؤسر!
يبدو أن الموجة الثانية من إرهاصات الثورة الأولى في مصر قد دخلت أيضاً بعد ايام فقط في دائرة الاختطاف، ربما تماما كما حصل بين 25 و 28 يناير 2011.
تشير الأمور إلى أن هناك خطان يسيران بالتوازي واحدهما عفوي ونظيف والآخر مخطط له وخطير .
· هناك الحراك الشعبي والذي لحمته وسداه الطبقات الشعبية أكثر مما هي الطبقة الوسطى
· وهناك القوى المنظمة التي كما يبدو خططت للتوظيف كي لا يبدو اختطافا.
ما الهدف اليوم ومن الذي يحرك الخليط ؟
كان رأيي ولا يزال بان إسقاط حكم نظام وقوى الدين السياسي ضروري حتى لو فقط حال دون تورط مصر ضد سوريا، لذا لا اسف عليه. فنظام الإخوان لم يختلف عن نظام مبارك لا في التبعية للمصرف الدولي وأنظمة الريع النفطي (قطر) ولا في العلاقة الحميمة بواشنطن وحتى بدرجة متدنية اي من مستوى السفيرة الأميركية. وقد تكون مفارقة محزنة أن نظام مبارك بزَّه على الأقل بوضع للمرأة أفضل.
وبقدر ما كانت الطبقات الشعبية تراكم رفضا لنظام الدين السياسي سواء لأسباب الفقر والبطالة وممالئة الكيان وواشنطن، بقدر ما كانت الثورة المضادة تراقب وتخطط. ولا شك أنها نجحت في الاستفادة أو استثمار الحراك الشعبي عبر تكوين قيادة من الخليط لمواجهة الإخوان وعزل رئيسهم.
قد تكون بداية خطة الثورة المضادة هي: كيف نعيد الهجمة او نجددها ضد سوريا بعد أن فشل تصدر قطر للعدوان. من هنا تمت تنحية أمير قطر ووزيره، وتم تنشيط دور السعودية، أي الوهابية السلفية محل الإخوان، وتم التنسيق مع الجناح الأميركي اللبرالي من الخليط، البرادعي وعمرو موسى وعمرو حمزاوي، وقد تبين الأيام أن حمدين صباحي ربما ساوم أو غض الطرف. بيت القصيد أن قوى الدين السياسي بتوعاتها قد انكشف تورطها في سباق المساومة مع الإمبريالية. ولكنها ليست الخاسر الوحيد، بل الثمن الكبير هو تضحيات الطبقات الشعبية.
السؤال الذي ليس لدي جواب عليه، كيف تمت عملية تركيب قيادة على حركة تمرد. قيادة تمكنت من التجييش المنضبط، اي الخالي من أية شعارات قومية أو ضد الكيان الصهيوني ولا ضد أمريكا وكأن اولاد هيلاري قد أُزيحوا من الصورة لصالح أولاد باترسون؟ قبل ثلاثة ايام قيل بأن مسيرة ستذهب إلى السفارة الأميركية، لكنها لم…تذهب!
كان الاعتقاد بأن الخليط لا يسمح تكوينه باكثر من هذا في البداية. ولكن تقدم السعودية السريع للاعتراف بالنظام الجديد اثار الكثير من الشكوك لا سيما والسعودية شديدة الحذر في مواقفها، وكان جزء من التصور لأن لها حصة في الخليط اي التيار السلفي وهو التيار الذي يُفترض أن يكون اقرب إلى الإخوان منه إلى حمدين صباحي مثلا!.
لكن هذا اليوم كشف الغطاء عن الخليط حيث:
· تم تعيين البرادعي نائبا لرئيس الجمهورية، والبرادعي أمريكي بالفطرة والموقف
· وتم تعييم الببلاوي رئيسا للوزراء وهو إسلامي قضى حياته الاقتصادية ضمن الاتجاهات اللبرالية والمصرف الدولي. (تولى قبل عامين إعداد كتاب عن التكامل الاقتصادي العربي شارك فيه 24 اقتصاديا – من بينهم الصديقين د. عاطف قبرصي و د. فضل النقيب وأنا نفسي، ومعظمهم قوميين ويساريين فأخرجه في تقرير إقتصاد إسلامي”
· لذا تعهدت الإمارات ب 3 مليار دولار والسعودية بخمسة مليار ثمنا لاتفاق كما يبدو أو كعطاء لشراء الخليط. ومن المستبعد ان تكونا قد دفعتا بعد إلى أن تحصلا على الضمانات التالية:
· لجم مطالب الطبقات الشعبية عبر دور المخابرات والجيش
· عدم إبداء اي تحسن حقيقي مع سوريا، ربما إيجاد تخريجة ضد سوريا!
· مواصلة كامب ديفيد وعدم محاولة استعادة سيطرة الدولة فعليا على سيناء.
· الابتعاد عن روسيا والبريكس عامة.
· التشاغل بمصر بعيدا عن البعد العروبي.
ربما يتم تمويه الأمر على القاعدة الشبابية بأن تعيين الببلاوي كان لعدم خروج السلفيين من الخليط، وتمويه تعيين البرادعي لإعطاء الخليط وجها مرنا في العلاقات الخارجية. ولكن الأمور لا يمكن أن تُقرأ هكذا وخاصة بعد التعهدات المالية من السعودية والإمارات.
وهكذا، تجد الجماهير التي انتفضت باشد وأوسع مما كان في 25 يناير، والتي كما يبدو وقعت في الغام اشد خطرا من لغم قوى الدين السياسي (الإخوان المسلمين)، اي ألغام الخليط الوهابية السلفية، واللبراليين والناصرية غير العروبية، و قطاع من قيادة الجيش التي هي جزء من الرأسمالية البيروقراطية والمرتبطة مع سياسة الولايات المتحدة.
ولا شك بأن ما جعل امتطاء الطبقات الشعبية سهلا هو:
· غياب حزب الطبقة/ات الشعبية ليمثلها غيرها، بل عدوها.
· غياب الثقافة القومية والانحصار في “الوطنية-القطرية” المصرية مما افقد هذه الجماهير البعد القومي وهو الفقدان الذي يشكل الضمانة لعدم الاكتراث بكامب ديفيد.
· والإيحاء بان حل مشاكل مصر الاقتصادية هو فقط بالاستدانة والاستجداء مما يُبقيها مطية بيد انظمة الريع وبالنتيجة رهينة لسيطرة الولايات المتحدة والغرب عامة.
·
· والسؤال هل سوف يستسلم الإخوان؟ هل يعيدوا حساباتهم بعد ان أفهمهم السيد الأميركي بانه لا يزال هو الذي يعطي وهو الذي يأخذ ؟ وبأن تحكمه بالمنطقة لا يزال قويا؟ وبأنه يحاول ضرب سوريا وروسيا عبر مصر، وبأنه حجَّم بعدهم الريعي في قطر؟
· قد يقوم الإخوان من أجل كسب شارعهم ببعض التصعيد كي يحافظوا على ثقته بهم، ثم “يجنحوا للسلم”!
هل تم اختطاف هذه الحقبة من الثورة الأولى؟ يبدو نعم. هل سوف تنتفض الطبقات الشعبية مجدداً، هذا بالضرورة ولكن لا ندري متى. فقيادة الخليط لن تستعطي من أجل الشعب. والسياسات اللبرالية الجديدة لا تحل أزمة اقتصادية، وأنظمة الريع لن توفر ما ينقذ اقتصاد مصر. هل قام الجيش بضرب المعتدين على الحرس الجمهوري بقسوة كي يحافظ على هيبته، أم لكي يعطي مبررا “لعقلاء” الإخوان بان مصارعة الجيش لا جدوى منها! هل سيلجأ الإخوان لتحدي السيد الأميركي؟ أم هل سوف يُرشو بموقع ما في سيناء وبالحفاظ على حماس؟ وهذا جزي من مشروع تقسيم مصر!
لا بد أن نستذكر هنا بأن استراتيجية الصندوق والمصرف الدوليين في تصفية القطاع العام وتجريد الدولة من دخل خاص بها، أي إفقار مصر على مدار اربعين عاماً بتصفية اقتصادها الإنتاجي وسيطرة طبقة الكمبرادور ورجال الأعمال والفساد لم تُبقي لأية سلطة سوى خيار التبعية ما لم تجترح استراتيجية أخرى، لا يبدو أن مكونات الخليط على علاقة بها. كان التوقع بأن هذه المكونات سوف تصر على أن تكون بالحد الأدنى وطنية. ولكن ملامح اليوم لا تشي حتى بهذا.
وبغض النظر عن اي سيناريو الذي سيحصل، إنما يبقى اساس الأمر أن مصر لم تنهض، وبأن احتمال توظيفها ضد سوريا يتجدد بشكل ما. وهذا يشير إلى أن الصراع في مصر هدفه سوريا، وميع موظفا لخدمة الكيان الصهيوني، ولهذا يتم تبديل تيار دين سياسي بآخر ورعيل عسكري بآخر ويبدو أن مخزون الخليط لا يزال فيه رصيدا.