يوم للأرض آخر لمواجهة قانون برافر

 د. عادل سمارة

 

يقوم فلسطينيو الأرض المحتلة 1948 يوم 15 تموز الجاري بانتفاضة جديدة، يوم ارض جديد ضد مصادرة الكيان الصهيوني ل 800 ألف دونم من أراضيهم بموجب قانون أطلق عليه قانون برافر.

وفي هذا السياق لا بد من التذكر بأن الكيان الصهيوني الإشكنازي  أُقيم على أرض فلسطين عام 1948 بعد أن قامت أوروبا الغربية البيضاء بضخ مئات آلاف المستوطنين اليهود فيه مسلحين باسلحتها نفسها ومدربين ومدعومين ببنية اقتصادية راسمالية متقدمة في حينه. ودعمت هؤلاء المستوطنين ليغتصبو 78 بالمئة من فلسطين ويشردوا معظم أهلها.

وإضافة للتسليح والتدريب والتمويل، فقد كان معظم طياري سلاح الجو وآمري المدفعية وجراحي العيون وقادة الدبابات من المتطوعين الأجانب من البلدان الراسمالية الغربية وهم من أُطلق عليهم “الماخال”.

ينفرد الكيان الصهيوني الإشكنازي عن مختلف المستوطنات البيضاء في بأكثر من سمة. ففي حين استجلبت تلك المستوطنات مستوطنين  أو مهاجرين من أي لون او دين أو عرق، يصر الكيان الصهيوني على استجلاب اتباع الديانة اليهودية والذين ينتمون إلى قرابة مئة قومية.

ولكن الكيان كمستوطنة لا تمتلىء تجاوز عن ما بدأ به، فقرر استجلاب من لم يولدوا لأم يهودية وذلك لإدراك قادته بان استجلاب اليهود لا يكفي، وبأن اي مستوطن سوف يقاتل ليحمي ما اكتسبه وما وُهب له.

وفي سياق الحديث عن استجلاب المستوطنين تجدر الإشارة إلى البعد العربي في الأمر. فقد ورد في المصادر الصهيونية بأن فترة الوحدة بين مصر وسوريا (1958-1961) شهدت اقل تدفق استيطاني على فلسطين المحتلة سواء من حيث العدد أو النسبة، وهو ما يبين أهمية العمق العربي لدى الكيان وخطورة اعتراف أنظمة عربية به وتطبيعها هي وغيرها معه.

بموجب مخطط برافر سيصادر الكيان 800,000 دونمًا من الأراضي العربيّة في النقب، ويهجر عشرات آلاف الفلسطينيين أصحاب الرض ويهدم 36 قريةً. وهذا المخطط الذي صادقت عليه الكنيست بالقراءة الأولى سيحصر العرب الذين يشكلون 30% من سكّان النقب على 1% فقط من أراضي هذه المنطقة التي هي كسائر فلسطين جميعها ارضا عربية فلسطينية. .

ويأتي مخطط برافر العنصري الذي يهدف إلى سلب ما تبقى من أراضي عرب النقب واقتلاع عشرات الآلاف منهم من أراضيهم وبيوتهم ونقلهم بالقوة إلى مجمعات من الكتل الإسمنتية مجرّدة من مقومات الحياة! لا زراعة ولا تربية مواشي ولا صناعة. هكذا يحولون المواطن العربي في هذه البلاد إلى أجير محتمل وغير دائم في المشاريع “الإسرائيلية”.

ولا يقف الأمر هنا، فهذه المشاريع حين تكتمل تلقي بالعمال الفلسطينيين إلى سوق البطالة مما يدفع كثيرين منهم إلى الرحيل.

وهذا يذكرنا بالمخطط الصهيوني المتواصل والذي لم يتوقف وإن اتخذ أشكالا متعددة سواء بالمذابح أو الطرد لأكثرية الفلسطينيين من المحتل 1948 إلى المصادرة في كل فلسطين إلى الإزاحة عبر القمع والقتل والاعتقال والتضييق المعيشي ليوصل الفلسطينيين إلى الانزياح الذاتي بالهجرة خارج الوطن.

يأتي هذا التغوُّل على أراضي الفلسطينيين داخل الكيان الصهيوني في مرحلة من التغير في قواعد الصراع العربي الصهيوني مفادها تبلور معسكر الممانعة والمقاومة والذي لجم التوسع الجغرافي للاحتلال ولا سيما بعد هروبه من الجنوب اللبناني وعجزه عن احتلال غزة ثانية، وهذا قد يفسر الهجمة على اراضي فلسطينيي النقب.

وهنا نستذكر دور الأنظمة العربية المضادة للمقاومة والممانعة والتي لم تتوقف عن عدم المشاركة في اي نضال ضد الاحتلال، بل ولم تقف بعيدا في زاوية الحياد، بل تطوعت لتقديم ما يسمى تبادل الأراضي بين الكيان وبين سلطة الحكم الذاتي كما حصل قبل شهرين حينما تطوع وفد من وزراء خارجية الدول العربية باسم جامعة الدول العربية بمبادلة ارض فلسطينية بأرض فلسطينية مع الكيان الصهيوني وعلى شرف وزير خارجية الولايات المتحدة. وقد تكون هذا الفريق العربي من وزير خارجية السلطة الفلسطينية، ووزير خارجية الأردن ووزير خارجية  مصر (نظام الرئيس مرسي الشابق) ووزير خارجية  قطر (السابق).

وفي هذا السياق، ولكي يتم شطب حق العودة يدور حديث كثير عن تبني أكثر من نظام عربي لمخطط أعده الجنرال الصهيوني الاحتياطي جيئورا أولاند والقاضي بتوسيع قطاع غزة باتجاه مصر بإضافة 720 كم مربع إلى القطاع، ووضع ترتيبات خاصة لسيناء وحتى قناة السويس، وهو المخطط الذي لا نعرف إن كان النظام المصري الحالي سوف يستمر فيه أم لا.

وقد يسأل سائل: إذا كانت فرص توسع رقعة الكيان غير واردة نظرا لدور المقاومة والممانعة، وطالما أجهز على معظم ما تبقى من أرض بايدي فلسطينيي المحتل 1948، وربما يضطر لعدم مصادرة جميع بقايا الضفة الغربية أو طرد اهلها في هذه الفترة على الأقل، فما جدوى استمرار استجلاب المستوطنين؟

وهذا يستدعي الحديث عن تطور لصالح الكيان هو مثابة رد على وضع الحد لتوسعه الجغرافي، وهو توسعه الافتراضي. فالتطبيع الشامل الذي تقدمه الدول التي اعترفت بالكيان والدول التي لم تعترف ولكنها ليست مع المقاومة وهو تطبيع سياسي واقتصادي  وتقني  وحتى جغرافي بمعنى ربط شبكات البنى التحتية وصولا إلى قنوات البحار (الأبيض والأحمر والميت) كل هذه تشكل توسعا افتراضيا غير جغرافي ولكنه عملي يحول الكيان إلى مركز والوطن العربى محيط. وعلى اساس توسع البنى التحتية ومختلف انماط التطبيع لا نستبعد أن نرى حتى مستوطنة صهيونية في كردستان العراق، وأخرى في جنوب السودان وثالثة في الجزيرة العربية على نمط  المدن الصينية في  داخل المدن الأميركية China Town! ولكن أخطر بالطبع.

لقد شاركت جماهير شعبنا الفلسطيمي  كافة أشكال النضال الوطني الفلسطيني سواء الكفاح المسلح مع المنظمات الفلسطينية، أو النضال دفاعا عن اللغة العربية والثقافة والتعليم ، وحقوق البلدات والمدن والقرى ومجالس هذه التجمعات السكانية.

إلا أن الخلاف الشديد هو حول  ما يسمى النضال في الكنيست، وهو المكان الذي  لا يمكن للفلسطينيين تحصيل اي حق قومي فيه ليس فقط لوجود أكثرية يهودية تلتقي بالمطلق ضد حق الفلسطيني في أرضه بل لأن هذا التجمع صهيوني عنصري بيساره  ويمينه.

ولا بد من أخذ العبرة من مسألة الأقليات وحق تقرير المصير على صعيد عالمي أي بتجارب الأمم. فالجدل حول هذا الأمر لم يتوقف من جهة، والوقائع على الأرض لم تتوقف من جهة ثانية في تعليم الناس بأن الأقليات لا يمكنها استصدار قوانين وتشريعات لصالح حقوقها واهدافها القومية لأن الأكثرية ترفض ذلك بالضرورة. هذا في بلدان  أكثريتها وأقلياتها شركاء في الأرض، فما بالك بالأرض المحتلة حيث الأكثرية اليهودية غاصبة وتخطط لتوسع خارج حدود فلسطين إن أمكن؟

إن هبة الجماهير العربية في الأرض المحتلة هي تواصل مع نضال المقاومة والممانعة، وهي رفض واضح لسياسات ومخططات تبادل الأراضي والتطبيع والاعتراف بالكيان الصهيوني بما هي ظاهرة الاعتماد على النفس والتواصل مع قوى التحدي في الوطن العربي.