العميد الدكتور امين محمد حطيط
عندما انشأ حسن البنا الجماعة التبليغية الدعووية التي اطلق عليها بعد اعوام على قيامها اسم “الاخوان المسلمون ” تيمناً بما بالوصف الالهي للمؤمنيين بانهم اخوانا ، عندما قام البنا بذلك وضع للجماعة شعاراً – مبدأً هو :” دعاة و ليس قضاة ” ما يعني ان لقاءهم لم يكن بداعي العمل للسلطة و الحكم بل من اجل التبليغ و الدعوة للاسلام السمح . و في سعيها للانتشار اصطدمت هذه الجماعة بفكرة القومية العربية التي يسعى دعاتها الى عمل نهضوي عربي وحدوي غير قائم على اساس ديني او مذهبي ، دون ان يعني انكارا او مجافاة للدين ، فالقومية لا تعني قطعا الحاداً ، كما ان التمسك بالدين و الالتزام بتعاليمه لا يعني التنكر للوطن و القومية لا بل ان من المأثور القول ان حب “الاوطان من الايمان ” فضلا عن القاعدة الاساس في الاسلام القائمة على فكرة الوطن و ربط اداء العبادات به ، كما و الامر الالهي للرسول في بدء الدعوة ” و انذر عشيرتك الاقربين ” تاكيدا على ما استقام لاحقا من قاعدة “الاقربون اولى بالمعروف “.
و رغم ان جوهر الاسلام و روحه و نصه لم يتضمن ما يتنكر للوطن و للعشيرة و القومية – لكنه منع التعصب الجاهلي و لم يمنع المحبة و الاهتمام بذوي القربى و شتان ما بين الامرين – رغم ذلك فان الاخوان المسلمين ساروا في سلوكهم بشكل لا يتفق مع ما سبق ، حيث ظهر من اداءهم ما يعاب عليهم لجهة القفز فوق الوطن ، و مجافاة القومية و التعصب للتنظيم، و نزعة الاستئثار و الاقصاء ، و الافظع من كل ما ذكرنا ، هو نزعتهم للصفقات مع القوى الاجنبية ، في سلوك يكاد يؤكد ما يدور حول نشأتهم الاولى و دور المخابرات البريطانية فيها من علامات استفهام تشمل ايضا الجذور غير العربية و غير الاسلامية لحسن البنا بالذات كما يتدوال.
هذه الطبيعة الاخوانية ، قادت الاخوان المسلمين الى صراع مرير مع الانظمة الحاكمة على اساس قومي علماني في كل من مصر و سورية ، حيث كان في الاولى مهدهم و في الثانية راس الجسر الذي عبروا عليه للتمدد نحو المناطق الاسلامية في اسيا . كان صراع مع مصر- الناصرية ادى الى ملاحقتهم و اعدام بعضهم و سجن الاخر و فرار من نجا بنفسه و لجوء من تبقى الى العمل السري و اعتماد الباطنية و التقية في السلوك . و الامر نفسه تكرر في سورية بعد المجزرة التي ارتكبها الاخوان بحق ثكنة عسكرية كان من نتيجتها استشهاد 72 عسكريا من غير سبب او مبرر ، مجزرة فتحت صراعا مريرا مع الدولة التي يقودها حزب البعث ، صراع لم يتوقف الا بعد ان اجتث من المجتمع السوري كل من عرف انه من الاخوان ، و اضطرت الدولة لتجريم من ينتسب الى هذه الجماعة بعد ان صنفتها جماعة ارهابية اجرامية قاتلة .
لقد امضى الاخوان المسلمون نيفاً و ثمانية عقود و هم يتقلبون في العهود و لا يجدون في بيئتهم من يصادقهم او يتحالف معهم ، حتى من الفئات التي تعتمد الفكر الديني و تلتزم الاسلام ، و ما كان طبيعيا و منطقيا اللقاء بهم كانوا على جفاء معهم ايضا . و رغم ان حسن البنا بايع عبد العزيز بن سعود و قبل يده معلنا السمع و الطاعة ، فان الوهابية و علماءها لم يقروا للاخوان بانهم من الفئة الناجية ، لا بل ان بعض فقهائهم ذهب الى وصف هذه الجماعة بابشع النعوت و الاوصاف و رأى فيهم خطرا يفتك بالمجتمع الذي ينتشرون فيه بسبب التناقض بين ما يظهرون و ما بيطنون ، في توصيف يذكر بما كان الرئيس جمال عبد الناصر يصفهم به ، و كذلك توصيف الرئيس حافظ الاسد لهم بانهم” الاخوان المجرمون ” بدل ” الاخوان المسلمون”.
بعد كل هذا التاريخ القاتم جاءت فرصة الاخوان الاولى من باب المقاومة للاحتلال الاسرائيلي ، حيث انهم ما ان اعلنوا نيتهم لقتال اسرائيل و انشاء فصيل مقاوم تحت تسمية حماس ( اي حركة المقاومة الاسلامية و لم تذكر فيها تسمية فلسطين ، عملا بالفكر الاخواني العابر لحدود البلدان ) حتى حظا بالاهتمام و الاحتضان ،و كانت فرصة اعطت للاخوان صورة منفصلة عن تاريخهم ، حيث احتضن محور المقاومة المشكل من ايران و سورية و حزب الله هذه الحركة المقاومة الوليدة و امدها بكل ما يقدر عليه و امنت سورية لها الحصن الحصين لقيادتها و الجسر لعبور المساعدات اليها و تناست حكومتها جرائم الاخوان المسلمين في سورية ، و عاملتها على اساس انها حركة مقاومة و المبدا عند سورية ان العداء لاسرائيل يحجب و يتقدم على كل خصومة او عداء، و هنا نجد كيف ان حماس تألقت على صعيد العمل المقاوم و كادت ان تمسك بالقضية الفلسطنية كلها .
ثم جاءت الفرصة الثانية للاخوان المسلمين ، عندما وصلوا الى سدة الرئاسة في مصر ، و رغم ان هذا الوصول شابه الكثير من علامات الاستفهام و التشكيك بنزاهة العملية الانتخابية ترشيحا و دعاية و اقتراعاً ، و رغم ما رافق الامر من تسريبات حول صفقة عقدت بين الاخوان و الحلف الصهيو- اميركي ، و القائمة على قاعدة” السلطة المحلية للاخوان مقابل التبعية لاميركا و الامن لاسرائيل” ، رغم كل ذلك فقد سلم المصريون بالامر الواقع و اتجهوا للتعامل مع الاخوان بقطع النظر عن الصورة المتشكلة في الذهن عنهم .
فرص سرعان ما ضيعها الاخوان حيث ان “حماس و ما ان لاحت لها فرصة ما سمي زورا ” ربيع عربي” املت انه سيقود الاخوان الى السلطة حتى ” تنكرت للحضن الذي حضنها و حماها في سورية و اتبعت تعاليم المرشدية العامة للتنظيم العالمي للاخوان المسلمين الذي شن و لا يزال و بقيادة و توجيه غربي عامة و اميركي خاصة ، حربا على النظام في سورية النظام الذي تحمل الكثير من الضغوط و االعقوبات من اميركا ذاتها لانه امن الملاذ الامن لقيادتها و الدعم لمقاومتها . هذا التنكر افسد كل ما كان نشأ في الذهن العام من ايجابيات ل”حماس” ، و اعاد الى الذهن الصورة التاريخية القبيحة للاخوان و هي كما ذكرنا صورة دموية سوداء. و زاد الطين بلة ان “حماس” شملت في تنكرها لاصدقاء الامس كلا من ايران و حزب الله لانهما جهات داعمة للنظام المقاوم القائم في سورية .
اما حكومة الاخوان في مصر فقد استندت الى الدعم الاميركي المتوفر لها اثر الصفقة المذكورة ، و اعتمدت سياسة اقصائية استئثارية ، بحيث استعجلت تنفيذ ما اسمي “اخونة الدولة ” ، الامر الذي اثار الشعب المصري و دفعه للقيام بثورة حقيقية اضطر الجيش ان يحميها ما ادى الى الاطاحة بحكم الاخوان بشكل مذهل .
…و انتهت بذلك فرص الاخوان الى مشهد تبدو فيه “حماس” الذراع العسكري للاخوان معزولة تعادي اهم جيشين عربين قاتلا اسرائيل – السوري و المصري – و ينفر منها كل من علم بانقلابها على سورية و سلوكها في مصر . كما و يظهر “حزب العدالة و الحرية” اي الذراع السياسي المصري للاخوان و جماعة الاخوان بشكل عام ، جماعة خارجة على القانون تتوسل العنف و مقاومة القوات المسلحة المصرية و تزعزع الاستقرار في سيناء خاصة و في كل مصر عامة .
في ظل هذا المشهد الكئيب للجماعة تلك انعقد المؤتمر الاستثنائي للتنظيم العالمي للاخوان المسلمين في استنبول ، و كان يمكن لهذا المؤتمر ان يعمل العقل و يطبق احكام الشريعة و يجري مراجعة عامة لسلوك الجماعة بذراعيها العسكري و السياسي و يخلص الى حل انقاذي واقعي يستفيد منه الاخوان كتنظيم من اجل البقاء و تكرار المحاولات بعد استخلاص العبر من الفشل ، ثم تستفيد منه المنطقة من اجل استعادة امنها و استقرارها . حل كان يمكن ان يكون باتخاذ قرار جريء بوقف العنف في سورية و يقبل بحل سلمي يمنح الاخوان في السلطة مقدار ما لهم من نسبة مؤيدين في الشعب السوري ، و يسلم بحقائق الخيارات الشعبية في مصر و بالمشاركة في العملية السياسية التي تقودها الحكومة الانتقالية ثم العودة شركاء في السلطة بمقدار ما لهم من قاعدة شعبية، و ان يتوسع بشكل وقائي ليشمل تركيا و يوقف الوهم الامبراطوري لاردغان ، و يصل الى تونس و يقيم حكم الشراكة الوطنية بدل الاستئثار الاخواني .
لكن و للاسف االشديد يبدو ان مؤتمر الاخوان ، لم يتوصل الى هذه الخطة الواقعية للانقاذ ، بل ركب الاخوان رأسهم و اصروا على العمل وفقا لماضيهم و ارثهم العنفي ، ما سيجعل الجيشان الذين اعدا لقتال اسرائيل و خاضا الحروب المتتالية ضدها ، يجعلاهما ينشغلان بمعالجة عنف الاخوان لحماية سورية و مصر و كل المنطقة و يدفع الهزة التركية الحالية لتصبح اعصارا يقتلع الاخوان و تكون تونس على موعد مع الطلاق مع الاخوان ايضا ، ما يعني بان المنطقة دخلت مع قرار الاخوان جولات عنف و عدم استقرار لا تتوقف قبل تعطيل كافة قدرات الاخوان على التحرك و العمل مع ما يرافق ذلك من قتل و تدمير ، و هنا يكون “الربيع الصهيوني الحقيقي” الذي ستستثمره اسرائيل من اجل تهويد ما تبقى من فلسطين و تصفية قضيتها ، خاصة و انها ارتاحت الى فتوى عزيز دويك نائب “حماس و رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني سابقاً بان “الجهاد ضد النظام في سورية (من اجل السلطة ) يتقدم على الجهاد ضد اسرائيل (من اجل فلسطين ) ..” فهل يعي الاخوان ذلك ، و يعودوا عن مقررات مؤتمر انقاذ سلطتهم الى قرارات تنقذ الدين و المنطقة و الانسان فيها ؟ ام نهم سيستمرون في قرارهم ” نحكم المنطقة او ندمرها” كما قال قبلهم سياسي لبناني في مطلع حرب 1975 “لبنان لنا او للنار ” و يكون الامر وبالاً عليهم و على العرب و المسلمين و في الطليعة فلسطين كما خلصت حرب لبنان الى تهميش من اضرمها ؟
::::
جريدة البناء 1872013