“كنعان” تنشر كتاب “تحوُّل فنزولا إلى اشتراكية القرن الحادي والعشرين”

 تأليف غريغوري وِلْبيرت وترجمة بسام شفيق ابو غزالة.

 

تتمة الفصل السادس

 

الفرص والعقبات والتوقعات

مكافحة العقبات والفرص الداخلية والخارجية

بالرغم من أن المشروع البوليفاري يواجه عقبات وفرصاً معا، فمن المحتمل جداً أن تتغلب العقبات على الفرص. والسبب الرئيسي في هذا يعود إلى أن العقبات تشكل حلقة مفرغة، وأما الفرص فلا. أي أن العقبات الخارجية من التدخل الأمريكي والمعارضة الرعناء تُعزِّزان لدى شيعة تشافيز عقليةَ الحصار، والشخصنة السياسية حول زعيمها، وأنظمة المحسوبية الإقصائية. وبدورها، تُقوّي ردة الفعل الداخلية هذه رغبة المعارضة في التخلص من الحكومة بأية وسيلة ضرورية، وبهذا تكتمل التغذية الراجعة في الحلقة المفرغة.

غير أن الفرص لا تشكل حلقة مفرغة من تغذية راجعة إيجابية في هذه الحالة، لأن جاذبية تشافيز الشخصية وفقدان شرعية النظام القديم لا تُعزِّزُ تشظي المعارضة أو تزيد عائدات النفط. والحقيقة، إن كان لا بد من ذلك، أن أثرَ جاذبية تشافيز على المعارضة عكسُ أثره على أنصاره، في أنّ جاذبيته تجعل مناوئيه يكرهونه بمقدار ما يحبه مناصروه. بعبارة أخرى، تشكل جاذبيتُه أحدَ العوامل الرئيسية في توحيد المعارضة، مما يُضعف الفرصة التي يُمثلها تشظي معارضة المشروع البوليفاري. وبهذا لا بد للمشروع البوليفاري من وضع إستراتيجية واعية للتغلب على العقبات الداخلية والخارجية، لأن الفرص الموجودة وحدها لن تزيل العقبات.

دعونا نلقِ نظرةً سريعةً على كيف يمكن حكومةَ تشافيز أنْ تُعطِّل العقبات الداخلية والخارجية، بحيث تتخلص من الحلقة المفرغة التي تجد نفسها عالقةً فيها كلما حدثت أزمة.

التغلب على المحسوبية والفساد وعدم فعالية الدولة

لعل أكبر عقبة داخلية وأخطرها في فنزولا هي المسألة المتعلقة بالمحسوبية، والفساد، وضعف حكم القانون، وعدم فعالية الإدارة العامة. ولا بد لهذه القضايا من أن تعالج كعقدة واحدة لأنها متعلقٌ بعضُها ببعضها الآخر تعلقاً قويا، وحلُّ أيٍّ منها سيساعد أيضاً في حل الأخريات. وكما ذُكر من قبل، قد أدركت حكومة تشافيز أن الفساد (إن لم تكن المحسوبية) مشكلة في الحكومة الحالية، ولكنها لا تملك فكرة واضحة شاملة عن كيفية محاربته. بل بدل ذلك ثمة نصائح متكررة بأنه لا يجوز للمسؤولين الحكوميين أن يتورطوا في الفساد، وأنه يجب تعزيز القانون أو تفعيله، لكن هذه النصائح وعدم وجود عمل ملموس كانت أضعف من التعامل بصدق مع القضية.

على الحكومة، بدل ذلك، أن تدرك حجم المشكلة وتَعدُّدَ أبعادها وأن تُعلن إعادة تكيّف كبرى في الحرب على المحسوبية والفساد. وإحدى وسائل فعل هذا أن تُعيّن فريقاً متعدد التخصصات لدراسة المشكلة من جميع زواياها، يكون مُخوَّلاً بإعطاء توصيات سياسية تلتزم الحكومة بتطبيقها قبل أن تُعرف. بعبارة أخرى، على حكومة تشافيز أن تُدرك أن مشكلة الفساد ليست محضَ قضية غياب التفعيل، بل إنها تشمل على الأقل المشكلات الأربع التالية: قصور الشعور الأخلاقي الفردي، وإشباع الحاجات، وقصور البنية الجماعية، وقصور الثقافة الأخلاقية الجماعية.

أقصد بالشعور الأخلاقي الفردي القولَ إنه قضية تشمل تطور الأفراد الأخلاقي؛ أكانوا ناضجين كفاية ليُدركوا أن المحسوبية أو حتى الفساد خطأ، أم قادرين على مقاومة إغراء المشاركة في هذه الممارسات، حتى إذا توافرت لهم الفرص، أو الحاجات المادية، أو الضغوط الاجتماعية ليفعلوا ذلك. ينمو مثل هذا الشعور الأخلاقي، عموماً، مع التعليم، لهذا فإن التعامل مع هذا البعد يعني أن يشتمل التعليمُ في جميع مراحله، من الابتدائي إلى الجامعي، على مناهضة المحسوبية والفساد.

تعريف إشباع الحاجات يعني حقيقةَ أن الفساد، في الأعمّ الأغلب، هو نتيجةٌ للحاجات المادية الحقيقية مجتمعةً مع فرصة إشباع تلك الحاجة. أي أن الكثرة من المسؤولين الحكوميين في فنزولا يتقاضون رواتب أقلَّ بكثير من مستوى مسؤولياتهم ومما تتوقع لهم الثقافة المحيطة أن يتقاضوا. نتيجةً لذلك، غالباً ما تكون هناك فجوة بين التوقعات ووسائل الوفاء بها. وقد زادت الحكومة حديثاً رواتب المسؤولين العموميين، لكنه لا يزال شائعاً، مثلاً، أن ضباط الشرطة لا يكادون يتقاضون أكثر من الأجر الأدنى، فيتورطون في أنشطة فاسدة عديدة لكي يُضيفوا شيئاً إلى دخلهم. حتى المسؤولون الذين يعملون على أعلى مستويات الحكومة، كمستشاري الرئيس، غالباً ما يتقاضون أكثر قليلا من ألف دولار في الشهر، بينما تُكلف أجرة شقة صغيرة في حي للطبقة الوسطى في كاراكاس ما لا يقل عن 500 دولار في الشهر. لذلك لا ينبغي أن يكون مفاجئاً من مسؤول حكومي دخله على هذا المستوى المتدني، بينما قد يتعامل بميزانية تبلغ ملايين الدولارات، إذا أُغري في أن يكشط بعضاً منها لنفسه.

البعد الثالث، المتعلق بقصور البنية الجماعية، هو الأكثر تداولا في الحديث، ولكنه، مع هذا، غير فعال في فنزولا. معروف جيداً أن النظام القضائي هناك، بالرغم من تحسّنه حديثاً، لا يزال سيِّئ الأداء. فهناك قضايا لا حصر لها ُغُضَّ عنها النظر ولم يُبتَّ فيها قطّ. تشكو المعارضة من أن القضايا الوحيدة التي تُعرَض على المحكمة بشدة هي تلك التي تشمل أفراداً متحالفين مع المعارضة. وبالرغم من أن هذا ليس صحيحاً دائماً، يبدو أن هناك كثرة من القضايا تشمل أنصار تشافيز قد ضاعت، كقضية مليون ونصف مليون دولار أتت من بنك إسباني عام 1998 لحملة تشافيز الرئاسية. في الجانب الآخر، لم يُبتَّ عمليا بنيِّفٍ ومئة قضية تتعلق باغتيال زعماء الفلاحين المناصرين لتشافيز. بعبارة أخرى، على الحكومة أن تُلزم نفسَها بتفعيل للقانون لا رحمةَ فيه ولا علاقة له بالسياسة. مع هذا، علينا أن ندرك أن هذه الحال ليست ضمن مسؤولية السلطة التنفيذية، لأن النيابة العامة والقضاء مستقلان عن تلك السلطة. لكنْ، ما دام هناك تعاون بين الجمعية الوطنية والرئيس فيما يتعلق بوضع موازنة الدولة، ينبغي على الرئيس، أولا، أن يتأكّد من تلقي القضاء والنيابة العامة كلَّ ما يحتاجان إليه من مال لتقديم جميع حالات الفساد والمحسوبية للقضاء. ثانيا، يستطيع الرئيس أيضاً أن يُحسِّن تفعيل القانون بتحسين شفافية المحاسبة المالية للإدارة العامة.([i])

أخيراً، فيما يتعلق بالبعد الرابع حول الثقافة الأخلاقية الجماعية، ليس الفرد الفاعل، في الأعمِّ الأغلب، هو الذي يفتقد إلى الضوابط الأخلاقية، بل الثقافة المحيطة به، التي تُشجّع الناس على التورط في المحسوبية السياسية أو الفساد. وهناك بعض مجالات في الحكم تُشجِّع كثيراً على الوقوع في الخطأ، بحيث لا يكون ثمة من لا يُلام أو بحيث لا يكون ثمة من يتهم غيره بارتكاب الخطأ. كذلك هناك بعض الحالات، كالتخريب من قبل المناوئين السياسيين في الإدارة العامة، التي تجعل الموظفين العامين أكثر تنبهاً وحرصاً فيما يتعلق بانتماءات الآخرين السياسية، بحيث يرون حاجة موضوعية إلى المحسوبية السياسية كوسيلة لتجنب التخريب. تتمثِّلُ إحدى وسائل التعامل مع مثل هذه الثقافة الجماعية التي تشجِّع المحسوبية والفساد في الانخراط في حملة إعلامية عامة ضدهما، بحيث أن رسالة الزملاء تُغرقها رسالة أشد أثرا.

من شأن مثل هذه المعالجة المتشعّبة لعقدة المحسوبية، والفساد، والحكم الضعيف للقانون أن تستغرق زمناً في التغلب على إحدى أعظم عقبات المشروع البوليفاري. فهي، جوهرياً، لا تقتضي أقلَّ من إصلاح شامل كامل للإدارة العامة في فنزولا. وقد حاولت الكثرة من الحكومات السابقة مثل هذا الإصلاح الشامل، لكنها فشلت، لأنها، جزئياً وببساطة، لم تأخذ مداها الكافي، وجزئياً لأن المصالح المتجذرة حالت دون الإصلاح.([ii]) لذلك تحتاج حكومة تشافيز أيضاً إلى الانخراط في دراسة متأنية للجهود السابقة، لترى ما يُمكن تعلّمه منها.([iii])

التغلب على الشخصنة والإدارة الفوقية

غير أن تشافيز وحركته يحتاجان أيضاً إلى معالجة العقبتين الأخريين: السياسة التي تعتمد على الشخصنة والنزعة إلى الإدارة الفوقية. ذلك أن إزالة هاتين العقبتين مسألةٌ مهمة جداً للتأكد من عدم وجود تناقضٍ بين الهدف المعلن للمشروع البوليفاري في خلق مجتمع ديمقراطي أكثر تشاركيةًً وبين تطبيق هذا الهدف. هناك طريقتان على الأقل لفعل ذلك.

أولا، على تشافيز أن يتأكَّد من أن للقادة الآخرين مجالاً للبروز إلى جانبه، وأن يُشجَّعوا على فعل ذلك. لأن تدويره للوزراء (بالرغم من أنه الآن أقل مما كان في الجزء الأول من رئاسته) وتفكيره حديثاً بتغيير الدستور للسماح بإعادة انتخاب [الرئيس] عدداً منَ المراتٍ لا حدّ له إنما يُعزِّز اعتماد الحركة البوليفارية عليه. هذا مؤسف جداً، والطريقة الوحيدة له، إن كان حقاً يُؤمن بأن “لا ينبغي لثورةٍ أن تعتمد على رجل فرد” (هو تشافيز)، لكي يعكس هذا الاعتماد أن يُقوّي استقلالية وزرائه وحكامه وقادة الجمعية الوطنية، وأن ينبذ كلياً أية مطامح له في ولاية ثالثة.

ثانيا، ولعله الأهمّ، تحتاج الحركة البوليفارية إلى تنظيم وطنيٍّ صلبٍ وديمقراطيٍّ كليا. وإذ أن لتشافيز حزبه، أي حركة الجمهورية الخامسة، إلا أنه ليس سوى آلة انتخابية لتشجيع الناس على التصويت لمرشحي حركة الجمهورية الخامسة، ولحشد الناس في مظاهرات مؤيدة لتشافيز. كذلك، بالرغم من إصرار قيادة الحزب على أنها إحدى القيادات القليلة التي تستمدُّ شرعيتها ديمقراطياً من أعضاء الحزب، تنطوي هذه الشرعية الديمقراطية على الكثير من النقص. مَثَل ذلك أن المرشحين لمنصبٍ ما نادراً ما يُختارون بعملية ترشيح ديمقراطية. وفي المرة الوحيدة التي حدث فيها تصويت حزبيٌّ على الترشيح، في انتخابات مجلس المدينة المحلي في 7 آب 2005، نشبت معركة داخل الحزب حول خللٍ مزعوم.([iv]) ولم يحدث تصويت حزبي داخلي لتسمية المرشحين للتصويت على الحكام ورؤساء البلديات في تشرين الأول 2004، ولا التصويت على المندوبين للجمعية الوطنية في كانون الأول 2005.

بعيداً عن الغياب النسبيّ لعمليات الترشيح للمناصب المنتخبة، لا تُجري حركة الجمهورية الخامسة نقاشاتٍ حزبيةً حول برنامجها السياسي. غير أنها لا تختلف في هذا عن أي حزب سياسي في فنزولا (أو في معظم أمريكا اللاتينية). بل من المستحيل، عملياً، أن يجد المرء البرنامج السياسيّ لأي حزب في فنزولا، أكان معارضاً لتشافيز أو نصيراً له. بدل ذلك، يُفرَض برنامج تشافيز كله عمليا من فوق، بعد أن تُقرره حلقة ضيِّقةٌ من مستشاري تشافيز. ومن شأن وجود حزبٍ سياسيٍّ وطني يناقش القضايا السياسية مناقشةً فعالة أن يساهم مساهمة كبيرة في زيادة الطبيعة التشاركية للحركة البوليفارية. كذلك من شأنه أن يُشجِّع النقد البناء من داخل الحركة مجابهاً نزعات الشخصنة والإدارة من أعلى إلى أسفل. وتعزيز حركة الجمهورية الخامسة كحركة سياسية منظمة، ذات ديمقراطية ونقاش داخلي، من شأنه أن يجعل الحركة أقل تعرضاً لخطر غياب تشافيز، إما فجأةً أو بمضي الوقت، كقائد للحزب أو الحركة.

التغلب على العقبات الخارجية

كما أن العقبات الداخلية ضخمة، كذلك الخارجية، خاصة منها تدخلَ حكومة الولايات المتحدة واستمرارَ النخبة الحاكمة السابقة (بالرغم من إضعافها) في رفضها الاعترافَ بشافيز رئيساً شرعيا. وبالنظر هنا إلى نجاح حكومة تشافيز، سواءٌ في سياستها الخارجية أو في هزيمتها تحدياتِ المعارضة، ليس هناك الكثير مما يمكن الحكومةَ أن تفعله بشكل مختلف من شأنه أن يجعلها تتغلب على هاتين العقبتين بشكل أفضل مما فعلت حتى الآن. والاقتراحُ الوحيد أن خطابية تشافيز، التي تترك أثراً جيداً في نفوس أنصاره، غالباً ما تقوّض إستراتيجياته الناجحة لأنها تستعدي الحلفاء المهمين الذين اكتسبهم من قبلُ إلى جانبه. يُنصح تشافيز هنا أن يُلطِّف من خطابيته كي لا يخرّب إنجازاته السابقة.

تغيير فنزولا بأخذ السلطة

إن رئاسة تشافيز والمشروع البوليفاري فريدان في تاريخ العالم الحديث. وحكومة تشافيز هي الأولى، في أي مكان في العالم، على الأقل منذ الثورة الساندِنِسْتية في نيكاراغوا عام 1980، المناهضة ُصراحةً للرأسمالية. لا يعني هذا أنها وجدت وسيلة للتغلب على الرأسمالية، بل إنها تُحاول في صميمها أن تجد وسيلة لفعل ذلك. وفي العملية، أعاد المشروع البوليفاري مسألة سلطة الدولة إلى أجندة السياسة التقدمية أو اليسارية.([v]) وهذا، بحد ذاته، مهم جداً لأنه منذ سقوط اشتراكية الدولة في أوربا الشرقية، كادت سلطة الدولة تصبح أمراً مُحرَّماً لليسار. ذلك أن الكثيرين في حركة مناهضة العولمة، والمنتدى الاشتراكي العالمي، والحركات الاجتماعية الوطنية المختلفة، مثل الزباتية،([1]) قد تبنَّوا الشعار القائل، “غيِّروا العالم من غير الاستيلاء على السلطة.” ([vi]) هذه الفكرة، إلى حدٍّ ما، مفهومة في عالم نادراً ما استطاع اليسار الاشتراكي المناهض للرأسمالية (أي ليس اليسار الاجتماعي الديمقراطي) أن يُحقق فوزاً ديمقراطياً، خاصةً في الشمال الصناعي.

غير أن فنزولا تتحدَّى الفكرة القائلة إن العالم لا يمكن تغييره بالاستيلاء على السلطة. وبطبيعة الحال، لا يزال غيرَ مؤكَّدٍ إن كان المشروع البوليفاري على المدى البعيد سينجح أو سيفشل أيضاً، إما بسبب مشاكله الداخلية أو بسبب الهجوم عليه من الخارج. وعقباتُ خلق تغيير اجتماعي يستمرّ طويلا ويكون قابلاً للتحوُّل مخيفةٌ حقا. وهكذا، من غير المحتمل أن تتجاوز فنزولا الرأسماليةَ والديمقراطيةَ الاجتماعيةَ تماماً. لكن هذا غيرُ ضروريٍّ لأهمية المشروع التاريخية – كما أن المشروع البوليفاري مهمٌّ أيضاً لأنه في الوقت الراهن المشروعُ الوحيد في العالم الذي يتمتع بالسلطة والذي يتحدى الوضع الرأسمالي الراهن واشتراكية الدولة في الماضي معا. أي أن فنزولا، بمحض محاولتها المضيّ في مسلك مختلف وغير مكتشف بعد، تستردُّ الطاقات الخيالية، التي باتت منهَكَة بفشل اشتراكية الدولة، والديمقراطية الاجتماعية، والرأسمالية اللبرالية الجديدة.

إذا نجح المشروع البوليفاري في المَدَيَيْنِ المتوسط فالبعيد، وإذا استطاع التغلب على عقباته الداخلية، فقد يستطيع أن يوجد لنفسه مسلكاً إلى اشتراكية القرن الحادي والعشرين، حيث تكون الديمقراطية الاقتصادية والسياسية تشاركيةً، وفي الأغلب عبر التعاونيات والإدارة الذاتية، وتتحقق العدالة الاجتماعية والتوزيع عبر عملية التخصيص التشاركية بدل السوق. أما فقدان رؤية واضحةٍ في فنزولا حول كيفية حلِّ مشكلة التخصيص، فتعني أن تنافسيةَ السوق والمشاريعَ الخاصة ستبقى تؤدي دوراً مهماً في المدى المتوسط.

بيد أن من المحتمل جداً ألا تستطيع حكومة تشافيز أن تطبق رؤيتها على المدى الأبعد. وقد صرّح تشافيز تكراراً أن غايته إزالة الفقر وإتمام الثورة البوليفارية في فنزولا بحلول العام 2021، أي بعد عشرين عاما بالضبط من بدء ولايته الأولى. هذا زمن طويل يُمكن أن يحدث فيه الكثير. وطالما لا توجد خطة ملموسة حول كيفية التغلب على العقبات المذكورة في هذا الفصل، فسيكون مُحالاً عملياً أن ينجح المشروع بحلول العام 2021أي أنه طالما لا يوجد إدراك واضح لكيفية التغلب على ثقافة المحسوبية في البلاد، وعلى ضعف حكم القانون فيها، وعلى اعتمادها الزائد على عائدات النفط، وعلى تحجُّر إدارتها العامة، وعلى اعتداءات الولايات المتحدة، فلن يُحقق المشروع البوليفاري أهدافه. غير أن من الممكن أن يكون في استطاعتها كبحُ جماحِ الأمواج العاتية التي أمامها بمساعدة الناس المهتمين في العالم بما يجري في فنزولا، ممن يجعلون حكومة تشافيز أكثر إدراكاً لهناتها، بينما يساعدونها أيضاً في صدّ الاعتداءات الآتية من الخارج.

 


[1] الزباتية أو الزباتستية، نسبة إلى إميليو زباتا، قائد الحركة الفلاحية المسماة “جيش تحرير الجنوب” (ELS)، الذي شكله وقاده إميليو زباتا، في جنوب المكسيك، ضمن الثورة المكسيكية، عام 1910. كان إصلاح الأراضي الزراعية الهدف الرئيسي لزباتا، الذي أصبح أحد قادة الثورة المكسيكية المرموقين. وقد رُوي عنه القول، “أستطيع أن أغفر لسارق، أما الخائن فلا.” توحد الزباتيون حول شخصية زباتا ذات الجاذبية القيادية، وحين اغتيل عام 1919، تفرّقوا أيدي سبأ. [المترجم]


[i] بالرغم من أن مؤسسة المحاسبة الاجتماعية قد حسّنت هذه المحاسبة في فنزولا، لا يزال هناك الكثير بانتظار التحسين.

[ii] يقدم كل من بَكْسْتُن وكارل مراجعات جيدة لجهود الإصلاح المبكرة هذه.

[iii] بُعَيْد إنهاء هذه المخطوطة، تلقيت مسوَّدة غير رسمية من برنامج تشافيز 2007-2013، يؤكد بقوة على الحاجة إلى “تحويل جهاز الدولة،” ويهدف إلى جعل الدولة أكثر فاعلية وأقل فسادا. أما الإستراتيجيات الموجزة في الخطة، فأشد غموضاً من أن تسمح بتقييم لكيف يقترح تشافيز أن يفعل ذلك بالضبط، باستثناء توكيده أكثر على خَلق “أخلاق بوليفارية” وعلى زيادة الشفافية.

[iv] راجع، “تشافيز يؤنِّب حزبه لاستمرار التشاجر الداخلي،” (“Chávez Scolds Own Party as Internal Squabble Continues,”). (http://www.venezuelanalysis.com/news.php?artno=1601). 26 نيسان 2005.

[v] أشار طارق علي بشكل خاصٍّ إلى أهمية هذا الجانب مما يحدث في فنزولا. راجع: “فنزولا: تغيير العالم بأخذ القوة.” (“Venezuela: Changing the World by Taking Power”). مقابلة مع طارق علي أجراها جون غِندِن وكلوديا جارْدِم (John Gindin and Claudia Jardim). 22 تموز 2004. (http://www.venezuelanalysis.com/news.php?artno=1223).

[vi] شعار موجز في كتاب لجون هالُواي، تغيير العالم من غير الاستيلاء على السلطة: معنى الثورة اليوم (J. Halloway: Change the World Without Taking Power: The Meaning of Revolution Today). لندن. منشورات بلوتو. 2002.