تأليف غريغوري وِلْبيرت وترجمة بسام شفيق ابو غزالة.
خاتمة
2007 عام الانتقال إلى اشتراكية القرن الحادي والعشرين
في أعقاب إعادة انتخاب تشافيز في 3 كانون الأول 2006، بنسبة بلغت 62.9% من الأصوات، قام بسلسلة من إعلانات بعيدة المنال لسياسته في ولايته الجديدة، التي بدا أنها تمضي قُدُماً في تجذير رئاسته. أولا، بعد إعادة انتخابه بأسبوعين، أعلن عن تشكيل حزب اشتراكي جديد من شأنه أن يوحِّد جميع القوى التي تدعمه.([i]) ثانيا، حين أدى مجلس وزرائه اليمين الدستورية في وقت مبكر من كانون الثاني، وعد بتأميم القطاعات الاقتصادية الرئيسية.([ii]) ثالثاً، أعلن أن رخصة البثّ الممنوحة لإحدى محطات التلفزة المؤيدة للمعارضة، (المسماة “إذاعة كاراكاس المتلفزة”)، لن تُجدَّد.([iii]) رابعاً، اقترح إصلاحا لدستور 1999 يجعله أكثر اشتراكية. خامساً، طلب من الجمعية الوطنية منحه سلطة تمرير القوانين بقوة المرسوم.([iv]) ولقد كانت هذه جميعاً إعلانات جديدة مثيرة صنفتها المعارضة الفنزولية والمراقبون الأجانب الأساسيون على الفور بأنها تغييرات من شأنها قطعاً أن تحوِّل فنزولا إلى “دكتاتورية منتخبة”.([v])
لكنْ، ما الذي تعنيه هذه التصريحات حقيقةً لمستقبل فنزولا؟ أسوف تساهم في إقامة “اشتراكية القرن الحادي والعشرين”، أم ستحوِّل فنزولا إلى ما أسمته المعارضة بدكتاتورية اشتراكية الدولة (أو “شيوعية كاسترو”)، أم ستقود فنزولا إلى شيءٍ مختلفٍ كليا؟ للإجابة على هذه الأسئلة، علينا أن نفحص بإيجاز كلاً من هذه التصريحات واحداً واحداً، ونرى كيف تتطابق مع المُثُل التي وضعها تشافيز لاشتراكية القرن الحادي والعشرين.
حزب اشتراكيٌّ موحَّد لفنزولا
كما أصبح طبيعياً في تغطية الأنباء في فنزولا، أُسيء على الفور، بأشد التعبيرات سلطويةً، تأويلُ إعلان تشافيز بأنه يريد خلق “حزب فنزولا الاشتراكيّ الموحَّد” على أنه يريد تحويل فنزولا إلى دولة حزب واحد. وكل ما كان ينادي به، بعيداً عن هذا، إنما كان دعوة جميع الأحزاب التي تؤيد رئاسته إلى التوحُّد في حزب واحد، وهذه تضم حزبه، “حركة الجمهورية الخامسة”، وشركاءه في الائتلاف، “الوطن للجميع” و”الحزب الشيوعي الفنزولي” و”لأجل الديمقراطية الاجتماعية”، بالإضافة إلى زهاء عشرين حزباً صغيراً تدعمه.
شرح تشافيز ما كان يحدوه إلى ذلك بقوله إنه يستند إلى الحاجة إلى إرساء الديمقراطية في الحركة البوليفارية، وجعل عملية صنعها للقرار أكثر فاعليةً وأشدَّ شفافية. وكان تشافيز شرح عدة مرات في الماضي أنه “مُتعَبٌ” من فضِّ النزاعات بين الأجنحة التي تدعمه، ومن تسمية المرشحين لمناصب العمدة أو غيرها من المناصب المنتخبة، استناداً إلى قائمة تعطيه إياها حركة الجمهورية الخامسة وقادة الأحزاب الأخرى. بدل ذلك، يُفترَض في “حزب فنزولا الاشتراكيّ الموحَّد” الجديد أن يكون “الحزبَ “الأكثر ديمقراطية” في أمريكا اللاتينية، حيث تُقرَّر جميع التسميات والأهداف السياسية عبر نقاش حزبيّ وانتخابات داخليّة.
أوقع تشافيزاً ضغطاً هائلاً على جميع الأحزاب المؤيدة للحكومة لكي تحلّ نفسها وتنضمَّ إلى عضوية “حزب فنزولا الاشتراكيّ الموحَّد”. بيد أن القيادة العليا في كلٍّ من حزب “الوطن للجميع”، وحزب “لأجل الديمقراطية الاجتماعية”، و”الحزب الشيوعي الفنزولي”، التي كان لمجموع دعمها 15% في انتخابات كانون الأول 2006 الرئاسية، قالت إنها تفضل الانتظار لترى البرنامج السياسي للحزب الجديد، والقوانين الداخلية، قبل القفز إلى المجهول. أما التأويل الأقل لطفاً لتردد قادة الأحزاب هؤلاء في حلِّ أحزابهم فيكمن في إمكانية أنْ يعني خسارةًَ ضخمة لسلطتهم بحيث أنهم لن يعرفوا إن كانوا سيُنتخبون ثانية إلى مناصب عليا، ولن يستطيعوا أن يكونوا لاعبين في عمليات تسمية الوزراء أو المرشحين للمناصب المنتخبة.([vi]) وتدعم الأطروحةَ الأخيرة حقيقةُ أن العديد من الأعضاء المرموقين في هذه الأحزاب، ممن لا سلطة لهم، قد تخلَّوا جهاراً عن عضويتهم فيها وأعلنوا أنهم سينضمون إلى “حزب فنزولا الاشتراكيّ الموحَّد” الجديد.([vii]) في الوقت ذاته، قال تشافيز إن الأحزاب التي لم تنضمَّ إلى الحزب الجديد “حرةٌ في أن تغادر” الائتلاف([viii]) وأنها “جبانة” و”مناهضة للثورة.”([ix]) ولتنظيم حزب فنزولا الاشتراكيّ الموحَّد، أوجز تشافيز عملية تستغرق تسعة أشهر، من آذار إلى كانون الأول 2007.([x])
إذا استطاع “حزب فنزولا الاشتراكيّ الموحَّد” أن ينطلق كما خُطِّط له، باعتباره حزباً ديمقراطياً شعبياً، يكون فيه زعماء الأحزاب الذين يتلاعبون بتسمية المرشحين وعمليات الانتخابات شيئاً من الماضي، فإن هذا الحزب سيكون حقاً الحزب “الأكثر ديمقراطيةً” في أمريكا اللاتينية. وإذ أن العادات القديمة تقاوم الفناء، فمن المحتمل لهذا الحزب الجديد أن يكرِّر بنية المحسوبية داخله، بالرغم من نوايا تشافيز وبالرغم من القوانين الداخلية الموضوعة بعناية. لا أحد – سوى أعضاء الحزب أنفسهم – الذين يمنعون الأعضاء من انتخاب زعماء للحزب على النمط القديم، فيقومون، عندئذٍ، بالاتِّجار بالخدمات، مقترحين على تشافيز أو على المقترعين توصيات سيئة للمرشحين أو للخطط السياسية، في سبيل الدعم في المستقبل. بعبارة أخرى، لن يُقرِّر نجاح الحزب الحقيقي في أن يغدو ديمقراطياً حقيقياً سوى قوة قرار الفنزوليين في التغلب على سياسات المحسوبية. وإذ كانت البداية جيدة بتسمية بعثة من غير زعماء الحزب لبدء تنظيمه، من المبكر جداً تقرير السبيل الذي سيسلكه الحزب عند كتابة هذه السطور.
التأميم
كان التصريحُ الثاني الذي أدلى به تشافيز عند إعادة انتخابه أن “القطاعات الاقتصادية الرئيسية” في فنزولا سوف تُؤمَّم. كان تشافيز هدّد من قبل بتأميم قطاعات اقتصادية مختلفة، إلا أنه لم يُعلن عن أي تأميم قبل إعادة انتخابه، لذلك كان تصريحه هذا مفاجئاً إلى حدٍّ ما. وقد قال تشافيز في كانون الثاني 2007 إن القطاعات الثلاثة التي سوف تؤمَّم فوراً هي الاتصالات، والطاقة، وإنتاج النفط.
مرة أخرى، بدأت آليات وسائل الإعلام الخاصة، الوطنية منها والدولية، تطلق توقعاتها في أن فنزولا سوف تستولي الآن على هذه القطاعات من دون تعويض، مستمرة في زعمها أن تشافيز أصبح الآن الدكتاتور “الشيوعي الكاستروي” التام. بيد أن الخطوط العريضة لعملية التأميم قُدِّمت بعد شهرين قصيرين، في آذار، وفي جميع الحالات عُوِّض مالكو الشركات المتأثِّرة بحسب اتفاقية متبادلة بين الأطراف ذات العلاقة.
لقد أثّر تأميم قطاع الاتصالات حقيقةً على شركة الهاتف السابقة فقط، وهي “شركة الهاتف الفنزولية الوطنية المغفلة” التي تملكها الدولة، والتي تملك معظم أسهمها (28.5%) شركة فيرزُن التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرّاً لها، لا شبكتا الهواتف الخلوية المتنافستان الرئيسيتان. وقد قبلت فيرزُن أن تبيع أسهمها في شركة الهاتف الفنزولية للحكومة بمبلغ 572 مليون دولار.([xi]) وكان أصحاب الأسهم الباقون مستثمرين صغاراً عُرض عليهم مبلغ شبيه للسهم الواحد، واشترت الحكومة حصتهم الكلية بمبلغ 800 مليون دولار.
كان المنطق الرئيسي وراء تأميم شركة الهاتف الفنزولية أن الحكومة أرادت، لتعزيز تنمية البلاد، خاصة داخلها، التأكد من أن خطوط الهاتف الأرضية منتشرةٌ في المناطق الأقل ربحا. وحين خُصخصت شركة الهاتف في التسعينات، التزمت بفعل ذلك، لكنها، حسب مسؤولي الحكومة، تخلت عن التزامها. كذلك وعدت الحكومة بتخفيض كلفة المهاتفة، التي تتصاعد بما لا يُطاق منذ خُصخصت الشركة. وإذ عادت الشركة إلى الدولة، وبوجود شبكة من خطوط الألياف الضوئية تملكها الدولة وتغطي جميع أرجاء البلاد، غدت شركة الهاتف الفنزولية قادرةً على أن تصبح إحدى شركات الاتصالات الأقوى والأكثر تقدماً تقانياً في أمريكا اللاتينية.
بعد ذلك مضت الحكومة قُدُماً في تأميم شركات الكهرباء الإقليمية المسؤولة أساساً عن توزيع الكهرباء، ولكنْ من دون توليدها، وهو ما كان دائماً في أيدي الدولة. وقد اتفقت شركات الطاقة سريعاً مع الحكومة وباعت أسهمها بسعر اتُّفِق عليه معا. وهنا أيضاً كان المنطق وراء هذا التأميم أن الحكومة أرادت أن تتأكّد من أن توزيع الكهرباء سوف يصل إلى المناطق غير المخدومة داخل البلاد.
غير أن التأميم الأهمَّ رمزياً كان تأميم حقول النفط الباقية التي تملكها شركات خاصة، وهذه موجودة في حزام أورِنْكو النفطي ذي النفط الثقيل. في تسعينات القرن الماضي، خلال ما يُسمَّى افتتاح النفط، سمحت الحكومة الفنزولية لشركات النفط الأجنبية بالاستثمار بكثافةٍ في حزام أورِنْكو النفطي، موجدةً أربعة مشاريع متضامنة لستِّ شركات نفط متعددة الجنسيات (هي توتال، تشيفرون-تكساكو، إكسُن-موبِل، بْرِتِش بِتْرولْيُم، فيبا ويل، كونوكو- فِلِبْس) ومعها شركة نفط فنزولا. وفي كلٍّ من هذه المشاريع المتضامنة، كان لشركة نفط فنزولا المشاركة الدنيا في حدود 30%. وكجزء من هدف “إعادة تأميم” إنتاج نفط فنزولا، قال تشافيز إن مشاركة شركة نفط فنزولا الدنيا ستتحوّل إلى مشاركة لا تقلّ عن 60%، بحيث يكون لها حصة مسيطرة في كل مشروع تضامنيّ. وفي الأول من أيار، أعلن تشافيز أن جميع الشركات المشاركة في هذه المشاريع، باستثناء كونوكو-فِلِبْس، قد وافقت على الترتيب الجديد.([xii])
عملية التأميم هذه، وهي ذات فكرةٍ معتدلة جداً لم تتعدَّ تحويل مشاركةٍ دنيا للدولة إلى مشاركة كبرى، كانت ضخمةً في أمرين، مداها المالي وقوتِها الرمزية. فمن حيث المال، كانت تتطلب أن تنفق شركة نفط فنزولا مليارات الدولارات، فتغدو بذلك أكثر كلفة على فنزولا من التأميمات الأخرى.([xiii]) ومن حيث رمزيتها، كان التأميم مهماً لأنه مثّل استملاك الدولة الفنزولية آخرَ ما تبقى من حقول نفط مسيطر عليها أجنبيا. وقد أُنجز هذا الاستملاكُ على مراحل ثلاث: أولاها مع هزيمة إضراب صناعة النفط في 2002/03، يوم سيطرت حكومة تشافيز على صناعة النفط من الإدارة السابقة ذات التوجه اللبرالي الجديد. وثانيتها أنها حوّلت 32 “اتفاقية خدمات” إنتاجيةٍ في حقول نفط هامشية إلى مشاريع تضامنية، تملك فيها شركة نفط فنزولا الحصة الكبرى. وثالثتها أنها حوّلت مشاريع حزام أورِنْكو النفطي التضامنية الحالية إلى مشاريع تسيطر عليها شركة نفط فنزولا. وهكذا، في أول أيار، كان في مقدور تشافيز أن يقول، “لزمن طويل، كانت الإمبريالية تسيطر على صناعتنا الأساسية، على موارد طاقتنا، على مواردنا الطبيعية. إن هذا قد انتهى اليوم…. اليوم انتهى ذلك الزمن وعادت إلى الأبد جميع مواردنا الطبيعية إلى أيدي الشعب الفنزويلي.”([xiv])
إذاعة كاراكاس المتلفزة
كان الإعلانُ الآخر الذي أثبت لمناوئي تشافيز أنه يقود البلاد إلى الدكتاتورية قرارَه بعدم تجديد رخصة البثّ الإذاعيّ (أو الامتياز، كما يُسمى في فنزولا) لمحطة التلفزة الأكثر شعبية في البلاد، “إذاعة كاراكاس المتلفزة”. وقد كان هذا لمنتقدي الحكومة الإثباتَ الأقوى على لجمِ حرية التعبير في فنزولا. لكن إغلاق هذه القناة بالنسبة إلى الحكومة ومناصريها كان منتظراً منذ زمن طويل، بسبب مشاركتها في محاولة الانقلاب، وفي إضراب صناعة النفط، ولانتهاكاتها المتكررة لأنظمة البثّ الإذاعي.
كذلك شجبت قرارَ الحكومة جماعات حرية الصحافة العالمية، كاتحاد الصحافة الأمريكي، ومراسلون بلا حدود، ولجنة حماية الصحفيين، وآخرون. وقد قال اتحاد الصحافة الأمريكيّ، “إن اندفاع الرئيس الفنزولي هوغو تشافيز إلى لجم حرية الصحافة … مستمرٌّ بتهديدات وأحداث خطيرة وجريئة. وفي هذه اللحظة، التي يسيطر فيها الرئيس على جميع فروع الحكومة، ها هو ذا يمضي قُدُماً في إغلاق منافذ الإعلام، كما حدث مع إذاعة كاراكاس المتلفزة، القناة الأهمِّ في البلاد.”([xv])
كان تبرير الحكومة لعدم تجديد رخصة “إذاعة كاراكاس المتلفزة” ذا وجهين. أولا، لم تعد هذه القناة تستحقّ رخصة بثٍّ إذاعيٍّ لمشاركتها في الانقلاب وفي إضراب صناعة النفط ولانتهاكاتها الكثيرة لقوانين البثّ الإذاعيّ المعمول بها. ثانياً، إن الإجراء بحد ذاته محض إداري – أي أنه لا يتطلب عملية مراجعة – لأن قرار منح رخص البث الإذاعيّ يعود لما تراه الحكومة مناسبا. بعبارة أخرى، إن زعم المعارضة أن الحكومة الفنزولية تخرق أعراف حرية الكلام إنما يستند إلى محض أسس أخلاقية لا قانونية. وللمرء أن يرى هذا حتى في دفاع المحطة الرئيسي، الذي لا يتحدى حرية تصرف الحكومة في تجديد رخص البث الإذاعيّ، بل يزعم أن رخصتها لا تنتهي قبل العام 2020.([xvi])
ينص “قانون الاتصالات العضويُّ” بوضوح على ما يلي: “لا يُمنح امتياز استخدام طيف الموجات الإذاعية الكهربائية لمن تورطوا، بالرغم من كونهم اختيروا استناداً إلى ما هو مقرر في هذا القانون، في الأوضاع التالية: … خامسا، حين تطرأ أوضاع خطيرة تتعلق بأمن الدولة وتجعل المنح [أي الامتياز]، حسب تقدير رئيس الجمهورية، غير مناسب.”([xvii])وإذ لم يُشر القانون إلى عملية مراجعة، يبدو أن قرار الرئيس تقديريٌّ نوعا ما. وسترفع المحطة المذكورة القضية إلى المحكمة العليا، حيث ستتحدى “عدم تجديد رخصة البثِّ الإذاعي.” وهكذا لا يزال الأمر ممكناً نظرياً أن تحكم المحكمة العليا بعدم شرعية عدم التجديد.
على هذا الأساس تستطيع الحكومة نظرياً أن ترفض تجديد رخص محطات التلفزة الباقية التي ساندت الانقلاب: فِنيفِزيون، وغلوبوفِزيون، وتِلِفِن. ومنذ الانقلاب، وخاصة منذ الاستفتاء على إبطال الرئاسة عام 2004، لطَّفت كلٌّ من فِنيفِزيون وتِلِفِن كثيراً من موقفها المعادي للحكومة، مما صعَّب على الأخيرة أن تقول إنهما تمثلان تهديداً للدولة. أما غلوبوفِزيون، وهي محطة إخبارية تعمل 24 ساعةً، فقد استمرت على خطها المعتاد في معاداة الحكومة ويمكن بهذا أن تواجه إمكانية فقدانها رخصتها. لكن هذا بعيد لأن الرخصة لا تنتهي قبل العام 2014.([xviii])
لما كان الوضع القانوني لهذه الحالة واضحاً تماماً (لتشافيز السلطة الشرعية في عدم تجديد رخصة إذاعة كاراكاس المتلفزة)، فإن السؤال الرئيسي يدور حقيقةً حول ما إذا كان إغلاق هذه المحطة أمراً جيداً لحرية الكلام في فنزولا. لا شك في أن إنكار رخصة البثّ الإذاعي على “إذاعة كاراكاس المتلفزة” سيخفض مستوى المعارضة الآتية من النخبة القديمة في البلاد.([xix]) لكنْ، هل يعني هذا أن حرية الكلام مُقيّدة؟ إن إيقاف “إذاعة كاراكاس المتلفزة” عن البثّ الإذاعيّ لا يقيّد حرية الكلام إذا اعتقدت بأن هذه الحرية تُقاس بحرية من يملكون الموارد المالية لاستخدام الأمواج الهوائية. لكنْ، إذا كانت حرية الكلام تعني أن كل وجهة نظر – بغض النظر عن ثروة صاحبها الشخصية – لها الفرصة عينها في البثّ الإذاعيّ، فإن درجة حرية الكلام في فنزولا تعتمد حقيقة على ما ستُستبدل به محطة إذاعة كاراكاس المتلفزة.
كانت هذه ذات يوم هي الفلسفةَ المتبعة في استخدام الأمواج الهوائية في الكثير من العالم، خاصة في أوربا الغربية قبل العام 1980. في ذلك الزمن، لم تكن وسائل البثُّ الإعلامي الخاصّ في أوربا الغربية حتى مسموحاً بها عموماً، وكانت الهيمنة للإذاعة المسموعة والمرئية العامة. ولم يكن المنع التام لوسائل البثّ الإذاعي في الكثرة من الدول مصاحباً للزعم بأن هذه الدول تقيّد حرية الكلام. بل أكثر من ذلك، كان يُعتقد أن وسائل الإعلام العامة تهيئ حرية كلام وتنوعاً أكبر من وسائل الإعلام الخاصة. ولم يكن إلا في الثمانينات، حين صعد نجم اللبرالية الجديدة والخصخصة، أن أصبح تقييد وسائل البثّ الإعلامي الخاص مساويا لفقدان حرية الكلام.
بتعبير آخر، إذا كان على فنزولا أن تُحِلَّ محلَّ “إذاعة كاراكاس المتلفزة” قناةً تلفزةٍ عامةً حقاً، مقابل قناة تلفزةٍ حكومية (التي يوجد عدد منها: هي {Avila TV, TeleSur, ANTV, Vive, VTV})،([xx]) فإن حرية الكلام ستتعزَّز، لا تُحجَّم، في فنزولا. وهذا بالضبط ما وعدت به حكومة تشافيز. ففي عدة مناسبات، شرح وزير الاتصالات، جِسي تشاكون، أن السيطرة على القناة ستكون عامةً لا حكومية. ويبدو أنه يعني بهذا أنها ستُدارُ إدارةً أكثر ديمقراطيةً من تلفزة الحكومة أو التلفزة الخاصة. ومن المبكر القول، عند كتابة هذه السطور، إن كانت هذه ما ستكون عليها الحال حقيقةً. لكن علينا أن نلاحظ مدى قوة تلاعب وسائل الإعلام الخاصة بالرأي العام، أكان ذلك في فنزولا أم في العالم أجمع، بحيث يمكن النظر إلى إحلال التلفزة العامة محل الخاصة على أنه كبت لحرية الكلام.([xxi]) وهذا الحكم ممكن فقط بعد أن تقدم الحكومة تنظيم القناة الجديدة، لا قبله.
بعيداً عما تعنيه حرية الكلام، فإن لتوقف محطة “إذاعة كاراكاس المتلفزة” أيضاً تبعاتٍ سياسيةً غيرَ عادية على تشافيز. فهذه أول مرة في رئاسته يمضي قُدُماً بما يبدو قراراً غير شعبي كلياً. فحسَب استفتاء قامت به شركة ذات توجه معارض، هي داتانالِسِز، لم يكن 70% من الفنزوليين يوافقون على عدم تجديد رخصة محطة “إذاعة كاراكاس المتلفزة”، حتى حين لا يزال تشافيز نفسُه متمتعاً بشعبية 65% من السكان.([xxii]) أما السبب وراء هذا التفاوت ففي أن المحطة المذكورة قناة تبثُّ بعض أكثر عروض التلفزة شعبية في البلاد، كعرض المسابقات “من سيربح المليون؟” وعدة مسلسلات اجتماعية طويلة. أي لا علاقة لعدم الموافقة على عدم تجديد الترخيص بسياسة القناة، بل بإمكانية فقدان البرامج المحبوبة. لذلك قد يعني إيقاف هذه المحطة عن البثّ خسارة في شعبية تشافيز. غير أن الدلائل الأولى أن القناة الجديدة، التي ستسمَّى “تلفاز فنزولا الاجتماعي”، ستحاول تكرار بعض هذه البرامج الشعبية.([xxiii])
التخويل القانوني
كأنَّ توحيد الحزب، والتأميمات، وإغلاق محطة للتلفزة، لم تكن كلُّها كافية لإثارة المعارضة ووسائل الإعلام الرئيسية، حين أعلن تشافيز أنه سيطلب من الجمعية الوطنية “تخويلاً قانونياً” يسمح له بأن “يحكم بمرسوم” مدة 18 شهراً. والحقيقة أن “الحكم بمرسوم” كان خطأ إعلامياً في التسمية من شأنه أن يستدعي إلى الذهن صور المستبدين الذين خُوِّلوا إصدارَ مراسيم حول أي شيء، من دون قيد دستوريٍّ أو سياسي. غير أن القوانين المخوّلة في فنزولا، لها تقليد طويل،([xxiv]) ومقيّدة بالدستور، وذات مدى محدود، وفيها إمكانية المراجعة أو النقض من قبل الجمعية الوطنية، أو محكمة العدل العليا، أو الاستفتاء الشعبي.
في هذه الحالة، يسمح التخويل القانوني الذي أصدرته الجمعية الوطنية في 31 كانون الثاني 2007 لتشافيز بإصدار مراسيم في أحد عشر مجالاً محدَّداً تحديداً واسعاً لمدة 18 شهراً. وهذه المجالات تغطي عملياً كلّ شيء، مثل “تحويل الدولة”، و”المشاركة الشعبية” في السياسات الاجتماعية والاقتصادية، ومحاربة الفساد، و”السياسة الاقتصادية والاجتماعية”، و”المال ومَكْسِ الضرائب”، و”أمن المواطن والقضاء”، و”العلم والتقانة”، و”النظام الإقليمي”، و”الأمن والدفاع”، و”البنية التحتية”، و”السياسة المتعلقة بالطاقة”.([xxv]) وقد قدّر نائب الرئيس، يورخي رُدْريغِز، أن عدد القوانين النهائي الذي سيمرره الرئيس يبلغ العدد ذاته كالمرة السابقة التي نال فيها تشافيز تخويلاً قانونياً حين أصدر 49 قانونا. وقد برّر تشافيز القانون استناداً إلى أن الشعب قد صوّت لاشتراكية القرن الحادي والعشرين في 3 كانون الأول 2006، وأن هذا يتطلب كثرة كثيرة من التغييرات في وقت أقصر كثيراً من أن تستطيع فيه الجمعية الوطنية التعامل معها في بطئها المعهود.
كمَثَلٍ على أنواع المراسيم القانونية التي ثمة حاجةٌ إلى تقديمها، ذكر تشافيز مُدوّنة القوانين التجارية في فنزولا، التي تمثِّل “رمزاً للرأسمالية” وقد “كُتبت على مدى 100 عام، سنة 1904 … وكان [آخر تعديل] للقانون عام 1955، حين كانت فنزولا تحت حكم [الدكتاتور] الجنرال ماركُس بيريز جيمِنيز. فأية اشتراكية هذه التي سنقيمها بهذا النوع من مُدوّنة القوانين التجارية؟”([xxvi])
بالنسبة إلى المعارضة وإلى المراقبين الخارجيين، كان هذا التخويل القانوني إهانةً أخرى للديمقراطية لأنه تحايلٌ على الجمعية الوطنية. وبالنظر إلى أن الجمعية الوطنية تتألف كلياً من أنصار تشافيز بسبب مقاطعة المعارضة لانتخابات الجمعية الوطنية في كانون الأول 2005، لم يكن واضحاً تماماً لماذا يختلف إصدار تشافيز للقوانين بدل الجمعية هذا الاختلاف المثير على الديمقراطية في فنزولا. مع هذا، لا يكف زعماء المعارضة، مثل تيودورو بِتْكُف، عن مقارنة هذا التخويل القانوني بالتخويل القانوني الذي تلقاه أدُلْف هِتْلر من البُنْدِشْتاغ [المجلس التشريعي] الألماني حين أصبح دكتاتورا.([xxvii]) لكن هناك اختلافاتٍ حاسمةً بين ذلك القانون وقانون تشافيز، مما يجعلهما مختلفين كلياً. أولا، وأهمَّ، لقد سمح التخويل القانوني لهتلر بإصدار قوانين انتهكت الدستور بل غيّرته. ثانيا، كان هتلر من قبلُ قد علّق الحريات المدنية كنتيجة لـ”مرسوم إحراق الرايخشتاغ”.([1]) ثالثاً، لم تكن مراجعة مرسوم هتلر أو نقضه ممكنين البتة. وفي الحالات الثلاث، كان التخويل القانوني الممنوح لتشافيز معاكساً لها تماماً. لذلك لم يكن التشبيه الذي جاء به بِتْكُف حول القانونين يستند إلى الحقيقة.
قد يكون مفهوما شيوعُ القلق لدى المعارضة من احتمال استخدام تشافيز للتخويل القانوني في إصدار مراسيم قمعية؛ فبالنظر إلى أن المحكمة العليا والجمعية الوطنية يسيطر عليهما أنصار تشافيز، يبدو من غير المحتمل لهما أن تتحديا مراسيم تشافيز القانونية. بيد أن هناك سببين على الأقل للشكِّ في حدوث هذا الأمر. أولا، حين مُنح تشافيز تخويلاً قانونياً عام 2000/01، لم يكن أيٌّ من القوانين التسعة والأربعين التي أصدرها قمعياً بأي شكل. وأكثر من ذلك، لقد أكدت الكثرة من هذه القوانين على اقتصاد ديمقراطي أكبر، إذ ساهمت في إعادة توزيع ثروة فنزولا، أكان ذلك عبر قانون إصلاح ملكية الأراضي، أم قانون الهيدروكربون، أم قانون صيد السمك، على سبيل المثال. أضف إلى ذلك أنه، بوجود جمعية وطنية موالية جداً، ليس هناك سبب للاعتقاد بأن تشافيز، إذا أراد تمرير قوانين قمعيٍّة، سيحتاج إلى تخويل قانونيٍّ ليفعل ذلك.([xxviii]) ثانيا، على عكس تفكير محللي المعارضة، هناك قوة قوية في السياسة الفنزولية تستطيع إبطال أي مرسوم قانوني يُصدره تشافيز: هو الشعب الفنزولي. فحسب دستور 1999، يُمكن التصويت على أي قانون إذا قَدَّم 10% من المصوتين عريضة بهذا. بل إن للمراسيم القانونية متطلباتٍ أقلّ، أي 5% فقط من المصوّتين. فلو عُرض المرسوم على التصويت، أمكن أغلبيةً بسيطةً أن تُقرر إبطاله.
غير أن هناك قلقاً أكثرَ واقعيةً حول التخويل القانونيّ ذا علاقةٍ بتناقضاته الداخلية وأثره على السياسة الفنزولية. ذلك، أولاً، أن أحد أغراض القانون الرئيسية السماحُ لتشافيز بإصدار القوانين التي تُحقق اشتراكية القرن الحادي والعشرين والديمقراطية التشاركية بشكل أسرع. غير أن هناك علاقة عكسية بين مبادئ المشاركة والفعالية، وبهذا يُعزِّز التخويل القانوني الفعالية على حساب المشاركة. لهذا يكون مبرَّراً السؤالُ إن كان هناك معنى في إصدار القوانين المُفتَرَض بها تعزيز المشاركة والديمقراطية عبر أقلِّ قدرٍ من التشاور والمشاركة، وإن كان لمثل هذه الطريقة أن تقود إلى قوانين جيدة.
ثانيا، يخاطر تشافيز، حين يُصدر القوانين على شكل مراسيم، بأن تكون هذه القوانين أقلَّ شرعيةً منها لو صدرت عبر العملية الشرعية الطبيعية. وحتى لو أن المعارضة غيرُ ممثلة في الجمعية الوطنية، فكلما كان قلَّ النقاش الوطني حول أية قضية، ازداد احتمال محاولة المعارضة تحدي تشافيز على تلك القضية، تماما كما فعلت بالقوانين التسعة والأربعين التي صدرت بمراسيم عام 2001. وبالرغم من أن المعارضة حين كُتبت هذه السطور (أيار 2007) بدت أضعف من أن تُعبِّئَ تحدياً سياسياً فعالاً، فإن هذا الضعف بالضبط ما قد يجعلها تلوذ بإجراءات متطرفة، كالعنف. وهناك دلالات متزايدة على أن قطاعاتٍ من المعارضة أكثرَ جذريةً قد تسعى إلى اغتيال تشافيز أو البدء بنوع من النشاط الإرهابي.([xxix]) مثل هذا التطور قد يؤدي في النهاية إلى تشكيل ما يشبه جيش “الكُنترا” الإرهابي، الذي كان موجوداً في نيكاراغوا في أثناء حكومة الساندانستا. وإذ يبذل تشافيز جهداً في تحقيق تغييرات أكثر جذريةً بأسرع قدر ممكن، قد ينتهي الأمر به واقعاً في مشاكل لم يسع لها.
مشاريع أخرى للعام 2007
المشاريع المذكورة سابقاً للعام 2007 لم تكن سوى الأهم وكانت جزءاً من رزمة مشاريع أعلن عنها تشافيز يوم تنصيبه في كانون الثاني 2007 وأسماها “المحركات الخمسة” لتأسيس اشتراكية القرن الحادي والعشرين في فنزولا. فأما المحرك الأول فهو التخويل القانوني المذكور من قبل، الذي شمل المراسيم القانونية لتأميم المشاريع النفطية الخاصة الباقية، وشركة الهاتف الوطنية، وقطاع الكهرباء. وأما المحرك الثاني، فهو إصلاح دستور 1999، وأما الثالث، فالحملة التعليمية العامة، وأما الرابع، فإعادة تنظيم التشريع السياسي داخل فنزولا، وأما الخامس، فهو “انفجار السلطة الشيوعية”.
قام تشافيز فوراً في تعيين بعثات رئاسية للعمل على جميع هذه المحركات الخمسة، لكنه، للأسف، لم يُعط تعليماتٍ محددةً حول ما ينبغي لكل منها أن تفعل بالضبط. فالتخويل القانوني المذكور سابقاً شمل مراسيم قانونية حول التأميمات المذكورة أعلاه، لكنه، أبعد من هذا، لم يقل شيئاً محدداً عما ستكون عليه القوانين الأخرى. كذلك لم يُقدِّم تشافيز سوى الخطوط العريضة الأعمّ للإصلاح الدستوري، ذاكراً بشكل رئيسي اقتراح إزالة القيود عن السماح للرئيس بإعادة انتخابه مرة واحدة فقط، ولولايتين متتاليتين كلٌّ منها ست سنوات. أما القضايا الأخرى التي اقترحها تشافيز في الإصلاح الدستوري فكانت تقديم شكل جديد من الملكية الجماعية وتحريماً أقوى حول تأميم الصناعة النفطية في البلاد. وسوف يقدَّم الإصلاح المقترح للبلاد في وقت ما من منتصف عام 2007، وعقب نقاش عام يُصوَّت عليه في أوائل عام 2008.
“المحرِّك” الثالث المتمثِّلُ بحملة التعليم العامّ الاشتراكيّ، المسمَّى “السلوك الأخلاقي والتنوير”، تُرسل بموجبه “فرق” لتعليم الفنزوليين أفكار سيمون بوليفار، ومعلِّمِه سيمون رُدْريغيز، وإزِقويِل زامورا. كما أنها تعلم الفكرَ اللاتيني-الأمريكي والاشتراكي عموما. وهذا المشروع، حسب تشافيز، ذو ضرورة مطلقة لخلق اشتراكية القرن الحادي والعشرين لأنه “لن تكون هناك ثورة من دون عقيدة ثورية، ولن تكون هناك اشتراكية من دون وعيٍ اشتراكي واجتماعي يسمح لنا بشفاء البلاد.”([xxx])
تُنظَّم حملة التعليم عبر حلقات دراسية من عشرة أناس إلى ثلاثين، يناقشون ويدرسون الخطوط الإستراتيجية السبعة للخطة الوطنية سيمون بوليفار، 2007-2021: الأخلاق الاشتراكية، والسعادة العليا، ونمط الإنتاج الاشتراكي، والديمقراطية الريادية الاشتراكية، والجغرافية السياسية الداخلية الجديدة، وسلطة الطاقة، والجغرافية السياسية العالمية.([xxxi])ويُفترَض في المجموعات الدراسية هذه أن تلتقي مرة في الأسبوع لأربع ساعات. كما عُيِّن آلاف المشجعين الذين نُظِّموا من قبل البعثة الرئاسية “السلوك الأخلاقي والتنوير”، ليتحركوا في طول البلاد وعرضها لتشجيع تنظيم حلقات الدراسة هذه.
المحرك الرابع، “هندسة السلطة الجديدة”، وصفه تشافيز بأنه “إعادة التنظيم الاشتراكي للسياسة الجغرافية للأمة”. ويقصد بهذا “التقسيم السياسي الإقليمي للبلاد”،([xxxii])بمعنى تحليل وربما تغيير حدود البلديات وربما حدود الولايات أيضاً. إن نظام البلديات في فنزولا منظم تنظيماً سيئاً جداً، بحيث يقطن في بعضها نيف ومليون نسمة وفي الأخرى بضعة آلاف. والنتيجة توزيع غير منتظم لموارد الولايات والإدارة العامة، لأنها منظمة على أساس البلديات. والفكرة خلق توزيع للبلديات أكثر انتظاماً فيكون التنظيم السياسي في البلاد أكثر انتظاما أيضا.
أخيراً، وصف تشافيز المحرك الخامس، “انفجار السلطة الشيوعية”، بأنه المحرك الأهمّ لأنه يمثل السلطة الشعبية، التي هي “روح، وعصب، وعظم، ولحم، وجوهر الديمقراطية البوليفارية، الديمقراطية الثورية، الديمقراطية الحقيقية.” وكخطوةٍ باتجاه زيادة سلطة المجتمعات المحلية، اقترح تشافيز إيجاد “مدن اتحادية”، حيث تحلُّ ديمقراطية مجالس المجتمعات المحلية التشاركية محلَّ الديمقراطية التمثيلية لمجالس وعُمداء المدن. وستكون الفكرة في تجريب هذا النوع من الحكم ورؤية ما إذا كانت تستطيع في النهاية أن تتوسع في جميع فنزولا. وبالتوازي مع هذه التجربة، اقترح تشافيز تعزيز سلطة مجالس المجتمعات المحلية في جميع أرجاء البلاد، بحيث تتجاوز المحليّ مباشرة. هنا تكون الفكرةُ خلقَ روابط لمجالس المجتمعات المحلية على مستوى الولاية والوطن.([xxxiii]) وسواء حلّت مجالس المجتمعات المحلية على مستوى الولاية والوطن كلياً محلَّ سلطة الممثلين المنتخبين أم أتمّتها فقط، فليس واضحاً بعد. غير أن تشافيز قال إن ما يجب فعله هو “التوجّه صوب دولة اجتماعية وترك الهياكل القديمة للدولة الرأسمالية البرجوازية، التي تضع المكابح على النبضات الثورية.”([xxxiv])
[1] ما سُمِّي “مرسوم إحراق الرايخشتاغ” (Reichstagsbrandverordnung) هو الاسم الدارج لـ”مرسوم رئيس الرايخ لحماية الناس والدولة”، الذي أصدره الرئيس الألماني بول فُنْ هِنْدِنْبيرغ كاستجابة مباشرة لإحراق مبنى الرايخشتاغ (المجلس التشريعي) في برلين في 27 شباط 1933. وقد جمّد هذا المرسومُ الكثرةَ من الحريات المدنية في ألمانيا. وإذ كان النازيون في مناصب سلطوية في الحكومة الألمانية، استُخدم المرسوم أساساً شرعياً لحبس من عُدَّ مناوئاً للنازيين، ولكبت المنشورات التي لم تكن تُعدُّ “صديقة” للقضية النازية. ويرى المؤرخون أن هذا المرسوم كان الخطوة الرئيسية في سبيل إقامة دولة نازية ذات حزب واحد في ألمانيا. [المترجم]
[i] “تشافيز يدعو إلى إنشاء الحزب الاشتراكي الفنزولي الموحّد”. 18 كانون الأول 2006. (http://www.venezuelanalysis.com/news.php?newsno=2177).
[ii] “تشافيز يعلن التأميمات والإصلاح الدستوري لأجل الاشتراكية في فنزولا”. 8 كانون الثاني 2007. (http://www.venezuelanalysis.com/news.php?newsno=2187).
[iii] “الحكومة الفنزولية لن تجدد رخصة محطة التلفزة ’المخططة للانقلاب‘”. 3 كانون الثاني 2007. (http://www.venezuelanalysis.com/news.php?newsno=2182).
[iv] “تشافيز يعلن التأميمات والإصلاح الدستوري لأجل الاشتراكية في فنزولا”. 8 كانون الثاني 2007. (http://www.venezuelanalysis.com/news.php?newsno=2187).
[v] أحد أول من استخدم هذا التعبير كان كاتب العمود أندريس أوبنْهايمر في صحيفة ميامي هِرَلْد المحافظة، إذ قال: “هوغو تشافيز يمضي قُدُماً بدكتاتوريته المنتخبة.” 19 أيلول 2004، ص. 16A.
[vi] راجع: جورج سيكريِلُّو-ماهر، “حزب فنزولا الاشتراكيّ الموحَّد والاشتراكية الصاعدة من الأسفل”، (MR Zine). 28 آذار 2007 (http://mrzine.monthlyreview.org/cm280307.html)؛ سوجاثا فِرْناندِس: “الأحزاب السياسية والتغيير الاجتماعي في فنزولا،” (ZNet). 19 آذار 2007، (http://zmag.org/content/showarticle.cfm?sectionID=45ItemID=12379).
[vii] كان أعضاء الحزب المرموقون يميلون إلى عدم التمتع بمنصب مهم مرة أخرى في أحزابهم، مثل وزير التعليم السابق أرِسْتوبولو إسْتوريز، ورئيس شركة نفط فنزولا السابق علي رُدْريغِز، وكلاهما من حزب الوطن للجميع، أو نائب رئيس الجمعية الوطنية السابق رِكاردو غُتييريز.
[viii] “تشافيز: الأحزاب التي لا تنضم إلى حزب فنزولا الاشتراكي الموحَّد حرة في أن تغادر،”. 19 آذار 07. (http://www.venezuelanalysis.com/news.php?newsno=2244).
[ix] “إنشاء حزب فنزولا الاشتراكي الموحَّد يمضي قُدُما”. 21 نيسان 07. (http://www.venezuelanalysis.com/news.php?newsno=2276).
[x] “هوغو تشافيز: خلال تسعة أشهر سيقوم حزب فنزولا الاشتراكي الموحَّد،” إذاعة فنزولا الوطنية، 5 آذار 07. (http://www.rnv.gov.ve/noticias/index.php?act-STf=2t=44529).
[xi] “اتفاق الحكومة الفنزولية وفِرِزون على تأميم الاتصالات،”. 13 شباط 07. (http://www.venezuelanalysis.com/news.php?newsno=2218).
[xii] “فنزولا تسيطر على احتياطي نفط إورِنْكو،” 2 أيار 07. (http://www.venezuelanalysis.com/news.php?newsno=2288).
[xiii] لكنْ، بالنظر إلى أن التغييرات في السياسة النفطية التي دعا لها تشافيز حتى الآن قد جاءت بأكثر من 23 مليار دولار بين العامين 2002 و2006، وكانت، لولا ذلك، بقيت في أيدي شركات النفط العالمية، فإن استراتيجية الحكومة في “إعادة التأميم” قد أتت أُكلها أو يزيد. (المصدر: شركة نفط فنزولا).
[xiv] م.ن.
[xv] تقرير اتحاد الصحافة الأمريكي لاجتماع نصف السنة حول فنزولا، 16-19 آذار 2007، (http://www.sipiapa.com/publications/informe_venezuela2007ca.cfm).
[xvi] المنطق المحدد وراء هذا يستند إلى حقيقة أنه في عام 2000 سُنَّ قانون جديد حول الاتصالات، وهو ما يعني، حسب تلفزة كاراكاس، أن رخصتها جُدِّدت تلقائياً لعشرين سنة أخرى بتمرير القانون. لكن الحكومة تقول بأن ليس لهذا الزعم أساس في قانون 2000، الذي يقول فقط إن الرخص الحالية سيجري توكيدها، لا تجديدها تلقائياً، بقانون سنة 2000.
[xvii] القانون العضوي للاتصالات، 28 آذار 2000، المادة 108.
[xviii] هذا يستند إلى حقيقة أنها منحت رخصة لعشرين سنة لأول مرة عام 1994.
[xix] غير أن “إذاعة كاراكاس المتلفزة” لن تُحجب كلياً، لأنها على الأغلب ستستمر في بثّ برامجها عبر القمر الصناعي والكَبَلات. كذلك يأتي قدر كبير من عائداتها من بيع المسلسلات التمثيلية لبقية أمريكا اللاتينية، لذلك لا يتعيّن عليها تخفيض عملياتها بهذا القدر.
[xx] يجب ملاحظة أنه بالرغم من هذه الزيادة حديثاً في قنوات التلفزة التابعة للدولة، ومن توقف تلفزة كاراكاس، سوف تسيطر محطات التلفزة الخاصة على الأجواء الفنزولية، أكان ذلك في عدد رخص البثِّ أم في عدد المشاهدين.
[xxi] يبدو هذا التلاعب مفاجئاً أكثر فيما يتعلق بجماعات حرية الصحافة، كاتحاد الصحافة الأمريكي، وصحفيون بلا حدود، ولجنة حماية الصحفيين. بيد أنه لا ينبغي أن يكون الأمر مفاجئاً إلى هذه الدرجة لدى الاثنتين الأوليين (اتحاد الصحافة الأمريكي، وصحفيون من دون حدود) لأنهما حقيقةً اتحادان لإذاعات خاصة ذات مصالح ذاتية، وليستا مجموعتين لحماية مبدأ حرية القول لكل إنسان من غير مصلحة خاصة.
[xxii] “الاستفتاء: مع تشافيز 65%، بالرغم من 70% يرفضون عدم التجديد للقناة الفضائية،” 26 نيسان 07. (http://www.venezuelanalysis.com/news.php?newsno=2281). يلفت النظر امتناع المعارضة عن الاستفادة من هذا الرفض. وكان يمكن المعارضةَ، نظرياً، أن تنظِّم استفتاءً استشارياً (بدعم من 10% من المصوتين المسجلين) ضدّ رفض تجديد الرخصة، فتحرج تشافيز بهذا التصويت. وقد يمكن ردّ السبب في إحجام المعارضة عن فعل ذلك إلى عدم رغبتها عموماً في عمل شيء قد يُعزِّز الانطباع بأن فنزولا بلد ديمقراطي.
[xxiii] “القناة 2 الجديدة بدأت فلم: بوليفار الخالد،” (http://www.aporrea.org/medios/n94778.html). 12 أيار 07.
[xxiv] كانت هذه المرة الأولى التي يمنح فيها تشافيز تخويلا قانونيا، وكان هو الرئيس الخامس في تاريخ فنزولا الديمقراطي الذي يمنح مثل هذا التخويل. وقد كان أولُ تخويل قانوني في رئاسة تشافيز عام 1999، بموجب دستور العام 1961، لكي يُصدر قانونا حول الضرائب. وكان الثاني عام 2000، بموجب الدستور الجديد، وهو ما سمح لتشافيز بإصدار 49 قانوناً حول قضايا واسعة التنوع، بغرض تحديث الهيكل القانوني في فنزولا مع دستور 1999.
[xxv] “المجلس التشريعي الفنزولي يسمح للرئيس بإصدار القوانين بمرسوم لمدة 18 شهرا.” (http://www.venezuelanalysis.com/news.php?newsno=2207). 31 كانون الثاني 2007.
[xxvi] اقتُبس في منشور لوزارة الاتصالات والمعلومات، “المحرك الأول: التخويل القانوني.”
[xxvii] تيودورو بِتْكُف، “يعيش هوغو!” (Teodoro Petkoff. “Hail Hugo!” Tal Cual). 2 شباط 07.
[xxviii] يمكننا القول إن الجمعية الوطنية المؤيدة لتشافيز أقل حساسية تجاه تهمة التسلط من تشافيز لأنها مرّرت قوانين قمعية أو نظرت فيها في الماضي، كتعديل القانون الجزائي أو القانون المتعلق بالمسؤولية الاجتماعية في الإذاعة المسموعة والمرئية، اللذين مُرِّرا عام 2004، أو القانون المناهض للإرهاب، الذي نظرت فيه الجمعية الوطنية مدة طويلة لكنه لم يمرَّر قط. في حالة تعديل القانون الجنائي، الذي غلّظ عقوبات إهانة مسؤولي الحكومة الكبار، اعترض تشافيز والنائب العام على القانون لجوانبه المتوحشة، وحتى كتابة هذه السطور، كانت المحكمة العليا تراجعه. راجع: “النائب العام الفنزولي يقدم اعتراضاً شرعياً على قانون العقوبات المثير للجدل.” (http://www.venezuelanalysis.com/news.php?newsno=1824). 23 تشرين الثاني 2005.
[xxix] في 5 أيار 2007، قال تشافيز إن قوات الأمن الفنزولية اعتقلت شخصاً، افتُرض أنه يعمل مع المعارضة، ومعه خمس بنادق بمناظير. (http://www.milenio.com/index.php/2007/05/65937/). 6 أيار 2007.
[xxx] ستقام ورشات العمل حول هذه القضايا في المجتمعات المحلية، وأماكن العمل، والمدارس، والجامعات، ووسائل الإعلام التابعة للدولة. وسوف يترأس هذا البرنامج شقيقُ تشافيز، أدان تشافيز، الذي كان عيُّن وزيراً للتعليم في أوائل السنة. والهدف، حسب أدان تشافيز، “تحويل كل زاوية في البلاد إلى مدرسة… لبلوغ مستوى من الوعي والقدرة التي يحتاج إليهما الناس لإنشاء وطن جديد، الوطن الاشتراكي.” المصدر: إذاعة فنزولا الوطنية، 3 أيار 2007 (www.rnv.ve).
[xxxi] حتى كتابة هذه السطور، لم يُعلن عن هذه الخطة بعد.
[xxxii] اقتُبس في منشور لوزارة الاتصالات والمعلومات، “المحرك الرابع: هندسة السلطة الجديدة” (www.monci.gove.ve).
[xxxiii] طُوِّر هذا المقترح حقيقةً في “القانون العضوي لمشاركة المواطنين”، الذي لم تكن الجمعية الوطنية مررته عند كتابة هذه السطور، لكنه مبرمج للتمرير في بحر سنة 2007. لتحليل مفصل لهذا القانون، راجع: غريغوري وِلْبيرت: “تجربة فنزولا في الديمقراطية التشاركية”، (2008)، الذي يُتوقع نشره في كتاب لم يُعنون بعد، حرره جوناثان إيستوُد وطومس بونيا.
[xxxiv] اقتُبس في منشور لوزارة الاتصالات والمعلومات، “المحرك الخامس: انفجار السلطة الشيوعية” (www.monci.gove.ve).
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.