استدخال الهزيمة8

مواجهة أوروبا بالقطعة…لا تجدي

عادل سمارة

(25 تموز 2013)

وماذا لو حصل ما يلي؟

ماذا لو دعى جميع من تحدثوا دفاعا عن حزب الله جماهيرهم وانصارهم وكل من يستمع لهم في الوطن العربي إلى مقاطعة السلع الأوروبية؟ وماذا لو انطلقت مجموعات من الشباب في كل بلد عربي، الشباب الثوري العروبي الجهادي الشيوعي الواعي ورمى البضائع الأوروبية في الشوارع وداسها وأحرقها كما كان يفعل شباب الانتفاضة الفلسطينية في الانتفاضة الأولى قبل اوسلو بينما يطاردهم جند الكيان الصهيوني ؟ وماذا لو قامت مجموعات من الشباب بالطلب إلى المستوردين للسلع الأوروبية بوقف الصفقات وقاموا بتدمير جزئي تحذيري للمحال التي تتصدر استيراد وبيع المنتجات الأوروبية بما هي، اي لأنها، منتجات أعداء؟ وماذا لو تم تكسير واجهات شركات الطيران الأوروبية في البلدان العربية كمقدمة لضرب مصالحها الاستراتيجية الأخرى في الوطن العربي ومنها مراكز المخابرات ومنظمات الأنجزة المسماة “مراكز ثقافية“؟ فلأوروبا والغرب عامة قواعد ومستعمرات عسكرية واقتصادية وثقافية هائلة تبدأ من الأجبان الهولندية إلى القواعد العسكرية إلى الطابور السادس(المثقفين المتغربنين من اليسار واليمين).

هناك ألف ماذا وماذا؟ وعليه، فإن جميع من تحدثوا (أي من سمعناهم) دفاعا وتضامناً مع حزب الله، وكل ذلك جميل، ولكنني كنت أتوقع أحداً أن يدعو للمقاطعة وإيذاء هذا العدو شديد الوقاحة والصلف. وحتى سيد المقاومة لم يدعو للمقاطعة مع أن حديثه كان للنساء وهن انفسهن قوة المقاطعة الرئيسية لأن السيدة هي التي تدير استهلاك المنزل (بمعزل هنا عن ما يجب على الرجل) وهي التي تربي الأبناء والبنات على ماذا يستهلكون وماذا يرفضون!

وكم كان محزنا أن يقول البعض عن قرار العدو الأوروبي: هذا قرار ظالم! عجيب هذا الخطاب. فنعت موقف بأنه ظالم هو إعتراف بان الفاعل سيد والمفعول به رعية او تابع! والمعادلة حتى لو كانت كذلك، يجب الخروج عليها وتحطيمها. فيجب الانطلاق من خارج الخطاب المركزاني الأوروبي المتمثل في لغة الأمم المتحدة أو لغة انظمة وقوى الدين السياسي بلغة مختلفة تنطلق من الحياة مقاومة، والتنمية بالحماية الشعبية، لغة تقطع بالمبنى والمحمول والمعنى والمشروع، تقطع مع لغة عالم الغرب وراس المال وتقاتلها، فلا تحرر إذا لم يُواجه الزحف بالصد والضِد والزحف ايضاً.

يجب مقابلة العدو بكل الأسلحة لا بسلاح اللغة التابعة والخطاب الأعرج لا سيما وأنه عدو عدائه منهجي ودائم ولم ولن يتوقف. عدو يعتبر ما في العالم أجمع مباح له بالقوة او التبادل اللامتكافىء أو عمالة الكمبرادور.

صحيح أن أوروبا خضعت لضغوطات امريكية وصهيونية. وصحيح ان بريطانيا كانت قاطرة أوروبا وهي قاطرة الاستعمار اساسا ولم تتوقف، وكيف لا وهي تبيع للكيان ب 8 مليار دولار اسلحة، وهي أكبر مستورد أوروبي منه، وهولندا هي من أقدم الدول الأوروبية في التحول من الميركنتيلية (التجارية) إلى الرأسمالية الصناعية مقرونة بالاستعمار ودمويته والدعوة لإقامة كيان يهودي في فلسطين قبل الحركة الصهيونية، وبالتالي هي عدو للعرب لا يظهر عدائه كثيراً لضآلة قوته وليس لموفور أخلاقه، وهولندا على اية حال متعهد بناء السجون لسلطة أوسلو، وهل أقذر من هذا الدور الذي يحوي كل من :

  • تراث الجيتو اليهودي
  • وتراث الأبرثايد وبداية المنعزلات في جنوب إفريقيا.

وصحيح أن فرنسا في مازق كابوس المرحلة بالعودة إلى سوريا ودون ذلك حز الحلاقيم، ولكن الاساس ليس مجرد الضغط الأمريكي الصهيوني بل لأن اوروبا راس المال والسلطة والثروة والاقتصاد والثقافة والتاريخ معاً هي عدوة للعرب بمصالحها وهذا السبب الرئيس وراء كل هذا مما يعني أن نسب الأمور لضغوطات الولايات المتحدة والكيان هو تفسير جزئي. تفسير يبين اننا لا نتقن العداء بعد ومن لا يتقن العداء لا يتقن الدفاع، فما بالك بالهجوم!

أجدني مضطراً للقول، بأن القيادات والمثقفين الذين لا يعلنون مواقف واضحة ومحددة ضد الغرب والكيان ولا يعلنون المقاطعة بشكل واضح ومحدد، اي لا يعلنون مواقف واضحة ضد التطبيع مع هؤلاء الأعداء، هم في الحقيقة لا يقدموا للشباب العربي ما عليهم أن يقدموه له، وهو التصدي والصد والمبادئة الثورية الوطنية القومية الطبقية العربية التي لا بد أن تقف بوضوح ضد الغرب الراسمالي. هذا الغرب الذي لا يفهم سوى لغة الخوف وخاصة على رنين العملة والخوف على العملة. وعدو كهذا يجب ان تقاتله بما يقتله وأن تضربه في مقتله لأن في مقتله حياتك. ومن يضع نفسه في موقع القائد أو المحلل عليه أن يرتفع إلى قامة المهمة.

ولعل المفارقة الأشد بؤساً أن يعتب كثير من الساسة والمثقفين على الغرب بأنه يتخلى عن قيمه وتراثه، أو القول بأن فرنسا مثلاً قد تخلت عن مبادىء الثورة الفرنسية! وهذا يطرح سؤالاً حادا جدا: متى نخرج من تحت حذاء خطابهم. فالقيم التي نادوا بها، من التنوير إلى الثورة الفرنسية إلى الحداثة هي الحاضنة التي نبتت فيها المركزانية الأوروبية والاستعمار الإيجابي ومزاعم حقوق الإنسان والديمقراطية الجندر (بمفهومهم/ن)…الخ. ومع ذلك هم لم يطبقوها في يوم على الأقل تجاه بلدان المحيط، بل طبقوا عكسها. أوروبا راس المال هي التي اسست ومارست بالذبح كل من استعمار والنهب والاستيطان الأبيض في مختلف بقاع العالم، بل إن الولايات المتحدة مثابة امتداد أكثر وحشية لنفس التراث الأسود لتصبحا جبهة واحدة. فلماذا هذا التزلف الرخيص؟ لماذا هذا الذل العقيدي! لماذا لم يقم حزب الله ومختلف اللبنانيين برفض مقابلة ممثلة الاتحاد الأوروبي لما بعد شهر مثلا، أو لا مقابلة. فالذي اعتدى عليك لم يشاورك. أين شعار الحسين: “هيهات منا الذلة”!

 

قطيع المحيط وخبثاء المركز

لقد ركزتُ على النساء أعلاه في مسألة المقاطعة لأنهن يُدرن الاقتصاد المنزلي. وطبعا لا أقصد هنا أن الاقتصاد المنزلي هو الاقتصاد الأسري أو العائلي Household، (فالاقتصاد المنزلي ليس نمط إنتاج ولا شكل إنتاج) ولكن أقصد بالاقتصاد المنزلي غالباً المستوى الاستهلاكي، أو إدارة الاستهلاك من الأسرة إلى المجتمع. وهو اي الاقتصاد المنزلي إلى جانب شكل الإنتاج الأسري، يشكلان جزءاً اساسياً من بردايم التنمية بالحماية الشعبية.

فإدارة الاستهلاك هي التي تحدد ماذا تشتري وبالتالي هي التي تحدد في التحليل الأخير مزاج المستهلك والمطلوب بهذا الخصوص في مجتمعنا وفي دفاعه في مواجهة حرب الراسمالية الغربية، أن نتمترس وراء “الاستهلاك الواعي” أو الوعي بالاستهلاك”. وهذا الوعي وتحويله إلى قرار يرغم المنتج (وهو هنا الغربي) على إعادة الحسابات وخطة الإنتاج والضغط باتجاه إعادة رسم السياسات ولكن بعد أن يخسر حقيقة. كما أنه يشكل رفضاً لسياسات الاستيراد الحكومية أو سياسات الاستيراد على يد القطاع الخاص.

إن الراسمالية الغربية والكمبرادور في المحيط وخاصة في الوطن العربي لا تغير من سياساتها ولا سلوكها دون قوة شعبية من الأرض وعلى الأرض وهذا معنى التنمية بالحماية الشعبية، بمعنى أن مقاطعة منتجات الأعداء تشترط وتفرز بالضرورة نمط إنتاج واشكال إنتاج مختلفة يقوم الشعب نفسه برسمها وإملائها على الحزب والسلطة وبهذا تكون مقاومة للعدو. وباختصار، فيجب أن تكون حالتنا العربية هي :

  • حالة الحياة مقاومة
  • وهذا يفرز وجوب التنمية بالحماية الشعبية
  • وهذا المعنى الجديد لحرب الشعب طويلة الأمد.

إن الخطاب المسطح في تقديس الجماهير لا يجدي، بل ربما يشجعها على أمر خطير وهو الانفصام الحقيقي والدائم بين ما تحب وبين ما تفعل. إن المقدس الجديد لدى الطبقات الشعبية هو المقاومة، فكيف نحوله إلى الحياة مقاومة؟ أي كيف نُفعِّل هذا الحب إلى اقتصاد إلى فاعلية مادية إلى توفير ثروة إلى محاربة العدو الرأسمالي في راسماله إلى وقف التبرع له بثروتنا كي لا يسيل دمنا برصاص موَّلناه نحن ؟ ونحن نعلم جيداً، أن هذا العدو ليس دينا ولا ثقافة ولا أخلاقاً ولا فناً ولا مجتمع مدني تحفزه، وإنما يحفزه الربح اللامحدود. فكيف سيكون موقفه تجاهنا حين نقطع شريان الربح. وهذا لا كلفة له علينا بل توفيرا وبداية الحماية الشعبية.

 

إن كسر الفصام أو جسر الفجوة بين الحب والاستهلاك هو بداية مشروع جذري بأن يراقب المرء نفسه في الاستهلاك، وهذا ليس سوى قوة نفسية وثقافية وانتماء وحسب لاتخاذ القرار.

 

إن حجر الزاوية هنا هو أن نخرج من لحظة القطيع، أن ننتقل من أفواه آكلة إلى طبقات شعبية فاعلة تتفاعل وتسند القوى المقاتلة. إن أخطر حالات البشر هي في مهادنة المرء مع نفسه مما يحوله إلى مجموعة نفسيات كل واحدة تشد باتجاه. أليس من الغريب أن يوجد في مجتمع استشهاديين ومناضلين وفي نفس الوقت تشتري اسرهم منتجات القاتل وتتغذى بها ناهيك عن وجود قوى وقيادات تعلن عمالتها للعدو ويتم انتخابها من “جماهير”!!!

في الضفة الأخرى هناك ما يسمى المجتمع المدني في الغرب الراسمالي. هو مجتمع فيه بعض المدنيين الذين يناضلون ضد النظام الرأسمالي، وهي قلة بل قلة نادرة. هذه المجتمعات تعبد النقود والاستهلاك وبهذه العبادة تبرر لنفسها الاستعمار بكافة اشكاله. بل أمة لصوص وقطاع طرق، دعك من الملابس والابتسامات والقشرة الخارجية البيضاء. بل إن تواطئنا مع سياساتهم وعدوانهم يورطهم في عدوانية أوسع وأخطر.

لذا لا بد من مواجهة العدوان الرسمي والخبث المادي الشعبي بالاستهلاك الواعي كمقدمة للتنمية بالحماية الشعبية والحياة مقاومة، أو الموت الزؤام.

 

اقتصادات الريع والتفكيك القومي

جميل أن يتم الهجوم السياسي على الاتحاد الأوروبي. وضئيل أن يقتصر الرد على الحديث السياسي وحتى التعبئة السياسية. ولكن بالمقابل لا بد من الانتباه إلى الخنجر الذي في القلب والظهر معاً من انظمة وقوى الدين السياسي التي تشن على الأمة العربية حرباً مدمرة قوامها:

  • هذه جزء من الثورة المضادة تعمل داخل المجتمع ضد المجتمع باسره، ضد الوطن والوطنية وتخصص الإقصاء إلى درجة “البهائم” للمرأة
  •  تُحل الاقتصاد الريعي محل الإقتصاد الإنتاجي وتعمل على تحويل الناس إلى عالات على الريع.
  • تغذي العقول بمواعظ غيبية لا علاقة لها بالدين وتحولهم كعاطلين عن العمل إلى فرق من القتلة والإرهابيين
  • تتحدث عن حِمَى الإسلام وتأتمر بمخططات العدو الراسمالي الغربي.
  • نجحت في تثبيت ليس فقط الحدود القُطرية بل التخصص في الحرب والعدوان على مختلف الأقطار العربية في مشروع لتدمير كل مشترك قومي حيث اصبح طبيعيا أن تعتدي السعودية وقطر والإمارات على ليبيا ثم على البحرين ثم على سوريا والعراق ومصر.
  • تطالب المجتمع بحياة العفة وترتكب كافة الموبقات.

إن الخطر الحقيقي هو هنا، في الأرض العربية. وهذا يطرح على جماهير هذه الأنظمة سؤال تحرير الثروة من ايدي انظمة الريع، إلى جانب التعبئة لمقاطعة الاستعمار الغربي الذي يجثم على آبار النفط وريع النفط والأسواق.

 

الريع ليس نمط إنتاج، بل هو نمط جمع، هو الطبعة العصرية من الالتقاط والجمع (اللملمة) في غير عصر الإلتقاط والجمع، والأخطر منه هو العقل الريعي الذي يصر على عدم تحويل ريع النفط إلى استثمار في قاعدة إنتاجية ليس فقط للتحضير حين نضوب النفط بل لنقل القوة العاملة من حياة الكسل وتلقي الأعطيات وتوظيفها للإرهاب إلى قوة عمل إنسانية،فبدون العمل لا إنسانية للإنسان.

وعليه، فإن “الفوضى الخلاقة” أو تنفيذ الثقافة التدميرية الأميركية في الوطن العربي لم يكن لها لتفعل لولا أنظمة الدين السياسي وطرق إنفاق ريع النفط على الإرهاب والتخريب،ولولا كمبرادور دول العجز. فلا بد من كسر معادلة دول العجز ودول الفائض التي نتيجتها قيام دول الفائض بحرب معلنة ضد دول العجز بهدف تصفية اي مشترك قومي.

نعم لا بد من كي الوعي. لا بد ان يعرف كل عربي، أن أنظمة الريع النفطي في حالة من الرعب الهائل لأنها تخشى أن انتصار سوريا يعني سقوطها. هي انظمة معادية للقومية العربية بالمطلق. ولكن السنوات الأخيرة وضعت القوى في مواجهة واضحة.

 

دولة الكازينو

وهبوطاً من الوضع العربي إلى الوضع اللبناني، فقرار الاتحاد الأوروبي ضد حزب الله متطابق مع معسكر الثورة المضادة داخل لبنان. لبنان بلد عاش منذ سلخه عن سوريا كدولة رخوة باقتصاد يعيش على ريع السياحة وريع الدور السياسي كاقتصاد “كازينو” اعتاشت الطبقة الكمبرادورية فيه والطفيلية على المضاربات السياسية وخاصة الأمنية فكان لبنان ولا يزال يعيش على ريع السياحة ومنها الخليجية وعلى تمويل آت من الدول والقوى التي جندت لها شرائح طبقية وقوى سياسية لبنانية. فما من دولة ذات وزن إلا ولها في لبنان توابع وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا وبقية الغرب وحتى الكيان الصهيوني.

إن بلداً تحدد طبيعة حكومته بين الرياض وباريس وفي النهاية واشنطن، اي بين نظام الدين السياسي القروسطي وبين الإمبريالية الفرنسية والأمريكية لا يمكن اعتباره بلدا ذي سيادة.

 

بل إن بلداً يتحول رئيس الجمهورية فيه إلى كاتب تقارير إلى الأمم المتحدة ضد حزب سياسي في البلد وضد عروبة لبنان له أعضاء في البرلمان وشريك في الوزارة ليس دولة حقيقية.

لذا، لا غرابة أن نصف هذا البلد هو مقاومة ونصفه يستدعي الاحتلال والاستعمار بمختلف أشكالها وعلانية، وهذا في الحقيقة وضع بلد مأزوم وشاذ ويعاني من فصام هائل.

إن قراءة حتى عابرة للمشهد تبين ان المطلوب من لبنان اليوم أن يطعن الخاصرة السورية حتى لو انتحر. وعليه، أعتقد ان العدوان الأوروبي على حزب الله هو بالون اختبار لعدوانات لاحقة.

وفي هذا الصدد اعتقد أن المحللين اللبنانين والعرب الذين يتغنون بأن الغرب لا يريد تخريب لبنان ويدعم استقرار لبنان، هو خطاب نابع من تابع. فليس لبنان في حساباتهم سوى رحجة او اداة صغيرة يتم توظيفها حين يشاؤون ضد سوريا.

وهنا يحضرني حديث كثير من المحللين عن جون كيري حينما قبل بأنه سوف يحل محل هيلاري كلينتون بأنه صديق عائلي للرئيس الأسد وبأنه متفهم للأوضاع العربية. وفي هذا ايضا تسطيح للأمور يقود إلى تسطيح الوعي. فالإدارة الأميركية شأنها شأن اية سلطة في العالم، بل هي على وجه الخصوص ليست توكيلات لأفراد بل مهام محددة يقوم بها الشخص ذكر أو انثى ابيض أو اسود ضمن منظومة الدولة الدموية والتدميرية أي الولايات المتحدة.

لا رد بالمفَّرَّق والهدف سوريا

ليس صحيحا قراءة هذه الهجمة الأوروبية في سياق تاثيرها على حزب الله ولا على لبنان بغض النظر عن ذلك التاثير، وهو تاثير من جوانبه المكشوفة تواطؤ المجتمع المدني الغربي الذي لا يحتج على قيام أنظمته بهذا العدوان على لبنان، وبتزويد الإرهابيين بالسلاح لقتل الأطفال بل قتل سوريا ناهيك عن كل ما تفعله هذه الأنظمة في العالم، بينما على سبيل المثال نجد عشرات آلاف البريطانيين في نفس اللحظة يتجمعون أمام مستشفى وضعت فيه زوجة ولي العهد البريطاني مولودها وينشغل أل بي.بي. سي لساعات في توقع اسم الأمير الجديد، فاي افيون للشعوب واي شعب بهذا المزاج!

إن هبَّة الردود العاطفية لا تجدي، وهي محكومة بقانون الطبيعة بأن الأشياء التي تسخن بسرعة تبرد بسرعة. بل إن هذا تعاطٍ بالمفرق واللحظي والمؤقت مع حرب تاريخية بالجملة ومتعددة الرؤوس.

إن الهجوم على حزب الله في لبنان هو جزء من هجمة على سوريا تجددت سعوديا، والسعودية تحاول رشوة مصر بينما تعلن الحرب على سوريا كجزء من حرب امريكية صهيونية، وفي حين وقفت تركيا ضد سوريا وامتعضت من عزل الرئيس الإخواني مرسي، فإنها تحاول اليوم ترقيع العلاقة مع مصر لتقوية جبهة السعودية ومن ثم محاولة توريط مصر في هجمة الثورة المضادة ضد سوريا.ولا شك ان السعودية سوف تستأنف دور قطر في جامعة الدول العربية، في حين أن قطر قد يتم تحويلها لتخريب اليمن عبر شراء أمير قطر وعامله عزمي بشارة للرئيس السابق (الماركسي) لليمن الجنوبي علي سالم البيض لفك وحدة اليمن بغض النظر عن طبيعة النظام هناك،. لقد كشفت تقلبات علي سالم البيض عن شخصية بدوية قبائلية تآمرية لم تبرح ثقافة القبيلة. وهذا طبعا قد يقود إلى هجوم على الحوثيين مما قد يقود إلى انفصال آخر. ولا حاجة لمسح كافة الحروب التي تُشن على كامل الأمة العربية.

بيت القصيد هو أن المطلوب استراتيجية شاملة تعتبر أن هذه الأمة قيد الاستهداف المطلق والمتواصل، وهذا لا يمكن مواجهته إلا بدخول الشعب العربي في أتون الحرب وبشكل يومي ومتواصل إذا كان هناك حرصاً على الوجود.

يبقى في هذه الجزئية (العدوان الأوروبي) أن أوروبا ليست مرغمة وليس السبب تبعيتها للولايات المتحدة بقدر ما أن السبب الأساس هو مصالحها التي في الوطن العربي، وكذلك حرصها على أن تأخذ نصيباً من نتائج “انتصار” الثورة المضادة لاحقاً، إن حصل. وإن لم يحصل فهي تعلم أن نتيجة الانتصار العربي في سوريا هي ضد مصالحها لأكثر من سبب:

  • فسوريا الجديدة، كي تكون جديدة لا بد من أن تغادر نظام السوق الاجتماعي
  • ولا بد أن تعيد بناء علاقتها مع لبنان كجزء من سوريا يتوقف عن التآمر عليها وذلك ضمن الاستعادة التدريجية الديمقراطية له ولبقية سوريا الطبيعية على الأقل.
  • ولا بد أن يكون مشروعها القومي مواجهة القُطريات العربية.

وهذه فرادى وجماعياً ضد المصالح الأوروبية في الوطن العربي أو هي مواجهة للعدوان الأوروبي على الأمة العربية ممثلا في مصالح اوروبا أي الدور والعلاقات النهبوية سواء مباشرة او بالتبادل اللامتكافىء القائم على تبعية واضحة. ناهيك أن كل هذه ضد الكيان الصهيوني الإشكنازي الذي هو حامي هذه المصالح (القواعد الاقتصادية).

وهكذا، فإن اشتراك حزب الله في إنجاز انتصار القصير هو أبعد مما يسمى تدخله في سوريا، فهو بداية إعادة لبنان إلى سوريا. وهذا ما تخشاه أوروبا قبل أمريكا لأن تراثها الاستعماري الدامي في سوريا ولبنان أكثر عمقا دمويا من الاستعمار الأمريكي.

إن أي موقف مرن أو لائم أو متشكي من عدوان أوروبا هذا هو دليل العجز عن الخروج على استدخال الهزيمة. ولا خروج إلا بالسيف.