العميد د. امين حطيط
في ذكرى نعتبر بالنسبة لاسرائيل الاسوأ و الاقسى عليها في تاريخها منذ اغتصابها لفلسطين منذ نيف و ستة عقود، اتخذ الاتحاد الاروبي قرارا يصنف فيه الجناح العسكري لحزب الله كيانا ارهابيا، فجاء كان القرار بمثابة الهدية لاسرائيل تراكم ما تم تعويضه عليها في قرارا مجلس الامن 1701 من مسائل عجزت عن تحقيقها في الميدان عندما تصدى حزب الله – الجناح العسكري – اي المقاومة التي نظمها حزب الله تصدى لها في هجومها و منعها من تحقيق اهداف العدوان موقعا بها هزيمة نكراء اجبرتها على اعادة النظر في الكثير مما ارست عليه استراتيجتها و عقيدتها العسكرية الى الحد الذي جعل المؤرخين العسكريين و الباحثين الاستراتيجين في الشأن الصهيوني يميزون بين اسرائيل و جيشها و هيبته قبل العام 2006، و حال اسرائيل و متعلقاتها هذه بعد حرب اسمتها هي “حرب لبنان الثانية “.
اذن في الذكرى السابعة للحرب تلك جاء القرار الاروبي ليعاقب من هزم اسرائيل و يلاحقه بتهم لا تمس للواقع بصلة، و يفتري عليه بتلفيق لا يستند الى دليل و لا تؤكده قرينة، فقط الارادة الاميركية و الصهيونية و الاموال الخليجية كانت السبيل و المتكأ و الدافع الى هذا القرار. و الان و بعد اتخاذه يطرح السؤال عن مفاعيله و عن قدرته على تحقيق ما تصبو اليه اسرائيل او ترميه اليه عبره.
بداية لا بد من الاشارة الى التناقض الفض الذي انطوى عليه القرار الذي جاء و كأن من اتخذه منفصل عن الواقع، لا يعرف لمن يتوجه و عن اي شيء يتحدث. اذ انه يذكر الجناح العسكري في الحزب و ينسى اصحاب القرار ان الحزب ليس دولة لها مرافق مدنية و عسكرية بل هو نشأ في الاصل مقاومة في الميدان و هذا الامر هو النواة و المبرر لوجوده، ثم راح الفضاء التكويني للحزب يتوسع بمقدار ما تستلزم المقاومة ذلك، و بالتالي فان كل فرد في حزب الله و مهما كانت صفته و وظيفته انما هو مقاوم في الاصل، و يتولى العمل المقاوم في قطاع يخدم تلك المقاومة بشكل تكاملي عبر توزيع ادوار حذق بين الجميع، ليصل الى بلورة تلك االمقاومة التي باتت اليوم رقما صعبا، ليس في المعادلة اللبنانية فحسب، بل في المعادلة الاقليمية المنفتحة على التأثير الدولي. و لو لم يكن امر تنظيم الحزب هكذا لما تمكن من تنظيم تلك المقاومة التي غيرت مسار الاحداث في المنطقة و عطلت على اميركا في العام 2006 سعيها لاقامة شرق اوسط جديد تثبت عبره النظام العالمي الاحداي القطبية. و باختصار نقول ان كل من في حزب الله و بحسب قدراته و سنه هو مقاوم في الميدان او في خدمة المقاومة الميدانية و لا يكون معنى بعد هذا التوضيح، التمييز بين جناح عسكري و حناح مدني. فحزب الله كُلٌ متكامل فهو مقاومة و كل من فيه في خدمتها.
فاذا كان الواقع هكذا فان سؤالا يطرح مباشرة عن معنى تضمن القرار بالنص، او بمواقف لاحقة تؤكد التزام الاتحاد الاروبي بالعمل و الحوار مع كل الاحزاب اللبنانية بما فيها حزب الله، ثم تأكيد الاتحاد عبر سفيرته في لبنان بان الاتحاد سيعمل مع اي حكومة لبنانية تشمل في عدادها وزراء من حزب الله، و هنا مكمن التناقض الذي اشرنا اليه. فاذا كان حزب الله ارهابيا فكيف ستجتمع في الان ذاته الملاحقة و العقاب، مع الاتصال و الحوار معه ؟ و هو امر في في غرابته لا يترك مجالا الا لتفسير واحد و من شقين : الاول ان الاتحاد اتخذ قرارا لم يكن مقتنعا به و جاءت ارادته الظاهرة خلافا للباطنة، و اعتمد نصا يمكنه من العمل بما يريد حقيقة، و الثاني هو ان الاتحاد الاروبي الذي يتطلع الى دور في المنطقة يعرف تماما اهمية لبنان كباب رئيسي من ابواب المنطقة اولا ثم انه يدرك و من تجربة ليست بعيدة في التاريخ، ان حزب الله بذاته و بفضائه، له من القوة و الفعالية في لبنان ما يجعل امر تجاوزه او تهميشه مسالة مستحيلة، و بالتالي من اراد ان يعزل حزب الله في لبنان فانه قد يعزل نفسه و حزب الله لا يهتز. هذه هي التجارب منذ العام 2005 و حتى الان و من لديه شك من اروبيين في ذلك فما عليه الا ان يسأل اتباعه في لبنان او اسياده في اميركا فعندهم الخبر اليقين.
و بعد هذا التأكيد على ان فعالية حزب الله و قوته كحزب او مكون مؤثر من مكونات محور المقاومة، فعالية لا تتوقف عند اعتراف الاتحاد الاروبي به او الحوار معه كمقاومة، بل انها مفعالية مستمدة من عقيدته و مما امتلكه من سلاح و حاز عليه من جمهور تخطى حدود لبنان، و مما انتظم فيه من محور بات يشكل مجموعة استراتيجية تحتل مقعدها الذي لا يتخطاه احد في النظام الاقليمي اولا و في النظام العالمي الذي يتسارع تشكله من الرحم السوري. و على هذا يكون من نافل القول التأكيد بان المقاومة التي يقودها حزب الله لن تمس و لن تتأثر بهذا القرار كما انها لم تتأثر سابقا عندما اتخذت اميركا ما هو اسوأ من هذا القرار، فلا تخدع اسرائيل نفسها و و تبني على وهم ثم تغامر في شأن تندم عليه.
و بعد هذا يبقى ان نلقي الضوء على ما يمكن ان يكون لهذا القرار من اهداف او تداعيات او تأثير و ابداء ملاحظات حولها و نذكر ما يلي:
1) قد يبرر الاتحاد الاروبي قراره برغبته في الضغط على حزب الله للتراجع عن قراره بالمواجهة الدفاعية التي يقوم بها في سورية، و هنا سيهزأ حزب الله من هذا التبرير لان الحزب ليس من عادته الارتجال، و هو لو لم يجد مصلحة مؤكدة للمقاومة بان تكون حيث هي في سورية لما كان فعل، و بالتالي لا قيمة للمحاولة الاروبية في هذا المجال.
2) قد يقنع الاتحاد الاروبي نفسه بان القرار سيكون هدية استرضاء لاسرائيل و اميركا من اجل ان يخصصاه بمقعد ما على طاولة التسوية- التصفية القضية الفلسطنية، و هنا نقول ان اميركا التي لا تؤمن بحلفاء و لا ترى الا اتباع و تنظر الى اروبا على اساس انها القارة العجوز، لن تمنح هذه العجوز اي فتات من مائدتها مهما حصل.
3) لدى تطبيق القرار ستحاول اسرائيل و مع صعوبة الفرز بين المدني و العسكري و على اساس مبدأ خذ و طالب ستحاول ان تضغط على دول الاتحاد من اجل تطوير القرار ليشمل كل من ينتمي الى حزب الله او حتى يؤيده قلبيا كما تصرف مجلس التعاون الخليجي، و هنا ستكون دول الاتحاد منفردة او الاتحاد مجتمعا في عملية تجاذب و ابتزاز تمارسه اسرائيل و لن يكون الامر في مصلحة الاروبيين و كرامتهم.
4) سينشئ القرار بيئة غير ملائمة للقوات الاطلسية العاملة في اطار اليونيفل في جنوب لبنان، ما يشجع القوى التكفيرية على المس بامنها، و من الطبيعي اذا كان احترام للقرار او احترام للنفس ان يمتنع ضباط اليونفل الاروبيين عن الاتصال بمسؤولي الامن و الارتباط في حزب الله، لانه وفقاً لمنطق القرار يعتبر هؤلاء من الجناح العسكري الذي ينبغي ملاحقته فكيف يكون الاتصال بهم اذن ؟… اذن لن يكون اتصال، و سيرتد الامر سلبا على تلك القوى.
5) اما عن الاثار السلبية المباشرة التي قد تلحق بحزب الله و افراده من هذا القرار، فقد يمكن الحديث فيها عن تأشيرة دخول الى بلدان الاتحاد تحجب عن هذا، او اقامة لا تمدد لذاك، او عرقلة تحويل مصرفي من ذينك، و كلها امور بسيطة يمكن تخطيها من قبل من نذر نقسه للدفاع عن وطنه و دينه حتى و لو كلف الامر دمه و روحه.
6) و اخيرا لا بد من الاشارة الى ما يمكن ان يكون قد تشكل من مشاعر الشماتة و الانتصار لدى ” جماعات 14 اسير- اذار ” ما سيسهل استئثارها و تفردها – كما تظن- بالقرار السياسي الداخلي في لبنان، و هنا نقول، و رغم ان الامر يثير السخرية و يظهر خفة اذا حصل، ان المقاومة و بعد ان باتت ركنا من اركان الوطن،فان احدا من الداخل او الخارج لا يمكنه عزلها تجاوزها او ان يفرض عليها ما لا تراه في مصلحة الوطن…و حذار الخطأ و سوء التقدير.
::::
“البناء”