عادل سمارة
لو حاولنا رد القراءة النفسية لدى المفاوض الفلسطيني (وأقصد هنا كل من هو مع التسوية من راس سلطتي رام الله وغزة وحتى الموظف في حراسة مدرسة ابتدائية) أو محاولة قراءة مشاعره: لماذا هو مع المفاوضات؟
لا يمكن إيجاد الإجابة على ذلك سوى في ثلاثة مرتكزات:
· تجربة المقاومة التي لم تتحول إلى ثورة مهما زعم الكثيرون
· الوصول لقناعة لدى هذا المستعمَر بأنه لا يمكنه إلحاق الهزيمة بالمستعمِر
· وانتقال حاله من مقاوِم فقير متقشف إلى متلقي ريعا ماليا دون عناء، وهو ريع يبدأ
بارقام فلكية بلا حساب (هنا كبار السلطة وكبار الأنجزة طبعا الأنجزة تعتبر نفسها يسارا وخاصة من يتلقون من يسار أوروبي هو جزء من أنظمة عنصرية بيضاء وداعمة للكيان، وبوست مودرن وخاصة من يزعمون بانهم يوزعون علينا “حلوى” الدمقرطة وثقافة الفردانية التي تناقض المقاومة). هذه هي طبقة الريع تبدأ من الحيتان والقطط السمان أو البطات السمان وتنتهي عند راتب حارس لم يكن يعمل اصلاً. ولكي لا نتورط في موقف عير شيوعي علمي، فهذه البنية هي بنية شعب وليست طبقة واحدة وكأننا أمام حالة غريبة (مراتبية طبقية للسلطة من راسها إلى قاعها) ومراتبية مجتمعية طبقية ايضا خارج السلطة؟ هل عرفتم إذن لماذا قال الراحل شفيق الحوت: هذه اللسطة حيوان غريب!!! وهل عرفتم كيف يستحيل بناء مشروع مشترك من هذا الخليط العجيب!
هذا الريع لم يكن ليأتي بدون مؤتمر مدريد وجلساته العشرة لفريق واسع من عشاق التسوية والاعتراف بالكيان الذي يبهرهم حتى الصهينة ثم اتفاق أوسلو وبروتوكول باريس (وهذا ما نعلمه كعاديين).
هنا يتداعى الزعم النفسي، وينسحب فرويد تاركا المجال للاقتصاد السياسي، اي لماركس.فحيث عجزت المقاومة عن التحول إلى ثورة، واتحصرت في قطرية فلسطينية افتراضية، وطلَّقت العلاقة بقوى التحرر العربية المأزومة طبعاً، وألحقت نفسها بانظمة الجامعة العربية…الخ هنا وجدت قيادات المقاومة أن حكما ذاتيا يمكن ان يوفر دخلا مالياً دون استقلال فما بالك بالتحرير. وحين تدعم هؤلاء برجوازية كمبرادورية ومقاولاتية ترعرعت في الخليج والسوق العالمي، يصبح الاستقلال من نافلة القول لبرجوازية غير إنتاجية لأنها ليست بحاجة للسوق الوطني الذي نظَّر له ماركس. بل إن اقتصاديي التسوية من أمثال رجا خالدي هتفوا لهذه السلطة وحتى لوحدة مع اقتصاد الكيان(انظر ورقته الى مؤتمر الاقتصاد الفلسطيني اربعون عاما على الاحتلال اربعون عاما من احبط التنمية، بإشراف ماس، 4-5 كانون اول 2007) وحين انكشف موقفهم على تهافته انثنوا ينهشون الذي طبق النيولبرالية –سلام فياض- وكأن ما فعله ليس الوليد الطبيعي لما وضعوا في رحم البلد أي تقويض مواقع الإنتاج.
هذا الواقع الذي حاصر مواقع الإنتاج بما لا يختلف عن حصار الكيان ووافق على ان يكون اقتصاد الضفة والقطاع محيطا لاقتصاد الكيان وهو واقع يقوده كوادر م.ت.ف التي “زهقت” الفقر والتقشف والسلاح، وذاقت طعم الفلوس الكثيرات، ولذا لا يمكن إلا أن تفاوض، وها هي تفاوض.
بالمقابل، فإن حركة حماس كما يقول المثل العامي (أكَّال نكَّار) فهي قد تورطت في أوسلو من الباب الخلفي حيث دخلت الانتخابات لما يسمى تشريعي وأمسكت السلطة وبقيت تزعم أنها ضد أوسلو والاعتراف بالكيان، وكأن من يقبل ب “ديمقراطية” بيرس وكارتر هو ضد الكيان. ومنذ حينها بقيت حماس في نفس الاتجاه تحميها وتظلل عليها بنادق المقاتلين إلى أن فتك بها حمد امير قطر واقتصاد الأنفاق الذي ثبت أنه أغزر من “الأنفال” فأمرعت منه وتمولت قيادات حماس وبرجوازية غزة مما ولد عشرات المليونيرات (وأمرع وتمول مأخوذة من بيت شعر لعروة بن الورد ولكن في مقام اشتراكي:
(اقول لأصحاب الكنيف وقد غدوا…كما الناس لما أمرعوا وتمولوا)
ولذا، فالمزايدة على أهل اوسلو-ستان ليست الآن في محلها إلى أن تعلن حماس أموراً ثلاثة على الأقل وتمارسها :
· الأول: أن لا مشاركة في اية انتخابات رئاسية أو لمجلس الحكم الذاتي
· وطلاق قطر والعودة إلى حزب الله وسوريا وإيران، اي العودة إلى أهل الله.
· وتحرير أموال الأنفاق لتعاد كأنفال غلى أهل غزة.
آمل أن لا يكون هذا المطلب كمطلب الزير سالم بأن يُعيد قوم جساس أخاه كليب حياً.