إنها اوروبا … ولن تتغير !

عبداللطيف مهنا

لم يأتنا الأوروبيون بما لانتوقعه منهم . التاريخ ، وقرونه الأخيرة على وجه الخصوص ، وما نعهده منهم في راهننا وإياهم ، وازاء مختلف أوجه علائقنا المتشابكة بهم ، يقول لنا هذا . إنه بعض ما تتجلى انعكاساته جليةً وتتجسد في كافة المواقف الأوروبية حيال كافة قضايانا صغرت أم كبرت ، وما يمكن أيضاً سحبه بلا تردد على مستقبلنا وإياهمهم . والخطوة التي خطاها الآتحاد الأوروبي قبل أيام بقراره وضع حزب الله ، أو ماسماه “جناحه العسكري” ، على قائمة الارهاب ، ليست نشازاً عن سالفهم اتجاهنا ولن تختلف خطاهم اللاحقة في قادم الأيام . وهي حَرية بأن لاتفاجىء أحداً ، بل لعلها الخطوة التي قد تأخرت احتساباً لااتخاذاً وحان الآن حين الاقدام عليها . كانوا يناقشونها ويتجادلون حولها ويختلفون ليتوافقوا عليها منذ أمدٍ ليس بالقريب . سرَّعها اليوم أيعاز الأمريكان بها ، ولا فرق أن قلنا ضغوطهم ، أو إملاءاتهم ، أو اوامرهم ، فلعل من ثابت الأوروبيين ذيليتهم المزمنة والمستدامة لأميركا المتصهينة حد النخاع . هذه الذيلية التي يتسترون أحياناً على عورتها القبيحة بغلالاتٍ ، تدعو للسخرية ، من ضروب النفاق والتدليس المعهود منهم ، وربما في احايين قليلة بما لايتجاوز بادي التبرم الذي يقترب من المخالفة ولا يزيد على قليل الاختلاف .

لم تشب هذه الذيلية شائبة منذ أن تصدرت الولايات المتحدة المعسكر الغربي ودانت القارة العجوزلسليلتها الآتية من رحمها الإستعماري ، وبات لغرب الأطلسي الكلمة الأولى في معسكر ضفتيه الإستعماريتين . نعم كان هناك بعضاً من نزر النشازات لكنها ماكانت لتدوم ، كالحالة الديغولية إبان مرحلة صاحبها لامن بعده ، كما لايفسد النزق الفرنسي المكابر وقصير النفس أحياناً مسارها ولايعني خروجاً من بيت الطاعة ، إذ لايبعد في نهاية الأمر عن سنة الإلتزام البريطاني الراسخة بالإقامة الدائمة فيه . تصل الأمور أحياناً حد أن يكشف الأميركيون أنفسهم عن تجسسهم الفج على مؤسسات حلفائهم الأوروبيين ، كفضيحة “سنودن” مؤخراً ، فيغضب هؤلاء وتثور ثائرتهم ولاتلبث وأن تستكين ، أي يبتلعوها ويلوذوا بالصمت ويوالوا طقوس الذيلية إياها …

في الخطوة العدائية الأوروبية اتجاه المقاومة اللبنانية تنسجم القارة الشمطاء في ارذل عمرها أيما انسجامٍ مع روح استعماريتها التاريخية ويغلب عليها حنينها الذي لايفارقها لمواصلة عدوانية أمجادها العتيقة الآفلة . إنها تأتي في سياق الحرب الغربية ذات النكهة الصهيونية الدائمة على القوى الحية في أمتنا العربية ، واحتشاداتها الدولية والإقليمية الباغية المستهدفة لكل قوى الصمود والممانعة فيها والمحاولات المستميتة  لشيطنتها ووصمها بالإرهاب ، ولاتشذ عن مساعي حقن مواطن الضعف والبيئات الإنهزامية فيها بأمصال نشر الوباء الطائفي ورعاية استشراءه في اطنابها ، كما لايمكن فصلها عن الحرب العدوانية على سورية الدور والمواقف والدولة والوطن والمجتمع ، ولايمكن عزلها عن مايعدونه الآن من خطوات تصفوية للقضية الفلسطينية … لايمكن فصلها ولا عزلها عن ديمومة اللوثة الإستعمارية الأوروبية المعتَّقة والذيلية الراسخة للمركز الإمبريالي المتصهين والتزاماته اتجاه ثكنته الصهيونية المتقدمة في قلب وطننا العربي … عن محاولات التغطية على جرائم الغرب الكبرى المستدامة في اربع جهات الكون ضد الشعوب والأمم المستضعفة وتبريرها . وما قسمتهم لحزب الله إلى جناحين سياسي وعسكري إلا طرفة وقحة وسخيفة لايقبضها حتى مبتدعوها أنفسهم ، ولاتنسجم مع كون هذا الحزب في جوهره هو حركة مقاومةٍ ، أو كما يقولون بحقٍ ، مقاومة لها حزب ، وليست حزباً له جناح عسكري ، وما قرارهم بشأنه إلا استهداف لهذه المقاومة ، ومحاولة لقوننةٍ ذات بعدٍ دوليٍ زائفٍ لأي عدوانٍ صهيونيٍ قادم على لبنان ، يبرر بتصويره استهداف لإرهابٍ وليس لشعبٍ ومقاومته . إنه أمر لايستره النفاق الأوروبي المتبدي في أنباء التهافت على التقاء رسلهم بالحزب درءاً لاستعدائه ، وتحت وابلٍ من ملتبس التصريحات ، وهمس التطمينات ، بغية ذر الرماد في العيون اللبنانية المختلفة الرؤية ، والتي لايخلو بعضها من الحول وتعمي كثيرها ظلمة صيغته الطائفية المستحكمة .

… وهذه الخطوة غير المفاجئة والمتوقعة ، والتي تأتينا من أكثر الجهات الكونية تشدقاً باصطلاحاتٍ من مثل ، السلام ، والديموقراطية ، وحقوق الإنسان ، والعدالة الإنسانية ، لكنما مع ترجماتها التي تُمارس فيها الإنتقائية والمعايير المزدوجة والكيل بمكيالين ، أو مايتفق مع المصالح دائماً وليس مع مايطرحه أصحابها من مزعوم القيم ، تشكل مجرد إضافةٍ غير ذي بالٍ لسجلٍ أسود لهم حيال كافة قضايا أمتنا العربية العادلة كبرت أم صغرت ، وتكشف عن صهينةٍ راسخةٍ مستحكمةٍ بمسطِّريه وأساس لكافة مايزخر به هذا السجِّل الأسود المتضخم … لم تأتِ أوروبا لنا بجديدٍ لم نعهده منها ، وفي هذا الزمن العربي المشوَّش المشوَّه والضبابي ، الذي لازال يرفل في ردائته بعد ، لعل ماسيأتينا منهم بعد لن يكون إلا في خانة الأعظم .