الحياة مقاومة وليست مفاوضات
عادل سمارة
أما نساء كومونة باريس فقد كتب عنهن احد الرجعيين:” إن أولئك الهاربات من شغل البيت كن يتقمصن جان دارك بكل جدية. ولم يكن ليترددن في مقارنة انفسهن بها… وخلال الأيام الأخيرة صمدت تلك السليطات المولعات بالقتال أطول مما فعل الرجال خلف المتاريس”
كان هذا المقطع هو أول ما تبادر لذهني حينما كان الشباب والصبايا يدفعوننا وهم يتدافعون لمواجهة شرطة الحكم الذاتي بشجاعة. لعل أحد أوجه الشبه بين هذه المعركة الصغيرة وكميونة باريس هي أن كلتيهما ضد انظمة يرجوازية تواطئت مع المستعمِر، تيير في فرنسا وعباس في الضفة الغربية.
هذه التظاهرة بادرت لها الكوادر الشابة من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وجزء من الحرس القديم (من كان يسميهم الحكيم مازحاً ثوار 1936) رفضاً لقرار سلطة الحكم الذاتي بالعودة للمفاوضات مع الكيان الصهيوني الإشكنازي. فقد قررت الجبهية الشعبية (ماركسية-لينينية) تبني الشعار المشتق من النضال الطويل ضد الكيان الصهيوني الإشكنازي وهو: “الحياة مقاومة لا مفاوضات، ولينتهِ استدخال الهزيمة”. لقد تحدى الشباب والصبايا الماركسيون شرطة سلطة الحكم الذاتي الذين كانوا مجهزين ومدربين تماماً على يد إمبريالية الدم /الولايات المتحدة. كانوا قرابة 3000 من النساء والرجال: شباب، وحرس جديد ورفاق بعثيون وبعض قادة حماس.
إنها التظاهرة الأولى من نوعها. فهي ليست مباشرة ضد وجود الكيان الصهيوني الإشكنازي، والاحتلال ومصادرة الأرض. وليست ضد التضخم والارتفاع الجنوني للأسعار، والفقر. إنها ضد السلطة الفلسطينية. فهي الحدث الأكثر مباشرة والذي يتحدى أوسلو-ستان، يتحدى أسس وجود هذا النظام التابع.
إنه مجرد البداية الأولى ضد اوسلو-ستان. وهي تمثل الانقسام الفعلي للمجتمع الفلسطيني إلى معسكرين: ضد ومع المفاوضات. إنها تجديد لحرب الشعب طويلة الأمد (شعار ماوتسي تونغ) ترفعه الجبهة الشعبية كموقف فعلي يتكون من الوطنية، والعروبة والأممية، النضال ضد الثورة المضادة بما في ذلك جزئها في فلسطين.
هذا هو الفارق الأساس بين الصراع الداخلي بين طرفي اليمين الفلسطيني فتح وحماس، الصراع على السلطة. إن الفارق بين الفريقين ضئيل. فالمستوى الطبقي لقيادتي الفريقين هو من شرائح البرجوازية (الكمبرادور، والطفيلي والفاسدين والتجار والبيروقراط). بينما ميليشيا الطرفين هم من الطبقات الشعبية. إن قيادتي المنظمتين تتفاوض للمصالحة فيما بينهن منذ سبع سنوات، وهذا إذا ما اخذناه بالاعتبار يجعل التفاوض بين سلطتي الكيان والحكم الذاتي منذ عشرين سنة أمراً مفهوما وفترة ضئيلة.
إن الحدث هو توجه جديد ضد اسس وجود سلطة الحكم الذاتي وسياساتها التفاوضية. إنها الرسالة الأولى إلى الولايات المتحدة كقيادة للعدوان ضد الشعب الفلسطيني.
قد يحاول البعض استغلال هذه الحالة بالقول إن سلطة الحكم الذاتي سوف تستخدمها في تقوية موقفها في المفاوضات. ولكنني اشك في هذا. إن هذه الحالة هي نقطة تحول وخاصة إذا ما تواصلت.
ما لا بد من ذكره أن هناك مقدمات لهذا الموقف العالي. منها صمود معسكر المقاومة والممانعة لحزب الله وسوريا وإيران، وانتصار العراق، والتظاهرات في الضفة وغزة تأييدا لسوريا والتي بادرت بها اللجان الشعبية للدفاع عن سوريا منذ بداية العدوان على سوريا، وحركة طلبة جامعة بير زيت في طرد وإهانة القنصل البريطاني، وثورة عشرات الملايين في مصر في 30 حزيران هذا العام، كل هذه حوافز دعم روحي وشحنا مباشراً للوعي السياسي والطبقي للطبقات الشعبية. إنه طبقي، لأنني لم أرَ اي برجوازي فرد في التظاهرة. إنها حالة تشبه الثورة الثقافية في الصين الشعبية، اي طلبة وشباب من الجنسين، حرس ثوري جديد. لعل الفارق هو في أن الثورة الثقافية في الصين الشعبية كانت سياسية اجتماعية، وهي هنا وطنية.
لقد غطى الإعلام هذه التظاهرة تماما، ولكن لا شك أن بعض المراسلين كان يجهز تقريرين: واحد للشرطة في كل من سلطة أوسلو-ستان، والكيان الصهيوني والولايات المتحدة والأردن، وآخر لمحطته.
لقد جُرح بعض الشباب واعتقل البعض، ولا شك ان آخرين سوف يُعتقلون في الليل والبعض سيحول إلى مخابرات الكيان الصهيوني.
والسؤال الذي قفز إلى ذهني،لا باس :
- فالموجات الأولى للمقاومة الفلسطينية للاستيطان الصهيوني وحتى إقامة الكيان الصهيوني 1948 كانت شعبية وشبه منظمة ونضالاً عفوياً. وهنا يجب عدم تجاهل حقيقة ان الصهاينة ما كان بوسعهم التدفق استيطانيا إلى فلسطين لولا تسهيلات وحماية وتسليح وتدريب ودفاع الإمبريالية الغربية عنهم إلى حد القتال أحيانا نيابة عنهم.
- في أعقاب احتلال 1967 للضفة والقطاع لباقي فلسطين فإن القيادة للنضال الوطني قد سقطت في ايدي يمين منظمة التحرير الفلسطينية وهي القيادة التي تواطئت لاحقا مع الأعداء وأصبحت جزءاً من الثورة المضادة.
- إثر ذلك تصدرت النضال قوى الدين الإسلامي السياسي (حركة حماس خاصة) ولكن حركة حماس فشلت في أول درس اختبار قومي حيث خانت قيادتها الدولة السورية نظامها القومي وانحازت إلى الثورة المضادة وخاصة إلى قطر وتركيا والسعودية بقيادة الولايات المتحدة وكل ذلك في خدمة الكيان الصهيوني.
- والتحدي الآن هو: إلى اي حد يمكن لتيار وطني عروبي ماركسي بأن يقود الموجة الجديدة للعمل الثوري.
إذا ما تمكنت الجبهة الشعبية من تثوير اللحظة، فإنها سوف تعوض واجبا قديما متراكماً حلم به كثير من العرب الذين تدربوا في قواعدها في الأردن وبيروت حيث توقعوا منها تشكيل تيار عروبي ماركسي.
إن ما يجري في سوريا ومصرهو بداية ثورة عربية، فهل نحن جاهزون لنكون جزءاً منه كي نستعيد الربيع العربي الحقيقي الذي نبت وتم الغدر به في فلسطين.
28 تموز 2013
صفحة الكاتب على الفيس بوك