حزب الله توسيع الأبعاد من توسيع الأفق

عادل سمارة

 

ربما كان هذا الحديث لسماحة السيد هو الأوضح في ما قد سمعت منه، وكان لا بد من وضوحه كي لا تتناقض مكوناته. وأعتقد أنه أقرب إلى الحديث الداخلي في الحزب، وآمل ذلك لأن لتطابق التثقيف الداخلي مع الحديث للناس دلالات تفوق اللغة إلى المواقف.

في حديث سيد المقاومة نرتكز على صدقه حتى قبل دقة التحليل.

لقد كسر الحديث حاجز التساؤلات وخاصة هل لهذا الحزب بعده العربي؟  طبعا له بعده اللبناني من حيث وجوده المواطني هناك وجوده الفيزيائي وتحويل ذلك الوجود إلى حضور عالي الفعالية. ولا ننسى أن القاعدة الشعبية لحزب الله ليست من الطائفة وحدها، وهي على اية حال الطائفة التي كانت عرضة للاستغلال وحتى للاضطهاد مما جعل نهوضها إثارة مرة لحفيظة البيكوات والبرجوازية والمتخارجين غرباً.  فقاعدة هذا الحزب مؤهلة لتكون وطنية ولتكون حتى طبقية.

أما في المستوى القومي فطالما تم التركيز من الثورة المضادة على عدم عروبة هذا الحزب، لكن خطاب الأمس كان الأكثر وضوحا. هل الحزب هكذا اساساً، أم أن التجارب تفتح آفاق التطور للباحثين عن التطور، ليس المهم هذه او تلك بل المهم اين تصطف أنت الآن. والأهم فإنه لا يمكن ان يدافع عن القدس بدون البعد العربي او العروبي. ولا يمكن أن ينخرط في الدفاع عن سوريا الأموية دون أن يكون عروبياً.

ربما هذه من الحالات القليلة التي تجاوز السيد الجغرافيا التي كانت تكبله. ففي مرات عديدة سابقة كان الرجل يتحدث عن تحرير أرض لبنان وبأن سلاح المقاومة باق حتى تحرير بقية أرض لبنان. لكن هذ المرة نقل السيد التثقيف الداخلي إلى الحديث الجماهير، اي أن هدف الحزب تحرير فلسطين. ولا شك أن منطق الأشياء والأطروحات يتطلب ذلك بمعنى أنه : لا معنى ليوم القدس بالحديث عن عشق القدس بل عن تحريرها. وهذا برايي المتواضع هو تطوير في الموقف وهوتطوير علينا نحن الفلسطينيين وكل العرب نقله إلى معناه الحقيقي، اي التحرير والعودة وليس العودة بالترجي والتفاوض. ولا شك أن السيد كان يرد لا مباشرة على رئيس الدولة اللبنانية الذي يرفض علانية سلاح المقاومة. وقد يكون وراء حديث رئيس الدولة التحريضي وخاصة في يوم الجيش همسة فرنسية بان امريكا قد تطلب من الكيان إخلاء مزارع شبعا وكفر شيبا كي يصبح نزع حزب الله مبرراً. وهنا تدخل معادلة القومية والقطرية وربما هذا ما حرص السيد على الإيماء إليه ذلك بعد أن جسده في القصير والوقوف مع سوريا. وبوضوح، فإن السيد لم يحصر موقفه من القدس في القدس والمسألة الدينية بل في المسألة العروبية ضد الاغتصاب.

لقد داهم السيد طوائف ومذاهب العرب والمسلمين على حين غزة، فتساقطت مشايخ الفتنة وجهاد النكاح تحت اقدامه حين فتح الباب أمام حماس للعودة. مؤكداً أن الأساس اين يجب أن يقف من يؤمن بتحرير القدس، وبان علاقات النضال ليست ثارية وليست مما يميل مع الريح حيث تميل، بل هي الموقف الثابت على الثابت ودائماً، موقف كربلائي بلا مواربة.

لعل في هذا درس لكل من أشغله وانشغل بالنضال بأن الحياة مقاومة وبأن استدخال الهزيمة لا يصمد أمام المقاومة وبأن المقاومة ديمومة والاستدخال يمكن تنظيفه وشطبه. نعم فالمناضل لا يتقاعد ولا يتعب، قد تختلف أدواته. جدير ان نشير إلى أن من لم يقم بمذبحة ضد عملاء الصهيونية في لبنان بعد التحرير هو جدير بفتح صفحة جديدة.

لم يتردد الرجل في تاكيد الهوية الشيعية سواء مذهبيا أو نضالياً، وليس أعلى من الوضوح. فحين الوضوح يكون كل أمر على طالة البحث والنقاش والتحديد.  وإعلان هذه الهوية يندرج في مسألة أوسع هي تأميم القدس وتأميم فلسطين. وهذا يسحب البساط المتهالك من تحت أقدام من يفاوضون على القدس وعلى فلسطين ويؤسس لهدم ما قد يوافقوا عليه.

ربما هنا التحدي الأساس والأكبربأن هذا ليس لكم والقدس ليست لكم، بل هذه مملوكة على وجه الشيوع. إن الغدر بالنضال على مدر قرن والغدر بالانتفاضة الأولى عبر توقيع اتفاق أوسلو-ستان، لن يتكرر هذه المرة.

نعم ان التجارب الطاحنة توسع الافاق، ولكنها تزيد حذر الأعداء.

بقي أن اختم بأن ربط الأبعاد الوطني والقومي والعالمي بما فيه الإسلامي هو مقاربة لما كان يطرحه الحكيم قبلا، وهو قريب من مدرسة الفيدلية والبوليفارية الحاليتين.

هل نصل بالطرح إلى الوطني اولا والعروبي ومن ثم الطبقي والأممي؟

لن نستبق التطورات، ولكن ما قيل جميل وكاف، ويكفي انه نسف التطبيع دون أن يذكره.