عبداللطيف مهنا
أعادت الحاضنة الأميركية المحتلين الصهاينة والأسلويين الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات . انطلقت مسيرة هذه العودة ، إلى مافوق الطاولة ، وهي التي لم تنقطع يوماً من تحتها ، أو كانت تدور تحت مسمياتٍ عدةٍ ، من قبل “استكشافية” ، أو “تقريبية” ، وإلى ماهنالك . أعيدت رسمياً في احتفاليةٍ بدأت بإفطارٍ رمضانيٍ أميركيٍ ، وأعلن راعيها كيري بأن متعهد شؤونها ، وفي أي مكانٍ تحط رحالها فيه من بعد ، هو الصهيوني الغني عن التعريف مارتن انديك ، وإنه ، أي كيري ، هو “الوحيد المخول الحديث عن الطرفين” ، بمعنى أن ماسيدور فوق الطاولة قد يظل مكتوماً تحتها ، أما الموعد الافتراضي المعلن لنهاياتها ، أو التسعة أشهر ، فمن الآن هو قابل للتمديد …
قبل أن تبدأ هذه العودة التفاوضية ، التي يرأس طرفيها كلٍ من المعروفة تسبي ليفني وصاحب نظرية “المفاوضات حياة” صائب عريقات ، سجَّل الجانب الصهيوني سلفاً منجزات سيحاول أصحابها أن يراكموا عليها المزيد في مستقبل الأيام . إنجازات مسبقة يعود الفضل في تحقيقها للحاضن المضيف والراعي الدائم ، ونهج “المفاوضات حياة” ، يمكن اجمالها في تخلي الأوسلويون الفلسطينيون وداعميهم العرب عن اشتراطاتهم التكتيكية الهادفة أصلاً لتبرير عودتهم للمفاوضات وتحسين شروطها ، ويمكن تعدادها على الوجه التالي :
أولاً : تنازل الأوسلويين عن مطلبهم اعتبار حدود 67 مرجعيةً لهذه المفاوضات ، مستظلين في هذا بشائن المكرمة التنازلية التي قدمتها لجنة متابعة الجامعة العربية في بلير هاوس للمحتلين ، حين تخلت عن هذه الحدود لصالح مبدأ تبادل الأراضي التفريطي ، والأمر نفسه حيال قفزها عن حق العودة ، أو جوهر القضية الفلسطينية ، الذي كانت قد انتهكته مبادرة “سلام” قمة بيروت ، أوعرضها المرفوض صهيونياً في حينها ولايزال مرفوضاً لتصفية القضية الفلسطينية .
ثانياً : لم يعد لإشتراطهم السابق الوقف الكامل ل”الإستيطان” أو التهويد ، ثم القول بتجميده فحسب ، من مكانٍ في هذه العودة ، ونذكِّر هنا بتطمين نتنياهو لمعارضي المفاوضات من صهاينة إئتلافه : ” أنا ضد التجميد ، ولا أعتقد أن شيئاً مماثلاً سيحدث . الاستيطان قوي ومتزايد” ، ثم بما كشفته صحيفة “معاريف” حول تفاهم نتنياهو مع حزب “البيت اليهودي” ، العضو النافذ في إئتلافه الحكومي ، بالسماح ببناء آلاف الوحدات التهويدية في مستعمرات الضفة ، مقابل تمرير قرار إطلاق سراح عددٍ من قدامى المعتقلين الفلسطينيين ، على أربع دفعاتٍ ، وبما يتفق مع رضى المحتلين عن سير هذه المفاوضات ، بمعنى اتخاذه ورقة أبتزازٍ مرافقهٍ يمكن توظيفها خلالها .
ثالثاً : تخلوا عن شرط إطلاق سراح كافة المعتقلين منذ ماقبل أوسلو ورضخوا للعرض الصهيوني بالإفراج فقط عن 104 منهم ، وعلى دفعاتٍ كما اسلفنا ، والذي ماكان من المحتلين إلا ، إلى جانب توظيفه تفاوضياً ، التظاهر بإبداء حسن نيةٍ مزعومةٍ منهم ، داعيها في الواقع ضرورة منح شيء منهم مقابل ما قُدِّم لهم من تنازلاتٍ تستوجب إيجاد مبرر لها .
رابعاً : تخليهم عن تهديدهم التكتيكي الذي لطالما لوحوا به باللجوء إلى مؤسسات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية ، الأمر الذي كان يقلق فعلاً الصهاينة ويجهدون هم والاميركان لتفاديه .
خامساً : قبولهم برسالة ضماناتٍ أميركيةٍ لكلٍ من الطرفين كبديلٍ عن اشتراطاتهم السابقة لم ترسل بعد ، رغم أن هذه الضمانات ، ووفقما يؤكده الصهاينة صبح مساء ، “لاتلزم الحكومة الإسرائيلية بأي شيء” ، إلى جانب أن الأميركان لم يُعرف عنهم الإلتزام بعهدٍ أوالوفاء بوعدٍ ويسهل عليهم عادةً التنصل مما قطعوه أو وعدوا به ، فكيف إذا ماتعلق مثل هذا بحليفهم المدلل ، وإن أخطر مافي ضماناتهم للصهاينة هو مايتعلق بالاعتراف لهم ب”يهودية الدولة” ، التي هي على رأس مايريده الراعي وحليفه من المفاوضات .
سادساً : إنهم بعودتهم إلى التفاوض يؤبدون مايعرف ب”الإنقسام” الفلسطيني ، ويضعون حداً حتى لمعهود ما كان من تكاذبٍ حول ماتدعى “المصالحة” في الساحة الفلسطينية ، والذي لم تكن نغمته تعود إلى التداول عادةً إلا إبان التلويح بها لتحسين شروط العودة للمفاوضات و حث الصهاينة على تخفيف صدودهم المتعنت لعودتها .
… وختاماً ، إنهاعودة محكومة بمواصلة تنازلاتٍ ظن الكثيرون أنه قد نضب معينها ، وهى إلى جانب جاري أستمرار التنسيق الأمني مع العدو ، والتأكيدات اليومية الصهيونية أنها تعود بلامرجعيةٍ ، ولا إيقافٍ للتهويد ، أو افراجٍ مسبقٍ عن معتقلين ، وحول اتفاقٍ مؤقتٍ لمسمى دويلة منزوعة السلاح ، ومعدومة الحظوظ في أبسط امكانيةٍ للحياة ، تعترف للغزاة بما سلبوه وبيهودية كيانهم ، إنماهى كارثة تصفوية مضافة تستحق بحقٍ وصف نتنياهو لها بأنها استئناف لما “يصب في المحصلة الحيوية الاستراتيجية بالنسبة لإسرائيل ” ….