سلطة لن تحل نفسها … والمحتلون لن يحلوها الآن!

عبداللطيف مهنا

في جاري اللامعقول الأسلوي أن سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال في رام الله مشغولة هذه الأيام بأمرٍ يتيمٍ واحدٍ ، أوتعده راهناً على رأس قائمة أولوياتها ، إنه تبريرعودتها على النحو الذي تم لمفاوضات ما فوق الطاولة عوضاً عن سابق ماكانت تجري منها من تحتها … عودتها متخليةً عن إشتراطاتها السابقة  للعودة ، والتي كنا قد عالجناها وفصَّلنا فيها في مقالٍ سابقٍ . مرجعية حدود 67 ، وتجميد “الاستيطان” ، والافراج عن أسرى ماقبل أوسلو . مردفةً تنازلاتها هذه بتراجعها عن تلويحاتها السابقة باللجوء إلى مؤسسات الأمم المتحدة ، وكذا محكمة العدل الدولية ، وصولاً إلى قطعها دابر الحديث المرافق لآخرالحلقات فيما كنا قد وصَّفناه بمسلسل التكاذب الفلسطيني بشأن “المصالحة الوطنية” ، ناهيك عن سيد تنازلاتها جميعاً ، ومنذ أمد ، ألا وهو التنازل الملتوي عن حق العودة ، هذا المتعارف عليه بجوهر القضية الفلسطينية .

… بالمقابل ، المحتلون الصهاينة منشغلون على مدى ايامهم بأمرٍ نقيضٍ تماماً لأبسط تهويمات جاري هذه الهمروجة التفاوضية ، التي بعثتها جولات كيري التصفوية ، ويتعهد وقائعها مارتن اندك ، وبطلاها تسبي ليفني وصائب عريقات … منشغلون بمتابعة أضخم تصعيدٍ تهويديٍ لبقايا الضفة الغربية ، بما في ذلك ماتبقى من امتار لم تهوَّد بعد في القدس . حي استعماري جديد في جبل المكبر ، ازماع نشر عطاءاتٍ لبناء مايتراوح ما بين الاربعة إلى الخمسة الاف وحدةٍ سكنيةٍ تهويديةٍ في المدينة وحدها ، ذلكم بعد الإعلان عن أن هناك الآن 2500 وحدة في منطقتها هى جاهزة للتسويق ، إلى جانب قرارٍ بتدعيم المستعمرات التي توصف ب”المستوطنات المنعزلة” في الضفة ، والتي يتباهون بأن عدد المستعمرين  فيها قد شهد زيادة في النصف الأول من عامنا هذا بلغت 7700 مستعمر … تصعيد يختصره قول نتالي بنيت ، زعيم حزب “البيت اليهودي” ، الشريك القوي في إئتلاف نتنياهو الحكومي : لقد “اصررنا على عدم تجميد الاستيطان ، والبناء سيستمر ، وآمل أنه في الأيام القادمة ستصدر عطاءات جيدة ، أما في المناطق الريفية فإن البناء متواصل” . ماقاله بنيت كان رداً منه على ما يحذِّر منه بعض “مستوطنيه” من ما يزعمونه “سياسة الإبطاء القائمة” في المجال التهويدي في القدس من دون سواها ! وهو إذ يطمئنهم على هذا النحو ، يعدهم بالمزيد من الإفاضة في خطوات التهويد عامةً ، جازماً : ” هذه السدادة سنزيلها هذه الأيام ” !

إنه لا من غرابةٍ كانت ولن تكون في مثل هذا اللامعقول الأوسلوي ، إذ تكفي الإشارة إلى أن النهج الأوسلوي برمته هو أصلاً مسار تفريطي تنازلي ، ومن شأنه أنه قد أوصل القضية الفلسطينية إلى ما وصلت إليه راهناً من حالةٍ مترديةٍ وواقعٍ كارثيٍ معروف للجميع وبات غني عن الوصف ، وهو ، إي هذا النهج ، إذ أوغل بعيداً في مستنقع تنازلاته التصفوية ، بات لايملك قدرةً ولانيةً ، لابدايةً ولا الآن ولا مستقبلاً ، للعودة أو الإنكفاء عن هذا المسار . ذلكم لاسبابٍ موضوعيةٍ من أهمها أن أوسلو قد أوجدت شريحتها الأوسلوية ، هذه التي ارتبطت مصالحها ومبررات وجودها وضرورات استمراريتها بالاحتلال ، وغدت تعتاش ، ومنها من يثري ، على مايلقيه لها المانحون ، معلقةً كل ماتبقى لديها من أوهامٍ تسوويةٍ على مشجب نوايا الأميركي الراعي المتصهين للمسيرة التصفوية التي يرعاها ، مستظلة بفيء مباركة عرب نفض اليد من قضية قضايا الأمة العربية المركزية في فلسطين .

منذ أمد طرحنا سؤالاً إستدعاه تعرضنا لحصيلة عقدين من التوجهات التسووية ومفاوضاتها وما جنته القضية من قتادها المر ، وبالمقابل ما جناه المحتلون الغزاة خلالها وعبرها من مكاسب وتنازلاتٍ تتالت خصهم بها هؤلاء المقيمين في القفص الأسلوي تحت الاحتلال ورهن املاءاته . سؤالنا ، بل سؤال الساحة الوطنية ، كان يقول : وبعد أن وصلت وأوصلتنا معها إلى ماوصلت إليه ، وعادت ، حتى وفق منطقها القابل بالفتات ، بخفي حنين ، ترى ، متى تحل هذه السلطة الأسلوية نفسها ؟!

كان من المنطقي ، ومن حينه ، أن نستبعد أن تقدم مثل هذه السلطة ، التي هى من إفرازات تلكم الإتفاقية ، وللأسباب الموضوعية التي بيناها ، والتي جعلت من المفاوضات من أجل المفاوضات ومهما قادت اليه من تنازلات بالنسبة اليها مسألة “حياة” ، على حل نفسها . هذا الاستبعاد دعانا إلى طرح سؤالٍ لاحقٍ هو ، إذن ، ومتى يحل المحتلون هذه السلطة ؟!

ليست الإجابة بغير حينما تنضب جعبتها من التنازلات ، وينتهي دورها الأمني في خدمة الاحتلال ، أو ما يعرف ب”التنسيق الأمني” معه ، ومنه قمعها للمقاومة ، وحؤولها الأمني الناجع  ، حتى الآن ، دون اندلاع إنتفاضة ثالثة يخشاها العدو ويقلقه مجرد تصور اندلاعها … تنازلاتها على شرف جولة تفاوضات كيري التصفوية ، حتى قبل ابتدائها ، تثبت ما ذهبنا اليه … هذه السلطة عاجزة عن حل نفسها حتى انهيارها ، وهذا الانهيار لن يسمح به الرعاة والمانحون قبل أن يقرر المحتلون حلها ، وهم الآن لامصلحة لهم في حلها .