العميد د. أمين محمد حطيط
بعد اسبوع من اعادة انتخاب اوباما لولاية ثانية في اميركا، حدد اذار 2013 موعدا للقاء قمة بين اميركا و روسيا على ان يكون الاهم من ملفاتها بحث الازمة الدولية في سورية تلمساً لمخرج يوقف شلالات الدم التي اصطنعها العدوان الخارجي بالقيادة الاميركية و الادوات العربية و الاقليمية.عدوان كان مضى عليه يومها نيف و 20 شهر ا دون ان يكون قد حقق هدفه الاساس في اسقاط الدولة و نقلها واهنة الى موقع جيوسياسي جديد لا يكون لها فيه اي وزن استراتيجي مستقل عن القرار الاميركي في خدمة اسرائيل.
و ما ان حدد الموعد ذاك حتى ارتفعت وتيرة العدوان و تحشيد القوى الارهابية المعتمدة لتنفيذ المشروع الغربي ضد سورية و شعبها و جيشها، و قد توخت جبهة العدوان ان تنفذ اهدافها قبل اذار المضروب موعدا للقاء القمة بين اوباما و بوتين. و مضى الشهر تلو و الشهر و تعثر الهجوم و سقطت رزمة التواريخ المحددة لاسقاط هذه المدينة او تلك، او السيطرة على هذه المنطقة او ذينك في سورية، و قبل ان يتصرم شباط كان واضحا ان استحالة باتت تواجه اميركا في تحقيق مبتغاها، فانقلبت على موعد القمة بقرار من شقين : الاول تأجيلها الى حزيران، و الثاني قيام اوباما بنفسه باطلاق خطة هجوم شاملة تعتمد على دعم دول الجوار السوري و يسخر لها اقصى ما يمكن من طاقات و ان تبدأ مباشرة بالضرب على الرأس في سورية لاسقاط دمشق.
و مرة اخرى لم يكن الميدان السوري مطابقا او مستجيبا للحسابات الاميركية، بل كان العقل السياسي و العسكري السوري بالمرصاد للحاسوب الاميركي و متفوقا عليه، فوضعت خطة التصدي السورية المعاكسة لافشال “خطة اوباما ” و اسقاطها كما سقطت خطط سابقة و اسقطت سلسلة من مواعيد انتصار غربي مأمول يعول عليه. و كانت الخطة السورية هذه المرة اكثر دقة و ابعد تأثيراً و اكثر استقراراً و تثبيتا للانجازات العسكرية و الاستراتيجية المحققة. و مع حلول حزيران 2013 و قبل موعد اللقاء المنتظر على هامش قمة مجموعة الثمانية G8، كان واضحا ان الكفة السورية في ميزان الصراع باتت راجحة الى حد تكون فيه المقارنة بين مجموع ما بيد القوى الارهابية و بين ما هو تحت سيطرة الحكومة السورية، مقارنة في غير محلها، و لذلك و في تقدير موقف واقعي اجرته القيادة الاميركية تبين لها ان القبول بالحل السياسي في هذه المرحلة سيكون نوعا من الاستسلام و الاعتراف بالهزيمة امام محور المقاومة، و امام المجموعة الدولية الصاعدة التي تتقدمها روسيا و هي القوى العاملة على اقامة نظام عالمي لا تكون فيه اميركا القطب الاوحد.
مقابل هذه الصورة الكارثية استراتيجياً بالنسبة للمشروع الصهيو اميركي عموما و لاميركا خصوصا، كان قرار اميركي جديد يقوم على عناصر ثلاثة : اولها تأجيل القمة بين اميركا و روسيا الى ايلول المقبل، و ثانيها التأكيد على الحل السلمي عبر مؤتمر دولي في جنيف اسمي جنيف 2، و الثالث تغيير في الادارة الميدانية للعمل الارهابي في سورية و نقلها من اليد التركية – القطرية الى اليد السعودية مع اطلاق هذه اليد في فعل اي شيء من اجل “اعادة التوازن الى الميدان” لانه من غير هذا التوازن لا يكون مجديا الدخول في التفاوض و الا كانت النتيجة استسلاماً على حد ما وصفنا، فالقاعدة الذهبية في التفاوض الفعلي كما هو معروف هي ” ان المفاوض يحصل على طاولة المفاوضات مقدار ما يمتلك في الميدان “.
و مباشرة بعد انفضاض مؤتمر الثمانية في ايرلندا تقدمت السعودية للاضطلاع بمهتمها الجديدة التي حددت مهلتها لثلاثة اشهر تنتهي في ايلول المقبل (اي قبل قمة بوتين – اوباما ) و اوكلت الملف لامير مخابراتها اللصيق بالسياسة و المخاربرات الاميركية، و كان جليا ان خطة الانقاذ السعودية اتجهت الى تحقيق ما يلي :
1) امتلاك السيطرة على منطقة الشمال و الشمال الغربي وصولا الى الساحل السوري، لتقابل بها سيطرة الحكومة السورية على المنطقة الوسطى و المنطقة الساحلية من اللاذقية شمال غرب الى طرطوس و بانياس ساحلاً و مرورا بحماه وحمص و القصير، وصولا الى دمشق و نزولا الى الجنوب و انتهاء بدرعا.
2) افساد الوضع الامني و الاستقرار داخل دمشق و في ريفها لمنع الحكومة من استثمار الانجازات الميدانية الرائعة التي تحققت في المنطقة و ادت الى محاصرة الارهابيين في ريف دمشق و ابعاد شر نارهم عن المدينة.
3) احداث خرق ميداني اعلامي في الجنوب يظهر بان المنطقة آلت الى يد الارهابيين او على الاقل بانهم يتقاسمون النفوذ فيها مع الحكومة.
4) التوسع في محيط الرقة و الحسكة لترجيح كفة الارهاببين بشكل عام فيها.
و في التنفيذ و مع قيام السعودية باقصى ما يمكن القيام به على كل الصعد السياسية و الدبلوماسية و الاعلامية و اللوجستية و العملانية وصولا الى جولات بندر في اروبا لنيل دعمها في التسليح و روسيا للحصول على موقف منها بالتراجع عن نصرة الحق السوري، ثم الاستعانة مباشرة بمسلحي الطالبان، و شراء السلاح من اسرائيل مترافقا مع تصعيد الضغط على العراق بعمليات ارهابية حصدت في شهر واحد اكثر من الف شخص، و ضغط في لبنان يمارس ضد حزب الله و القوى الوطنية اللبنانية الداعمة للعملية الدفاعية السورية، ثم باداء ميداني متنكر لكل قواعد القانون و الاخلاق و الشرع الاسلامي، مع كل ذلك لم تستطع السعودية بادارتها و اموالها و اعلامها و كل ما لديها ان تحقق المطلوب، و انصرم من المهلة ثلثاها دون ان يلحظ في الميدان تغييراً معتبراً يمكن ان يفسر بانه تحقيق و لو جزئي لهدف ” اعادة التوزان “.
فالمجازر التي ارتكبها الارهابيون في ريف اللاذقية لم تؤد الى رعب يعول عليه لتهجير سكان المنطقة و سيطرة الارهاب عليها، و بالعكس تمكن الجيش العربي السوري من تنفيذ العمليات المعاكسة التي ادت الى استعادة جزء من القرى التي احدث فيه الارهابيون مجازرهم، و في الشمال لم يكن مطار مينغ الا مقبرة للمئات منهم، و بالتالي لم يحدث اي تغيير في الوضع يمكن صرفه سياسيا و استراتيجيا، و في ريف دمشق و محيطها تتابعت العمليات التطهيرية التي يقوم بها الجيش العربي السوري بما يعطل اهداف الخطة السعودية، و لم تصرف عملية تسلل المرتزق الجربا الى درعا في اي حساب سياسي مؤثر. اي و باختصار و بعد تقدير موقف عسكري عملاني، يمكن القول بفشل خطة الانقاذ المتوخاة و ان المشهد الذي كان قائما بنظر اميركا في حزيران الماضي لم يتغير و بالتالي ان الذي حملها على تأجيل الحل او البحث به او عقد مؤتمر جنيف 2 لا زال قائما لا بل يشتد ثقله عليها…لهذا كان تأجيل القمة بين اوباما و بوتين بذريعة واهية نسبت الى منح روسيا لجوءا سياسيا لمتعاقد سابق مع المخابرات الاميركية، اما السبب الحقيقي للتأجيل فنراه متمثلا باقرار اميركي ضمني بالفشل مجددا في سورية.
لقد تذرع اوباما في معرض تفسيره لالغاء القمة بالقول بان ” لا شيء لديه ليناقشه مع بوتين ” و بالتالي لا موجب للقاء الان، و نحن نفهم جيدا ان هذه العبارة تعني او يمكن ان تصرف في السياسة و الفهم الاستراتيجي للامور كما يلي :
1) ان اميركا غير جاهزة الان للاعتراف بالهزيمة في سورية، لان هذا الاعتراف سيكون بمثابة الكارثة الاستراتيجية التي لن يتوقف عصفها عند حدود سورية والشرق الاوسط.
2) ان اميركا بحاجة الى وقت اضافي لتحقيق واحد مما يلي : احداث خرق ميداني يحقق لها شيئا من توازن يبعد عنها فكرة الهزيمة في سورية، او تحقيق انجاز ما في المنطقة يحجب هزيمتها تلك، و من اجل ذلك تصر على متابعة العدوان و تلقي باوراق جديدة و متطورة فيه، كما لجأت الى تحريك المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية معولة عليها كورقة ربح خالص للسياسية الخارجية الاميركية.
3) ان اميركا غير قادرة على التنكر الكلي للحل السلمي و القبول بالواقع من غير اتفاق او تفاوض او توقيع، لان في ذلك صفعة سياسية و استراتيجية ستترتب عليها مفاعيل مستقبلية لا يمكن تصور مداها لذلك فهي مضطرة للتمسك بفكرة المؤتمر الدولي و جنيف 2 عساها تكون في لحظة ما اداة اخفاء للهزيمة او تلطيف لمفاعيلها. و لذلك نراها و في الوقت الذي تتهرب فيه من مواجهة الحقيقة، توحي بجديتها في التحضير لهذا المؤتمر.
على ضوء هذه الحقائق نجد كم ان الرئيس بشار الاسد كان دقيقا و صائبا عندما قال مؤخرا ان “الميدان هو الذي سيحسم القضية”، و هي قناعة نراها مبنية على حقيقة ثابتة بان المعتدي الذي فشل، سيستمر في عدوانه حتى ييأس كلياً من الانتصار او حتى يخشى من انقلاب الصورة و يتلمس نارا في اذياله تحرقه وتلتهم مصالحه. لذلك وجب التركيز على الميدان دون هدر الجهد و الوقت في ما تريده اميركا لانه لا تعويل و لا ثقة بجديتها في السعي الى حل سلمي ان لم يحقق لها اهدافها، لذا فان هذه الحقيقة ترفع درجة المسؤولية على عاتق الشعب السوري في امتلاك الوعي و اليقظة للتفلت من خدع المعتدي و احابيله و في مؤازرة قواته المسلحة التي تسقط الخطة العدوانية تلو الخطة و تراكم الانجازات في الميدان، وصولا الى تنظيم حرب شعبية شاملة لاقتلاع الارهاب من سورية عبر مثلث القوة السوري الذهبي شعب و حكم و جيش.
:::::
جريدة “الثورة”، دمشق