عادل سمارة
هل للسعودية دور أم موقف؟
بين الدور وبين الموقف مسافة شاسعة تعادل المسافة بين الاستقلال والاحتلال او بين الاعتماد على الذات وبين التبعية. فالموقف يعني أن سياسة الدولة نابعة من قرار داخلي ذاتي مرتبط بأمنها القومي أساساً ومستويات الأمن الأخرى الغذائي والثقافي …الخ، فدولة الموقف تعامل شعبها كرعايا لا كقطيع. أما الدور فيعني ان قرار بلد ما ليس مستمدا من مصالحها الذاتية بل هو قرار موجه من دولة ذات موقف أي من دولة أو دول خارجية، وغالبا ما يكون الدور جزءا من تقسيم عمل تصممه دولة أو حلف خارجي.
وبالطبع كانت ولا تزال مسألة تقسيم العمل أكبر تحدي يواجه الدول الصغيرة والصغرى بمعنى هل تقبل وهل تستطبع أن ترفض تقسيم عمل ما تصممه لها دولة أو حلف كبيرين؟
إن وجود القطريات العربية جميعاً هو تقسيم عمل منذ سايكس-بيكو 1916 في المشرق وطنجة 1956 في المغارب العربية. ولا حاجة للعودة لما قبل هذين التاريخين. وللربط فإن 1917 (وعد بلفور) الذي اسس تنفيذيا لخلق الكيان الصهيوني هو جزء من تقسيم العمل والمهم أن هذه الكيانات بما فيها الكيان الصهيوني ولدت معاً ومن نفس الرحم ويربطها حبل سري مما يؤكد بأن سقوطها يتوازى أو يتتابع.
وتكون المشكلة لدى أية قطرية عربية أو المهمة الكبرى هي في الخروج على هذا الدور سياسيا واقتصاديا ومن ثم الهجوم عليه قومياً. وهذا يفتح على تنويعات ثلاثة في سياسات القطريات /الأنظمة العربية تجاه المسألة القومية:
الأولى: سياسات القطريات قومية الاتجاه والتي قادتها أو تقودها قوى ذات توجه إنتاجي استقلالي ويالتالي فهي وحدودية الهدف. وبغض النظر عن افتقارها للديمقراطية فهي ترفض التبعية وتقف في مواجهة الإمبريالية وبالطبع الكيان الصهيوني أو باصطلاح آخر تعمل على الخروج من تحت عباءة التبعية. وعلينا أن نتذكر أن هذه القطريات هي اساساً زراعية تنتج حاجتها إلى حد كبير وفائض الزراعة أسس لصناعات وليدة وبالتالي فرض هذا الواقع عليها بدايات الوعي القومي العروبي. أهم هذه القطريات هي مصر وسوريا والعراق والجزائر. وهذا الواقع الزراعي وإلى حد ما الصناعي اسس في هذه القطريات تشكيلات اجتماعية اقتصادية مكتملة وقادرة على فك التبعية. ولذلك هي مستهدفة دوما من المركز الإمبريالي ومن الكيان الصهيوني. وهذه القطريات يزدهر دورها بوجود تعدد القطبية لأن دولتها الوطنية تقف ضد التبعية يحميها الجهاز الأمني داخليا وتحميها القطبية الشرقية من العدوان المباشر الإمبريالي.
الثانية: القطريات الفقيرة من حيث الزراعة وهي غالبا صحراوية، عاشت قبل النفط من موقعها الذي تحتاجه الراسماليات الغربية في مراحل سياساتها الخارجية الثلاث(الاستعمار والإمبريالية والعولمة) وبالتالي فهي بطبيعتها عاجزة عن التوجه للاعتماد على الذات فارتضت بدورها ولم ترتق إلى موقف. ولخوفها من أن تضمها القطريات قومية الاتجاه ، وهذا هو الوضع الطبيعي، قبلت بدورها في خدمة سياسات الاستعمار وتحولت إلى عدوة للقومية العربية بلا مواربة. ولكي تغطي هذا الدور تمنطقت بالدين السياسي هي وقوى الدين السياسي فطرحت وحدة “الأمة-وهي أمماً” الإسلامية كي تهرب من القومية العربية وتعادي هذه القومية. ولأن هذه الوحدة بالمعنى السياسي والاقتصادي الاجتماعي مستحيلة، فقد قدمت مخرجا للتغطية على عدائها للوحدة القومية العربية بل حتى اساسا لكي تقوم بحروب ضد القومية العربية من خلال الغرب الرأسمالي دائماً.
المهم أن هذه القطريات حينما وُجد النفط فيها كان مغريا للغرب وللأسر التي جرى تنصيبها فيها كي تعادي القومية العربية اكثر، ولذا : كان شعار الغرب: “كيف حصل أن وُجد نفطنا في أرضهم؟”، وشعار حكام بلدان الريع النفطي/والدين السياسي: “بأن النفط للغرب لأنه اكتشفه ومشكور هو أن أعطانا حصة.
والثالثة: وهي بقية دول المابين .
على هذه الأرضية يمكن الحديث عن دور السعودية اليوم. فالسعودية تجد اليوم فرصتها التاريخية وهي الأخيرة للإجهاز على القومية العربية خدمة لاستراتيجية الغرب ولبقاء عرش اسرتها. ويمكن قراءة دورها الحالي على النحو التالي:
1- تضع كافة إمكانياتها المالية والتسليحية والبشرية وحتى (النساء للاغتصاب/ النكاح) والمدرسة الدينية الوهابية، وتضع إمكانياتها أمام كل دولة أو طبقة أو حزب او فرد من اي مكان يشارك في العدوان على سوريا. إنه الجزع والرعب والخوف والحقد (كما وصف الفرزدق الذئب) تضعها كلها ضد سوريا. فهي تعلم أن كسر هذه البوتقة هو كسر آخر معقل عربي إلى زمن طويل قادم، وهوحسب معتقد الوهابية إلى الأبد لأن الوهابية لا تفهم التاريخ. إذن معركة السعودية الأساسية هي مع سوريا. ولا حاجة للتذكير بأن السعودية مولت الثورة المضادة في سريلنكا وفي نيكاراغوا وفي هندوراس وضد تشافيز، وقبل خمسة اعوام في سريلنكا ثانية ضد الماويين ومولت احتلال إندونيسيا لجزر تيمور (1975) وليس انفصالها عن اندونيسيا والقائمة أطول. هذه الدور هو دور أداة لا أكثر لأنه في خدمة الغرب وخاصة أمريكا. والسعودية ليس لها موقفا من ثروتها التي تتدفق إلى الغرب سواء كودائع أو كصناديق سيادية لن تعود.
2- من هنا، فإن دور السعودية في مصر يهدف إلى
a. قطع او وقف اي موقف إيجابي من مصر (سلطة الخليط) لصالح سوريا أي على الأقل تحييد مصر
b. محاولة منع مصر من اي توجه شرقا، لأن هذا إن حصل فهوتكرار للرعب الذي لم يخرج بعد من رُكب ومفاصل وفرائص آل سعود أي الرعب من التجربة الوحدوية الناصرية ألم يصل ناصر اليمن ويقترب من النفط، ألم يكن عدوان 1967 لهذا السبب اساساً؟ ألم يطلب الملك فيصل بإلحاح من رئيس الولايات المتحدة ليندون جونسون تدمير مصر؟
c. لجم أي تحول جذري داخلي، لأن افتقارالدولة للمال وفراغ الخزينة قد يدفع السلطة إما إلى مزيد من التبعية أو إلى التوجه إلى الموارد الذاتية سواء بإصدار سندات خزينة محلية، والتأميم ومصادرة أملاك البرجوازية الطفيلية والعقارية ورجال الأعمال (غالبا رجال خدمات ومخابرات)، وبناء قطاع عام…الخ اي استعادة الناصرية مجدداً. فالسعودية تعلم أن مبارك ولاحقا مرسي لم يُبقيا في خزينة مصر سوى قرابة 14 مليار دولار، وهذا الرقم حتى لدى الأردن ما يعادله!
d. وكل هذه التوجهات الجوانية المصريى إن خصلت فهي ضد الكيان الصهيوني وضد المصالح الأميركية مما يوجب العمل الإستلحامي للجمها.
e. الحفاظ على علاقة الجيش المصري بالجيش الأمريكي ومن ضمنها المساعدة المالية والتي تحقق لأمريكا الكثير وأكثر مما تحقق لمصر سواء من حيث المناورات المشتركة، واستخدام الطيران الأمريكي لأجواء مصر، والتمسك بكامب ديفيد وتدريب الضباط المصريين في امريكا…الخ
f. إرباك الشارع العربي بحيث تستخدم السعودية رشوتها لمصر كجسر لقبول حربها المكشوفة على سوريا وهذا ما يضع الشارع العربي في مشكلة هو فيها اساس بمعنى التقصير الهائل من الشارع العربي تجاه سوريا وكأن سوريا ليست عربية. إن اعظم خدمة قدمتها الأنظمة الٌقطرية للحرب المعولمة على سوريا هي خصي موقف الشارع العربي الذي لم يتحرك بشرف لصالح سوريا فلم تحصل تظاهرات ولا مقاطعة لمنتجات الغرب وتركيا.
g. تهدف السعودية إلى إنقاذ قوى الدين السياسي بعد انكشاف وهزيمة الإخوان بالقول بان هناك نموذجا آخر للدين السياسي.
3- التصدي للصعود القطبي الجديد وخاصة الروسي، وهنا التصدي ليس فقط في العدوان عل ىسوريا لإسقاط النظام والبلد وليس بلجم تجذير النظام المصري، بل تصدي سعودي ضد القطبية الصاعدة على مستوى الوطن العربي. علينا أن نتذكر بأن الخمسين سنة الماضية التي شهدت تهاوي اليسار والقوميين قد فتح الباب لصعود قوى الدين السياسي التي انشئت شبكات ثقافية وهابية تكفيرية على مستوى الوطن العربي كله مثل الدعوة وغيرها وهذه بإمكانات مالية ومطبوعات وفضائيات…الخ كل هذا كان ضد السوفييت كذلك وضد القومية العربية.
4- ولنتذكر كذلك، بأن من أسباب تفكك الاتحاد السوفييتي نجاح المركز الإمبريالي في تحالفه مع أنظمة الدين السياسي والقُطريات العربية في تفكيك أو لجم الأنظمة القومية مما افقد السوفييت محيطه البعيد وأوصل الثورة المضادة إلى محيطه القريب (أوروبا الشرقية) ومن ثم إلى موسكو نفسها ، وبالطبع لعب الكيان دوره في هذا ومعه السعودية ونظيراتها العربيات. .
5- لذا يجب أن لا نرى دور السعودية في ذلك الحجم الصغير اي المناكفة مع قطر. بل في سياق تقسيم العمل بين الدول التابعة كما يخطط الأمريكي. ستبقى قطر ضد القطر العربي السوري، وستبقى ضمن مشروع الدين السياسي، وستبقى المركز التخطيطي لتجنيد وتطويع المثقفين العرب أي ثلاثي قطر:
a. بلد به اكبر القواعد العسكرية الأميركية
b. بلد به أخطر فضائية في العالم ضد الأمة العربية
c. بلد يجمع معظم مثقفي وشعراء النفط والناتو “زُمر فكرية Tink Tanks”” بداية من عزمي بشارة إلى صادق جلال العظم إلى غليون وفواز طرابلسي وصولا إلى خبراء غربيين وصهاينة وهبوطاً إلى تجنيد مثقفين من الأرض المحتلة وحتى تجنيد سكرتيرات ذوات خبرة في الأنجزة وخدمات اخرى!
هذا ناهيك عن الدور المالي لقطر على صعيد عالمي والذي لن يسمح راس المال الغربي والصهيوني له بأن يتحرك خارج نطاق وتوجيهات المركز. (للمناسبة، كان من أسباب اغتيال ليبيا والقذافي نفسه محاولة إقامة صندوق نقد إفريقي في مواجهة صندوق النقد الدولي، وكان من اسباب اغتيال العراق وإعدام صدام حسين قيام العراق بتسعير النفط باليورو، وهذا ما أخذته لاحقا إيران وفنزويلا.
6- لقد تغذى الدور السعودي المتقرب من مصر على بعدين آخرين:
a. الأول: تسرُّع بعض الأنظمة الثورية في نقدها للخليط الحاكم في مصر مأخوذة بسحر صناديق الاقتراع مبتعدة عن الأهم وهو الشرعية الشعبية كاساس للديمقراطية بدءاً من اثينا والشيوعية البدائية وصولا إلى حراك عشرات الملايين في الشوراع.
b. طفولية كثير من الحركات اليسارية في العالم والمأخوذة بالديمقراطية اللبرالية الغربية، والتي تمارس تغطية عجزها في ساحاتها بالأستذة على بلدان المحيط، والأخطر بين هذه الحركات التروتسكية الأقلوية ولكنها مخروقة بالصهاينة ومخابرات أنظمة الغرب.
7- كما تغذى الدور السعودي على موقف إيران المتحفظ على نظام الخليط، وهو موقف يراه البعض على أنه تعاطف مع الإخوان كقوى دين سياسي او مراهنة على قدرتهم على هزيمة النظام الجديد، أو مراهنة من إيران بان الغرب سوف يصر على إعادة الإخوان للسلطة (كحليف معروف حيث أن علاقة الإخوان بالغرب تقوم على تفاهمات مديدة وتقاسم أدوار…الخ. ولكن علينا الانتباه إلى أن إيران بلد له مصالحه الإقليمية وهو يعيش بموقف لا بدوره، اي ليس أداة. كما أن علينا النظر إلى إيران كحليف عموماً ونقيض في بعض المواقع (كما في العراق)، ولكن لا يعني هذا الصراع مع إيران التي تتغير إلى حليف أكثر كلما كنا أقوياء وحريصين على وطننا، وباختصار يجب أن لا نحاكم إيران وكأنها دولة عربية عليها أن تقاتل نيابة عنا. إن دور إيران في محور الممانعة والمقاومة هو الأساس وخاصة في دعم سوريا وحزب الله لأنهما البوتقة المقصود تحطيمها، وإن حصل تكون الكارثة.
8- في هذا السياق نلاحظ مفارقات توحيد وتقسيم الأدوار بين السعودية وتركيا. فهما تلتقيان معا تماما ومع قطر وكل الخليج ومعظم القطريات العربية ضد سوريا، لأنها المعركة الأساس لأن هذا ما يمليه السيد الغربي/الصهيوني ومصالح هؤلاء، ولكن تتفارق المواقف تجاه مصر. فبقايا الخلافة “السلاجقة” يريدون مصر ولاية عثمانية، بينما السعودية تخشى ذلك لأن الإخوان يهدفون إلى السلطة وهذا يعزز دور تركيا ويهدد سلطة آل سعود الذين يرون الأمر تقاسما داخليا بين الوهابيين (العلماء-ما شاء الله من هكذا علم) اي الدين والشارع للعلماء والحكم والثروة للأمراء بينما الإخوان يريدون السلطة وبانسجام مع الأتراك ربما ليكون الخليفة تركياً والوُلاة إخوان عرباً. وهذا الاختلاف حول الموقف من مصر بين جميع عملاء الغرب يكشف أن مصر ليست المعركة الكبرى الآن على الأقل بل سوريا.
9- إن العشق للسلطة هو الذي نقل حماس من المقاومة إلى الانتخابات تحت الاحتلال إلى الانقسام وعدم المصالحة. وهنا تناقضها مع السعودية وتقاربها مع قطر.
10- قد يتضح أكثر دور السعودية من سوريا في دورها أي السعودية في لبنان حيث تشل الدولة اللبنانية كي يبقى لبنان مصدر تهريب الأسلحة والمال إلى سوريا، ولكي تلجم قدرة حزب الله لضرب سوريا من الخاصرة اللبنانبة وبغير هذا يُقرَّر تفجيره. ولعل لبنان نموذجا جيدا على القوى التي تفصل السلطة عن الوطن بمعنى أن البرجوازية الكمبرادورية الطائفية (هذه البرجوازية سيدة –مع الاحترام للمرأة على التشبيه- متعددة الأزواج أو الزبائن: امريكي فرنسي سعودي تركي طائفي مذهبي صهيوني…الخ) . أليس من اشد المفارقات عجبا أن الديمقراطية “الثانية” في الشرق الأوسط تتشكل حكومتها في السعودية التي لم ينتقل حكامها من البهيمة إلى الاجتماع! دعك من جامعات لبنان وتدريس القانون الدستوري وكليات الحقوق…الخ كل هذه تُمسح بدولار نفطي واحد وخاصة في حقبة التزاوج العجيب بين البداوة وراس المال المعولم. فاليوم يدور راس المال المعولم في الكرة الأرضية على ظهر بعير!
لقد دلت تفجيرات الضاحية الجتوبية في بيروت وشمالا في طرابلس، وإطلاق صواريخ على الكيان الصهيوني وقيام الكيان بضرب قاعدة للقيادة العامة، دلت هذه جميعا على أن السعودية وبإذن من الغرب قررت تفجير لبنان ربما لتوريط حزب الله في حرب محلية عبثية بما يؤذي سوريا وقد يحسن شروط معسكر الثورة المضادة في سوريا بما هي الهدف الأساس.
11- ويبقى الأردن ، فمن أجل ذبح المشروع القومي في سوريا يتحابب الخصوم التاريخيون آل سعود وآل رشيد. فينسى النظام الأردني الحجاز ومذبحة حائل، أو يُرغم على نسيانها، ويقف رئيس وزراء الأردن ليصرخ خوفا من “كيماوي الأسد” وهو كيماوي بندر ونتنياهو حتى لو كان من يحمله “حمار يحمل كيماوي”. وللحقيقة فالأردن نموذج النظام الذي يعيش بدوره دائما، وهذا ما يفرقه عن النظام السعودي حيث هنا صحراء بلا نفط اي صحراء “معذورة أكثر”!
قد يصح القول بأن زيارة بندر الفاشلة بل المهينة إلى روسيا قد اوصلت الثورة المضادة إلى حالة اليأس لتضرب خبط عشواء. وربما قال بوتين لبندر: صحيح أننا لسنا اليوم شيوعيين، ولكن سحق القيصر لا يزال يشعرنا بالمجد.