الثورة المصرية الثالثة: معادلة معقدة

د. سلمان محمد سلمان

أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين

ثلاث ثورات

تمت ثورة 23 يوليو عام 1952 عن طريق الجيش وتم تعيين محمد نجيب قائدا أوليا لها. ووافق الجميع على تسميتها ثورة بعد توفر دعم جماهيري كبير وظهور زعيمها الحقيقي ناصر وتبنيها سياسات اقتصادية واجتماعية ثورية. وبدأ موقف الإخوان داعما واستقبلتها الولايات المتحدة برضى. ولم تمض سنتان حتى اصطدم الجيش مع الإخوان وبريطانيا وفرنسا وتبع ذلك العدوان الثلاثي الذي استطاعت الولايات المتحدة استثماره لخلع بريطانيا والاعتقاد بتسلم مصر الجديدة. لم تمض فترة طويلة حتى اكتشفت أميركا صعوبة ترويض ناصر وتحولت مصر للشرق وحققت إنجازات كبيرة عالمية من خلال تشكيل عدم الانحياز حلف الدول المتحررة من الاستعمار والتي كانت تميل إلى المعسكر الشرقي. استغرق الأمر حتى عام 1967 عندما نزلت هزيمة صاعقة بجيش مصر وبقيادة ناصر.

صمد ناصر وحاول تجاوز الصدمة لكن الزمن لم يمهله وترك مصر في عز محبتها له وبعدما أعاد بناء الجيش لخوض معركة يمكنه النصر بها.

كانت ثورة 1952 تعبيرا عن إرادة الشعب الذي مل الملكية وسمحت له أميركا بذلك من خلال تحرك الجيش وناصر الذي اعتقدت ولاءه من خلال نفوذها العالمي. واستخدمت العصا والجزرة معه مما دفعه لحلف مع روسيا تحقق بسبب استعداد السوفييت الكبير واستعرار الحرب الباردة في ذلك الوقت. وقد أثبت ناصر على مدى 17 عاما قدرة كبيرة على إرباك مشاريع الغرب.

تحول السادات عن سياسة عبد الناصر المصادمة للغرب واعتقد بترحيب الغرب به. واستطاع تحقيق نصر جزئي في حرب أكتوبر 1973 واتهمه الكثيرون باستخدام نتائجها العسكرية الايجابية لتحريك حل سياسي هزيل انتهى بكامب ديفيد التي ربطت مصر بقيود أخرجتها وأرضها ومياهها من معادلة الصراع العربي مع إسرائيل وحجمت دور مصر الإقليمي والعالمي.  وساعدت مقاطعة العرب في ترسيخ انفصال مصر عن محيطها العربي.  ولم يكن هناك بد من تغيير الخيول فقتل السادات على يد من سمنهم. واستلم مبارك الحكم وتميز بموقف لا لون ولا طعم وسياسة بيروقراطية حتى نهاية الثمانينات عندما بدأ سقوط الكتلة الشرقية ومعركة إسقاط العراق وفرض دور إقليمي كامل الولاء للغرب.

وبحكم الدور الجديد تحولت مصر قائدة العرب إلى قوة فعالة في إسقاط مراكز الحضارة. فتمت معركة الخليج التي حجمت العراق ومن ثم حرب احتلاله عام 2003. واستمرت مصر في عهد مبارك في الغرق ضمن النفوذ الأميركي واستجداء الدعم الإسرائيلي. بل زاد الأمر إلى أن أصبحت مصر مبارك ترسم سياستها الداخلية والخارجية من خلال قبول إسرائيلي يدعمها لتحقيق القبول الأميركي.

وصل الأمر بمصر أن فقدت أي دور خارج الدور الإسرائيلي مما أحرج وحصر خيارات أميركا في رسم دور إقليمي مهم لمصر خارج النسق الإسرائيلي. ومثل هذه النتيجة لا تمثل خبرا سارا للكثيرين من مخططي الاستراتيجية الأميركية وخاصة الجيش مع أن التيار الصهيوني كان سعيدا بذلك.

تورطت الولايات المتحدة في حربين كبيرتين فاشلتين بدأهما بوش الابن بشعار الحرب على الإرهاب واستخدمه للقضاء على الإسلام من خلال منظور صراع الحضارات. وقد نتج عن مرحلة بوش الصدامية تدهور العلاقة التاريخية بين الغرب والإسلام السياسي أو هكذا ظهر الأمر على الأقل تجاه بعض قوى الإسلام السياسي التي اكتسبت سمعة دولية طيبة كقوى تقارع الاستعمار والغرب وخاصة حماس الفلسطينية. وبدلا من استسلام الإسلام أمام الغرب ظهر أن معركة خلعه من قلوب الجماهير ستفشل حتما. وكان لا بد هذه المرة من تغيير الخيول الأميركية وغيرها.

بدأ التغيير بنجاح أوباما ذا الأصل الأسود الإفريقي المسلم. وبخلفية من هذا النوع نتوقع لإفريقيا دورا هاما. وقد بدأ أوباما متقربا للإسلام السياسي. وأنهى الحرب على الإرهاب من خلال مقتل بن لادن. وبدأت مرحلة جديدة من إعادة جسور التحالف مع أكبر قوى الإسلام السياسي في المنطقة وهم الإخوان المسلمون. بذلت بريطانيا جهودا عظيمة نحو إعادة ما تقطع خلال العقدين السابقين وساعد وجود ساركوزي برأس السلطة في فرنسا على تكون موقف غربي صلب يدعم حلفا جديا مع الإخوان نحو رسم الشرق الأوسط الجديد. وبدلا من الاعتماد على انكسار الإسلام كما أراد بوش تبين أن الإخوان ربما يحققون ما فشل بوش في تحقيقه.

وطبعا تطلب الأمر تغيير الكثير من الخيول (أو ربما الحمير) العربية بطريقة تحظى بدعم حقيقي من الجماهير. كانت البداية والتجربة الأسهل في تونس ومن ثم مصر بحكم كراهية الشعوب لتلك الأنظمة وإيمانها بتبعيتها للاستعمار. لم تشك الغالبية أن القوى البديلة يمكن أن تكون حليفة جديدة للغرب.

تبلورت خطة التفاهم الاستراتيجي من خلال تسهيل استلام الإخوان زمام الثورات والحصول على الشرعية الانتخابية في كل من مصر وتونس مقابل المساعدة في إسقاط الأنظمة المتبقية وأهمها اليمن وليبيا وسوريا والجزائر ومن ثم التوسع في تنفيذ مشاريع تغيير الشرق. وتم البدء بليبيا بحكم ضعف نظامها ومساحتها الكبيرة وثروتها النفطية المغرية. وارتكبت روسيا خطأ قاتلا في تمرير مقررات مجلس الأمن التي مهدت لسقوط ليبيا ومن ثم فتح أبواب جهنم ضد سوريا. نجح المشروع في ليبيا بشكل كبير وسقطت اليمن دون جهد جوهري.

طرقت معركة سوريا الكبرى الأبواب بثقة وعزيمة جديدة من الإخوان والغرب لكنها اصطدمت بصخرة صمود أسطوري. ولا تبدو شواهد في الأفق لنجاح مهم إلا بمعجزات أو خدع كبرى جديدة.

مثلت ثورة 25 يناير 2011 تعبيرا حقيقيا عن إرادة الشعب الذي مل الحاكم وسمحت أميركا بذلك من خلال دعم الجيش. وتحقق تسليم الحكم للإخوان بالانتخابات بطريقة مدروسة ومرهقة للشعب المصري حين تم حصر خياراته عمليا بين فلول مبارك أو الإخوان. ولم يتوفر الوقت للقوى الثورية لتنظيم نفسها والوقوف بديلا رغم وضوح ذلك شعبيا.  حاول المجلس العسكري تقييد صلاحيات الحكم الجديد لكن القيادة القديمة كبيرة السن والنفوذ الأميركي منعا تحقيق ذلك وانتصر الإخوان في استلام الحكم وتغيير قيادة الجيش وبدأت أخونة الدولة على قدم وساق.

ولو ترك الأمر دون ثورة جديدة لتمكن الإخوان من مفاصل النظام والدولة المصرية بما يمنع أي ثورة أخرى لفترة تطول. وكان الرهان كبيرا على أن وزن مصر الكبير والملتزم بإسقاط النظام في سوريا سيضمن التمكين للإخوان على مدى الرقعة العربية.  بذل مرسي جهودا جبارة لإسقاط سوريا بكل الوسائل ووصل الأمر به في نهاية عهدة حد إعلان الجهاد على سوريا وطلب من الجيش المصري المشاركة مما أوصل الأمر في مصر لحافة الهاوية.

فشل المشروع الأمريكي والغربي في تغيير سوريا واصطدم بالموقف الروسي الذي وضعت خطوطه الحمراء في اجتماع مجموعة الثماني وتبين للغرب استحالة الاستمرار بالمسار.وكان لا بد من تغيير الخيول مرة أخرى وفي هذه المرة في منتصف المعركة.

فشل الإخوان في تحقيق مكسب حقيقي لمشروع الشرق الجديد. فقد سقطوا في انتخابات ليبيا وفشلوا في سوريا وبالتالي فقدوا مبرر استلامهم الحكم في مصر وتونس اللتان كانتا ضمن نفوذ الغرب أصلا.

ظهر توجه قوي ضمن الغرب يطرح إمكانية سحب الأوراق من الإخوان دون إضعاف فرص واحتمالات استمرار معركة سوريا وبما يضمن حكما مواليا للغرب في مصر ودون إسقاط تام لورقة الإخوان لأن ذلك يصطدم مع تركيا وتونس وامتداد حركة الإخوان في بقية الدول العربية. خيارات الغرب أصبحت صعبة فإسقاط الإخوان على المكشوف ربما يهدم كل ما تم بناؤه لكن الرهان عليهم فقط يثمر مزيدا من الفشل. وقد وجد الغرب في السعودية وغالبية الخليج قوة رئيسة شجعته على تبني خيار استبدال الإخوان بما يحقق الشروط المطلوبة.

وتبين أو هكذا اعتقد حكام الخليج أن للإخوان أطماعا بتغيير أنظمتهم أيضا مما أنتج ضغطا نحو تحجيم الإخوان. وبالطبع لا يقبل الغرب دورا شاملا لهم مهما بذلوا ونجحوا واثبتوا حسن النوايا. وبعد إضافة فشلهم في تحقيق الجزء الرئيس من معادلة التغيير في سوريا واستعداد السعودية قيادة معركة تغيير سوريا تم طرح السيناريو الجديد الذي يسمح بتغيير مضبوط في مصر يزيح الإخوان دون سحقهم ويضمن بقاء النفوذ الغربي.

هل يمكن للسعودية وراثة دور الإخوان والنجاح في سوريا وهل من المحتمل التزام وقبول تركيا والإخوان بالطرح الجديد.

كما يبدو فهناك موقفان في الغرب كما كان الحال في السابق:

الموقف الغربي الأول ( الخارجية والكونغرس وبريطانيا وفرنسا والصهيونية ودول الخليج جزئيا)

يعتقد بجدوى المحاولة وخاصة بسبب تعثر المشروع الأول. فإن نجحت السعودية كان خيرا كثيرا وإن فشلت عليها دفع الثمن وهذا مطلوب أصلا ولكن بمراحل متأخرة.

2.       تقوم الفكرة الجديدة على استغلال نقمة الشعب المصري العارمة لإسقاط الإخوان واستبدالهم بقوى قريبة من الغرب. ومن خلال دعم خليجي وفير يتم ضبط إيقاع التغيير في مصر بما يضمن عدم خروجها من معادلة النفوذ الغربي مع اعتبار قوة إسرائيل المهددة لسيناء والعلاقات القوية بين الجيش المصري والأميركي في توفير هذا الضمان.

2.   تتسلم السعودية الملف السوري اللبناني وتصعده بأكبر قوة ممكنة.  ويمكنها استثمار العلاقة الطيبة مع النظام المصري الجديد وتعاون دول الخليج للحفاظ على مظهر قومي مخلص في تبرير استمرار المعركة ضد سوريا دون فقدان القبول الجماهيري العام لها. ومن خلال الضغط على الإخوان للقبول بالدور الجديد يمكن اكتساب زخم مصري يضمن استقرارا للخليج وتعاونا شاملا ضد سوريا.

2.  أهم نتيجة مأمولة من مثل هذا السيناريو مقارنة مع مشروع الإخوان اكتساب سمعة جيدة وتوفير مجال مناورة للخليج وسحب أوراق بدأت بالتراكم لصالح سوريا وروسيا.

هناك طبعا مخاطر كثيرة ضد نجاح هذا السيناريو

2.    فمن يضمن قبول الإخوان بالهزيمة والتحجيم والتزام مصر بالدور المرسوم ومن يضمن ألا تحترق السعودية أكثر في سوريا.

لحل مسألة الإخوان والنظام المصري: إذا التزم النظام المصري الجديد بأسس التعامل مع الغرب يتم الضغط على الإخوان بما يلزم لقبول الهزيمة مع تعويضات مناسبة في مواقع مختلفة ولن يستطيعوا الرفض لمحدودية خياراتهم في تلك الحالة. وإذا لم يلتزم النظام المصري وظهرت منه بوادر ثورة حقيقية يتم دعم الإخوان وتيسر مقاومتهم لإيقاع مصر في صراع طويل يؤدي إلى استنزاف الجيش المصري وهذا بذاته إنجاز جوهري وكبير.

2- يعطي هذا السيناريو الخليج والسعودية دور بيضة القبان بما لهم من دالة للتأثير على الأحداث. لكن ذلك مرتبط بالنجاح في سوريا ومدى تحمل فشل سعودي هناك. مبدأيا خسارة المعركة في سوريا متوقعة لكن تفاقم ذلك مع فشل في مصر يمكن أن يهدم كل المشروع الغربي من جذوره.

الموقف الغربي الآخر(الجيش الأميركي بالأساس والناتو وألمانيا ومعظم أوروبا)

أكثر حذرا ويتحفظ على الاعتماد على استمرار معركة سوريا لأن ذلك ربما يضر الخليج أكثر مما يفيد الثورة. وهو يؤيد دون تحفظ تغيير الإخوان لكنه لا يشجع استخدام العصا والجزرة مع النظام المصري الجديد. ويفضل دعما دون شروط لأن استخدام ورقة الضغط ربما يدفع المصريين إلى اللجوء إلى روسيا الجاهزة للعب دور استراتيجي في مصر والتي تدرك قيمتها منذ كانت حليفا استراتيجيا لها.

الموقف الأول لا يخاف كثيرا من هذا الاحتمال باعتبار أن مصر مقيدة أكثر من عام 52 بحكم معاهدة السلام ولأن إسرائيل تستطيع هزيمة مصر وإعادة احتلال سيناء. فوق هذا فمصر المقصومة اقتصاديا لن تستطيع تحمل الضغط الغربي وجفاف الدعم الخليجي والتهديد المزدوج من الإخوان وإسرائيل.

من الواضح أن لكل من الموقفين نقاط قوة وضعف وعليه تم الوصول إلى صيغة توافقية تقبل التغيير في مصر مع بقاء الاختلاف تجاه سوريا.

مثلت ثورة 30 يونيو 2013 تعبيرا حقيقيا عن إرادة الشعب المذعور من مشروع أخونة الدولة وسمحت له أميركا بذلك من خلال دعم الجيش مرة أخرى وحسب الاحتمالات المدرجة أعلاه.

 

عوامل التشابه الاختلاف للثورات الثلاث

المشترك رغبة الجماهير العارمة بالتغيير والقبول الأميركي بذلك. والمختلف أن استخدام العصا والجزرة ضد ناصر أبعد مصر عن الغرب وخلف نقيضا رئيسا له. واستخدامهما في ثورة 2011 كان فعالا لأن مصر لم تكن قد شفيت من عهد مبارك المظلم والطويل. لكن ذلك أدى إلى استهلاك سريع للثورة وخاصة بسبب رعونة الإخوان وجلافتهم.

ثورة 2012 هي اكتمال لثورة 2011 لكن بوعي شعبي أكبر. فإن أراد الغرب استخدام العصا والجزرة فستأخذ مصر مسارا قريبا لمسار ناصر. وإن انتبه الغرب للأمر وتبنى موقف الجيش الأمريكي فربما يظل الحلف مع الغرب قائما لكن مع حد أدنى من التنازلات المطلوبة لمصر.

خطة الغرب الجديدة والسائدة

1.   تخلي عن مشروع الإخوان دون التخلي عنهم تماما.

2.   الاستمرار بمعركة إسقاط سوريا وضمان البديل السعودي لدعم الثورة.

3.   إسقاط مرسي ضرورة جماهيرية ودعم الخليج يوفر قوة كافية لتحييد الإخوان.

4.   التأثير على مصر بما يمنع تجاوز حد معين في موقفها الوطني ضد الولايات والغرب وبنفس الوقت الحصول على سمعة طيبة تبرر استمرار الحرب في سوريا بما يمنع تكون حلف سوري مصري.

5.   ولإحباط أي دور روسي صيني لا بد من بقاء مصر خائفة من الفقر والاحتلال الإسرائيلي لسيناء.

سيفشل المشروع الجديد للأسباب التالية

1.   لن تستطيع قوى الحكم الجديدة في مصر البقاء ضمن ولاء الغرب دون تنازلات جوهرية للشعب ومنها دعم مالي أكبر بكثير من القائم وتعديل وضع سيناء واتفاق السلام مع مصر بما يضمن حدا أدنى من الكرامة. ولا بد من حل معقول لقضية فلسطين يضمن هدوء غزة وجبهة مصر وهذا يتطلب هدوءا في سوريا ولا يمكن لمصر المشاركة في الحرب ضد سوريا.  توفر كل هذا يمثل نجاحا للنظام الجديد أكثر من المشروع الغربي.

2.   لن تستطيع السعودية والخليج احتواء مصر ماليا فحاجات مصر أكبر من قدرة تلك الدول على الدفع وكل ما دفعه الخليج لا يكفي من مصاريف مصر لأكثر من ثلاثة أسابيع.

3.   لن ينجح مشروع إسقاط سوريا لأن روسيا لن تسمح بذلك ولأن كافة مؤشرات المعركة تشي بنصر للنظام من خلال الموقف الإقليمي والتعب الغربي والانقسام بمعسكر الأعداء العرب.

4.   ستبذل روسيا والصين جهودا كبيرة للدخول على خط مصر وتحييد مخاوفها الأمنية والاقتصادية.

5.   لن يقبل الإخوان الهزيمة والترضيات في حالة التفاهم الغربي مع النظام المصري الجديد بسبب عدم توفر ظروف موضوعية وعلاقات طيبة كافية بين النظام الجديد في مصر والغرب لتوفير إرادة غربية كافية للضغط على الإخوان. وسيظل وضع الإخوان الإقليمي صداميا.

6.   لن تقبل تركيا تهميش وزنها والانضواء تحت راية السعودية في سوريا.

7.   لن تشعر إسرائيل بالأمان في كل الاحتمالات. وستظل تلعب بالموقف الغربي الاستراتيجي بوحي مخاوفها وكوابيسها الآنية والمخاطر اللحظية مما يفقد استراتيجية الغرب ثباتها وقدرتها على امتصاص الهزات.

8.   لن تحقق المعركة نصرا سريعا للغرب يوقف التراجع الاستراتجي له على المستوى العالمي.

تفاعل القوى المختلفة مع المشروع والمعطيات الجديدة:

روسيا والصين

رغم التخوف الروسي من بقاء الولاء للغرب في مصر إلا أن الوضع لن يكون إطلاقا أسوأ من عهد مبارك أو الإخوان. لذلك ستبذل هذه الدول مع بريكس كل الجهد لتشجيع الثورة الجديدة على مقاومة الهيمنة الغربية وسيوفرون غطاءا يمنع أي قرارات دولية ضد مصر.

الموقف الصهيوني الغربي

رغم قيادة هذا الموقف للموقف الغربي العام إلا أنه سيكون متذبذبا يخضع لمخاوف إسرائيل المتقلبة ونزقا  ومزدوجا يمارس لعبة العصا والجزرة بطريقة استفزازية بما يدفع مصر أكثر لطلب الدعم الروسي. ربما يحاولون إثارة حرب عصابات كما الحال ضد سوريا ستكون نتائجها مدمرة لاقتصاد مصر لكنها لن تحقق أي هدف استراتيجي للغرب وستزيد من قرب مصر من الروس.

موقف عسكر أميركا وحلفائهم في الغرب

سيضغطون لفصل معركة سوريا عن مصر وتحديد حجم النفوذ الخليجي ويفضلون كسب مصر دون تهديد وسيبذلون كل الجهد للحفاظ على العلاقة الطيبة مع الجيش المصري وإعاقة أي انفتاح مصري على روسيا يقلب المعادلة العسكرية.

إسرائيل

لن تتدخل كثيرا بشكل ظاهر لكنها ستكون المحرك للموقف الغربي الأول على الأقل. وستمارس إرهابا على مصر من خلال التهديد باحتلال سيناء أو إشعال حرب إرهاب بها. وستحاول اقتناص الفرص وفترات الضعف لأخذ تنازلات من مصر. محاولات إسرائيل لن تنجح بحكم العداء التاريخي ودون تنازلات رئيسة في فلسطين.

مصر

1.   القوى الإخوانية: استمرار العنف والفوضى حتى الهزيمة ولن يكون هناك مصالحة.

2.   التيار القومي: يقوى بمقدار ترسخ القناعة الشعبية أن معركة مصر جزء من معركة الربيع العربي الكاذب وأن نجاح وبقاء سوريا شرط مهم لنجاح ثورة مصرية مستقلة.

3.   الليبراليون: يتساقط جزء كبير منهم بسبب ولاءاتهم للغرب وأول الساقطين البرادعي. لكن جزءا مهما سيظل مع الثورة بحكم الخوف من الإسلاميين وضرورة بقاء أدوارهم المرسومة من الغرب.

السعودية والخليج دون قطر

سيتسمرون بدعم مصر حتى لو اصدم ذلك بالموقف الغربي العام وخاصة بسبب وجود موقف غربي آخر يشجعهم لكن ذلك سيتم بشكل أقل وضوحا. بالنسبة للخليج فسقوط الإخوان يمثل أولوية للحفاظ على استقرار أنظمة الخليج. ستظل العلاقة الخليجية مع مصر مستقرة نسبيا مما يضعف من احتمالات انحياز مصري جوهري إلى روسيا. بالمقابل من المتوقع أن تعمل مصر على إقناع دول الخليج بانسحاب من معركة سوريا عديمة الجدوى من خلال تقديم ضمانات بعلاقات جديدة مع سوريا وروسيا وإيران. لن تستطيع مصر إقناع الخليج بكل ذلك لكنها ستحيد الكثير من دوره بسوريا.

سوريا

1.   الدولة السورية: سعيدة بسقوط الإخوان لكنها متخوفة من تحول مصر لقوة داعمة للسعودية ضدها. ستدعم سوريا نظام مصر الجديد ما لم يظهر منه عداء صريح.

2.   المعارضة: جهود حقيقية لتصفية الإخوان سعوديا لكن بسبب الدعم التركي والقطري سيستمر الصراع بين الطرفين من خلال حروب “الحر والنصرة ومختلف الفصائل”.  وعليه ستكون الثورة السورية أكثر فشلا خلال الأشهر القادمة.

ايران

لن تقوم بدور مهم بسبب عدم قدرتها على فهم مصر ولأن سياستها الإقليمية تقوم على سقوط القومية العربية. لكنها سوف تستفيد كثيرا من نجاح النظام السوري لأنه يتصرف بوفاء.

تركيا

ستقاوم لفترة لكنها ستسلم لمن ينجح فتركيا دولة حائرة كما يصفها تاريخها. وربما يوفر ذلك فرصة للقوى العلمانية القيام بتحرك كبير لإسقاط حكم أردوغان.

نتيجة وتوصية

ثورة مصر حقيقية لكنها تمر بامتحان صعب وعلى الجميع إعطاءها الفرصة ومساعدتها. ستعمل كل القوى الإقليمية والعالمية على دفعها كل حسب ما يشخص ويؤمن لتحقيق ما يرغب. فطوبى لمن يبذل جهدا مفيدا.