عبداللطيف مهنا
لم تمض جلسة من مفاوضاتٍ أولى وتعقبها الثانية بعد ، حتى بدأ فلسطينيو التفاوض بالجأر بمرير الشكوى . قالت مصادرهم إن “المفاوضات تراوح مكانها بسبب رفض الجانب الإسرائيلي حضور الوفد الأميركي للجلسات ، الأمر الذي أُتفق عليه سابقاً مع وزير الخارجية كيري” ! هنا بدا عليهم وكأنهم قد أُخذوا على حين غرةٍ ، أو تفاجئوا بما لم تكن لتتفاجأ به حتى جداتنا أو بسيطات عجائزنا الفلسطينيات في زوايا اكواخ مخيماتنا المنسية ، بمعنى وكأنهم لم يتوقعوا سلفاً بأن رعاة هذه المحطة التصفوية الجارية للقضية الفلسطينية ، الأمريكان ، قد أنجزوا ما عليهم ، وسلموهم باليد لاستفراد الجانب الصهيوني في الجلسة الأولى ، وبالتالي انهوا مايهمهم في مهمتهم الرعوية ، ليراقبوا من ثم وعن كثب ٍ سير مايرعونه ، وهم الآن ليسوا في وارد التدخُّل ، لكنهم على أهبة الاستعداد له فحسب حين يطلب منهم حليفهم ومدللهم عوناً . حضر مارتن انديك ، مندوبهم ، والقائم على المفاوضات ، جلستها الأولى ، لكنه لم يحضر الثانية استجابةً ، كما قيل ، للإصرار الصهيوني . كانت هذه ، أي هذا الإصرار ، واحدة أخرى وكأنما هي لم تكن في حسبانهم … في كل الحالات ، لعلهم غفلوا ، أو تغافلوا ، منذ البدء ، عن مؤشرٍ أساسٍ لايخطئة فهم الجدات ، وهو تلزيم صهيوني عتيد من أمثال انديك مهمتهم الطافحة بمعهود النزاهه ! ولم يكتفوا بهذه ، فأعقبوها بطرفةٍ أوسلويةٍ بامتيازٍ ، هى شكواهم القائلة بأنه في حالة “عدم تدخُّل الإدارة الأميركية ، وفق التعهدات التي قطعها كيري ، سوف تنهار المفاوضات قبل أن تبدأ” ! مشكلة هؤلاء أنهم مثلهم مثل من سعى إلى حتفه بظلفه ، عادوا لما جربوه لعقدين من ولوجهم الكارثي للنفق الأوسلوي فوصلوا وأوصلوا معهم أعدل قضية عرفها التاريخ لهذا الدرك المفجع من التنازلات التفريطية التي وصلت اليه ، والأدهى أنهم لازالوا يوالون ويصرون على السير وفق ذات النهج وهدي ذات المنطق ، هذا الذي جرَّدهم من البوصلة النضالية التي فرطوا بها على المذبح التسووي ، ليسوقهم كيري من ثم على مثل هذا النحو ، أي سوق مقامرٍ متعثرٍ لاورقة لديه ، ولا ورقة توت تستر عورة حاله المتهافتة ، إلى حيث يسوسهم انديك من خارج الجلسات وتتفرَّد بهم ليفني داخلها ، وكل اعتمادهم هو على رهانهم الخاسر على رعاية الراعي الذي لم يعرف عنه إيفاءً بعهدٍ أو وعدٍ ، وأريحية عدوهم المستفرد بهم . لعل هذه واحدة من البديهيات التي لايجهلها أحد في الساحة الفلسطينية ، إلا أن أصحاب هذا النهج التسووي المدمر قد أوغلوا بعيداً في المنحدر فوصلوا إلى نقطة اللاعودة ، هذه التي فضلاً عن كونها ليست في واردهم هى ليست في قدرتهم .
قبيل الجلسة التفاوضية الثانية سمعنا من الأوسلويين كلاما مشابهاً ، جاء هذه المرة من لجنتهم التنفيذية ، والمقصود هنا هو اللجنة التنفيذية لما كانت منظمة التحرير الفلسطينية ، هذه التي جار عليها الزمن فغدت منظمةً باصمةً للتمرير بعد أن كان من المفترض أنها أداةً للتحرير ، حيث تُستل من غياهب النسيان والاهمال فحسب حين الحاجة لتوقيعها على تنازلٍ ما ، ذلك بعد أن أفقدوها شرعيتها النضالية بالعبث بميثاقها ، وعملوا على اهتراء مؤسساتها بتعطيلها والاستفراد بها . من طرائف هذه التنفيذية التي تضيفها إلى هذا الفائض من المفارقات الأسلوية ، تحذيرها العرمرمي “إنها لن تقبل على الإطلاق أن تصبح المفاوضات ستاراً سياسياً لتطبيق أوسع مشروع استيطاني ” ، وكأنها لم تشهد ، وكشاهد زورٍ ، ولعقدين أجدبين من التفاوض ، أنه لم ينجز هذا المشروع “الإستيطاني” الواسع فحسب ، بل قارب على التمام وليس ثمة أكثر من بعض استكمالٍ لحواشية . لكنه يحسب لهذه التنفيذية أنها فطنت أخيرأً إلى أن “حكومة الاحتلال تقرر سلفاً تقويض كل الفرص أمام المفاوضات” ! وكذا تأكيدها على رفضها الجازم ، وإن بعد أن كان ماكان ، ” الربط بين اطلاق المجموعة الأخيرة من الأسرى وبين القرارات والخطط الاستيطانية” الجارية ! يضاف له اعادتها إلى التداول ، ولو إلى حينٍ ، تحذير سحبته المفاوضات من التداول ، بأن قيام الاحتلال “بأي خطوة عنصرية سيدفع القيادة الفلسطينية إلى المطالبة بتدخُّل المؤسسات الدولية” … هنا لم تقل لنا أي خطوةٍ عنصريةٍ لم يقدم عليها الصهاينة بعد ، أو هل بقي ما يفاجئوننا بها ؟! وبعد هذا وكله ، وعود على بدء ، تعود التنفيذية لتستل من جرابها ، لمنع ” تقويض الفرص” التصفوية ، مراهنتها المستدامة على الأميركي ، عندما تحمِّل ” الإدارة الأميركية المسؤلية الأولى عن وقف هذه الجرائم الإسرائيلية ، ومحاولات إفشال العملية السياسية”… لم تجروء على التلويح بالعودة عن العودة للمفاوضات ، وحاشاها أن تشكك في نزاهة راعيها الطافحة بالنزاهة !!!
… هَزُلت ، وبات من غير المستغرب كل ما كان يعد مستغرباً ، وفوق هذا وذاك مستدام هذا العجز الفصائلي المعترض على المسار التصفوي قولا لاعملاً ، أو أولئك المستمرئين مقام أوسعتهم سباً وفروا بالإبل !