عادل سمارة
أيها العقل الغارق في الاستهلاك، أنت لست فتنة نائمة، بل انت قاتل. هل تحب سوريا؟ ليس هذا ما أريده منك. أطمع في الحد الأدنى… أن لا تخونها. هناك في عدم الخيانة شفاؤك. ولحظة ذاك: تنتصر سوريا وننتصر.
أيها العقل المهزوم، ستبقى مهزوما إلى أن تشتبك، أن تبدا أنت الاشتباك أن تغتسل بالاشتباك، وإن لم تفعل فأنت محط خيانة قد لا تراها، وهذا أفظع. هل تطمئن بان تجهيز “توما هوك” مجرد حرب نفسية كما يحلل بعض العرب؟ وهم يصيبون ويخطئون معاً:
يصيبون، لأن الحرب النفسية تسبق وتلازم وتستمر بعد حرب الرصاص.الحرب النفسية سلعة ثقافية ليست معمرة وحسب بل ربما ابدية تنتقل من ألفية إلى أخرى. ألم نزل نقرأ طبقية ارسطو وثورة سبارتاكوس، واشتراكية القرامطة، وتراث المعتزلة؟ أما السلع المعمرة بما فيها توما هوك فهي مرحلية.
ويخطئون لأن الحرب في كل مكان وناحْ ومن منَّا لا يراها فهو جزء منها. والحرب وإن كانت بالنار على سوريا فهي بألف طريقة على كل شبر من الوطن العربي حرب ممتدة بينما في سوريا مشتدة. فما العمل؟ بل اين أنت؟
وهنا لا ينفع الاختيار بل القرار، أي أن يكون الاشتباك. وهنا المفصل والحالة المفصلية، شعب ام قطيع. اشعر في هذا الموضع أنني أكتب بعقل عبد الرحمن الكواكبي، ولكن بلغة أشرس وربما وقحة. كيف لا ؟ ولكن ماذا نسمي الحال القائم؟ حالة تتضاجع وتتوالد وتاكل ولا تقاتل!(لاحظوا الفارق بين أمة تنتج الناس وتعيش على الريع والهبات وأمم تنتج الحاجات المادية وأكثر) Mass Production and Nass Production !!!! تُقتل ولا تقاتل. هل يناقض هذا الشعارات الكثيرة عن الشعب بانه لا يضل ولا يخطىء؟ أم يناقض كيف تُقرا هذه الشعارات؟ ومن هو وما هو الشعب او الطبقة دون وعي سياسي وطني طبقي واضح؟
والقتال له مليون باب، ولا يوجد من لا يستطيع ممارسته، بوسع فرد واحد ان يقاتل بوسع حزب، طبقة جيش شعب أمة أمم. بوسع كل هؤلاء أن يقاتلوا. وفي حالة سوريا فالأمر أكثر من واضح. إن مجرد رفض شراء قلم رصاص من صنعهم هو نضال.
ليست مجرد حرب نفسية، بل هي حرب منذ قرون. ولعل أوضحها أنهم أنزلوا في قلبنا 6 مليون جندي، ها هم في فلسطين، وأنزلوا في سوريا مئة الف مسلح من الأممية الوهابية، فهل لا تزال الحرب حربا نفسية. وأنزلوا في كل عاصمة اسرة أو طبقة متخارجة بما يوجب الخروج عليها بالسيف، فهل هي حرب نفسية.
دعونا نُخرج عقلنا من الحرب النفسية لنقرأ الحرب الفعلية التي نحن في إوارها. أن نقرأها كي نواجهها بحرب الحروب بالفعل وليس بصفق الوجوه أو التصفيق:
من يستشيط غضبا على تجهيز توما هوك هو نفسه الذي يستشيط فرحا بعملية استشهادية. في الأولى لا يطوله ضير وفي الثانية يقوم الفدائي بالعمل نيابة عنه، فهو عملياً في الحالتين، خارج الفعل والتاريخ، ومن هو خارج الفعل والتاريخ هو حالة نخاسية في سوق الثورة المضادة.
لماذا خارج التاريخ والفعل الإنساني؟ لأن الإنسان بمجرد وجوده البدائي كان مقاوماً لا متكيفاً، فاعل لا ردة فعل. لهذا تُقرأ الحياة عبر نمط الإنتاج لأنه فعل الإنسان في المكان، عو الزمان في الطبيعة. بل يقوم هو بتكييف الطبيعة وهو يواجهها. هو لم يطالب الطبيعة إذْناً بحرية الفعل بل بفعل الحرية لأنه يفعل الحرية بالقوة.
موجع للقلب ذلك الغضب في الليل على تجهيز توما هوك، وتفلُّتات ديمبسي وتعرِّي عشرة رؤساء أركان عرب تحت فرجه. ويفتك بالقلب ذوبان هذا الغضب في الصباح غسل المشاعر من شحنتها الوطنية والقومية والثورية، وكأنها من شخص آخر، في شخص آخر ومن ثم الخروج إلى:
التهام منتجات العدو كأنها اوليمة التي انزلتها السماء إلى المسيح…إنه التبرع له بنقودنا؟ وما هذا غير سلوك القطيع؟
وما معنى أن نذهب في الصباح إلى أعمالنا كأن اليوم عادي تمامً؟
وأن نذهب (أقصد أهل الأنجزة) إلى يو أس إيد لتقديم طلب استجداء بعض المال؟ فأنت الشاب/ة نفسك المنفعل ليلاً تعيش وتبطر باستجداء أبيك، بوضعٍ وضيع أمام جندي/ة امريكي قاتل بلباس مدني.
ما معنى ان تستمع في الجامعة لمحاضر هو طابور سادس يروج لما بعد الحداثة أي ما بعد الانتماء وما بعد الوطن، فما بعد الانتماء لهذا هو انتماء لذاك؟ هل تجرؤ على طرد المحاضر او الدعوة لاستنكاف جماعي عن محاضرته؟
ما معنى أن تلتزم في الصباح في مكان وظيفتك وأنت تعلم أن رئيس عملك يستدعي الحرب على سوريا؟
ما معنى أن ترتكب الخنوع والمذلة وحتى كتابة تقارير لأنواع الأعداء، مبررا ذلك بأنها…لقمة العيش، وهي قنبلة في الحلق!
ألا يقتلك هذا الفُصام؟ بل يقتلك. فها أنت تتصالح مع إثنتين هما نفسك هذه ونفسك تلك. فأنت حالة شلل إذن. أنت اثنان واحد يشد إلى هنا وآخر الى هناك، وغالباً ذهب من هنا إلى هناك.
هي مجرد كلمة، ليس الأمر توما هوك، بل الأمر أن تشتبك. قد تنزل إلى الشارع، وتنثر بضائهم تحت اقدام الفقراء شريطة أن يدسوها لا يلملمونها كغنية حرب بدوية، أن تفكك مفاصل فراخات مثقفي الطابور السادس (المجلس الثقافي الفرنسي والألماني والبريطاني والهولندي والتركي…الخ). حينما تختنق شوارع الوطن العربي بالناس يفهم توما هوك بأنه مجرد تحميلة في مؤخرة المرحلة. هذا ما يكشف ما هي قوة الشعب وحرب الشعب. فالمطلوب حب الكل وليس انتظار ضربة من هنان أو هناك. هي حروب لا بد منها.