العميد د.امين حطيط
قبل ان تقلع طائرته شرقا الى اروبا و منها الى قمة ال 20 في روسيا، اطلق اوباما صاروخين بالستين في المتوسط شاء ان يسبقه مفعولهما الى القمة و يحجب بهما مفعول التراجع عن العدوان الذي كان حضر له و هدد به سورية. اطلق اوباما صاروخيه من من المتوسط و فيه وبعيدا عن شاطئه الشرقي و بعيدا عن اليابسة السورية و خارج مجال رصد منظومة الانذار المبكر السورية و لكن و بدون شك داخل مجال منظومة الانذار المبكر الروسية التي جددت شبابها و فعاليتها منذ العام الماضي بحيث وضعت حدا لاستئثار الحلف الاطلسي بالقيادة الاميركية بالمتوسط، البحر الذي انقلب لفترة غير قصيرة بحيرة للغرب.
اطلق اوباما صاروخيه و تنصل منهما ليترك المجال لاسرائيل بان تتقدم متبرعة بتحمل المسؤولية الامر الذي جعل البعض و من غير تدقيق يصدقون الرواية الاسرائيلية التي حملت في ثناياها ما ينسفها عندما قالت بان طائرة من طائراتها هي التي اطلقت الصاروخين، و هو امر طبعا لا يصح وفقا للتنقيات و الاليات المعتمدة في الصواريخ البالستية التي تتطلب منصات اطلاق لا تؤمنها الطائرات، و بالتالي كان للتدخل الاعلامي الاسرائيلي ايضا في الشأن ما يوحي بان هدفا ما تريد اميركا و اسرائيل تحقيقه من المسألة ما دفعهما الى القيام بعملية التضليل هذه و على هذا الشكل. و لكن لا يمكن ان نبعد اصبعا اسرائيليا من المسألة خاصة اذا تذكرنا العمل العسكري المشترك الذي تقوم به اسرائيل و اميركا في المتوسط منذ سنتيتن بعد ان التحقت احدى القطع البحرية الاسرائيلية (او اثنتين ) بالقوة البحرية الاطلسية العاملة هناك و العمل معا في سياق المهام المشتركة و الدوريات في المتوسط و على و شواطئه.
و الان و بعد هذا التذكير و توضيح بعض ما ينبغي لفت النظر اليه فان الاسئلة التي تطرح هنا تدور بشكل اساسي حول اسباب اطلاق الصواريخ و اهدافها و تبيان علاقتها بالتهديد بشن عدوان على سورية، عدوان احال اوباما مشروع القرار به الى الكونغرس الاميركي و ينتظر نتائج التصويت فبل منتصف ايلول الجاري، احالة كانت كما راينا فيها فرصة لاوباما من اجل كسب الوقت و دراسة الموقف لمعرفة القدرات و الامكانات للسير قدما بالعدوان او التراجع عنه. و الان لماذا اطلقت الصواريخ ؟
نرى ان اطلاق الصواريخ يمكن رده الى اسباب عسكرية ذاتية، و اسباب سياسية لها علاقة بالبيئة المتشكلة بعد التراجع الاميركي المؤقت عن العدوان، و اخيرا هناك ما له علاقة بالخصم و العدو في سياق تنفيذ العدوان ذاته و عليه فاننا نرى ان اميركا اطلقت صواريخها من اجل :
1) دوافع عسكرية ذاتية : لم يكن سهلا على اميركا ان تحشد اساطيلها و تعسكرها في المتوسط ثم تتراجع او تجعل هؤلاء ينتظرون امرا قد لا يأتي ـ لذلك كان من المنطقي ان تجري مثل هذا الاطلاق و تدرجه في سياق تدريبي كما صرح ليلا الناطق باسم الخارجية الاميركية بالانابة ( قال انه تدريب روتيني مخطط مسبقا و طبعا لم نصدقه فيما ادعى ) و يكون من شأن هذا الاطلاق و بهذا التوقيت، ان يؤمن للقيادة الامريكية فرص اختبار الجهوزية والتحقق من الفعالية و رصد الثغرات في اداء القوى لمعالجتها قبل حلول العمل الجدي فيما لو تقرر تنفيذ العدوان. و بالتالي تكون اميركا قد اختبرت صواريخ التدمير و صواريخ الاعتراض، و فرق العمل و منظومة القيادة و السيطرة، و على مقلب آخر تكون قد قامت بعمل يكسر الانتظار و يشحذ الهمم و يرفع معنويات القوى.
2) دوافع نفسية سياسية باتجاه الحلفاء : من المقطوع به ان خيبة الامال التي لحقت باتباع اميركا الذين عولوا على العدوان على سورية ثم وجدوا اوباما يتراجع عنه، انها خيبة كبيرة سجلتها شاشات التلفزة و مواقع النت و صفحات الجرائد و كانت خيبة اسرائيل و السعودية وتركيا ظاهرة بشكل قاتل. و هنا تأتي الصواريخ لتطمئن هؤلاء في الوقت المستقطع لدراسة الوضع في الكونغرس، للحفاظ على ثقتهم باميركا و يكون دور الصواريخ هنا بمثابة المثبت لتلك الثفة و المعزز للطمأننية و لهذا كان اشراك اسرئيل اعلاميا على الاقل (وهي الاهم بالنسبة لاميركا ) كان اشراكها بالعملية.
3) دوافع باتجاه الاعداء و الخصوم : رغم ان اميركا قالت بان العملية منفصلة عن التهديد بالعدوان على سورية فاننا لا نرى في الامر مصداقية ابدا، و نرى ان اميركا شاءت ان تقطع بصواريخها فترة الانشراح و الشعور بالنصر و السعادة لدى الاعداء و الخصوم الحالة التي اعقبت تراجع اوباما المؤقت عن البدء بالعدوان، ثم انها ارادت ان تذكر روسيا بقدراتها قبل ان يجلس اوباما الى جانب بوتين غدا يوم الخميس و هو يئن من ضعف و ارتباك. انها رسالة تذكر بالقوة الاميركية حاول مرسلها ان يطرد من ذهن الاعداء تصور الضعف و الهزيمة.
اما ما يمكن ان يقال من ان الصواريخ هي نوع من الاستدراج لايران او اختبار منظومة التصدي لسورية او ردة فعل روسيا، فاننا لا نرى له موقعا على بساط الحقيقة، لان اميركا تعرف ان روسيا تعرف ما لديها من قدرات و ان كان من جديد فهو في الاتجاه العكسي اي قيام روسيا بمفاجأة اميركا بالاعلان عن الحادثة بعد 3 دقائق من موقعها في عمل مؤداه القول بان روسيا حاضرة في المتوسط و بفعالية، اما عن ايران فان باعها في الصبر و التلاعب باعصاب الخصم طويل و حرفتها اللعب على حافة الهاوية و لهذا لن تستدرج و لن تكشف شيئا من اوراقها كرمى لعين اميركا،و تبقى سورية بعيدة عن الاختبار اصلاً طالما ان الصواريخ لم تقترب من مجالها الجوي او الحيوي و لم تصل الى يابستها، لذلك اذا كانت اميركا تريد ان تختبر هؤلاء الثلاثة و تقف على ردة فعلهم فاننا نقول ان اميركا ستنتظر طويلا لان سلوكهم سيكون فعلا في وقته و لن يكون ردة فعل يحدد العدو مكانه و زمانه و يدانه و سلاحه، و لن تجدي وسائل الاعلام المسخرة اميركيا في التحريض على الرد وكشف الاوراق.
:::::
جريدة البناء