أوباما بين الانهزام والهزيمة

د. ليلى نقولا الرحباني

الخميس 5 أيلول 2013

بغض النظر عن القرار الذي سيخرج به الكونغرس الأميركي حول السماح لأوباما بشنّ عملية عسكرية على سورية، من الواضح أن العملية العسكرية الأميركية باتت صعبة جداً، حتى ولو أعطى الكونغرس الأميركي للرئيس أوباما تفويضاً بشنّها، ولعل ما يجعل من ذلك التدخل العسكري أقرب إلى الاستحالة عوامل عدّة، أهمها:

 أولاً: تغيُّر موازين القوى الدولية، فالنظام الذي كان سائداً في مطلع القرن الحادي والعشرين، والذي سمح للأميركيين بشن حرب على أفغانستان والعراق واحتلالهما، والذي سمح لحلف “الناتو” قبل ذلك بعملية إطاحة مولوسوفيتش وقصف كوسوفو عام 1999، لم يعد ذاك النظام كما هو، بل شهد تبدلات جذرية، أهمها تراجع قوة ونفوذ الولايات المتحدة، ودخول روسيا إلى الساحة العالمية بقوة، وقيام تكتلات وتحالفات دولية جديدة، بالإضافة إلى فرض نفوذ قوى إقليمية وازنة في مناطق عدة في العالم، ومنها منطقة الشرق الأوسط.

 ثانياً: لعل الغرب افترض أنه بمجرد تهديده للنظام السوري بضربة عسكرية، فإن النظام سينهار، أو على الأقل سيشهد انشقاقات هامة بين صفوفه، وفي صفوف الجيش السوري، مما يسرّع من انهيار النظام، وكما منذ بداية الأزمة ولغاية الآن، فاجأ النظام السوري الجميع بتماسكه، فلم تحصل فيه انشقاقات هامة دراماتيكية كما حصل للنظام الليبي، ولم تحاول وجوه بارزة من النظام الهروب والنفاذ بجلدها خوفاً من ضربة تُسقط النظام وتؤدي بهم إلى المحاكم كما حصل في العراق.

 ثالثاً: صلابة الحلف الملتفّ حول سورية، وعدم قدرة الغرب أو العرب اللعب على المصالح أو إدخال التناقضات فيما بين أطرافه المتعددة، وهكذا تبيّن من الحرب الإعلامية والنفسية التي دارت الأسبوع الماضي، أن للغرب قوته وقدرته، وللحلف المقاوم قدراته أيضاً، وهو يستطيع أن يهدد ويردع، واللافت أن الحلف الغربي – التركي – العربي المؤيد للعدوان على سورية، ما لبث أن شهد انفراط عقده بسرعة، بينما بقي الحلف المواجه ثابتاً على مواقفه، ولم يتفلّت منه أحد، على الرغم من ضراوة الحرب المحتملة، والتي كانت ستشعل المنطقة، وهكذا، في لعبة عض الأصابع التي ينتصر فيها من يصمد إلى النهاية، ويخسر من ينسحب أولاً، خسر المحور الغربي وبقي المحور المقاوم صامداً.

 رابعاً: تلعب الذاكرة العالمية الحيّة حول الخديعة الأميركية في العراق دوراً مهماً في إفشال الخطة الغربية، فالعالم ما زال يذكر كيف زوّر وفبرك الأميركيون تقارير أدّت إلى احتلال بلد ذي سيادة، بذريعة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل، وما زالت الشعوب الأوروبية والشعب الأميركي يدفع ثمن الفاتورة الباهظة لاحتلال العراق بإنفاق مليارات من الدولارات على الحرب فيه، وقتل الجنود، وتهجير ملايين العراقيين، وقتل مئات آلاف منهم، بالإضافة إلى تغلغل “القاعدة” فيه، ما جعل التفجيرات الانتحارية حدثاً يومياً يحصد أرواح العراقيين، ويقوّض الدولة لغاية الآن.

 خامساً: التسرّع المشبوه للغربيين باتهام النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية قبل انتهاء مفتشي الأمم المتحدة من تحقيقاتهم وإصدار تقريرهم حول الموضوع، وفي هذا التسرع بدا الموضوع وكأنه استباق لنتائج تقرير قد يدين حلفاء الغرب بدل أن يدين النظام السوري، ما يجعلهم محرَجين في توجيه ضربة “تأديبيّة” للنظام، تؤدي إلى إضعافه ومنعه من الحسم العسكري الذي يقوم به على الأرض.

 سادساً: انتشار الصور والفيديوهات حول قطع الرؤوس وأكل القلوب والأكباد، وانتشار الفكر التكفيري، وسيطرة “القاعدة” و”جبهة النصرة” على مناطق المعارضة في سورية، تؤثر بشكل كبير في الرأي العام العالمي، وعلى تفكير العقلاء من النواب وصنّاع القرار في أوروبا، وما انفراط عقد التحالف بهذه السهولة إلا لأن الغربيين يخشون من أن يكون ثمن تهوُّر الإدارة الأميركية في سورية أن تُعطى الحركات الإرهابية فرصة الانقضاض على الدولة السورية والسيطرة عليها، وهو الأكثر احتمالاً في حال سقوط النظام السوري.

 بالنتيجة، كل هذه الأسباب تجعل من الضربة الأميركية على سورية نوعاً من ضرب الجنون الذي قد يؤدي إلى خسارة كل شيء، وبكل الأحوال فإن تأجيل الضربة إلى ما بعد اجتماع الكونغرس في التاسع من أيلول الجاري، والتراجع الأميركي الذي حصل بعد ارتفاع سقف التهديدات إلى درجة غير مسبوقة، يجعل الأميركي خاسراً للمصداقية وفاقداً للهيبة الردعية التي يُفترض بقوة عظمى مهيمنة أن تتحلى بها، وبات الحل أن يحاول قادة الدول العشرين الذين سيجتمعون في روسيا هذا الأسبوع، أن يجدوا مخرَجاً مشرّفاً لأوباما يحفظ له مصداقيته وماء وجهه، ويجنبوا المنطقة انفجاراً كبيراً قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة.