أمريكا

إعادة الإعتبار إلى الموت

أحمد حسين

لو كان الذي يستقبل الموت بباب النفس البشرية هو العقل، لهان على الذين سيموتون في حرب أمريكا المقبلة على سوريا موتهم. لكن الذي يستقبل الموت دائما هو الخوف. إذ يزعم بعضهم جزافا، أن وجه الموت أقبح من وجه أمريكا. فإذا صدقنا هذا فمقابلة الموت وجها لوجه أمر جدير بالخوف. السبب الثاني هو أن كثيرا من الناس يحبون الحياة على علاتها، ويرون أن فيها من معجزات الجمال أكثر مما فيها من معجزات القبح. لذلك يريدون أن يشربوا كؤؤسهم حتى الثمالة وأن لا يموتوا قبل موعدهم. وهؤلاء على الأغلب شعراء او تغلب عليهم الشاعرية. وكنت أنا حتى ما قبل انفراد أمريكا بالعالم من هؤلاء الناس. ومع أنني لا أزال مبدئيا ضد الموت، إلا أنني مع ذلك أرى أن الموت اليوم هو أمر لا بأس به نسبيا، قياسا على الحياة في عالمنا الأمريكي. ألحياة أصبحت أقل جمالا بكثير وأكثر قبحا بكثير، بعد أن أصبحنا نعيش في مملكة القبح والشر، وصرنا نشعر بالخوف أكثر مما نشعر بالنعاس. لقد سيطر القبح على كل شيئ كنا نظنه جميلا. سيطر على الشارع والمدرسة والبيت ومائدة الطعام. الأطفال، هم أجمل ما في الحياة، لأنهم يحملون كل حسناتها ولا يحملون من سيئاتها شيئا، أصبحوا أقبح ما في الوجود. إنهم يسببون لنا من التعاسة، ما لا تستطيع نفوس البشر تحمله. إن موتهم بالقتل والحرق والقصف والذبح، لا لسبب سوى أن الآخر الكوني في العالم الجديد يريد ذلك، دون أن نستطيع حتى تقديم أنفسنا للقتل بدلا منهم، هو شيء بعد الجحيم. فالله لا يعذب الناس في جهنم بقتل أطفالهم، حتى لو كانوا عربا. بعد ذلك أصبحنا حتى نحن تعساء البشر، ننظر وجوهنا في المرآة فنرى كم أصبحنا قبيحين. الأطفال أينما وجدوا للناس كلهم، لأن الحياة للناس كلهم، والأطفال هم الحياة. أليس كذلك ؟ فلماذا قالت ” الأنسة رايس ” أن أطفال العرب مختلفون عن غيرهم في حق الحياة، ولكنها بكت على شاشة التلفزيون لطفل غير عربي أفزعه صوت القصف. لو كان الأمر بيدي فصدقوني أني كنت سأبكي لأجله، ولكن ” الأنسة رايس ” لم تبك على أطفال العرب المتفحمين والممزقين إلى أشلاء في لبنان وغزة، رغم أن الأطفال الذين ظلوا أحياء سيتاح لهم، كما آمل، أن يضحكوا وينسون فزعهم. صدقوني أن أقبح شعوب الأرض هم العرب، أقسم على ذلك، ولكن المارينز الذين كانوا يقتلون أطفال العرب بقناعة نفسية تامة، كانوا في العراق يوقفون إطلاق النار إذا اعترضها كلب عابر بالصدفة حتى لا يصيبوه. ومع ذلك فكل العرب الذين لم تقتل أمريكا أطفالهم بعد ما زالوا يحبون أمريكا.

إذن دعونا من العرب، فسيكون قتل العرب الذين لا يكرهون أمريكا، أو الذين يكرهون سوريا أكثر من أمريكا مسالة فيها نظر، وسيعتبرهم الأخوان المسلمون شهداء، بموافقة من البنتاغون. لنعد إلى قضية الموت التي بدأنا بها.

هل صحيح أن فى العالم حوالى سبعة مليارات بشري، لا ذنب لهم، لأنهم لم يقتحموا الأرض على أمريكا. الله أوجدهم فيها كما أوجد الأمريكان. فما معنى أن يقف أمريكي واحد، أمام لا أحد سوى الصحفيين ويقول قررت، بالإعتماد على مخابراتنا ولمصلحة الديموقراطية والسلام العالمي وحماية مصالحنا وأصدقاءنا في منطقة الشرق الأوسط، أن أوجه ضربة عسكرية إلى سوريا. تابعوا التطورات في بياناتنا اللاحقة !

لقد سبق أن القى الرئيس الذي سبقه بيانا مقتضبا كهذا وأباد دولة وحضارة بكاملها. ثم خرج من العراق إلى أفغانستان وأخلاها من العمران. وقبل ثلاث سنوات، أطلق جيوشا من الهمج والمجرمين على عدة بلدان عربية وأحالها إلى خرائب. إذن فالرجل يتابع سياق سلفه حذو الحافر بالحافر، مما يدل أن السياق هو استراتيجية أمريكية عالمية، وليس عبث موظفين في البيت الأبيض. وما دام السياق هو كذلك فالعرب ليسوا آخر القتلى بل أولهم. وفي الحقيقة أن أمريكا حريصة على تقديم مشاهد من الجحيم لجميع الناس في العالم، ليفهموا ليس ما ينتظرون من أمريكا، فقد أوضحته جيدا، ولكن ليفهموا ما تنتظره أمريكا منهم وهو أن يعيشوا ويتصرفوا كما تريد لا كما يريدون. كل ما مر بهم كان هراء إسمه التاريخ والإنسان والحضارة. هناك الآن قوة خالصة هي أمريكا تريد وتقرر وحدها للجميع. الحياة ليست تجربة يحيط بها الغموض، إنها الحياة فقط كما تريدها أمريكا. العودة إلى الحقيقة الوحيدة التي هي حرية القوة ونظامها الفعلي، الذي سيفرض الإستقرار الموضوعي في كينونة بشرية خالية من التعقيد وخالية من الأوهام. كينونة مسطحة من المشي على أرصفة الوجود، لا دور لها سوى إشباع سيادة القوة والبيولوجيا.

العالم مليء بفوائض الحاجات البيولوجية التي لا لزوم لها الآن، وعلى الناس التسليم ببساطة الموت المدهشة ووحدة الحياة والموت في جدلية الحياة.

أمريكا تفكر هكذا وتحكم العالم. فلماذا يريد الناس أن يواصلوا الحياة ؟ هل الموت مزعج لإنسانيتنا ولفكرتنا عن أنفسنا، أكثر من ذلك الجندب البيولوجي الذي يريدنا أن نعيش كما يريد هو ؟ ذلك الكائن المصنع في مستنبت القوة والشر والجنون، الذي يوجه كلامه إلى سبعة ملياردات إنسان، وكأنه يكلم إحدى عاهراته لأنه ممثل القوة الكبرى في العالم ؟ ألم يصل التناقض بعد بين أمريكا والعالم درجة التناقض بين الإنسان وحياته ؟ فلتهاجم أمريكا إذن سوريا وتنهزم إلى الأبد، أو تنتصر ولا شأن لنا بالحياة أو الموت. ليهاجموا العالم في شخص سوريا، ولنمت نحن أوهم. لم يعد هناك خيار. أمريكا لن تتراجع. فالمجنون لا يتراجع. وإلى أطفال العالم الذين لن تطالهم صواريخ أمريكا. لا تنسوا أن تدافعوا عن أنفسكم وأطفالكم كما نسي العرب. كانوا خائفين من الموت فماتوا بالخوف. لا تنتظروا باب الموت حتى تفتحه لكم أمريكا. إفتحوه أنتم لها أو تتراجع عن ضرب بلادكم. ما تقوله أمريكا هو ما يسمى الكذب، وما لا تقوله هو ما يسمى الشر. فلا تصدقوها ولا تكذبوها. كونوا مستعدين لها دائما فقط.