د. عادل سمارة
أصدرت مجموعة من منظمات تروتسكية في قُطريات عربية بياناً بشأن سوريا يوم 29 آب 2013 يبيِّن “ببلاغة عن غير ما قصد” تحالف: تروتسكي وهابي صهيوني إمبريالي ضد سوريا. وقبل الإشارة لبعض ما ورد فيه، اود التقديم بما يلي:
قبيل تفكك الاتحاد السوفييتي كنت أمقت كراسا صغيرا من طباعة دار التقدم في موسكوعنوانه: “التروتسكية خصم الثورة”. الكراس معالجة تسطيحية للتروتسكية. ورغم تقاطعي العميق مع الماوية بما هي الخط الماركسي-اللينيني الأكثر عمقاً وفعالية فكريا وكفاحيا بالمستويين القومي والطبقي، إلا انني كنت اُحاجج بأن التحريض الشكلاني الذي يقود إلى رفض قراءة أية أطروحات بما فيها التروتسكية ليس موقفا ثورياً، وعلى الأقل قراءة تروتسكي في الفترة بين التحاقه بالثورة البلشفية وترك المناشفة، اي عشية الثورة وبين هروبه من الاتحاد السوفييتي 1928.
هذا رغم الوصف العميق واللئيم له من قبل لينين حيث اسماه “يهودا الصغير”. وفقط لأنني كنت أقترح قراءة تروتسكي وحتى التروتسكية كما نقرا اية أطروحات حتى برجوازية وقعت في مأزقين معاً:
· فمن جهة اتهمتني التحريفية السوفييتية بأنني تروتسكي
· ومن جهة ثانية، (همس) التروتسكيون من ورائي بانني تروتسكي لا سيما وهم شديدو المهارة في الدعاية والترويج. (آخر مثال فقد وصلني إيميل من تروتسكي بريطاني أعرفه منذ كنت ادرس هناك يطلب مني أن أكتب لصالح “الثورة” في سوريا. ويبدو أنه لعدم قرائته العربية لم يعرف موقفي.
هذا مع أن كل ما كنت أكتب لم يخرج، كما اعتقد عن كوني ماركسي-لينيني وأقرب إلى الماوية ولم أتجاوز عروبتي ولم أذهب به ضد القوميات المتآخية الشريكة في الوطن العربي، وبالطبع باستثناء الاستعمار الاستيطاني الصهيوني الإشكنازي في فلسطين.
قد أكون دقيقا بالقول بأنني اطلعت على مقدار معقول من أدبيات التروتسكيين والتقيت كثيرين منهم وخاصة أثناء وجودي الدراسي في بريطانيا وزياراتي لفرنسا. من الطريف أنني ذات يوم في عام 1995 تحدثت في مركز التروتسكيين في باريس، فجائني خمسة شباب مغاربة يُعدون الدكتوراة في الفلسفة في جامعة “ننتير” وطلبوا لقاء معي. وحين التقينا طلبوا حوارا موسعا معي وقدموا أنفسهم ك “ماويين”. فقلت لهم ولكن انتم تعرفتم إلي في مكان معادٍ لكم! كان ردهم مدهشاً حين قالوا: لكننا فهمنا من طرحك أنت، لا عليك.
كان ما يلفت نظري دوماً تمسك التروتسكيين بالجملة الثورية إلى درجة هائلة على صعيد العالم وكنت دائماً حين اقرأ ما يكتبون أتذكر العبارة الدارجة عنهم في بريطانيا: “الثورة تبدأ من باب المصانع” وذلك أنه رغم وجودهم في بلدان الصناعة المتقدمة، فإن الثورة لم تندلع. وعبارتهم هذه ردا على عبارة ماو: “الثورة تنطلق من فوهة البندقية” طبعا ماو أطلق من فوهة البندقية ثورات عديدة وحتى اليوم وغدٍ، حيث يُدثر الماويون حرب غوار في الأرياف الهندية، وفي بيرو وأماكن أخرى من العالم..
ولكن مسألتين كانتا ولا تزالان تشكلان لحظة الكشف عن جوهر هذه الحركة وهما:
أ ) إن هذه الحركة والتي كانت حتى سنوات قريبة على علاقات علنية واسعة بالكيان الصهيوني، ورغم ثرثرتها عن حل إشتراكي في ما يسمى “الشرق الأوسط” إلا أن هذا الحل “الإشتراكي” لا يأتي حسب رايهم لا بتحرير فلسطين ولا بحق العودة بل بتصدير الفلسطينيين إلى القُطريات العربية كي يبقى اليهود كمستوطنين في فلسطين. أي حل القضية الفلسطينية على حساب العرب! والقبول بالكيان الصهيوني ككيان طبيعي على ارض فلسطين. موقف يرفع ضغط بل حرارة القطب الشمالي رغم برودته! وعليه، فإن الحل “الاشتراكي في الشرق الأوسط” هو شعار خبيث لتمييع وتضييع حق العودة. وهو شعار كثيرا ما خُدع به عرب وغير عرب. وهو موقف لا يختلف بعيدا عن موقف ناعوم تشومسكي وكثيرين مثله من صهاينة الأكاديميا من اصول يهودية مثل يتلر وماخوفر وغيرهم. فهو يرفض باستعلاء على من يعبدونه من العرب، يرفض دولة مشتركة بين العرب واليهود، ويؤكد بوقاحة أن هذا سيكون ظلما لليهود. وهنا نلتقط جذر العلاقة والتلاقي بينه وبين الوهابية والإخوان (الذين تحت تسميات القاعدة وجبهة النصرة) يديرون مذابح في سوريا على اسس طائفية ومذهبية حيث يغذون أطروحة تشومسكي بممارسة هذه المذابح مما يبرر له ولغيره، بان لا أحد بوسعه العيش مع العرب والمسلمين، وهذا يجند أمماً كثيرة للدفاع عن الكيان الصهيوني حتى وهم يعلمون أنهم يغتصبون فلسطين!!!
ب) وترتبط بالنقطة الأولى مسألة القومية العربية. فهم أكثر من استخدم أطروحة ماركس بأن القومية سلاح بيد البرجوازية ليرفضوا اي موقف عروبي بالمطلق وليكثفوا هجومهم على المسألة القومية العربية رغم أن الأمة العربية تحت نار اشكال متعددة من الاستعمار بما فيها الأنظمة الرجعية والكمبرادورية التي هي احتلال بالوكالة وصل اليوم حالة الحرب بالوكالة عن المركز الإمبريالي. وهنا يتقاطع التروتسكيون مع الستالينيين في الموقف المعادي للقومية العربية حيث اعتبرها ستالين “أمة في طور التكوين” بينما اعترف بالمستوطنة الصهيونية التي هي وليد مزيجٍ من جِماع ساهم فيه كل بغيٍّ من برجوازيات المركز الراسمالي الغربي. كلاهما رفض فهم، أو فهم وتخابث، أن الأمة العربية تحت الاستهداف الدائم وبالتالي فالقومية العربية هي حركة مقاومة وتحرر وطني، ولا يمكن اختزالها كمسألة قومية في أنظمة قومية الاتجاه وديكتاتورية التجسيد. لا مساحة هنا لمناقشة أطروحة ماركس بصدد القومية ( Marx Engels, The Communist Manifesto, ed, by Samuel J. Beer, Appleton-Century-Crofts, Inc.New York, 1955.p.51) ) وهل هي بشأن أوربا الاستعمارية أم لا، ولكن نسأل: ألم يقل ماركس “الدين افيون الشعوب” ؟ فكيف يصطف التروتسكيون “الماركسيون” إلى جانب الإخوان المسلمين في مصر والوهابيين والقاعدة في الشام؟
وهذا يفتح على سؤال: هل من تحالف بين أنظمة وقوى الدين السياس يمن جهة والكيان الصهيوني من جهة ثانية. وهذا ناهيك عن ارتباطهم جميها بعلاقات الاستخدام مع المركز الإمبريالي وخاصة في الولايات المتحدة؟ ويكتسب السؤال مشروعيته المنطقية من حقيقة أن حكام السعودية بنظام الدين السياسي الذي فرضوه، يقاتلون لتدمير سوريا، ويتحالفون مع الإخوان المسلمين في سوريا بتغذية قطر، ولا يقاتلون الكيان الصهيوني، بل يشترون أسلحة منه للإرهابيين في سوريا، ويقيمون علاقات اقتصادية تجارية مع الكيان (انظر كتاب: ثورة مضادة، إرهاصات أم ثورة، عادل سمارة 2012، الفصلين الثاني والثالث). هذا إضافة إلى مواقف هؤلاء جميعاً الموحدة تماماً ضد الأمة العربية والقومية العربية. ومن يقف هذا الموقف لا شك بان الوطن العربي لا يعنيه. ومن هنا نصل إلى الاستنتاج المنطقي تماما، بان نظام قوى دين سياسي في سوريا كالقاعدة وجبهة النصرة وورائهما حكام السعودية والإخوان سيكون موقفه من الكيان الصهيوني موقف من يُجاور أهل الكتاب! وبالتالي سيكون التبرير بأن لا حرب على أهل الكتاب من أجل وطن لا سيما أن هذه قوى تؤمن بالسلطة وليس الوطن. ولنتذكر كيف تدحرج لينكشف موقف الإخوان المسلمين في مصر من الكيان. فقبيل سقوط مبارك كانوا يطالبونه بفتح باب الجهاد. وقد تم نشر فيديو لسعد الكتاتني يطالب بفتح ابواب الجهاد، والذي يرد عليه مبارك بالقول: الله ومين حايشك!) وقبيل وصولهم للسلطة بعد مبارك كانت تخريجتهم: سوف نستفتي الشعب على كامب ديفيد. طبعا لم يتم الاستفتاء، بل كتب مرسي إلى بيرس يصف نفسه ب “صديقك الوفي”. والفارق بين الوفي والعزيز هو أن الصديق الوفي حصل وفائه بعد خبرة صداقة طويلة!
وبمناسبة بيان التروتسكيين هذا الذي وقعته التنظيمات التالية:
الاشتراكيون الثوريون (مصر)
تيار اليسار الثوري (سوريا)
اتحاد الشيوعيين في العراق
تيار المناضل-ة (المغرب)
المنتدى الاشتراكي (لبنان)
الرابط الدائم:
http://www.youtube.com/watch?v=ZS1eGljqCPY (Preview)
أود الإشارة إلى ما يلي:
1- إن التروتسكيين جميعاً كما اعرف وقفوا ضد الدولة السورية منذ اليوم الأول لبداية الأزمة السورية، وذلك موقف قام على عدائهم للقومية العربية بما هم شديدو العشق للكيان الصهيوني الإشكنازي الذي يعتبر، رغم الخدع الإعلامية، أن سوريا خصمه الأساس.ولأن اي نهوض قومي يعني خطوة باتجاه تحرير فلسطين.
2- أعود هنا إلى العدوان الغربي على العراق 1991، حيث وقف التروتسكيون والكثير من اليسار الغربي والعربي ضد العراق الذي استعاد الولاية 19 من أرضه اي الكويت،، اي وقفوا في صف أعداء الأمة العربية. حينها كنت أعمل في يو.أن. دي. بي، في القدس وجاءني التروتسكي ميشيل فارشافسكي يحمل بياناً مشابهاَ لبيان التروتسكيين المشار إليه في هذه المقال المذكور أعلاه (أنظر الرابط) بيان يضع النظام العراقي في مصاف العدو الأمريكي، بيان جوهره وجوب إسقاط الدولة العراقية بحجة الديمقراطية. من يقارن البيانين يجد أن العقل نفسه الذي كتبهما. لم أكن مؤدبا معه!.
3- وعلى نفس الخط وقف تروتسكيو مصر مع الإخوان المسلمين بحجة صندوق الانتخاب، بينما عجزوا عن رؤية الاستفتاء الشعبي لثلاثين مليون مصري خرجوا إلى الشوارع والحواري لخلع مرسي فهم انفسهم الذين وضعوه وخلعوه! وراء موقف التروتسكيين يكمن العقل الصهيوني الذي يرى بأن النظام الجديد هو أقرب إلى استعادة مصر لدورها العروبي، وإن تدريجيا، وهذا بالضرورة على حساب الكيان الصهيوني.
4- بيان هذه المنظمات التروتسكية يشير إلى ما اسموه “الإمبريالية الروسية”. غريب؟
لماذا لم تصفوا روسيا بعد يلتسين بالإمبريالية سوى اليوم؟
لماذا كانت دولة طبيعية ومحترمة حينما خُدعت وخذلتنا بقبول تخويل الناتو تدمير ليبيا؟
ولماذا لم تصفوا الناتو بالأمبريالية حينما تجاوز الإذن الغبي المزعزم بحماية المدنيين؟
هل كانت حينها ليبيا هي الإمبريالية.
من الطرافة بمكان أن هؤلاء يكررون مزاعم “فتى الموساد-عزمي بشارة” الذي وصف روسيا والصين بالإمبريالية فقط لأنهما تقومان بواجب إنساني ومصلحي في الدفاع عن سوريا. وكعادته في كتابة المخاليط السياسية والفكرية خلط بين كون نظام روسيا الاقتصادي راسمالياً فألبسها ثوب الإمبريالية! طبعا لا شك أن هؤلاء التروتسكيين العرب يتغذون على فذلكات عزمي بشارة الذي وقف إلى جانب أنظمة الدين السياسي في تونس ومصر.
5- في عداء هؤلاء للقومية العربية، يبخلون علينا باستخدام التسمية الصحيحة”الوطن العربي” وحتى يبخلون باستخدام التسمية الصحافية العادية “العالم العربي” فيكتبون “المنطقة العربية” وذلك لإسناد زعمهم بعدم وجود أمة عربية والوصول إلى رفض اي شكل وحدوي عربي لأنه خطر على الكيان الصهيوني، وإلا ما الذي يضيرهم من الوحدة؟
ولكي نضع النقاط على الحروف، لندع التروتسكية العالمية تكتب ما تريد ضد سوريا كما كتبت ضد العراق ونسأل كل هؤلاء:
· بما أنكم عرباً، هل تؤمنون بحق الأمة العربية في الوحدة؟ ولماذا تثرثرون عن حل اشتراكي في ما يسمى الشرق الأوسط وترفضون ان يبدأ الحل الاشتراكي بين العرب على الأقل؟
· هل تؤمنون بتحرير فلسطين، اي التحرير قبل العودة وهزيمة الكيان الصهيوني الإشكنازي؟ بما هو استعمار استيطاني وصنيعة المركز الراسمالي العالمي؟
أخيراً، أقول لكل من دخل هذه المنظمات من العرب الشرفاء، إسألوا قادتكم ومنظريكم من عيار جلبير اشقر(صلاح جابر) وسلامة كيلة (عيار صغير): لماذا يخلو بيان هذه المنظمات بل بياناتهم من اي ذكر للحل السوري السلمي، يخلو من الدعوة للانتخابات إذا كان الشعب السوري مع ثوار النفط والوهابية وأكل الأكباد فهذا يضمن بأن الوهابيين والإخوان (أي القاعدة والنصرة) وتمفصلات يسار النفط سوف يكسبون الانتخابات، فلماذا لا يُجرونها!!!!؟
ألم تتعهد الدولة السورية بأن تجري الانتخابات بإشراف كل العالم؟
ألا يلاحظ كل من يقرأ البيان بأن التروتسكيين “الماركسيين” المتشددين يلتفون تماما مع الأسرة الحاكمة في السعودية؟
هل بندر بن سلطان تروتسكي؟ ناهيك عن لقاء التروتسكيين مع قطر وتركيا والإمبريالية وتمفصلاتها من اللبرالية المحلية.
لماذا تقفون فقط مع تدمير سوريا؟
هدفكم تدمير سوريا إما بحرب عدوانية مديدة أو بإسقاط النظام لصالح تركيبة شبيهة بالتي في ليبيا وهابية صهيونية تابعة، وهذا الضمان الأهم للكيان الصهيوني.