هل السبق بالإعتراف باسرائيل مدعاة للفخر ؟

محمود فنون

تكريس ذكر الموافقة على قرار التقسيم والإعتراف بإسرائيل قبل عقود طويلة ليس فقط من أجل الماضي، بل خدمة لنهج التفريط والتطبيع والإعتراف بإسرائيل في الوقت الحاضر. مما يوجب النقد بل التصدي لمثل هذا النهج.

قطر تعترف بإسرائيل بدون إعلان، وسبقتها رسميا دول عربية عدة كان اولها مصر السادات وجاء الباقي تباعا، بإعلان وبغير إعلان.

ولكن قصب السبق كان للحزب الشيوعي الفلسطيني سبق الدول والأحزاب. هذه حقيقة تاريخية تجسدت منذ البداية في مواقف كان أبرزها قبول قرار تقسيم فلسطين الذي صدر عام 1947م

نحيطكم علما أن بريطانيا لم تكن تسعى لتطبيق قرار التقسيم عن طريق رضى الدول العربية وكانت كلها لا تزال تحت النفوذ البريطاني باستثناء لبنان وسوريا تحت النفوذ الفرنسي، رغم الإستقلال الشكلي.

ونحيطكم علما أيضا أن بناء الإستيطان الصهيوني في فلسطين قد استغرق أكثر من نصف قرن لو أخذنا المحاولات الجادة في بداية ثمانينات القرن التاسع عشر،وحوالي ثلاثين عاما منذ وعد بلفور و احتلال بريطانيا لفلسطين. إن هذا يعني وبالملموس أن بريطانيا ومعها كل الإمبريالية الغربية الداعمة للصهيونية، ما كانت بقادرة على بناء كل هذا الإستيطان في يومين، فالأمر معقد ويبدأ من إقناع وجلب المهاجرين اليهود والإستيلاء على أراضي واقامة المستوطنات عليها كعمل رتيب وتدريجي وتراكمي وليس دفعة واحدة.

لماذا لم تقم بريطانيا بقسمة فلسطين في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي ومعالجة خطة كهذه في ظل سيطرتها المباشرة هي وفرنسا على المنطقة ؟

الجواب الذي يشكل أساسا لتقييم المواقف كان ولا زال أن بريطانيا ومن معها يعملون وفق وعد بلفور 1917م وهو قرار غربي ووفق صك الإنتداب 1922م  الذي رسم وعد بلفور كقرار دولي في حينه، وينص هذا القرار على “إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين…” أي كل فلسطين كما حددتها بريطانيا وأصبحت حدودها تعرف بالحدود الإنتدابية. وبهذا لم يكن في نية بريطانيا وحلفها تقسيم فلسطين وإقامة دولة عربية فلسطينية للفلسطينيين على جزء منها.بل فقط إقامة دولة لليهود عليها كلها كما نظمت أوروبا مواقفها وسلوكها.

وبعد أن أعلن العرب رفض قرار التقسيم ألغته بريطانيا وذلك لأن كل محاولات التقسيم منذ الثلاثينات كانت تستهدف الوصول الى محطة جديدة  في الواقع وفي الذهنية العربية تستهدف ترسيخ ما تم إنجازه من المشروع الصهيوني قيد البناء في ذلك الوقت. ولا زال المشروع الصهيوني يستكمل بنائه حتى الآن كما يشاهد ويسمع كل من يتابع القضية الفلسطينية.

إن إسرائيل حتى الآن تبني وتتوسع وترفض حتى مجرد اتخاذ قرار بتجميد الإستيطان في أراضي الضفة الغربية.

ولو راجعنا الوثائق البريطانية لتبين لنا أن كل جزئية في أي قرار بريطاني أو دولي يستشف منها أنها تتعارض مع تطور وتوسع المشروع الصهيوني،هي ليست من أجل التطبيق بل هي كلام يستكمل ديكورات القرارات والمواقف. فمثلا جاء في وعد بلفور ”  إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر..”

فكما نلاحظ وردت عبارة “لن يؤتى بعمل من شأنهأن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين..”

وكما نعلم فإن هذه العبارة ليست أكثر من تجميل للنص.ذلك أنه تم انتقاص وانتهاك هذه الحقوق

بل تم انتهاك الوجود المادي لهذه”الطوائف” بما فيها الإستيلاء على أراضي وقتل وتهجير الشعب الفلسطيني خارج وطنه على أيدي الإنجليز والصهيونية معا وتحت مرأى ومسمع متخذي القرارات أنفسهم.

وإذا راجعنا الكتب البيضاء والسوداء فإن ما يخص الفلسطينيين لقي الإهمال.

إن هذا أمر جلي : فهم قد ساهموا في تنظيم الحركة الصهيونية وساعدوها على جلب اليهود الى فلسطين من أجل إقامة وطن قومي لليهود عليها ولم يذكروا أنهم استهدفوا إقامة دولة فلسطينية في كل ذلك الوقت.وكان تهجير الشعب الفلسطيني أمرا يخدم هذه السياسة وفي سياقها.

اليست هذه هي الحقيقة ؟

لقد رفض الشعب الفلسطيني قرار التقسيم وكان يجب ان يرفضه لأنه يعني بكل بساطة أن يوافق الشعب الفلسطيني على التخلي عن جزء من وطنه للغير، هكذا، كمقدمة للتخلي عن الجزء الآخر وذلك ارتباطا بسياسة استعمارية وليس نتاجا لمصلحة داخلية.

وهناك تبعات تفصيلية بعد ذلك تزيد الأمر تعقيدا : فالتطبيق العملي لهذا القرار يعني أن يرحل الفلسطينيون من مدنهم وقراهم طوعا من أجل تخلية الحصة التي من نصيب اليهود. هل شاهدتم شعبا يهاجر من وطنه طوعا  ومن أجل معتدين طارئين ؟هو وطن وهو كذلك ممتلكات ورزق  وحياة إجتماعية ونسيج مجتمعي وبنية اقتصادية.

من هي الجهة التي كانت ستجبر أهالي حيفا مثلا على ترك مدينتهم لمجرد الإلتزام الأخلاقي

بقرار إستعماري، ولأن الحزب الشيوعي وافق عليه،  وبفرض وافق عليه العرب على العموم. هل هناك جواب؟

ربما لا جواب.ولكن السؤال الكثر إلحاحية هو : لماذا وافق الحزب الشيوعي على قرار التقسيم أصلا؟

إن الإشكال لا يتعلق يرفض قرار التقسيم الذي كان يجب ان يرفض،بل هي تتعلق في ذهنية الحزب الشيوعي وقيمه الكفاحية والوطنية.

لو ذهبنا الى قاضي شعوب وسألناه (على غرار قاضي العشائر) هل كان على الشعب الفلسطيني أن يوافق على اقتطاع أكثر من نصف وطنه لعدو غاصب وترحيل السكان القاطنين على هذا الجزء مقابل وعد بأن يكون لهم دولة مؤقتة على الجزء الآخر ما يلبث العدو كي يقفز عليها ويأخذها ؟

ذلك بأن الوعد بإقامة دولة فلسطينية على حصة العرب ما كان ليحظى بالتطبيق وهناك مخطط حقيقي آخر يقضي بتأمين الجزء الباقي عند النظام الأردني الى ان يجري احتلاله لاحقا كما حصل فعلا.وكما أورد قادة الإحتلال فإن خطط إحتلال الضفة الغربية كانت جاهزة منذ عام 1954م وقبل ان تظهر أية دلائل على حال الأمة العربية وما تؤول اليه الأوضاع في ظل وجود الناصرية والمد القومي التحرري لاحقا.