أنيس نقاش: العروبة وحدها عنصرية ويجب شطبها
(الحلقة الثانية)
عادل سمارة
في بعض مما قاله نقاش على فضائية سوريا
أتابع قدر الإمكان بعض البرامج والتحليلات لمثقفين ومحللين عرب مثل حسن حمادة، والشامي وحربة ونقاش ورفيق نصر الله وقنديل…الخ. وليس لدي سوى الاكتفاء بما أسمع وربما أقرأ، بمعنى أنني لا أعرف، كوني في الأرض المحتلة، ارتباطات وانتمائات وعلاقات هذا أو ذاك. وإن كنت سمعت من بعض الأصدقاء/ات عن البعض، لكن هذا لا يدخل هنا.
استمعت لحديث أنيس نقاش على فضائية سوريا قبل ايام، وقرأت نفس الحديث في صحيفة السفير، وإن كان ما كُتب أكثر حذراً مما قيل. إنما يبقى الجوهر نفسه. في الجوهر كما أزعم الكثير من الألغام، أضخمها اللغم الذي وضع لنسف القومية العربية . فرغم وجود أمة عربية فك الرجل القومية العربية عن الأمة العربية لتصبح الأمة الوحيدة التي لا تستحق أن تصل مرتبة الوعي القومي، وإن وصلت فقوميتها عنصرية برأيه!!!، ومتى “سطع” بقراره هذا؟ في لحظة الاشتباك مع الثورة المضادة (وأهم فصائلها: أممية راس المال المركزي والأممية الوهابية وأممية الدين السياسي/الإخوان، والأممية الصهيونية والجناح الصهيوني من الأممية الشيوعية، ناهيك عن الدور المعلن لإخوان تركيا). لم “تحظى” بنعت العنصرية ووجوب الألغاء سوى القومية العربية!
كنت أعتقد بأن أي عربي وطني على الأقل لا بد أن يُدرك بأننا في هذه اللحظة أحوج ما نكون لإعادة الاعتبار للمسألة القومية العربية، على الأقل لأنها تحت القصف وقيد التشوية ولأن انتصار سوريا يجب التقنية له عروبياً لا تخارجاً لا مع الصديقة إيران ولا مع المعتدية (رسمياً) تركيا. ومن هنا لم أجد مبرراً لهذا الهجوم الاستباقي والانتقائي ضد القومية العربية. لم أجد مبررا لا من حيث التوقيت ولا من حيث الأسباب.
سمعت وقرأت لكثير من السوريين حديثا مُرَّاً ضد العرب، وبأنهم يتآمرون على سوريا وبأن الشعب العربي لم ينهض لحماية سوريا. وكل هذا صحيح. ولكنكم أيها السيدات والسادة لم تنهضوا لحماية العراق 1991 و 2003 ولا حتى لحماية ليبيا بالأمس القريب ، ثم كم هم الذين نهضوا لحماية الصومال والبحرين؟ ولم يتدارك كثير من السوريين ما وقعوا ووقعنا فيه، سوى حينما كانت دبابات العدو الأميركي تلتهم البنزين الخليجي للزحف على دمشق. كلنا يحمل الذنب، فلنحمله معاً لا أن نشتبك كي لا نحمل منه شيئاً.
لماذا لا نقول إذن كلمة سواء بأن القناعات، وليس الوجود، القناعات القومية جرى اختراقها قُطريا[1] وطائفيا ومذهبياً وحتى صهيونيا ربما قبل كامب ديفيد. وكل نظام عربي أعاد أية علاقة مع نظام كامب ديفيد كان قًطريا ولا عروبياً وبالطبع كل حزب وكل مثقف. منذ كامب ديفيد جرى ترسيم حقيقي للدولة القُطرية ليس فقط للانطواء على نفسها، وحبذا لو انه كذلك. بل تم تحريك أكثر من قطر عربي في ذيل جيوش الأجنبي لضرب قطر عربي آخر. كانت مأساة العراق ميدان تدريب على فك العلاقة القومية واستسهال التذيل للأجنبي في العدوان على القطريات العربية بعضها ضد البعض الآخر. لذا، ما أن بدأت الأزمة السورية حتى كانت قطريات الخليج جاهزة للعدوان المفتوح بالوكالة عن المركز الإمبريالي ولصالح الصهيونية.
إن فضيحة إعادة احتلال الكويت والمشاركة فيها حتى لو بكتابة سطر أو بجملة شفوية هي طعنة نجلاء. فحيث تم تكريس انفصال جزء من قطر عربي عن القطر الأم، بل وحتى إطلاق النار دعما لهذا الانفصال وتحت شعار دولة تعترف بها الأمم المتحدة، حينها صار من الطبيعي احتلال العراق وجعل العدوان على سوريا “عملا إنسانيا”َ. وهما دولتين اساسيتين في الإقليم لا كيان طارىء مثل الكويت، فماذا فعلت الأمم المتحدة؟ باركت تدمير العراق وتبارك تدمير سوريا ولا يعيق ذلك سوى صمود سوريا وبطولة روسيا والصين. لا يعيقه موقف 400 مليون عربي يأكلون وينجبون بلا حساب! يضاجعون الموائد ومن ثم النساء، وكفى!
لذا، بدل أن يعود المرء لنفسه ويجري حساباته وينقد نفسه ولو بالصمت، والصمت أحياناً أروع ما يُقال، ينطلق بهجوم على من شاركهم الخطأ والخطيئة في عناد أخطر من الخيانة. إن الذهاب باي قطر عربي نحو اية هوية غير عربية هو ذهاب ضمن أجندة مضادة للعرب حتى لو كانت باتجاه جنة الخُلد.
لقد فوجئت بأن يقول نقاش كل هذا على فضائيىة سوريا. أقول هذا من الأرض المحتلة لا راغبا ولا خائفا ولا طامعاً، ولا كارهاً ولا مرتداً، أقول بأن ما وراء هذا ليس مرونة. فمرونته غير معقولة كمرونة من يرتد راسه حتى يدغدغ قفاه لأنها مرونة فقدان العمود الفقري.
كانت المذيعة تخفي ارتباكها، فقد أُخِذت للوهلة الأولى، وهي تتحدث هي والرجل من دمشق! ربما منعها الأدب أو شيئ آخر، أو خجل الحرائر، لا أدري. اما أن ينسف أنيس نقاش القومية العربية اليوم فهذا سؤال أكبر من اللغم وعلينا أن نسحب من اللغم صاعقه.
أي حظ نكِدٍ لهذه الأمة!!! ليس فقط بكثرة أعدائها الخارجيين بل كذلك بكثير من عربها. لم يصبر النقاش حتى ينجلي غبار المذبحة وتشرب الأرض دماء السوريين والسوريات! فإذا به يرمي بقنبلة تقول لسوريا، إذهبي بعيدا عن العروبة. للرجل رأيه، وكما يبدو انتمائه وهواه وإخلاصه، ولكن لماذا اليوم وقبل أن تتأكد الأمور؟ لماذا وسوريا بعد تحارب؟ أم أن الهدف هو تلقيح اللحظة ليكون الوليد غير عربي!!!
القوميات كما الأمم موجودة مع تاريخ الأمم مجسداً في نمط الإنتاج المادي والثقافي والروحي. وليس شرطاً أن تتبلور القومية فقط في عصر راس المال كما تورط الكثير من الماركسيين معتبرين السوق الموحدة والصناعية هي القائم الرئيسي للأمة، او بكلمة أخرى نمط الإنتاج الراسمالي والتشكيلة التي يشيلها على أكتافه. ومنها توصل هؤلاء إلى أن “الأمة العربية أمة في طور التكوين- ستالين”، بينما اعتبر الكيان أمة ودولة مرتكزاً في قومنة الكيان الصهيوني الإشكنازي على كونه نقل مصنع ومختبر بشري تقني مسلح من أحشاء مئة قومية أوروبية وغير أروبية-معظمها بيضاء- إلى فلسطين. ستالين الشيوعي لم يفهم النظام العالمي وخاصة نظرية مركز- محيط، ولم يفهم الاقتصاد السياسي فتورط في سراب أن تتحول مستوطنة راسمالية بيضاء وعنصرية بالضرورة واساس إيديولوجيتها دين سياسي، تورط في اعتبارها قاعدة اشتراكية في ما يسمى الشرق الأوسط. فإذا بها حقل ألغام ينفجر ويتجدد، إنها الانفجارات الدائمة.
لذا، وقفت المدرسة التحريفية السوفييتية بما فيها تمفصلاتها العربية ضد العروبة وتحديدا ضد القومية العربية واعترف كثيرون منهم بالكيان الصهيوني وإلى الآن يصرون على هذا الاعتراف بل يتفاخرون به وما أشبههم بالإخوان المسلمين الذين لا يؤمنون بالوطن ولكنهم يقدسون الملكية الخاصة!!!. كيف تتقاطع الشيوعية المضادة للقومية مع قوى الدين السياسي وتلتقيان ضد الأرض بينما الأرض يستلبها الصهاينة وغير الصهاينة. لطالما ردد الإخوان أن فلسطين وقف إسلامي، لكن رسالة مرسي إلى بيرس تعني أن أهل الكتاب شركاء في وطن المسلمين، بل في جزء من وطن المسلمين، بل وطن العرب!!!. والطريف أن الشيوعيين يغرسون في بناتهم وأولادهم حب الكيان الصهيوني الإشكنازي فيأتي الخلف كما السلف لا ينقصهم سوى الاحتفال بيوم 15 ايار.
وشأنها شأن التحريفية السوفييتيىة، وقفت مدرسة قوى الدين السياسي ضد القومية العربية بل اعتبرتها العدو الأول. ولا زلت أتذكر تلك المؤتمرات البئيسة التي اسميت القومي/ الإسلامي، والتي لم تكن سوى تكويع القوميين لصالح إسلاميي الدين السياسي مما يؤكد أن هؤلاء القوميين ليسوا عروبيين وليسوا على عميق وعي بالأمة العربية بل ليسوا سوى هياكل لامعة الشكل فقيرة المحتوى ولذا تصر على البقاء تحت الأضواء حتى بأقفية عارية. لقد ساعد هؤلاء القوميون والشيوعيون قوى وأنظمة الدين السياسي على تصدر المشهد على حساب القومية العربية والتحرر والعلمانية. خمسة عقود سوداء طمست كل شيء وألبست العقول جلبابا اسود. لذا، لا غرابة قط أن يصطف الشقفة والبيانوني ومحمد مرسي وخالد مشعل وميشيل كيلو وصادق العظم وفواز طرابلسي وفتى الموساد عزمي بشارة والجربا وسيدو وفلتمان ونتنياهو وحكام الخليج وأردوغان…الخ صفا واحدا ضد سوريا، فأيُّ خليط! ثم تأتي هجمة نقاش!!! بعد كل هذا، رغم كل هذا ومع كل هذا!
أما مهندس موقف الشيوعية التحريفية وقوى الدين السياسي فليس سوى المركز الإمبريالي وفي ذيله الصهيونية. فعدوهم الأول والأخير هو القومية العربية. فلا يمكن الفتك بأمة في العصر الحديث دون الفتك بوعيها، والوعي المقاوم تحديداً. لذا، لم تتعرض في الغرب ولا في أوساط الصهيونية ولا في أوساط التروتسكية تحديداً لم تتعرض أمة للإنكار والطمس بقدر وربما سوى القومية العربية!
الغرب هو الذي يحصد، ويمنح بعض الفائض للكيان الصهيوني الإشكنازي. أتى الإستعمار ولم يخرج، وقد خدعتنا كثيراً تنظيرات ما بعد الاستعمار بأن الاستعمار قد خرج.
لفت نظري أنه حتى القوميين الحاليين قد طمسوا عبد الناصر وتجربته تساوقا مع ما قام به يسار التحريفية وقوى الدين السياسي، ولم يتم الحديث عنه اليوم سوى بعد المأزق الليبي ومن ثم السوري!!!وهذا يخلق لدي الشك بأن هذا استخدام وليس إعادة اعتبار واستفادة من التجربة.
لست ممن يُعيدوا قراءة التاريخ سلفياً. ولكنني مع أن يكون الإنسان تاريخياً.
في حين يناقش ويقرأ العالم القومية من باب المسألة القومية اي على اساس نظري معرفي ووعي وجود، فقد تورط كثيرون منا في الموقف من المسألة القومية على اساس تجارب الأنظمة التي رفعت شعار القومية العربية. وهذه حتى حينما كانت لديها نوايا صادقة كانت طبقيا ووعياً مضمخة بالوعي القُطري. لذا قضى العراق وسوريا 18 سنة بقطيعة تقارب الحرب. ولذا، حمت الجامعة العربية الكويت من عراق عبد الكريم قاسم، إلى أن فقدنا العراق نفسها وأطلنا عمر الكويت حتى أخذت تجند وتمول الإرهاب في سوريا[2]!
وللإنصاف، إذا كانت الأنظمة القومية أمنية وديكتاتورية، فماذا عن بقية أنظمة العرب؟ لا يليق المقام هنا بكلام آخر.
المسألة القومية مسألة أممية. كل الأمم تعيش مرحلة القومية بامتدادها، والمرحلة القومية الحقيقية والصلبة اي بناء الدولة القومية المستقلة والمتطورة هي الأرضية الصلبة للانتقال إلى الاشتراكية لأن الاشتراكية هي الإنتاج والوفرة والاكتفاء المادي والارتياح الروحي. حتى ماركس الذي تمت المتاجرة الهائلة بعبارته: “القومية سلاح بيد البرجوازية” هو نفسه في البيان الشيوعي أكد على ضرورة المرحلة القومية الإنتاجية للوصول إلى الاشتراكية. وإلا، فهل ستنتقل الصومال واليمن إلى الإشتراكية؟ ولكن هذا أيضا ما اصاب ستالين بالعمى حينما اعتقد أن الراسمالية الصهيونية سوف تلد كميونة باريس! إن فهم ستالين المغلوط للقومية هو الذي أبهره بالصهيونية المرسملة فهرول في حبها قبل أن يضاجعها المركز الراسمالي فوجدها قد وسقت ممن أتى بها أولاً، فخجل وبكى.
لست ممن يؤولون ماركس، فالقومية في مرحلة وفي تشكيلة اجتماعية إقتصادية هي سلاح بيد الطبقة البرجوازية في البلد وخارجه، نعم هي سلاح بيد الاستعمار ايضاً وبيد الإمبريالية والعولمة كذلك.
أليست العولمة هي التي ولدت من رحمها الموجة القومية الثالثة؟ اي الدول المفككة عن يوغسلافيا وعن الاتحاد السوفييتي وعن العراق (وإن كان صادق جلال العظم ينكر ذلك فلسفيا لا واقعياً)، وعن السودان، ناهيك عن التحضير لسوريا ومصر…الخ. نعم هذه الموجة الثالثة التي تحول العشيرة إلى أمة والإثنية إلى إمبراطورية.
ذات وقت كتبت بأنه طالما في حقبة العولمة يتم إخراج الإثنيات في أُطر قومية، فلماذا لا يقوم فلسطينيو المحتل 1948 بطلب الانفصال عن الكيان الصهيوني مستغلين هذا الزعم الإمبريالي في حق الشعوب في تقرير مصيرها[3]، وهنا يكون قد تم العمل على تفكيك الكيان، اي الجليل مفكوكا عن بقية المحتل 1948 والضفة والقطاع كذلك، اي تفكيك الكيان وصولا إلى إعادة تركيب/تحرير فلسطين وإذا بقومجي منتفخ (في الأردن) يصرخ بأنني مع بقاء الكيان الصهيوني! كيف يا فتى، والله لا أدري.
ليست القومية صناعة كارل ماركس، بل إن تنظير الماركسية في القومية لم يكن عميقاً، وليس هذا عيباً. القومية هي ايضا بروليتارية، هي قومية الطبقات الشعبية. لم يكتبها ماركس، إن شاء الله ما كتب. إن قومية البرجوازية هي القومية الحاكمة وخاصة في الوطن العربي، أما قومية الطبقات الشعبية فهي القومية الكامنة، المقموعة التي:
- هي الأكثرية العربية
- هي العاملة والمنتجة
- هي مادة المقاومة ضد الكيان الصهيوني الإشكنازي والإمبريالية طبعاً
- هي صاحبة المصلحة المادية في التنمية والاستقلال
- وصاحبة المصلحة المادية في الوحدة
- وصاحبة المصلحة المادية في الإشتراكية
بينما البرجوازية وخاصة الكمبرادورية هي ضد وعكس هذا جميعه وتماما.
فماذا يقول نقاش في هذا؟ أم أن الاشتراكية ليست على أجندته؟ طبعا ليست. ولكن، اية اجندة لا تنتهي بالاشتراكية سوف تبقى في نطاق السوق ورأس المال والدين السياسي وسوف تتصالح مع الإمبريالية بل تعانقها لأنهما من الطينة نفسها. لذا، حين يتحدث النقاش ضد القومية العربية مراراً وليس زلّة لسان، وحين يقول بكونفدرالية أو فدرالية سياسية وحسب، فهو يعني فدرالية راسمال تتحكم باقتصادها الراسمالية الإيرانية والتركية، وتكون بلاد الشام سوقها، واي توسيع لهذه (الفدر أو الكونف) سيكون ضم اسواق جديدة، تماما كما فعلت أوروبا الغربية بالشرقية بعد أن قتلت الاتحاد السوفييتي. ربما لو طرح النقاش (فدر أو كونف) على أرضية اشتراكية لكان هناك مجالاً للنقاش. ولا ننسى بالطبع بأن الراسمال التركي هو امتداد او استطالة لرؤوس الأموال الأوروبية الغربية.
لقد تحدث النقاش عن القومية العربية بتقزز واحتقار وتعالٍ. وبصراحة ومعذرة، تحدث بلهجة لم اسمعها سوى من بعض الطورانيين على فضائيات عربية لا يزالون يحتفظون بجوع نهب الأمة العربية باسم الخلافة. لم يشبعوا من لحمنا لأربعة قرون!!! ولم اسمعها سوى من موشيه دايان وامثاله.
فماذا يريد نقاش من هذه العنصرية ضد العرب؟ ومنذ متى اصبحت بلاد الشام امة أو قومية منفصلة ومختلفة؟ قد يقول كما يتورط الزميل الطيب سمير امين بأن العرب لم يكن لهم تاريخا موحدا متواصلاً [4]. لا بأس، ولكن، هل انفصل العرب عن بعضهم أم جرى تحطيم تاريخهم وجغرافيتهم بالقوى الخارجية وحتى اليوم؟
هنا السؤال المنطقي: هل يتفق نقاش معي على الأقل اليوم، بأن الأمة العربية أمة قيد الاستهداف المتواصل” هل جرى ذات يوم استفتاء العرب على الوحدة او الكونفدرالية أو حتى على الكفر!!!!!!!!ا ألم يكن انفصال سوريا عن مصر مؤامرة غربية شاركت فيها البرجوازية المحلية والأنظمة التابعة؟ فما الذي يضير القومية العربية في هذا؟
إن أنيس النقاش في موقفه هذا يقف عنصريا ضد العرب، حتى لو كان عربياً، فهناك عرب صهاينة، ويا قلبي لا تحزن، عنصري ضد العرب و باسم المقاومة وهذا نابض القنبلة!!!
حين سألته المذيعة السورية عن وحدة العراق وسوريا قال: علاقتهما مسمومة؟ جميل، ولكن ما علاقة تركيا بنا؟ هل هي معسولة؟ كيف يمكن للشام الاتحاد/التحالف/التآلف مع تركيا بعد كل ما فعلته تركيا وأقله سرقت حلب؟ أمم أن هذا بعد أن تتغير تركيا التي انتقلت من أتاتورك الذي شطب اللغة العربية، إلى مندريس الذي أقام اعمق العلاقات مع الصهاينة، إلى اردوغان؟ نعم حينما تتغير يكون حديثا ولكن لا تكون تبعية وتكون علاقة بالعرب وليست فقط بالشام. إن نقاش يتصرف كإقطاعي يؤقطع تركيا جزءا من بلاد العرب !!! أليست تركيا طارئة علينا بتاريخها وحتى بجغرافيتها؟ هل تركيا أقرب من مصر؟ على الأقل كانت سوريا ومصر توأمان على مدار التاريخ من تحتمس وحتى السيسي كما يبدو. وحتى خلال الاستعمار التركي كان التبادل الاقتصادي طبيعيا بين مصر وسوريا بينما كان الذي ينهبهما هو الباب العالي باسم الخلافة.
طرح نقاش ينطوي على غفران لما فعله الاستعمار التركي، بل ربما مطالبة بأن نستغفره لأننا رفضناه كأمة وإن كانت قيادة رفض الاستعمار التركي أداة للغرب، فإن استعادة الاستعمار التركي المتخلف لا تختلف عن استعادة الاستعمار الأبيض الغربي الراسمالي.
وإذا كان مقصد نقاش ان الشعوب تتصالح، وهذا صحيح، فلماذا لا يُصر نقاش على أن علاقة سوريا والعراق مسمومة؟؟؟ أليست من فرصة لسوريا والعراق ومن ثم مصر والجزائر، ولكن هناك فرصة للتصالح مع تركيا؟ هذا إذا كان هناك من سوء علاقة بين أبناء الشعب الواحد؟
يمكن للمرء فهم العلاقة الإيرانية العربية اليوم، وخاصة مع سوريا، ويمكن للمرء قراءة ما يجب أن تكون عليه العلاقة التحالفية العربية الإيرانية والتحاور على كل شيىء من الشأن العراقي إلى الشأن الأهوازي…الخ. ولكن تركيا بحكم الموقع هي أبعد ما تكون عن التحالف فما بالك بالاتحاد مع العرب. ومع ذلك، لماذا ليست الوحدة العربية أولا ومن ثم التعاون مع إيران؟ لماذا اقتطاع الشام وتوحيدها مع تركيا وإيران؟
إن نقاش يقوم بقطع الطريق، نعم يتصرف كقاطع طريق على دمشق بعد الانتصار ويضع ألغاما خطرة في وجه المرحلة القادمة. ما نطلبه من سوريا بعد الانتصار ليس الإلتحاق بإيران وتركيا، بل التحالف مع إيران تحالف الأنداد والوقوف الحذر من العدو التركي. والأهم أن تقود سوريا معركة النهوض العربي المجدد وخاصة ضد أنظمة الخليج. النهوض الوحدوي بلا مواربة والنهوض الاشتراكي بلا تردد. وبغير هذا، نعم سوف تُلحق سوريا بتركيا وربما بالكيان الصهيوني. وهنا موضع النضال الطبقي وليس ما يردده التروتسكيون والتحريفيون اليوم عن النضال الطبقي على شكل جهاد النكاح.
من اللغو الزعم أن أنظمة الخليج مرتعبة من سوريا بعد الانتصار إذا ما كانت سوف تُلحق بإيران وتركيا. ومن اللغو الزعم بأن إيران سوف تحتل جزيرة العرب، والأهم من العار على جزيرة العرب أن لا تستطيع حماية مؤخرتها حيث بوسعها فقط تشكيل سور بما تملكه من أوراق مالية ونقود ذهبية لا يمكن لدولة عظمى اختراقه!!!! لكنهم يستأسدون على نساء سوريا!!! فتطورات العالم لم تعد تسمح لأمة بأن تعتدي على أرض امة أخرى ببساطة. وهذا ينسف مزاعم الخلايجة بأن إيران خطر عليهم. فليس هناك ما يؤكد أن إيران تطمح لاحتلال الخليج، ولكن ما يُخيف هو الحفاظ (كما يرى نقاش) على القطريات العربية ومن ثم دخولها صغيرة صاغرة في إطار (كونف) إيراني تركي. ولو تأكدت أنظمة الخليج أن مشروع نقاش سائر نحو التحقق لما واصلت عدوانها على سوريا في وجهيه: العدوان على العروبة وعلى الإسلام.
هذا والأخطر لماذا يقول نقاش: “يجب عدم المس بالكيانات القائمة” ومن أراد الالتحاق (بالفد او الكونفد)،…الخ فليكن ذلك بعد تصويت الشعب على ذلك”؟
يؤشر هذا على تمفصل ديمقراطي/إسلاموي لدى نقاش. فماذا لو تمت رشوة مصوتي قُطر معين كما حصل في مصر مرسي حيث فاز بالزيت والسكر؟؟ ماذا لو تم توزيع اللبن والعسل، أو زجاجات نفط أو سجادات صلاة من السجاد العجمي؟؟؟ فمن اين لنا بعبد الفتاح السيسي الشامي أو سيسي لكل قطر! مصائر الأوطان ووجود الأمم لا تخضع للتصويت حتى ولو ب 99 بالمئة.
إن شعار الحفاظ على الكيانات، وليس الخصوصيات هو شعار تركيز التجزئة العربية بل ودفعها إلى التشظي والتذرير كي يتم إلحاق كل قطر عربي مع فدرالية نقاش فرديا. تماما كما هو الحال اليوم في الإلحاق الاستعماري بالغرب. والفارق هو أن هذه “الفد أو الكونفد ” “إسلامية” بعيدة عن “الإسم العربي”؟ وأخشى أنك تزعم بأنها أمة أو ستزعم ذات وقت. وحينها تكون إيران مثابة المانيا وتركيا فرنسا في الاتحاد الأوروبي، وتكون القطريات العربية مثلا مصر (إن قبلتم بها) أقل من لتوانيا بكثير.!وعلى اية حال، فالاتحاد الأوروبي يتآكل مالياً وقد يتآكل سياسياً.
إن لتجاوز القوميات طريق شريف تاريخي واحد هو الاشتراكية وليس السوق. إن الرواية الكبرى الحقيقية هي الاشتراكية لا الرواية الدموية أي الراسمالية والسوق. وبغير الاشتراكية سوف تستغل أمة أمة أو أمما أخرى. وحتى لو حصل فرز طبقي، بل لا بد أن يحصل، فلن يكون الطريق سوى الاشتراكية.
لذا، فإن انتقائية نقاش، مثار شكوك: لماذا سوريا مع تركيا وإيران، وليست مثلا مع الجزيرة العربية؟ أليس هؤلاء بشراً عرباً؟ لماذا نأخذ الشعب بجريرة التوابع. حبذا لو تسأل المقاومة اللبنانية كم كان من الشباب السعودي والبحيرني هناك عام 1982؟ لست أدري، فلو كان الراحل عبد الرحمن النعيمي (سعيد سيف) على قيد الحياة، ماذا كان سيقول لك!
في حدود معرفتنا فإن سوريا عروبية، وبهذا أنت تمدحها في المقاومة وتضع لها خارطة طريق لا عروبية؟ وفي هذا السياق، لا اريد الاستفاضة، وأترك ذلك للسوريين. وإذا كان هناك صندوقاً مغلقاً فإن فتحه لم يحن بعد.
وبما انني سوري، اي من بلاد الشام، وبما انني سأكون مرغما على مواطنة في الفدرالية الجديدة إذا ما تم توزيع اللبن والعسل على الناخبين أو زجاجات نفط أو سجاد عجمي،، فإنني أتسائل: ما هي طبيعة النظام الاقتصادي الاجتماعي لهذه الفدرالية؟ لن تكون مجتمعاً حربيا بالمطلق Warrier Society، لن تكون تشكيلتها الاجتماعية الاقتصادية تشكيلة مقاومة وحسب، هذا إن وُجد كائنا من هذا القبيل، إلا إذا تم اختراع نمط إنتاج اسمه نمط إنتاج المقاومة؟ إن صح هذا فهو أقرب إلى الموديل الذي كتبت عنه كثيراً اي التنمية بالحماية الشعبية، لكن هذا إشتراكي في جوهره. فهل سيقبل الإخوة حكام إيران الاشتراكية؟ وهل سيقبل الأتراك ذلك؟ أقصد البرجوازيتين هناك ناهيك بالطبع عن تجار الشام وخاصة الفاسدين الذين لم يُخلعوا بعد؟
لا بد أن تكون هناك في (الفد أو الكونفد) حياة اقتصادية، حياة مدنية واقتصاد وإنتاج وثقافة (طبعا مهجنة)…الخ. هل سوف تتبع نظام السوق؟ اقتصاد وثقافة السوق تحتاج بالضرورة إكليروس، أو لنقل مثقفين عضويين لراس المال، هل سيكونوا سنة أو شيعة؟ وماذا عن المسيحيين؟ ومن اية طائفة سيكون الخليفة؟ ومن اية قومية!!! لا يُعيد الدين الطبيعي إلى استقراراه، ولا يقتلع الدين السياسي حقا سوى لحظة المقاومة وحياة الاشتراكية.
وإذا كان لا بد من اختيار الشعوب للفدرالية هذه، كما قال نقاش على التلفاز فليكن السؤال للأكثرية الشعبية عن مصالحها المادية، اين تتجه؟ وبالتأكيد، رغم التجهيل لن تكون باتجاه أي نموذج راسمالي حتى لو بمئزرِ الدين السياسي. فهذا لا بد سيلحقه الصراع على “الخليفة” هل ستحصل تركيا على (خلو رجل او تسليم الخلافة التي اغتصبتها)؟ وبالطبع لا فرصة لسوريا مع أن الخليفة إن لم يكن قرشيا، فيجب أن لا يكون إلا عربياً. لا أعتقد أن التحليل الاستراتيجي قادر على إيجاد تخريجة لهذا.
[1] أنظر عادل سمارة، المصدر السابق.
[2] أنظر سمارة، المصدر السابق وخاصة الرد على تمجيد محمد جابر الأنصاري للدولة القُطرية وقيام مركز دراسات الوحدة العربية بنشر مقالات القطروية في مجلة المستقبل العربي ثم جمعتها في كتاب.
[3] أنظر عادل سمارة، تفكيك الدولة الإشكنازية بالمشروع القومي في مجلة كنعان، العدد 93 تشرين ثاني 1988 ص ص 9-46، وقد نشرت مترجمة في كتاب عادل سمارة
Epidemic of Globalization: Ventures in World Order, Arab nation and Zionism, Palestine Research and Publishing Foundation, CA 2001, p.p. 86-111. Read the full text on the following link:http://kanaanonline.org/books/?p=11
[4] أنظر نص ما كنبه د. سمير أمين وردي عليه في، عادل سمارة، ثورة مضادة، إرهاصات أم ثورة، منشورات دار فضائات، عمان 2012، ص ص 285-290، والطبعة الثانية، منشورات بيسان، رام الله 2013.