اسلاميو فلسطين ويهودية اسرائيل والحرب على هامش التسوية

جمال سواعد

فلسطين المحتلة 1948

الصفقة الروسية الامريكية ، تراجع لغة العدوان ،انكفاء البوارج الامريكية والسعي الخجول من قبل المعارضة السورية الى جنيف 2 ، كل هذا وغيره  يشير الى ان الانتصار السوري على ابشع حرب عرفتها البشرية اصبح امرا واقعا  وتظهير هذا الانتصار سيتم قريبا في حين تدور الان مفاوضات على صفيح ساخن وتحت اطلاق النار ، هكذا يفاوض الجميع :هكذا فاوض الفيتناميون وهكذا فاوض الايرانيون وهكذا تفاوض كل شعوب الارض الحرة ما عدا الفلسطينيين.

الفلسطيني دخل المفاوضات  منذ مدريد  بشرط بسيط اشترطته اسرائيل : ان يحرق كل اوراق القوة التي يمكن صرفها على طاولة المفاوضات ثم يبدأ التفاوض  بأرجل مفتوحة ورايات بيضاء وايد مستسلمة ، لهذا ليس غريبا ان تتنازل قيادة الشعب الفلسطيني عن 78 بالمئة من وطنها لا لتفوز بال22 المتبقية بل لتفاوض عليها !!

اسباب دخول الفلسطينيين الى نفق التسوية كثيرة ومتشعبة بعضها مرتبط بقيادة عرفات التي جاءت على انقاض المشروع القومي وتنامت في عهد البترودولار والدين السياسي والتحالف مع راس المال والبرجوازية الفلسطينية  المتحالفة اصلا مع اسرائيل والغرب  ، وبعضها الاخر مرتبط بالنظام الرسمي العربي الذي اصبح بعد كامب ديفيد يدار من قبل السعودية ومصر السادات.

لا يهم السرد التاريخي حين نتحدث عن حاضر مرير يشي بمستقبل قاتم ودموي ، نعم هذا ما ينتظر الفلسطينيين وهذه المرة ليس فلسطينيو المحتل  67 بل فلسطينيو ال48 .

الاسبوع الماضي ، بثت وسائل الاعلام خبرا يفيد بمقتل شاب من ام الفحم التحق بالإرهابيين في سوريا ، ومع ان رواية مقتل الشاب بحد ذاتها فضيحة الا ان وراء الاكمة ما وراءها فكثيرون اشاروا الى ان الشاب لا زال حيا يرزق والبعض ذهب الى انه معتقل في لبنان من قبل المقاومة الاسلامية ، وبغض النظر عن جميع ما ذكر هنا تبقى العبرة : فلسطينو48 يشاركون في القتال في سوريا ويدعمهم ويفتي لهم  من يدعون حماية الاقصى (في نفس اليوم الذي اعلن فيه مصرع الارهابي من ام الفحم دنس مئات المستوطنين باحات الاقصى دون ان تحرك الحركة الاسلامية ساكنا ) انا لا اقول ان الحركة الاسلامية وحدها هي المسؤولة عن الاقصى لكن وبما انها الحركة الوحيدة التي جعلت حماية الاقصى والدفاع عنه شعارها ودعايتها ووسيلتها للم الاموال   فهي المطالبة قبل غيرها بالتصدي لقطعان المستوطنين الا اذا كان  قد تم نقل المسجد الاقصى الى غوطة دمشق  دون ان نعرف !!

حذرنا مرارا وتكرار ان ثمة بيئة حاضنة داخل فلسطين ال48 للفكر الوهابي وللقاعدة وهذه الحاضنة  توفرها الحركة الاسلامية وترعاها المؤسسة الاسرائيلية ـونقل ارهابيين من سوريا للعلاج في اسرائيل اهو ملمح واحد من ملامح رعاية اسرائيل للتكفيريين ، وانتقال شباب من فلسطين الى سوريا ومن ثم عودتهم وقد اصبحوا مقاتلين ملمح  آخر ،لو دخل فلسطيني  الى مجمع تجاري إسرائيلي وبحوزته سكين لتقطيع البصل فسيتم تفتيشه فورا وربما اعتقاله وسط استنفار امني وشرطي كبير بل ان فلسطينيي 48 الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية يتم اعتقالهم على الشبهة والتنكيل بهم  دون سبب والشباب الذين قتلوا في مطاردات الشرطة اكبر من ان نحصيهم فكيف تسكت إسرائيل عن مقاتلين مدربين ذهبوا الى ساحة القتال في سوريا ثم عادوا الى مدنهم وقراهم العربية ؟!! لو لم تكن نأمن جانبهم لاعتقلتهم فورا .

مثل هذا السؤال يعيدنا الى بداية المقال حيث الحدث عن المفاوضات مع محور المقاومة الذي يفاوض وهو يرد على الرصاص بالرصاص وعلى النار بالنار وعلى الدم بالدم في حين يفاوض الفلسطينيون اسرائيل وهم يردون على الاستيطان بالاستنكار وعلى التوغلات بالادانة وعلى الاعتقالات والقتل وابادة المزروعات ومحاصرة القرى بالمزيد من المفاوضات ،

وسط هذا الوضع المتراخي في فلسطين 67 ووسط رعاية البيئة الحاضنة في ال48 للفكر الوهابي الدموي ستبحث اسرائيل عن خلاصها الديموغرافي والامني خاصة بعد فشل الربيع العربي في سوريا ، ستلجأ خلال المفاوضات مع سلطة اوسلو الى ضم مناطق الضفة الضرورية لأمنها العسكري ولأمنها المائي وتقوم بنقل السيادة على السكان  الى سلطة اوسلو تحت عنوان تبادل الاراضي ، اما ما تبقى من فلسطينيين في الجليل فستقوم بترحيلهم وهذا هو السيناريو المركب للمجزرة القادمة : ستحاول اسرائيل من خلال الاسلاميين احداث فتنة طائفية بين المسلمين والدروز او بين المسلمين والمسيحيين فقبل فترة قام احد المتشددين بتكفير الدروز واصدر بحقهم فتوى بهذا الخصوص ولولا تدخل العقلاء لاشتعل حريق طائفي في فلسطين اتى على الاخضر قبل اليابس ، بموازاة الفتنة ستلجأ اسرائيل واجهزتها الامنية الى اطلاق يد التكفيريين في القرى والمدن ذات الكثافة السكانية العالية ليستهدفوا المسيحيين والعلمانيين والشيوعيين وعامة الناس (الاسبوع الماضي فقط وزع بيان يدعو الى محاربة العلمانيين ودروز الجولان والحركة الاسيرة  بتهمة ممالئة نظام بشار ، قد يكون البيان مزورا لكن لا شيء يمنع ان يكون حقيقيا ) بعدها تأتي اسرائيل بحجة محاربة الارهابيين وتقتحم المدن والقرى وتعمل فيها الذبح والقتل والابعاد فتقتل من تقتل وتشرد من تشرد بحجة محاربة الارهاب وسيجد التكفيريون خطابا سياسيا ملائما للمذبحة : إسرائيل تفعل ما يفعله نظام بشار ضد المسلمين ، كما ان السياق الاقليمي سيجعل اسرائيل في حل من الحرج عربيا على الاقل ، لان ما سيقوم به جيشها لن يتعدي كونه ولو شكليا اعادة للسيناريو السوري  مع فارق في الاهداف والاستراتيجيا.

تعرف اسرائيل ان ليس حزب الله من يواجهها بل خلفه سوريا وايران ومحور المقاومة ، وتعرف ايضا ان خلف هذا المحور تقف منظمة شنغهاي ودول البريكس وتعرف ان اللعب في سوريا اكبر من احتياجاتها الامنية وتعرف ايضا ان سوريا خرجت منتصره والانتصار سيُترجم قريبا  لذلك فهي تسابق الزمن قبل هدوء الاوضاع في الشام  للحصول على انجازات قبل ان تذهب ضحية الصفقة وهي تحاول ذلك تارة في محاولة اقامة منطقة عازلة في الجولان وتارة في محاولة احداث اختراق في المفاوضات مع زمرة اوسلو وتارة في محاولة اشعال الداخل الفلسطيني وجره الى معارك ليست معاركه والهدف  تهجير اكبر كم ممكن من الفلسطينيين بهدف تحقيق  يهودية الدولة .

لا ادعي اني نوستراداموس ولا احب انتحال شخصية زرقاء اليمامة التي حين خف بصرها سألها قومها هل ثمة عدو يقترب ؟!! نظرت فرات الاعداء يغطون اجسادهم بأغصان الشجر ويتقدمون فقالت : ارى شجرا يقترب ، فضحك القوم وواصلوا ضحكاتهم الا ان اجهزت عليهم سيوف الاعداء.

تخاف اسرائيل من ان اية صفقة قد تتم في المنطقة ستكون على حساب امنها وستلجا الى ان تدفع الفلسطينيين ثمن التسوية ، ويبدو ان جميع الفلسطينيين مستعدون للدفع ، سيموت الفلسطينيون ايضا هذه المرة ومجانا كما في كل مرة لكن الموت القادم سيكون مختلفا : سنموت لحساب اسرائيل وعلى هامش التسوية الاقليمية ودرءا لهواجس اسرائيل وامنها ويهودية دولتها.