عبداللطيف مهنا
تقتيل، مداهمات واقتحامات، اعتقالات، امتهانات وعذابات على الحواجز، نسف بيوت، أو اجبار اهلها على هدمها بأنفسهم، تضييق واخلاء قسري وتهجير، وصل حد هدم قرية بأكملها في الغور وتشريد أهلها، بالتوازي مع حرب تهويد شاملة جارية على قدم وساق، كلها أمور في حكم اليومي الذي تعيشه الضفة الغربية المحتلة. في احصاءاتهم هم نفذ المعتدون الصهاينة في السبعة اشهر الأولى من العام الجاري فحسب 3565 اقتحاماً، بيد أن هكذا فعائل صهيونية تظل برسم التصعيد المسعور والأكثر انتقامية إثر أية عملية مقاومة للإحتلال قد يتسنى للمقاومين شنها ضمن واقع من ظروف نضالية صعبة ومعقدة في ظل موانع التنسيق الأمني مع المحتلين الذي تواليه سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الإحتلال، والذي به يتشارك الجانبان عملياً في مطاردة وملاحقة المقاومين، ومحاولة احباط عمليات المقاومة ما استطاعا.
في الآونة الأخيرة تمكن مقاوم من استدراج طيار صهيوني الى طول كرم وقتله، واردى آخر جنديا صهيونيا وجرح ثان في جوار الحرم الإبراهيمي بقلب الخليل، وهكذا شهدت المدينتين، والخليل منهما بالذات، معهود السعار الإنتقامي المفرط الذي اشرنا اليه بدايةً. واجهت المدينة اغلاقاً وحملة تنكيل واعتقالات واسعة بلغت مداها، استخدمت فيها حتى الكلاب البوليسية، واعتمد خلالها متعمد التخريب والعبث بالمنازل، ولم تسلم حتى النسوة الحوامل، ومنهن من نقلن إلى المشافي اثر تفتيش منازلهن، باختصار، واجهت الخليل نوبة من هيستيريا صهيونية انتقامية حاقدة، وعقاب جماعي همجي، بحجة البحث عن المقاوم القنَّاص الذي اردى الجندي وجرح الآخر.
إثر العمليتين الفدائيتين، دعا سبعة من وزراء حكومة الكيان الصهيوني إلى وقف المفاوضات الجارية مع السلطة، وحملوا عليها لأنها لم تسارع إلى ادانة مقتل الجنديين الصهيونيين، وطالبوا بوقف مواصلة اطلاق صراح الأسرى ال 104، المتفق عليه مع كيري، أو المقرر أن تجري على اربع دفعات تمت اولاها، إذا ماسارت هذه المفاوضات على الرتم المنشود صهيونياً. أما رئيس الوزراء نتنياهو، فكتب على صفحته في الفيسبوك، إن من يحاول قلعنا من مدينة الآباء فإنه يحقق عكس ذلك، سنحارب الإرهاب وباليد الثانية سنعمل على تقوية الاستيطان في المدينة”، واعطى الضوء الأخضر ل”المستوطنين” بالاستيلاء على بيت فلسطيني في قلب المدينة المنكل بها.
إن كل ما تقدم لا يخرج عن ديدن الاحتلال وينسجم مع طبيعته العدوانية الاستعمارية الاستيطانية، وهو يجري وفق ذات الاستراتيجية الصهيونية إياها المعتمدة منذ بدء المشروع الصهيوني والمطبَّقة على امتداد الصراع في فلسطين، والهادفة الي تهويد كامل فلسطين والتخلص من كامل اهلها، لكن وبالمقابل فإن المفارقة تكمن في منطق وحال الأوسلويين الفلسطينيين، مدمني المفاوضات حتى تصفية القضية، واعتمادهم اياها نهجاً وخياراً لامن سواه، واللذين هم رغم كل مايجري للأرض والإنسان في الضفة وغزة وسائر فلسطين المحتلة يواصلون مسلسل مفاوضاتهم العبثية والمكتومة مع المحتلين، هذه التي عقد منها حتى الآن ثمان جلسات ولم يُتفق خلالها بعد على جدول اعمال التفاوض الدائر ! والطريف أنه على اثر العمليتين الفدائيتين في طول كرم والخليل اتهم الصهاينة السلطة الأوسلوية التي تنسق معهم امنياً، وتتهم منظمة العفو الدولية اجهزتها الأمنية باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين ضد الاحتلال، ب”اظهار عجز تام في محاربة الارهاب”، رغم أن ضباطا في “الشاباك” الصهيوني “يغدقون الثناء” على دور التنسيق الأمني مع اجهزتها في حماية أمن الاحتلال، وفي تعليقها على العمليتين الفدائيتين تتحدث المصادر الصهيونية عن “تنسيق أمني وطيد، وحرية عملياتية (للمحتلين) في الدخول إلى مناطق الضفة، تتضمن عمليات اعتقال تجري كل ليلة”، والآن، ووفق هذا التنسيق، الذي هو من الإلتزامات الأوسلوية المتبعة، فإن على اجزة سلطة اوسلو ليس مساعدة المحتلين في القبض على فدائي الخليل فحسب، وإنما كان عليها الحؤول دون ماجرى في كل من طول كرم والخليل ومنعه قبل حدوثه، وهنا تكتمل المفارقة الأوسلوية وتصل مداها الموغل في اللامعقول التسووي المشين.
لقد بلغت الحال في الداخل الفلسطيني مدى لايطاق، والغضب الشعبي على شفير الإنفجار. حتى الصهاينة يتحدثون عن ذلك ويتحوطون له. القدس واكنافها هوِّدت والأقصى قيد التقسيم وبناء الهيكل المزعوم مكانه قاب قوسين أو ادنى، والنقب المحتل مائر لايهدأ، وغزة يوالي صمودها مواجهة حصار مزدوجً صهيونيً وعربيً قاتلً ومتوحشً وتبدع في ابتكار سبل مواصلة التحدي والحياة، وتلوح في الضفة مظاهر تشي باقتراب مثل هذا الانفجار… “إئتلاف شباب الانتفاضة”، “حملة قاوم”… هل نحن ازاء بوادر لانتفاضة ثالثة ؟
الضفة منهكة ومنكوبة بابشع صنوف الاحتلال ومبتلاة بالتنسيق الأمني الأوسلوي معه، وبالتالي فظروفها النضالية بالغة الصعوبة هائلة التعقيد، لكنما الشعب العربي الفلسطيني يظل شعب المقاومة ومن عاداته النضالية صناعة المفاجئات…